الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
وصُلحاءُ هذِه الأمّة هم المتّصِفون بالنّصيحة لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، قال أبو بكر المزنيّ رضي الله عنه: "ما فاقَ أبو بكر رضي الله عنه أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومٍ ولا بصلاةٍ، ولكن بشيءٍ كان في قلبِه"، قال: "الذي كانَ في قلبِه الحبّ لله عزّ وجلّ والنصيحةُ في خلقه"، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرَك عندنا مَن أدرَك بكثرةِ الصّلاة والصّيام، وإنّما أدرَك عندَنا بسخاوةِ الأنفُس وسلامةِ الصّدور والنّصح للأمّة"، وسئل ابنُ المبارك رحمه الله: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "النّصح لله"، وقال معمَر: كانَ يقال: "أنصحُ النّاس لك من خافَ الله فيك"، وقال بعضُ السلف: "من وعَظ أخاه فيما بينَه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعَظه على رؤوسِ النّاس فإنّما وبّخه".
أمّا بعد: فاتّقوا اللهَ واخشَوه، ومَن يَخْش اللّهَ وَيَتَّقه فأولئك همُ الْفائِزون.
أيّها المسلمون، إنَّ خيرَ ما وُعِظت بهِ القلوبُ وهُذِّبت به النّفوس آياتٌ مِن كتاب الله تعالى أو أحاديثُ من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الأُمّيّينَ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَـابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ) [الجمعة:2].
فألقوا الأسماعَ، وافتَحوا القلوب، وتفكّروا بالعقول في كلماتٍ معدوداتٍ لسيّد البشَر محمّد صلى الله عليه وسلم، جمَعت الدّينَ الإسلاميّ كلَّه، واستوعَبت مصالحَ الدّين والدّنيا، فما مِن خيرٍ إلاّ تضمّنته هذه الكلماتُ، ولا شرٍّ إلا حذّرت مِنه؛ لأنّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم أُوتيَ جوامعَ الكلِم واختُصِر له الكلامُ اختصارًا، فألفاظُه القليلةُ جمعت المعانيَ النّافعة العظيمةَ الكثيرة، وقد تكون الكلمة الواحدةُ متضمِّنةً الإسلامَ بتعاليمِه كلِّها، كقولِه صلى الله عليه وسلم: ((الإحسانُ أن تعبدَ اللهَ كأنّك تراه)) رواه مسلم من حديث عمر رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((البرّ ما اطمَأنّت إليه النّفسُ واطمأنّ إليه القَلب، والإثمُ ما حاكَ في النّفس وتردّد في الصّدر وكرِهتَ أن يطّلعَ عليه النّاس وإن أفتاك النّاس)) رواه أحمد وروى مسلم بعضه.
ومِن جوامِع كلِمِه النّافِعة المبارَكة قولُه صلى الله عليه وسلم: ((الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة، الدّين النّصيحة))، قلنا: لمن يا رَسول الله؟ قال: ((لله ولكتابِه ولرسولِه ولأئمّةِ المسلمين وعامَّتِهم)) رواه مسلم من حديث تميم الداريّ رضي الله عنه.
وهذا الكلامُ فيه حصرٌ وقَصر، بمعنى أنّ الدّين محصور ومقصورٌ في النّصيحة، فمنِ اتّصف بالنّصيحة فقد أحرَز الدينَ كلَّه، ومن حُرِم النصيحةَ فقد فاتَه من الدّين بقدر ما حُرم من النصيحة.
وتفسيرُ النّصيحة هي القيامُ بحقوق المنصوح له مَع المحبّة الصادقةِ للمنصوح له، والحقوقُ تكونُ بالأقوال والأعمال وإراداتِ القلب، قال الأصمعي: "النّاصحُ الخالِص من الغِلّ، وكلّ شيء خلُص فقد نصح"، وقال الخطابيّ: "وأصلُ النّصح في اللّغة الخلوص، يقال: نصحتُ العسلَ إذا خلّصته من الشّمع".
والنّصحُ مِن صفاتِ الأنبيَاء والمرسَلين والمؤمنِين، والغشُّ والخِداع والمَكر وفسادُ النوايا من صفات الكفّار والمنافقين، قال الله تعالى عن نوحٍ عليه الصلاة والسلام: (أُبَلّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبّى وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:62] وهو أنّه أرادَ بأمّته الخيرَ ونصح لهم، وقال تعالى عن هودٍ عليه الصلاة والسلام: (أُبَلّغُكُمْ رِسَـالـاتِ رَبّى وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف:68] وقال عن صالح عليه السلام: (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبّى وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّـاصِحِينَ) [الأعراف:79] وقال عن شعيب عليه السلام: (َيا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف:93]
وقال تعالى: (لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة:91] وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم على إقامِ الصّلاة وإيتاءِ الزّكاة والنّصحِ لكلِّ مسلم. رواه البخاريّ ومسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((حقُّ المسلم على المسلم ستّ: إذا لقيتَه فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجِبه، وإذا استنصَحَك فانصَح له، وإذا عَطس فحمِدَ الله فشمِّته، وإذا مرِض فعُده، وإذا ماتَ فاتبَعه)) رواه مسلم.
وعن جبير بن مطعم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ لا يَغلّ عليهن قلبُ امرئ مسلم: إخلاصُ العملِ لله، ومناصحةُ ولاةِ الأمر، ولزوم جماعة المسلمين)) رواه أحمد وابن حبان. ومعنى الحديث أنّ هذِه الخلالَ الثلاث تصلِح القلوبَ وتطهّرها مِن الخيانة والغِلّ والخبائث.
وصُلحاءُ هذِه الأمّة هم المتّصِفون بالنّصيحة لله ولكتابِه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم، قال أبو بكر المزنيّ رضي الله عنه: "ما فاقَ أبو بكر رضي الله عنه أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بصومٍ ولا بصلاةٍ، ولكن بشيءٍ كان في قلبِه"، قال: "الذي كانَ في قلبِه الحبّ لله عزّ وجلّ والنصيحةُ في خلقه"، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "ما أدرَك عندنا مَن أدرَك بكثرةِ الصّلاة والصّيام، وإنّما أدرَك عندَنا بسخاوةِ الأنفُس وسلامةِ الصّدور والنّصح للأمّة"، وسئل ابنُ المبارك رحمه الله: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: "النّصح لله"، وقال معمَر: كانَ يقال: "أنصحُ النّاس لك من خافَ الله فيك"، وقال بعضُ السلف: "من وعَظ أخاه فيما بينَه وبينَه فهي نصيحة، ومن وعَظه على رؤوسِ النّاس فإنّما وبّخه".
ومعنى النّصيحةِ لله تعالى هِي عبادتُه وحدَه لا شريكَ له بإخلاصٍ ومتابعةٍ للهدي النبويّ مع كمالِ الذلّ والخضوع والمحبّة لله عزّ وجلّ، وعدمُ الإشراك به في الدّعاء أو الذّبح أو النّذر أو الاستعانَة أو الاستعاذَة أو الاستغاثَة أو التّوكّل أو الرّجاء أو الرّغبَة أو الرّهبَة أو أيّ نوعٍ من أنواع العبادة لقوله تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا) [النساء:36] وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن: 18]، وقال عز وجل: (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يبَنِى ءادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَـانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِى هَـاذَا صِراطٌ مُّسْتَقِيمٌ) [يس:60-61].
والنّصيحةُ للهِ تعالى أيضًا هِي الإيمانُ بصفاتِه جلّ وعلا التي وصَف بها نفسَه أو وصفَه بها رسولُه صلى الله عليه وسلم، وإثباتُها كلِّها لله تعالى إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهُه عزّ وجلّ عمّا لا يليقُ به تنزيهًا بلا تعطيل للصّفات، واعتقادُ توحُّده وتفرُّده سبحانَه بالخَلق والتّدبير وتصريفِ الكونِ في الدّنيا والآخرة، لقوله تعالى: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَـالَمِينَ) [الأعراف:54]
والتقرّبُ إليه بكلِّ فريضةٍ ونافلة، ومجانبةُ محرَّماتِه، فمَن قام بهذه الحقوقِ لربّه فقد نصح لخالقه، وفي مراسيل الحسن البصريّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أرأيتُم لو كانَ لأحدِكم عبدان فكان أحدُهما يطيعُه إذا أمرَه، ويؤدّي إليه إذا ائتمَنَه، وينصَح له إذا غابَ عنه، وكانَ الآخر يعصيه إذا أمَرَه، ويخونُه إذا ائتمَنَه، ويغشّه إذا غابَ عنه، أيكونان سواء؟)) قالوا: لا، قال: ((فكذلكم أنتم عندَ الله عزّ وجلّ)) خرّجه ابن أبي الدنيا، وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله تعالى: أحبُّ ما تعبَّدني به عَبدي النّصحُ لي)) رواه أحمد.
ومِن النّصح لله تعالى أيضًا محبّة ما يحبّ الله تعالى من الأقوال والأفعال، وبغضُ ما يبغضه الله تعالى.
قال بعضُ أهلِ العلم: "جماعُ تفسير النّصيحة هو عنايَة القلبِ للمنصوح له مَن كان، وهي على وجهين: أحدُهما فرضٌ، والآخر نافلة. فالنّصيحة المفترَضة لله تعالى هي شدَّة العنايةِ من النّاصح باتّباع محبّةِ الله في أداءِ ما افترَض ومجانبةِ ما حرّم. وأمّا النّصيحة التي هي نافلة فهي إيثار محبَّتِه على محبّة نفسِه، وذلك أن يَعرِضَ أمران: أحدُهما لنفسِه والآخر لربّه، فيبدأ بما كان لربِّه ويؤخِّر ما كانَ لنفسِه".
وأمّا معنَى النّصيحةِ لكتاب الله تعالى فشدّةُ حُبِّه وتعظيمُه وشدّة الرّغبة في فهمِه والعناية بتدبُّره والاهتمام بحفظِه بقدرِ الاستطاعة وبقدر ما يوفِّق الله تعالى ويعين ومداومة تلاوته والتخلُّق بآدابه وأوامره والبعدُ عن نواهيه والتّحاكمُ إليه ودعوة النّاس إلى العنايةِ به تعلُّمًا وتعليمًا وعملاً، قال الله تعالى: (إِنَّ هَـاذَا الْقُرْءانَ يِهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء:9].
وأمّا النّصيحة لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم فطاعةُ أمره واجتناب نهيِِه وتصديقُ أخباره وعبادةُ الله بشرعِه ونُصرة سنّته، والعناية بهديه تعلُّما وتعليمًا، وبُغضُ من يكرَه سنّتَه، والاقتداء به ظاهرًا وباطنًا، ومحبتُه أكثر من النّفس والمال والأهلِ والولد، قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمنُ أحدُكم حتّى أكونَ أحبَّ إليه من نفسِه وأهلِه وماله وولدِه والناس أجمعين))، والردُّ من العلماء على الأهواءِ المضلّة بالكتابِ والسنّة والذبُّ عن سنّته صلى الله عليه وسلم.
ومعنى النّصيحةِ لأئمّة المسلمين الدعاءُ لهم بالصّلاحِ وحبُّ صلاحِهم وحبُّ عدلِهم ورشدِهم وحبُّ اجتماعِ الكلمة عليهم ومحبةُ نشرِ حسناتهم وبُغضُ ذكرِ مثالبِهم وطاعتُهم في طاعةِ الله ومحبةُ إعزازِهم وعدمُ الخروجِ عليهم بقولٍ أو فعل وبُغضُ مَن يَرى الخروجَ عليهم ومناصحتُهم فيما يعودُ على الأمّة بالخير في دينِهم ودنياهم بالرّفق والحكمةِ والإخلاصِ لله تعالى وعدمُ الدّعاء عليهم والقيامُ بما يُسندون إلى الأمّة من الأعمالِ على الوَجه الذي يُرضي الله ويخدمُ مصلحةَ المسلمين.
وأمّا معنى النّصيحة لعامّة المسلمين فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسِه ويكرَهَ لهم ما يكرهُ لنفسه ويرحمَ الصغير منهم ويوقّرَ الكبيرَ وأن يعاونهم على الحقّ ويعلّمهم ما ينفعهم ويذكِّرهم وينشرَ الأمرَ بالمعروف بينهم والنهيَ عن المنكر بقدر ما تتحقّق به مصلحةُ المجتمع في حدود الشرع الحَنيف قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدُكم حتّى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه))، ويدفعَ عنهم الأذَى والمكروهَ ويدفعَ عن العامّة فسادَ المفسدين وشرورَ المارقين المجرمين، كالخوارج والبغاة وقطّاع الطّرق ومروِّجي المخدِّرات والمعتدين على حدود الله، لحماية دين النّاس ودنياهم، قال الله تعالى: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْء وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:24، 25].
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعنا وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهديِ سيّدِ المرسلين وبقولِه القويم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرّحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربّ العالمين، القويّ المَتين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الملك الحقّ المبين، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيِّدنا محمّدًا عبدُه ورسوله الصادِق الوعد الأمين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولك محمّد، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين.
أمّا بعد: فاتّقوا الله أيّها المسلمون، واخشَوا يَومًا تُرجعُون فيهِ إِلى اللَّه ثمَّ توَفَّى كلُّ نفسٍ ما كسَبت وهم لا يُظلمون.
وتمسَّكوا بوصيّة سيٍِّد البشر صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لمّا قال له: ((اتَّقِ اللهَ حيثما كنتَ، وأتبِع السيئةَ الحسنةَ تمحُها، وخالقِ النّاسَ بخلقٍ حسن)).
فإنّ لكلّ حسنةٍ ثوابًا، ولكلّ سيّئةٍ عقابًا، فربّكم قائمٌ على كلّ نفسٍ بما كسبت، يُحصي على الخلقِ أعمالَهم، ثمّ يدينُهم عليها، ويقول في الحديثِ القدسيّ: ((يا عبادِي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوَفِّيكم إيّاها، فمَن وجدَ خيرًا فليحمدِ الله، ومن وجَد غيرَ ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه)).
وكلّ إنسانٍ يلقى كتابَه، الذي عمله في الدّنيا كتبَه الله عليه في الدّنيا ويلقاه يومَ القيامَة، فآخذٌ كتابَه بيمينِه، وآخذٌ كتابَه بشمالِه، قال عزّ وجلّ: (وَكُلَّ إِنْسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَـئِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ كِتَابًا يَلْقَـاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كَتَـابَكَ كَفَىا بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:13، 14]، فأعِدُّوا لهذا اليَوم، وقدِّموا لأنفسِكم أفضلَ ما تقدِرون عليه من العمَل فإنّ هذه الدار دار عمل، الآخرة دار جزاء وليس فيها عمل، قدِّموا لأنفسكم، واعلموا بأنكم ستعرضون على الله عزّ وجلّ، باديةً صفحاتُكم لا تخفى عليه أعمالكم.
عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
فصلّوا وسلِّموا على سيّد الأوّلين والآخرين وإمام المرسلين.
اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم، إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد، كما بارَكت على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيم، إنّك حميد مجيدٌ، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
اللهمَّ وارضَ عن الصحابة أجمعين...