البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الحليم

كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...

ظواهر من المجتمع

العربية

المؤلف عبد العزيز بن عبد الله السويدان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. التحول المخيف والمتزايد في المواقف عبر السنين .
  2. الارتخاء في الدين علامة خطر .
  3. مفاسد اجتياح المد الإعلامي المستغرب للمجتمعات .
  4. تصاغر عظمة الله في القلب .
  5. وجوب توقير الله تعالى وتعظيمه .
  6. الالتزام بثوابت الدين لا يمنع التقدم بدرجات العلوم الطبيعية. .

اقتباس

إن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره، وكيف يقدره حق قدره، أو يعظمه ويكبره، ويرجو وقاره، ويجله من يهون عليه أمره ونهيه.. وكفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

كان الناصح قديمًا إذا ناصَح بالحسنى أحدًا من عامة الناس على منكر فعله علنًا كان المنصوح في غالب الأمر يقدِّر النصيحة، المنصوح الذي نصح يقدر النصيحة، ويوقر صاحبها، وربما قال: جزاك الله خيرًا يا شيخ، ونحن مقصرون، ووالله نحبكم، وندعو لكم والله يجزيكم خيرًا.

ونحو هذه العبارات التي تقدر، وتعترف بالتقصير، وتشكر الاهتمام، هذا قديمًا، أما اليوم ففي كثير من الأحيان مهما كان الناصح حليمًا مهذبًا لطيفًا إلا أنَّ الرد اختلف عن الماضي، ترى المنصوح يرد عليه بشيء من القسوة؛ يا أخي هذا رأيك والناس أحرار، ولا داعي للوصاية على الناس، أو يرد عليه يا شيخ في أقوال غير هذه الأقوال، الناس تغيروا وأنت إلى الحين ماسك بأقوال ابن باز وابن عثيمين..!!

هذا موقف واحد والمواقف على هذا المنوال كثيرة، التحول المخيف والمتزايد في المواقف عبر السنين له دلالات يلزم الوقوف عليها؛ لأنه ورد في القرآن التحذير من تغير القيم والمفاهيم عبر السنين يقول سبحانه: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]، ويقول سبحانه: (وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ).

في حديث عياض في صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُ عَبْدِي حَلالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، فَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا.." إلى آخر الحديث.

الارتخاء في الدين علامة خطر لا يسكت عنها، أقول هذا التحول في المواقف الغريب على المجتمع والمتزايد عبر السنين له دلالات يلزم الوقوف عليها.

الدلالة الأولى: أن هذا التغير يدل على مدى تشرُّب كثير من الناس للأفكار والرؤى التي تبثها العديد من القنوات منذ فترة طويلة، فإنَّ قِيَم التحرر وعبرات التمرد تنضح بها الكثير من البرامج بدءًا من الأفلام والمسلسلات وانتهاءً بالبرامج الحوارية.

بل ينضح به -أي هذا الأمر- الإعلام العربي المستغرب بجميع مكوناته التقليدية والإلكترونية المقروءة والمسموعة والمرئية.

هذه القيم والعبارات تعكس النمط الليبرالي في النظر إلى الأشياء؛ لأن عبارات الناس أحرار ووصايا وهذا رأيك.. هذه العبارات وأمثالها أصلاً عبارات اصطنعها الليبراليون وليس إلا أنهم تمكنوا من ترسيخها في فكر كثير من الناس من خلال مشروعهم التغريبي الشاسع في عالم الإعلام، وبفضل اجتياح هذا المد الإعلامي المستغرب جميع السدود والحواجز اكتسحها عبر تقنيات الاتصالات الحديثة ليصل هذا المد إلى كل بيت بل ليعيش وسط أفراد العائلة ينام معهم ويستيقظ معهم كل يوم.

والسبب الآخر المصاحِب للإعلام في تبدُّل الكثير من هؤلاء وأفكارهم وقيمهم هو أن من طبائع البشر أنهم يتوارثون المفهوم والفكرة، هكذا تتشكل القيم.

خذ على سبيل المثال لا الحصر كشف المرأة لوجهها، وليس الحديث هنا حديثًا فقهيًّا حول أقوال العلماء في مسألة جواز كشف المرأة لوجهها من عدم الجواز، لا، وإنما الحديث عن ظاهرة تغير الحال بعد أن كان الغطاء أيًّا كان نقابًا أو غطاءً عاديًّا بعد أن كان غطاء الوجه تاج المرأة قيمة اجتماعية صلبة في المجتمع لها تقديرها واحترامها ومكانتها، بل إن غطاء الوجه كان علامة بارزة في المجتمع.

فلما بدأ الكشف حصل في أول الأمر نفور ورفض، ثم مع استمرار الطرق الإعلامي والتركيز على اللاتي يسفرن عن وجوهن من رائدات هذا الأمر ووضعهن تحت الأضواء مما يحمل رسالة إعلامية بأن هؤلاء هن القدوات حصل عند الناس شيء من الإلف والرتابة واضمحل الرفض وحل محله الصمت، ثم خاض في ذلك الشيء المرفوض المزيد من النساء ممن عندهن القابلية والجرأة للتقليد وعند أولياء أمورهن قناعة تخالف السائد المحافظ.

