العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحياة الآخرة |
هذا؛ ومن أعظم ما يسأل عنه العبد يوم القيامة: ما تولى من رعية، قلّت رعيته أو كثرت، قربت منه أو بعدت؛ كما في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مسؤولة عن رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ ..
الحمد لله العليم الحليم؛ يضاعف الحسنات، ويعفو عن كثير من السيئات، ولا يؤاخذ العباد إلا بما كسبوا (إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:40] نحمده على وافر نعمه، ونشكره على جزيل عطاياه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ يعطي ويمنع، ويرفع ويضع، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ) [الرعد:8] (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان:2] وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وبلغ البلاغ المبين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وخذوا العبرة من مضي أعماركم، وتقلب أحوالكم؛ لتعلموا أن الدنيا لا تدوم على حال، وأنها إلى زوال، وأن الآخرة هي دار القرار (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) [النساء:77]
أيها الناس: في تقلب الليل والنهار، ومرور الأيام والأعوام، وسرعة انقضاء الأعمار عبرة لأولي الألباب، تقودهم إلى استثمار أوقاتهم فيما ينفعهم، وعمارة ما بقي من أعمارهم في طاعة ربهم؛ فكم من الأيام والشهور ضاعت على الإنسان ولم ينجز فيها شيئا ينفعه، وكم نهدر من الساعات واللحظات في غير الذكر والطاعات، وربنا -جل جلاله- يحاسبنا على مثاقيل الذر (وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء:47]
وقال نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: "فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ" رواه مسلم، والمسلم يستطيع في لحظة أن يسبح أو يحمد أو يهلل أو يكبر، فكم فرطنا في الخير بسبب الغفلة عن ذلك؟!
معاشر المؤمنين: ترون في هذه الأيام تحفز أولادكم لاختبارات نهاية العام، وفيهم المجتهد المحسن الذي ينتظر عاقبة جده وسهره نجاحاً وفرحاً، ومنهم المفرط المسيء الذي يكره هذه الأيام لما ينتظره بعدها من الفشل والندم، والتقريع والتوبيخ.
ألا وإن ما هو أعظم من ذلك سيقع يوم القيامة (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) [التغابن:9] فإما فوز أبدي فيما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر من النعيم والحبور، وإما حسرة أي حسرة، وخسارة أي خسارة (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ) [الحج:11]
إننا -يا عباد الله- سنسأل غداً كما يسأل أولادنا اليوم، وشتان بين الموقفين، فلنأخذ من الأدنى عبرة للأعلى، ولنعتبر برهبة العرض الأصغر للعرض الأكبر.
وقد دل القرآن والسنة على جملة من الأمور سنسأل عنها يوم القيامة، وأعظم ذلك وأكبره: هذا الدين الذي حُمِّلْنَاه، ماذا تعلمنا منه؟ وماذا أدينا من فرائضه؟ وهل قمنا بواجب الدعوة إليه؟ وهل صبرنا على الأذى فيه أم لا؟
سيسألنا الله تعالى عن الرسل هل بلغونا رسالات ربنا، وسيُسأل الرسل عنا هل أجبناهم واتبعناهم (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ) [الأعراف:6] (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ) [المائدة:109] (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ المُرْسَلِينَ) [القصص:65] (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزُّخرف:44] وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: "وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فما أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟" رواه مسلم.
والمشركون يُسألون عن شركهم بالله تعالى، وكذبهم عليه سبحانه، وافترائهم على ملائكته عليهم السلام (وَيَجْعَلُونَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ نَصِيبًا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَالله لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ) [النحل:56] (وَجَعَلُوا المَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) [الزُّخرف:19]. وهكذا كل من كذب على الله تعالى، ونسب إلى دينه ما ليس منه، أو أخرج منه ما هو منه، فأحل المحرمات، أو حرم المباحات؛ اتباعاً لأهواء الناس وأذواقهم، فويل له من يوم يُسأل فيه عن ذلك كله.
