الجواد
كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصيام |
بقدر تحقيق هذه الغاية والوصول إليها يكون النجاح في هذا الشهر والفوز فيه، بتحقيق التقوى يكون استثمارك الأمثل والأحسن لأيام هذا الشهر ولياليه؛ فاجعل، أيها المسلم، يا من منّ الله عليك ببلوغ الشهر، اجعل هذه الغاية الشريفة والمقصد الكريم، تقوى الله -عز وجل-، اجعلها نصب عينيك وأنت تستقبل الشهر الكريم.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فيا عباد الله، والله! ما طابت الحياة إلا بطاعة الله وذكره، وما عمرت الدنيا بأحسن من عبادة الله وتقواه، وما تقلب العبد في سني عمره وأيامه ولياليه بحال كحال العابدين الذاكرين الشاكرين، الذين لا تزيدهم الأيام وتعاقبها، ولا السنون وتتابعها، إلا محبة لربهم، وزيادةَ قربٍ من مولاهم، وحرصا على تلافي تقصيرهم وتفريطهم وإهمالهم، واغتناما لمواسم الفضل والخير والشرف في تقوية إيمانهم، وتعميق تقواهم، وزيادة حسناتهم، وتكفير سيئاتهم. جعلني الله وإياكم منهم؛ بفضله ورحمته؛ إنه سميع مجيب.
عباد الله: ها هو موسم المرابحة والمتاجرة مع الله، ها هو ميدان المنافسة والمسابقة والمسارعة إلى الخيرات يحل ضيفا عليكم، ها هو شهر رمضان المبارك على الأبواب؛ فأهلا وسهلا بهذا الضيف الكريم الذي طال الاشتياق إليه، وزاد الحنين إلى أيامه ولياليه.
فالحمد لله، ثم الحمد لله، ثم الحمد لله الذي... أطال في أعمارنا حتى بلغنا شهر رمضان المبارك، ونسأله -سبحانه وتعالى- أن يمن علينا فيه بالتوفيق للعمل الصالح، واجتناب كل القبائح والمآثم، وأن يجعل أيامه ولياليه علينا مباركة بكل ما يقربنا منه -سبحانه وتعالى-.
أيها الإخوة المسلمون: إنما يثبت دخول الشهر برؤية هلال رمضان، أو بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، وحيث لم يتقدم أحد لرؤية هلال شعبان أكملنا عدة رجب ثلاثين يوما، وصار يوم أمس يوافق -حسب النظر الشرعي- يوم ثمانية وعشرين من شعبان.
وللاحتياط؛ أُمر الناس بالترائي يوم أمسِ، خشية أن يكون شهر رجب ناقصا، واليوم -كذلك- يوافق حسب النظر الشرعي التاسع والعشرين من شعبان، وإن كان في التقويم يوافق الثلاثين؛ ولهذا، سيتراءى الناس الهلال اليوم، فإن رئي الهلال هذه الليلة -كما هو متوقع إن شاء الله- فغدا أول يوم من رمضان، وإن حال دون رؤية الهلال هذه الليلة غيم أو غبار ونحوه أكمل الناس شهر شعبان ثلاثين يوما، حسب النظر الشرعي، كما في الحديث: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاثِينَ".
وكل هذا إنما تقرره الجهة الشرعية المخولة بالحكم بثبوت دخول الشهر وخروجه، ولا عبرة بالحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر وخروجه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- علق الصيام على رؤية الهلال، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما.
فنسأل الله -عز وجل- أن يوفق الجميع لكل خير، وأن يهل هلال شهر رمضان علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى.
أيها الإخوة المسلمون: كتب الله عليكم صيام شهر رمضان، وجعله فريضة وركنا من أركان الإسلام، وفرائضه العظام، كما في الحديث الصحيح: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام لمن استطاع إليه سبيلا".
وشرع لكم نبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- قيام ليالي شهر رمضان، ورغبنا في ذلك غاية الترغيب، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".
كل هذا الترغيب في صيام الشهر وقيامه من أجل تحقيق الغاية الكبرى والمقصود الأعظم من الصيام، ألا وهو تحقيق التقوى لله رب العالمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183].
هذه هي الغاية من فرضية الصيام، هذه هي الغاية من مشروعية الصيام والقيام، هذا هو المقصود الأعظم من مشروعية الصيام، إنها غاية محددة واضحة لا اجتهاد فيها، ولا لبس ولا غموض فيها، حددها وبينها من شرع الصيام لعباده -سبحانه وتعالى-: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
بقدر تحقيق هذه الغاية والوصول إليها يكون النجاح في هذا الشهر والفوز فيه، بتحقيق التقوى يكون استثمارك الأمثل والأحسن لأيام هذا الشهر ولياليه؛ فاجعل، أيها المسلم، يا من منّ الله عليك ببلوغ الشهر، اجعل هذه الغاية الشريفة والمقصد الكريم، تقوى الله -عز وجل-، اجعلها نصب عينيك وأنت تستقبل الشهر الكريم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أفضل الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
أيها الإخوة المسلمون: هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله، فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...