البحث

عبارات مقترحة:

الحي

كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

كيف تجعل الملائكة تستغفر لك؟ (1)

العربية

المؤلف محمد بن إبراهيم النعيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الطهارة
عناصر الخطبة
  1. أعمال تجعل الناس يدعون لك .
  2. أهمية دعاء الملائكة للمسلم .
  3. فضل النوم طاهرًا .
  4. الجلوس الثمين .
  5. فضل الجلوس في المصلى بعد السلام. .

اقتباس

بعض الناس كأنه قاعد على جمر، ما إن ينصرف الإمام من الصلاة إلا رأيته أول الخارجين من المسجد، وما علم أن جلوسه في مكان مصلاه ولو قليلاً يكسب من وراء ذلك خيرًا كثيرًا، والتي منها دعاء الملائكة واستغفارهم له. قال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: "من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها عنه بغير تعب، فليغتنم ملازمة مكان مصلاه ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابتهم لقوله -تعالى- (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى)"....

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون: إن من سعادة المرء يا عباد الله أن يستغفر له الناس، ويدعون له بظهر الغيب، ومن يكن هذا حاله دل على أنه محبوب لدى الناس ومقرَّب إليهم، وقد دخل قلوبهم، فلهجت ألسنتهم بالدعاء له بظهر الغيب، وتلك مرتبة عالية يتمناها كل إنسان، ووسام شرف للعبد لا يقدر بثمن.

لقد ذكرت لكم في الخطبة الماضية أربعة أعمال إذا عملتها يا عبد الله جعلت بعض الناس يستغفرون لك ويدعون لك: أما العمل الأول فكانت بتحسين أخلاقك مع الناس، والعمل الثاني كانت ببر والديك وطلب الدعاء منهم، والعمل الثالث كانت بتربية أولادك على طاعة الله -عز وجل-، والعمل الرابع أن تحمد الله -تعالى- جهرًا إذا عطست.

أيها الإخوة في الله: تلك خلاصة أربعة أعمال إذا عملناها جعلنا الناس يدعون لنا، ودعونا ننتقل إلى فضائل أعمال إذا عملناها جعلنا الملائكة -عليهم السلام- يدعون ويستغفرون لنا.

فإذا كان المرء يفرح إذا دعا له شخص صالح بظهر الغيب، فكيف لو دعا لك مَلَك من الملائكة الكرام، أو أمَّنَ على دعائك؟ وما شعورك وما مقدار سعادتك لو دعا لك آلاف من الملائكة وصلوا عليك؟

وصلاة الملائكة عليك تعني: استغفارهم ودعاءهم لك بالرحمة، وإن كثرة دعاء الملائكة واستغفارهم لنا، له أثر إيجابي على حياتنا، فقد قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب: 43]، فأن تحظى وتفوز بدعاء الملائكة أمنية كل رجل صالح، ولذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا طعم عند قوم، دعا الله لهم أن تصلي عليهم الملائكة، حيث روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ –رضي الله عنه- قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ: "أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الأَبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلائِكَةُ" (رواه ابن ماجه).

فما تلك الأعمال التي إذا عملتها يا عبد الله ستحظى بهذا الدعاء وهذا الاستغفار وهذه الحفاوة من الملائكة الكرام؟

أعرض لكم اثني عشر عملاً، لعلنا أن نعمل بها، ولا أستطيع عرضها كلها، لئلا يطول بنا المقام، وإنما سأكتفي بعملين، وأكمل الباقي في خطب قادمة بإذن الله:

أما العمل الأول: لكي تجعل الملائكة تستغفر لك بأن تبيت طاهرًا، وذلك لما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من باتَ طاهرًا باتَ في شعاره ملكٌ، لا يستيقظُ ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلانًا، فإنه بات طاهرًا" (رواه ابن حبان وصححه الألباني).

وفي رواية أخرى عند الطبراني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهرًا، إلا بات معه ملك في شعاره، لا يتقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهرًا".

