القدير
كلمة (القدير) في اللغة صيغة مبالغة من القدرة، أو من التقدير،...
العربية
المؤلف | حسام بن عبد العزيز الجبرين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان |
إخوة الإيمان، مما يزيد الإيمان في قلوب العباد تأمل آيات الله في مخلوقاته، وتأمل آياته التي أنزلها في كتابه، فتعالوا نتأمل معاً بعضاً من آيات الله -جل وعلا- في كتابه، والتي تحدثت عن آية من آيات الله، امتن بها -سبحانه- على عباده، وأشاد بها في كتابه، عايشناها الأيام القريبة، يفرح بها الرجال والنساء، الصغار والكبار، بل وجميع الخلق، إنها نعمة الغيث، وصدق الله: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)..
الخطبة الأولى:
أما بعد: إخوة الإيمان، مما يزيد الإيمان في قلوب العباد تأمل آيات الله في مخلوقاته، وتأمل آياته التي أنزلها في كتابه، فتعالوا نتأمل معاً بعضاً من آيات الله -جل وعلا- في كتابه، والتي تحدثت عن آية من آيات الله، امتن بها -سبحانه- على عباده، وأشاد بها في كتابه، عايشناها الأيام القريبة، يفرح بها الرجال والنساء، الصغار والكبار، بل وجميع الخلق، إنها نعمة الغيث، وصدق الله: (فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الروم:48].
لقد استمتع الناس برؤية مناظر الشعاب، وسماع هدير الأودية، فكم سَعدت نفوس! وكم ابتهجت قلوب! وكم قرت من عيون! فلله الحمد أولا وآخرا.
أخي المبارك: لعلك تتذكر الآن جريان الوديان، وكيف لونها، وجمالها، ولعلك تتذكر معي الآن ذلك الزبد، وما حمل الماء من غثاء، ثم تعال وارع سمعك لهذا المثَل الذي ضربه الله لنا، قال -سبحانه-: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد:17].
شبّه -تعالى- الهدى الذي أنزله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- لحياة القلوب، بالسيل، وشبّه ما في الهدى من النفع العام الكثير بما في المطر من النفع العام الكثير، وشبه القلوب الحاملة للهدى والحق وتفاوتها، بالأودية التي تسيل فيها السيول، فواد كبير يسع ماء كثيرا، كقلب كبير يسع علما كثيرا، وواد صغير يأخذ ماء قليلا كقلب يسع علما قليلا، وهكذا.
فهذا المثل ضربه الله للحق والباطل: فالباطل كغثاء الماء يتلاشى، والحق كالماء الصافي, الذي يبقي في الأرض وينفع الناس.
ومن أراد زيادة في شرح هذا المثل أو من أمثال القرآن فليراجع تفسير السعدي -رحمه الله- فإنه نافع جدا في شرح أمثال القرآن خصوصا.
وهكذا يتخذ القرآن الأحداث الكونية دليلاً أيضاً على حقائق شرعية، ويضرب بها الأمثال؛ ليعقل من يعقل فينجو ويسعد. وفهم أمثال القرآن مهم للمسلم، قال -سبحانه- (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت:43].
إخوة الإسلام: ومن الآيات التي جاءت في شأن المطر قول الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ) [النور:43].
قال السعدي -رحمه الله-: أي: ألم تشاهد ببصرك، عظيم قدرة الله، وكيف (يُزْجِي) أي: يسوق (سَحَابًا) قطعا متفرقة، (ثُمَّ يُؤَلِّفُ) بين تلك القطع، فيجعله سحابا متراكما، مثل الجبال، (فَتَرَى الْوَدْقَ)، أي: الوابل والمطر، يخرج من خلال السحاب، نقطا متفرقة، ليحصل بها الانتفاع من دون ضرر، فتمتلئ بذلك الغدران، وتتدفق الخلجان، وتسيل الأودية، وتنبت الأرض من كل زوج كريم، وتارة ينزل الله من ذلك السحاب بردا يتلف ما يصيبه، (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ)، بحسب ما اقتضاه حكمه القدري، وحكمته التي يحمد عليها. اهـ.
معاشر الكرام: إن مما يدل على عظم نعمة الغيث تلك الأوصاف التي ذكرها الله -تعالى- في كتابه، فأحيانًا يصف الماء بالبركة، قال الله: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق:9]، وأحيانًا يصفه بالطهر، قال -سبحانه-: (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان:48]، وتارة يصفه بأنه رحمة، قال -عز شأنه-: (فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الروم:50]، وأحيانًا يصفه بأنه سبب الحياة، والرزق، قال -تعالى-: (وَاللَّهُ أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) [النحل:65]، وقال -سبحانه-: (وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) [الجاثية:5].
قال ابن القيم -رحمه الله-: فتأمل: كيف يسوقه -سبحانه- رزقًا للعباد والدواب والطير والذر والنمل، يسوقه رزقًا للحيوان الفلاني في الأرض الفلانية بجانب الجبل الفلاني، فيصل إليه على شدة الحاجة والعطش. اهـ. فتبارك الله أحسن الخالقين، ورب العالمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، وبما صرف فيهما من الآيات والحكمة، واستغفروا الله؛ إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فمن الآيات والعبر في نزول المطر أنه دليل واضح على قدرته -سبحانه- على إحياء الموتى وإثبات البعث والنشور، فالذي يحيي الأرض بعد موتها بالمطر قادر على إحياء الموتى بعد مفارقتهم للحياة، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فصلت:39]، وقال -عز شأنه-: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ) [فاطر:9].
أيها المصلون: إن هذا الغيث الذي أنزله الله علينا لمن فضل الله ورحمته، فكلُنا يعلمُ أن بلادنا ليس بها أنهار، وأنها تعتمد بعد الله في بعض شؤونها على مياه الآبار التي تغذيها الأمطار، فعلينا أن نقوم بشكره -سبحانه- على نعمته، وأن نستعين بها على طاعته، فإن من قام بشكر الله زاده الله، ومن كفر بنعمة الله حرمه: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
إخوة الإيمان:كان رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى المطر قال: "اللهم صيبًا نافعًا" رواه البخاري... وفي رواية لأبي داود: "اللهم صيبًا هنيئًا" صححه الألباني. وثبت عنه أيضًا أنه قال: "مطرنا بفضل الله ورحمته" رواه البخاري.
كما أنه كشف -عليه الصلاة والسلام- عن بعض بدنه ليصيبه المطر، كما في صحيح مسلم، وقال: "إنه حديث عهد بربه".
ومما ورد الدعاء وقت نزول المطر الحديث: " ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء، وتحت المطر" أخرجه أبو داود والحاكم وحسنه الألباني.
وكم هو جميل الحفاظ على نظافة المنتزهات والطبيعة، والبعد عن ما يشوهها ويعكر صفو جمالها، وهذا أمر مطلوب شرعا وعرفا.