ومن قرأ قول الله تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36] هاب أن يتلاعب بشريعة الله تعالى، فيقول فيها بهوى أو بجهل إلا من حُرم التوفيق فقدّم العاجلة على الآجلة، وآثر الدنيا على الآخرة فويل له، وويل لمن استمع إليه فاتبعه في ضلاله، وسيسأل عن سمعه وبصره وفؤاده.
بل السؤال عنها أعم من ذلك؛ لأنها أدوات علم رزقنا الله تعالى إياها، ولولاها ما علمنا شيئا، فوجب علينا أن نشكر الله تعالى بتسخيرها فيما يرضيه سبحانه (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78]، ومن شكر الله تعالى عليها أن لا نسخر عقولنا فيما يوصلنا إلى المعصية، ولا نبصر ما حرم الله تعالى علينا ولا نستمع إليه (إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء:36]
إننا نسأل في ذلك الموقف العظيم عن أعمالنا، خيرها وشرها، صغيرها وكبيرها (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الحجر:92-93]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في خطبة يوم النحر بمنى: "وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عن أَعْمَالِكُمْ" رواه الشيخان، وقال أبو العالية -رحمه الله تعالى-: "يسأل العباد كلهم عن خلتين يوم القيامة: عما كانوا يعملون، وعن ماذا أجابوا المرسلين".
وأول عمل نسأل عنه يوم القيامة: صلاتنا كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال سمعت رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أن أَوَّلَ ما يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يوم الْقِيَامَةِ من عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ فَإِنْ انْتَقَصَ من فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قال الرَّبُّ -عز وجل-: انْظُرُوا هل لِعَبْدِي من تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بها ما انْتَقَصَ من الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ على ذلك" رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
ومن الأعمال التي يُسأل عنها العباد يوم القيامة: موقفهم من المنكرات، وهل أدوا حق الله تعالى في إنكارها أم لم يؤدوه؛ كما روى أَبَو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ -رضي الله عنه- قال: سمعت رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ الله لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يوم الْقِيَامَةِ حتى يَقُولَ: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ المنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ؟ فإذا لَقَّنَ الله عَبْدًا حُجَّتَهُ قال يا رَبِّ، رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ من الناس" رواه ابن ماجه.
وهذا ما جعل أبا سَعِيدٍ يبكي، فإنه روى عن رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قوله: "ألا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ الناس أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إذا عَلِمَهُ، فَبَكَى أبو سَعِيدٍ وقال: قد والله رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا" وفي رواية: قال أبو سعيد: "وَدِدْتُ أني لم أَكُنْ سَمِعْتُهُ" رواه أحمد.
ويسأل العبد يوم القيامة عن وفائه بما عقد على نفسه من عقود ونذور، وما قطع عليها من وعود وعهود، سواء كانت لله تعالى أم كانت لخلقه، فويل لمن أخلف وعده، ونكث عهده، ولم يف بعقده (وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) [الإسراء:34] وفي آية أخرى: (وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولًا) [الأحزاب:15]
وما نرفل فيه من نعيم العافية والصحة والأمن والشبع والجدة؛ سنسأل عنه يوم القيامة (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التَّكاثر:8] قال قتادة -رحمه الله تعالى-: "إن الله تعالى سائل كل ذي نعمة فيما أنعم عليه"، وقال الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "عن أي نَعِيمٍ نُسْأَلُ، وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ الْمَاءُ وَالتَّمْرُ وَسُيُوفُنَا على رِقَابِنَا وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ فَعَنْ أي نَعِيمٍ نُسْأَلُ؟ قال: إن ذلك سَيَكُونُ" رواه أحمد. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَيَلْقَيَنَّ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ؟ أَلَمْ أَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟ أَلَمْ أُزَوِّجْكَ فُلانَةَ خَطَبَهَا الْخَطَّابُ فَمَنَعْتُهُمْ وَزَوَّجْتُكَ" رواه ابن حبان.