ففي هذا الحديث بيان لفضل من نام على طهارة، وأن النائم متطهرًا سيدعو له الملك بالمغفرة، وأما من نام على جنابة ومؤخرًا الغسل إلى الفجر، فإن الملائكة ستنفر منه، ولذلك يستحب له أن يتوضأ على الأقل إذا كسل عن الاغتسال؛ كي لا تنفر منه الملائكة، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "ثَلاثَةٌ لا تَقْرَبُهُمْ الْمَلائِكَةُ: جِيفَةُ الْكَافِرِ، وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ، وَالْجُنُبُ إِلاَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ" (رواه أبو داود).

والخلوق طيب مخلوط بالزعفران.

والطهارة تكون لظاهر البدن، بالوضوء من الحدث الأصغر، وبالغسل من الحدث الأكبر، وتكون لباطن البدن، بالتوبة من المعاصي، وذلك أن المؤمن عند نومه عليه أن يتوب من جميع معاصيه، وأن لا يحمل في قلبه على أحد غلاً أو حسدًا.

قال المناوي -رحمه الله تعالى-: "والطهارة عند النوم قسمان: طهارة الظاهر وهي معروفة، وطهارة الباطن وهي بالتوبة، وهي آكد من الظاهرة، فربما مات في نومه وهو متلوث بأوساخ الذنوب، فيتعين عليه التوبة، وأن يزيلَ من قلبه كلَ غشٍ وحقدٍ ومكروهٍ لكل مسلم". اهـ.

وقد بشَّر النبيُ –صلى الله عليه وسلم- صحابيًّا بالجنة؛ لأنه كان لا يحسدُ ولا يحمل في قلبه غلاً لأحد، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ –رضي الله عنه- قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَطَلَعَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ تَنْطِفُ لِحْيَتُهُ مِنْ وُضُوئِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ الشِّمَالِ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ، قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرَّةِ الأُولَى، فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ، قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ مَقَالَتِهِ أَيْضًا، فَطَلَعَ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ الأُولَى.

فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-، تَبِعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: إِنِّي لاحَيْتُ أَبِي، فَأَقْسَمْتُ أَنْ لا أَدْخُلَ عَلَيْهِ ثَلاثًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُؤْوِيَنِي إِلَيْكَ حَتَّى تَمْضِيَ فَعَلْتَ، قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ أَنَسٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَاتَ مَعَهُ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلاثَ، فَلَمْ يَرَهُ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ إِذَا تَعَارَّ وَتَقَلَّبَ عَلَى فِرَاشِهِ ذَكَرَ اللَّهَ -عز وجل- وَكَبَّرَ حَتَّى يَقُومَ لِصَلاةِ الْفَجْرِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ يَقُولُ إِلاَّ خَيْرًا، فَلَمَّا مَضَتْ الثَّلاثُ لَيَالٍ، وَكِدْتُ أَنْ أَحْتَقِرَ عَمَلَهُ، قُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ يَكُنْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي غَضَبٌ وَلا هَجْرٌ ثَمَّ، - أي هو كذب لأجل الوصول إلى مصلحة دينية راجحة، أو لعله ظن أن هذا جائز-، وَلَكِنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ لَكَ ثَلاثَ مِرَارٍ: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَطَلَعْتَ أَنْتَ الثَّلاثَ مِرَارٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ آوِيَ إِلَيْكَ؛ لأَنْظُرَ مَا عَمَلُكَ، فَأَقْتَدِيَ بِهِ، فَلَمْ أَرَكَ تَعْمَلُ كَثِيرَ عَمَلٍ، فَمَا الَّذِي بَلَغَ بِكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-؟

فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ، قَالَ: فَلَمَّا وَلَّيْتُ دَعَانِي فَقَالَ: مَا هُوَ إِلاَّ مَا رَأَيْتَ، غَيْرَ أَنِّي لا أَجِدُ فِي نَفْسِي لأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا، وَلا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لا نُطِيقُ" (رواه أحمد).