كشفن عن وجوهن فاستنكر الناس فعلهن أول الأمر، ثم انتهى الرفض مع تقدم السنين بالتسليم للواقع والسكوت عنه، ومع الوقت حدث شيء من الاستلطاف، ثم ظهر جيل من النساء سهل عليهن في مثل هذه البيئة الخوض مع الخائضات اللاتي زدن عن الكشف إظهار طرف من الشعر ووضع مساحيق الزينة.

ثم مع الزمن شيئًا فشيئًا نشأ لتلك الظاهرة قيمة مجتمعية محترمة عند عدد كبير، وشريحة عريضة من المجتمع، كانت يومًا ما مرفوضة، هذا الأمر كان مرفوضًا، وعندما راجت مثل تلك العبارات التي ذكرتها عرفنا السبب، كل واحد حرّ بتصرفه ولا وصاية ولا للولاية، وهناك أقوال علماء أخرى وما شابهها من العبارات، وقد يعين على هذا التغيير في بعض المجتمعات استحداث أنظمة قد تقود الناس إلى مثل هذه المرفوضات فتصحب المرفوضات مفروضات لا بد من فعلها.

أيها الإخوة: الدلالة الثانية وهي من أهم دلالات هذه الظاهرة تصاغر عظمة الله في القلب، القضية ليست في التعذر باختلاف أقوال العلماء بارتكاب منكر أو تساهل في شبهة، وإنما القضية في مدى توقير الله تعالى وتعظيمه.

يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "فإن عظمة الله تعالى وجلاله في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماته وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب والمتجرئون على معاصيه ما قدروا الله حق قدره، وكيف يقدره حق قدره، أو يعظمه ويكبره، ويرجو وقاره، ويجله من يهون عليه أمره ونهيه"، ثم قال: "كفى بالعاصي عقوبة أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ويهون عليه حقه"، قال تعالى: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح:13].

جميعًا ندرك الضعف الذي ينتاب المسلم بين حين وآخر، فيرتكب معصية ما فكل ابن آدم خطاء كما في الحديث المشهور "كل بني آدم خطاء"، وندرك أن العاصي إذ وفَّقه الله –تعالى- وصدق مع ربه فإنه يتوب من الذنب حتى لو أذنب مرة أخرى ينيب يعود ولا شك أن معاودة التوبة ومعاودة الاستغفار، وتكرار ذلك بعد كل ذنب هو شيء حسن، بل هو عبودية في ذاته (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) [الشورى:13].

لكنَّ الخلل الذي يحذر منه والذي أعنيه هنا ليس الذنب ذاته، وليس التقصير ذاته، فهذا كلٌّ يخوض فيه، وإن ما أعنيه هو عدم الشعور بالندم، وعدم الشعور بذلك التقصير في حق الله سبحانه وتعالى.

هذه هي المصيبة؛ لأن غياب هذا الشعور الرائع معناه وجود بقايا من كبر في القلب، وبالتالي معناه ضعف تعظيم الرب في القلب، وعندما يضعف مقام الرب في القلب فإن العبد لا يرى معصيته شيئًا كثيرًا في حق الله تعالى، ولا يقر بها، بل قد يدافع عن تلك المعصية.

بينما الاعتراف بالذنب يدل على علو مقام الله في الضمير والاعتراف -يا إخوة- يحرق آثار الذنب في القلب، ويعود القلب بعد الاعتراف بالذنب نوره من جديد.

يقول الله تعالى في اعتراف أبي البشر آدم وأمهم حواء (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) هذا اعتراف (وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ).

وفي الحديث "اللهم إني ظلم نفسي ظلمًا كثيرًا"، وهذا اعتراف "ولا يغفر الذنوب إلا أنت" (رواه البخاري).

ودعاء سيد الاستغفار كلنا نعرفه "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليَّ وأبوء بذنبي" أي: أعترف بذنبي فاغفر لي "فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" حديث متفق عليه.

الاعتراف بالذنب هو أصلاً من علامات التوبة كما في قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 134].

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد:

فإن الالتزام بثوابت الدين لا يمنع التقدم بدرجات العلوم الطبيعية والتقنية كما يدَّعِي الجهلة كما يلبِّس المجرمون، فدين الإسلام هو دين العلم وأول ما نزل من القرآن كلمة اقرأ، بصيغة الأمر والأمر فيه إلزام بالقراءة إلزامًا، وليس على سبيل الاختيار "اقرأ".

ولكن العلوم الطبيعية إذا لم تنضبط بضابط الحكمة الإلهية التي تقصد تحصيل مصالح الكون كله، وليس البشر فقط، وتقصد دفع المفاسد ومنعها كلها، فستحل الفوضى، وسيتخلل تلك العلوم علوم شريرة فيها من المفاسد ما فيه وبال على الإنسان وسبب لهلاكه، ولو بعد حين ولا أدل على هذا من الربا الذي ينخر كالسوس في بنية العالم المالية.

تمرد الإنسان على ربه، واعتدى بعقله، وخرج بعلومه الطبيعية والبشرية دون ضابط إلهي.

معاشر المسلمين: الثباتَ الثبات فمهما تغير الحال فلنعتصم بالله، ولنتوكل عليه، ولنتذكر قوله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) [النساء:115].

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما صح في مسلم من حديث ابن عمر يتعوذ من الحَوْر بعد الكور، أي من الطاعة إلى المعصية ينقلب الإنسان من الطاعة إلى المعصية، نسأل الله تعالى أن يربط على قلوبنا بالإيمان.

اللهم أصلح ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا.