السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
العربية
المؤلف | علي عبد الرحمن الحذيفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
والرحمة صفة كمال في المخلوق يتعاطف بها الخلق، ويشفق القوي على الضعيف، فيحنو عليه بما ينفعه، ويمنع عنه شره، ويتوادُّ بها بنو آدم، فالرحمة في الفطرة التي خلقها الله، ولكن قد تطمس الفطرة بالمعاصي، فتكون الرحمة قسوة جبّارة ضارة.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ معشر المسلمين ـ حق التقوى، فتقوى الله ترفع بها الدرجات، وتفرّج بها الكربات، وتدفع بها الشرور والمكروهات.
واعلموا – عباد الله – أن للحياة ركائز تعتمد عليها، وأسساً تنبني عليها، ومعاني سامية تناط بها المنافع والمصالح، ومن هذه المعاني العظيمة، والصفات الكريمة التي تسعد بها الحياة ويتعاون بها الخلق الرحمة.
فالرحمة خلق عظيم، ووصف كريم، أُوتيه السعداء، وحُرمه الأشقياء، الرحمة ضاربة في جذور المخلوقات، ومختلطة بكيان الموجودات الحية، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة في الأرض، فبها يتراحم الخلق، حتى إن الفرس لترفع حافرها، والناقة لترفع خفها مخافة أن تصيب ولدها، وأمسك تسعة وتسعين رحمة عنده ليوم القيامة)) رواه البخاري وغيره، فالرب جل وعلا متصف بالرحمة كما يليق بجلاله.
والرحمة صفة كمال في المخلوق يتعاطف بها الخلق، ويشفق القوي على الضعيف، فيحنو عليه بما ينفعه، ويمنع عنه شره، ويتوادُّ بها بنو آدم، فالرحمة في الفطرة التي خلقها الله، ولكن قد تطمس الفطرة بالمعاصي، فتكون الرحمة قسوة جبّارة ضارة.
ومع أن الرحمة فطرة مستقيمة، وصفة عظيمة فطر الله عليها، فقد أكّدها الإسلام، وأوجب على المسلمين التحلي بالرحمة والاتصاف بها؛ لأن الإسلام دين الرحمة، فتعاليمه لتحقيق الخير والعدل والرخاء والحق والسلام، والعبودية لله رب العالمين، ولدحض الباطل، واجتثاث جذور الشر، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: (وَمَا أَرْسَلْنَـاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لّلْعَـالَمِينَ) [الأنبياء:107].
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)) رواه أبو داود والترمذي ، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)) رواه البخاري ومسلم ، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: ((ومن لا يغفر لا يُغفر له))، وفي الحديث: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) .
والإسلام حثّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)) رواه أحمد والترمذي .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تقبّلون الصبيان وما نقبّلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوَأملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟!)) رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تُنزع الرحمة إلا من شقي)) رواه أبو داود والترمذي، وقال: "حديث حسن"، وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله رفيق يحب الرفق، ويُعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه)) رواه مسلم.
بل إن الإسلام شمل برحمته حتى الحيوان البهيم وغيره؛ لأنه دين الرحمة والعدل والسلام، وأمر المسلمين بالتمسك بالرحمة في أرفع معانيها، عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً لرجل من الأنصار، فإذا فيه جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وذرفت عيناه، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه، فسكت، فقال: ((من رب هذا الجمل؟)) فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكى إلي أنك تجيعه وتدئبه)) رواه أحمد وأبو داود.
فعلمه الله منطق الجمل، كما علّم سليمان منطق الطير عليهما الصلاة والسلام.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرة – وهي نوع من الطير – معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحُمَّرة، فجعلت تعرِش – أي ترفّ بجناحيها – فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((من فجع هذه بولديها؟ رُدوا ولديها إليها)) ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال: ((من حرّق هذه؟)) قلنا: نحن يا رسول الله، قال: ((إنه لا ينبغي أن يعذّب بالنار إلا رب النار)) رواه أبو داود، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئاً فيه الروح غرَضاً) رواه البخاري ومسلم، وعن الشريد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من قتل عصفوراً عبثاً، عجّ إلى الله يوم القيامة، يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً، ولم يقتلني منفعة)) رواه النسائي وابن حبان.
ومن رحمة الإسلام أنه يأمر أتباعه بأن لا يظلموا غير المسلمين أيضاً، فعن هشام بن حكيم بن حزام رضي الله عنه أنه مرّ بالشام على أناس من الأنباط أهل الذمة حُبسوا في الجزية فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا)) فدخل على الأمير فحدثه، بأمر بهم فخلوا. رواه مسلم وأبو داود والنسائي.
أيها المسلمون، ألا ما أحوج البشرية إلى هذه المعاني الإسلامية السامية، وما أشد افتقار الناس إلى التخلق بالرحمة التي تضمّد جراح المنكوبين، والتي تواسي المستضعفين المغلوبين، ولا سيما في هذا العصر، الذي غاضت فيه الرحمة من أكثر الخلق، فلا يسمع في هذا العصر لصرخات الأطفال، ولا لأنين الثكلى، ولا لحنين الشيوخ، ولا لكلمة الضعفاء، لا يسمع فيه إلا للغة القوة، ومنطق القدرة، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أعزّ من أطاعه واتقاه، وأذلّ من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فلا إله سواه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله، اصطفاه ربه واجتباه. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فاتقوا الله – أيها المسلمون – وأطيعوه، وراقبوه في أعمالكم مراقبة من يعلم أنه يعلم السر وأخفى.
عباد الله، إن من رحمة الله وعدله في تشريعه أن كل إنسان مسؤول عن عمله وفعله وإثمه، فلا يؤخذ أحد بجريرة غيره، ولا يسأل أحد عن فعل غيره، ولا تجني كل نفس إلا عليها، فلا يؤخذ القريب بجناية قريبه، ولا تعاقب القبيلة بجريرة واحد منها، لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال الله تعالى: (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىا وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىا حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [فاطر:18]، وقال تعالى: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى وَإِبْراهِيمَ الَّذِى وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإنسَـانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى) [النجم:36-41]، وقال تعالى: (وَمَن يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىا نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء:111].
أيها الناس، انطلقت بعض وسائل الإعلام الغربية المغرضة في هذه الأيام تهاجم المملكة العربية السعودية هجوماً شرساً، وتفتري افتراءً مقيتاً، وتقلب الحقائق بصورة مكشوفة، وتلصق بها تُهماً كاذبة، والغرض من تلك الهجمة استهداف الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فأساءت هذه الوسائل الإعلامية إلى الإسلام والمسلمين، واستفزّت مشاعرهم، فخرجت هذه الوسائل الإعلامية عن مهمة الإعلام، حيث غيرت الحقائق المشاهدة، فحولت حسنات دولة الحرمين الشريفين – أعزها الله – إلى سيئات، حيث جعلت الأعمال الخيرية، والمعونات الإنسانية، والإعانات السخية السلمية للمحاويج المسلمين، والمناداة بالعدل الذي يستحقه المنتقصة حقوقهم، جعلت هذه الوسائل الإعلامية كل هذه الأعمال الخيرية التي هي حسنات، جعلتها سيئات، فنفثت سمومها، وافترت ما شاءت من التُهم التي يعلم العالم أن المملكة منها براء، ولكن إذا تبيّن أن القصد من ذلك تشويه الإسلام والاستخفاف بالمسلمين واستفزازهم والنيل منهم زالت الغرابة، لأن الحقد الأسود يحمل على أكثر من ذلك، قال الله تعالى: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْواهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) [آل عمران:118].
فعلى هذه الوسائل الإعلامية الغربية أن تحترم عقولها، وأن تكف عن الطعن في الإسلام والاستفزاز للمسلمين، وتتعامل مع الحقائق بنزاهة تامة، بعيدة عن الهوى.
ألا وإن بعض الأحداث لها تداعيات كثيرة، فيكثر بسببها القول والخلط بالكلام. وقد أمرتنا الشريعة الإسلامية أن نحفظ ألسنتنا وأيدينا عند الفتن، فإياكم – معشر المسلمين – وغيبة بعضكم بعضاً، وإياكم والقدح في الولاة والعلماء، ولكن يدعى لهم، فبصلاح الولاة والعلماء يصلح الناس، ويعانون على مهمتهم، يعان ولاة الأمر على تنفيذ الشريعة، ويعان العلماء على تبليغ الشريعة وبيانها، فإنه إذا قدح الناس في ولاة الأمر، تنامى التمرّد والعصيان، واستُخِفَّ بالسلطان. وإذا قدح الناس بالعلماء زالت الثقة بما يبلغون من الشريعة، وفي كل ذلك مفاسد دينية ودنيوية لا يحصيها إلا الله، وقد أناط الله بهذين النوعين من الناس مصالح دينية ودنيويةً كثيرة جداً، وحقوق المواطن في هذه البلاد، وحقوق الإنسان مكفولة في ظل الشريعة الإسلامية، أحسن منها في أي دولة معاصرة.
فاستديموا نعم الله عليكم – أيها الناس – بدوام طاعته، والبعد عن معصيته، وكونوا على الحق أعواناً، وفي جميع الأحوال إخواناً، وإياكم والذنوب فإنها سبب كل شر وعقوبة في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى:(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) الأحزاب:56، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً)) فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين...