الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الخليفي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله |
السبب في تحريم الميسر: أنه يؤدي إلى الاعتماد في الرزق على المصادفات، فتهمل أوجه الكسب المشروعة من زراعة وصناعة وتجارة، وسائر الحرف المختلفة. وفي هذا هدم لنظام المجتمع، وإفساد للعمران، وأنه يشغل اللاعبين عن أهلهم وبيوتهم، وعن الصلوات، وأنوع الطاعات، ويصرفهم عن أعمالهم المختلفة التي ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أخرجنا من الظلمات إل النور، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس، أحمده تعالى وأشكره، لا أحصي ثناء عليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا لله -تعالى-، وابتعدوا عن محارم لله، وأخلصوا له النية في عباداتكم ومعاملاتكم.
واعلموا: أن من أقوى الأسباب لحصول الرزق وبركته؛ لزوم تقوى الله، وحسن النية في المعاملات.
وابتعدوا عن الميسر، وأوراق اليانصيب.
فالميسر، وهو القمار معروف في الجاهلية قبل أن يقضي عليه الإسلام.
فقد كان العرب قبل الإسلام يجتمعون للتسلية واللهو، وكسب الثناء، والمديح، فيتخذون الميسر طريقا لذلك.
فقد كانوا في الجاهلية يحضرون عشرة قداح لكل منها اسم معلوم، ويجعلون لكل قداح نصيبا معينا في مال القمار إلا ثلاثة قداح، لا يجعلون لها شيئا، وانما يتركونها بغير نصيب، كما يفعل الآن في هذا الزمان.
وكان أهل الجاهلية يذبحون جزورا، ويقسمونه أقساما كثيرة، على قدر الأسهم التي يخصصونها للقداح الواحد، ويضعون القداح جميعا في كيس بيد رجل عدل موثوق به، فيدخل يده فيها، ويجرك القداح، حتى يتم اختلاطها، ثم يذكر اسم اللاعبين، ويخرج قداحا له من الخريطة، فإن كان القداح ذا نصيب أخذ صاحبه نصيبه، وإن لم يكن له نصيب لم يأخذ شيئا، ودفع ثمن الجزور هو، ومن لا نصيب له.
ومن يربح منهم نصيبا، فإنه لا ينتفع به، ولا يأكل منه، بل يعطيه الفقراء، ويرى في هذا وسيلة من وسائل الفخر والتباهي، ومظهرا من مظاهر الجود.
وربما كسب الواحد منهم في المجلس عددا كبيرا من الإبل من غير كد ولا تعب، فيوزعها على المحتاجين، رغبة من المدح، وحرصا على الثناء.
ذلك أصل القمار في الجاهلية، وقد حرمه الإسلام، ووصفه بأنه رجس من عمل الشيطان، وجعل الاشتراك فيه، أو التسرر به، أو حضور مجلسه، ولو لمجرد المشاهدة حراما، وإثما كبيرا.
والميسر يشمل كل لعب بين فريقين يتحقق فيه خسارة المال من فريق ليأخذه آخر، بحيث يكون كل فريق عرضة لخطر الخسارة، وضياع ماله.
وعلى هذا يكون من الميسر النرد والشطرنج، وأوراق اللعب، ومهارشة الديكة، ونحو ذلك من كل ما يلعب به على رهان معين بالوصف السابق، فهو محرم لا شك في حرمته.
ومن الميسر: أوراق اليانصيب المنتشرة الآن في بعض الدول، ولو كان القصد منها جمع المال للمشروعات الخيرية، وأوجه البر، فالشأن فيها شأن الجزور التي كان يذبحها أهل الجاهلية، وبتقامرون عليها، ولا يأكلون من لحومها شيئا، وإنما يوزعونها على الفقراء والمساكين، فلم يبال الشرح بذلك، بل حرمها وحرم كل أنوع القمار، ولو كانت في الظاهر سبيلا إلى البر والإحسان.
والسبب في تحريم الميسر: أنه يؤدي إلى الاعتماد في الرزق على المصادفات، فتهمل أوجه الكسب المشروعة من زراعة وصناعة وتجارة، وسائر الحرف المختلفة.
وفي هذا هدم لنظام المجتمع، وإفساد للعمران، وأنه يشغل اللاعبين عن أهلهم وبيوتهم، وعن الصلوات، وأنوع الطاعات، ويصرفهم عن أعمالهم المختلفة التي هي قوام حياتهم ومعيشتهم، وأنه يجلب العداوة والشقاق بين اللاعبين، ويزرع الأحقاد في نفوسهم، ويفسد الأخلاق بما يكون فيه من كثرة الحلف، وتبادل السباب، وإضمار الحقد، وتدمير المكائد، وإضعاف الصحة، بإرهاق الأعصاب، وكثرة التفكير الشاق، وإشغال البال، وشدة القلق، وخشية الخطر، وضياع الوقت؛ لأن من يبتلي به لا يكتفي بساعة أو ساعات قليلة، وتضييع المال، وإذهاب الثروات، وترك أصحابها بعد ذلك أذلاء بعد العزة، فقراء بعد الغنى، محرومين بعد التمتع، محتقرين بعد الشرف والكرامة!.
فلا عجب أن جاء الإسلام بتحريم القمار، وشدد في النهي عنه، حيث يقول تعالى: أعوذ باثه من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[المائدة : 90- 91].