فقبل النوم طهِّر جسدك بالوضوء، وطهِّر قلبك من الغل والحسد، لعلك تفوزَ بالجنة وبدعاء الملك، الذي سيبيت في شعارك طوال الليل، لا تتقلب ساعة من الليل إلا دعا الله قائلاً: "اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهرًا".

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ تعظيمًا لشأنه، وأَشْهَدُ أَنَّ َنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، المصطفى بين أنبيائه، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وأتباعه.

أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى واعملوا صالحًا تفوزوا برضوانه.

أيها الإخوة في الله: أما العمل الثاني: لكي تجعل الملائكة تستغفر لك وتدعو لك – ودعاءها مستجاب-: بالمكوث في المصلى بعد الصلاة، فقد روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ" (رواه البخاري).

وفي رواية عند الترمذي أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ، مَا دَامَ يَنْتَظِرُهَا، وَلا تَزَالُ الْمَلائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ، ارْحَمْهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ".

فالحديث يحث على التبكير إلى المسجد لنصلي من النوافل، ثم نجلس ننتظر صلاة الفريضة لتصلي علينا الملائكة ما دمنا ننتظر الصلاة.

كما أن الحديث يحث على المكوث قليلاً في مصلانا الذي صلينا فيه؛ لنكمل على الأقل الأذكار الواردة بعد الفريضة، من استغفار وتسبيح، وتحميد وتكبير، وتهليل وقراءة آية الكرسي والمعوذتين، فبعض الناس كأنه قاعد على جمر، ما إن ينصرف الإمام من الصلاة إلا رأيته أول الخارجين من المسجد، وما علم أن جلوسه في مكان مصلاه ولو قليلاً يكسب من وراء ذلك خيرًا كثيرًا، والتي منها دعاء الملائكة واستغفارهم له.

قال ابن بطال -رحمه الله تعالى-: "من كان كثير الذنوب وأراد أن يحطها عنه بغير تعب، فليغتنم ملازمة مكان مصلاه ليستكثر من دعاء الملائكة واستغفارهم له، فهو مرجو إجابتهم لقوله -تعالى- (وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى)".اهـ.

وإذا أردت مزيدًا من الثواب والدعاء فاجلس بعد الصلاة منتظرًا فريضة أخرى، فهي دعوة للمسلمين عمومًا، ولكبار السن خصوصًا لمن وجد فراغًا، أن يجلس في المسجد ينتظر الصلاة، وأسهل وأقصر تلك الأوقات هو بعد المغرب، انتظاراً لصلاة العشاء، فأجر ذلك عظيم، وهو من الرباط والجهاد في سبيل الله، وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: "وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ" (رواه مسلم) أكدها ثلاث مرات.

ومن فعل ذلك، باهى الله -تعالى- بصنيعه ملائكته الكرام، حيث روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- الْمَغْرِبَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ، وَعَقَّبَ مَنْ عَقَّبَ –أي جلس من ينتظر صلاة أخرى- فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مُسْرِعًا قَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ، وَقَدْ حَسَرَ عَنْ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: "أَبْشِرُوا، هَذَا رَبُّكُمْ قَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ، يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلائِكَةَ، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي، قَدْ قَضَوْا فَرِيضَةً، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ أُخْرَى" (رواه أحمد وابن ماجه).

ألا تريد يا عبد الله أن يباهي الله -عز وجل- بك ملائكته الكرام؟

فبعض الناس قد لا يكون لديه ما يشغله، وتراه جالسًا في البيت ينتظر صلاة العشاء، فلو كان جلوسه في أحد زوايا المسجد ينتظر الصلاة، فأجر ذلك عظيم.

أيها الإخوة في الله: ذلكما عملان ذكرتهما لكم تجعلان الملائكة تدعو لكم، وهناك أعمال أخرى أرجئها إلى خطب قادمة بإذن الله.

جعلني الله وإياكم من المستمعين للقول والمتبعين أحسنه.

اللهم وفقنا لصالح القول والعمل، وجنبنا الزلل، اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، اللهم ألهمنا رشدنا، وبصِّرنا بعيوبنا وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا، اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا، اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...