ومن أعظم النعم: العمر والصحة والمال والعلم، وكل هذه يسأل عنها العبد يوم القيامة؛ كما في حديث أبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يوم الْقِيَامَةِ حتى يُسْأَلَ عن عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ من أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ" رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وكلما زاد مال العبد طال حسابه؛ لأن الحساب عليه في الكسب والإنفاق، وروى مَحْمُودِ بن لَبِيدٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اثْنَتَانِ يَكْرَهُهُمَا ابن آدَمَ الْمَوْتُ، وَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْفِتْنَةِ، وَيَكْرَهُ قِلَّةَ الْمَالِ، وَقِلَّةُ الْمَالِ أَقُلُّ لِلْحِسَابِ" رواه أحمد. وقال أبو ذر -رضي الله عنه-: "ذو الدرهمين يوم القيامة أشد حساباً من ذي الدرهم".
نسأل الله تعالى أن يخفف عنا الحساب، وأن يلقننا إجابة السؤال، وأن يعيننا على ما يرضيه، ويجنبنا ما يسخطه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزَّلزلة:7-8]
بارك الله لي ولكم في القرآن.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، نحمده فله الحمد في الآخرة والأُولى، ونستغفره لذنوبنا فمن يغفر الذنوب إلا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]
أيها الناس: مشهد القيامة عظيم، وموقف الحساب شديد، ومن نوقش الحساب عذب، ولا بد للسؤال من إجابة.
هذا؛ ومن أعظم ما يسأل عنه العبد يوم القيامة: ما تولى من رعية، قلّت رعيته أو كثرت، قربت منه أو بعدت؛ كما في حديث ابن عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "كُلُّكُمْ رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مسؤولة عن رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ" رواه الشيخان.
وسؤاله عنهم يتضمن قيامه بحقوق الله تعالى فيهم، وحقوقهم على راعيهم، فيشمل جوانب الدين والدنيا، قال ابن مَسْعُودٍ وابن عمر -رضي الله عنهم-: "إن الله -عز وجل- سَائِلٌ كُلَّ ذِي رَعِيَّةٍ فِيمَا اسْتَرْعَاهُ أَقَامَ أَمْرَ الله فِيهِمْ أَمْ أَضَاعَهُ، حتى إِنَّ الرَّجُلَ لِيُسْأَلُ عن أَهْلِ بَيْتِهِ".
وهذا ما يزهد في الولايات، ولو اشرأبت لها أعناق الرجال، وباع كثير منهم دينهم لأجلها، ودفقوا ماء وجوههم لنيلها، فالسلامة منها لا يعدلها شيء؛ لعظيم أمرها، وثقل حملها.
روى أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وَيْلٌ لِلأُمَرَاءِ وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ وَيْلٌ لِلأُمَنَاءِ (وَيْلٌ لِلْوُزَرَاءِ) ليتمنى أَقْوَامٌ يوم الْقِيَامَةِ أن ذَوَائِبَهُمْ كانت مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا يَتَذَبْذَبُونَ بين السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وأنهم لم يَلُوا عَمَلاً" رواه أحمد.
وليس ذلك لشيء، إلا لأنها أمانات تحملوها يسألون عنها، وحقوق للعباد عليهم ويل لهم إن ضيعوها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كانت بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فتكثر، قالوا: فما تَأْمُرُنَا؟ قال: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فإن الله سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ" رواه الشيخان.
ألا فاتقوا الله ربكم -أيها المسلمون-، وأعدوا لأسئلة القيامة عدتها، وحضروا لها إجابتها بأداء ما حملتم من أمانات سواء فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، أو بحقوق عباده عليكم، وخذوا العظة من امتحانات الدنيا وربحها وخسارتها للامتحان الأعظم في القيامة حين يوقف الناس للسؤال، فلا نصير ولا ظهير إلا العمل الصالح (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ اليَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) [الصَّفات:24-26] (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا) [النَّبأ:38] (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ) [المطَّففين:4-6]
وصلوا وسلموا على نبيكم.