الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
العربية
المؤلف | سلمان بن يحيى المالكي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لقد أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضروريات الحياة وحاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزةَ العائليةَ من الغرائزِ الذاتيةِ التي منحها الله للإنسان: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21]، وقد سعى الإسلامُ إلى جعلِ هذه الأسرةِ قدوةً حسنةً متماسكة، إنها...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأزواجه وذريته ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد أقام الإسلام نظام الأسرة على أسس سليمة تتفق مع ضروريات الحياة وحاجات الناس وسلوكهم، واعتبر الغريزةَ العائليةَ من الغرائزِ الذاتيةِ التي منحها الله للإنسان: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم: 21].
وقد سعى الإسلامُ إلى جعلِ هذه الأسرةِ قدوةً حسنةً متماسكة، إنها نَواة المجتمعِ الصالح ولبِناتِه، وهو الوضع الفطري الذي ارتضاه الله –سبحانه- لعباده، إنها المحضِن والتربيةُ والبِناء والغرسُ والنِتاج والمشاعر الحبُ والحنانُ والرحمة والتكافل، الطفل بدونِ أسرةٍ منبوذٌ وشاذ، لا تستطيعُ أيَّ مؤسسةٍ أن تَسُدَّ مسدّ الأسرة، ودورُ الرعايةِ حالاتٌ اضطراريةٌ لإيواءِ المشردينَ والأيتام والُلقطاء وضحايا التفككِ الأسري.
أيها الآباء الكرام: إن الناظر اليومَ إلى حال كثير من الأسر، يجد أنها تعيش في تعاسةٍ وشقاء؛ وهمٍّ وكدر وعناء، لابتعادها عن هدي الإسلام وتعاليمِ الشريعة، وتضييعها أمرَ الله ورسولِه -صلى الله عليه وسلمَ-، بل ووقوعها في كثير مما نهى الله عنه ورسولُه -صلى الله عليه وسلمَ-، فأصبح التمزقُ والتفككُ الأسريُ علامةً بارزةً من علامات المجتمع، وسمةً من سمات الأسر، والمتفحصُ لبواطنِ بعضِ الأسرِ والغائصِ في أعماقها والسابرِ حقيقتَها يبدوا له من أول وهلة وإن كانت تعيش تحت سقفٍ واحد وبين جدرانٍ أربعةٍ، إلا أنها في حقيقتها متفككةٌ متمزقةٌ منهارة، كلُّ فرد من أفرادها يعيش في عالمه الخاص، له همومه وغمومه، ومشاغله ومشكلاته.
إن معرفةَ أحوالِ الأسرِ وسببِ انهيارها وتمزقِها من الأهمية بمكان أن يُطرح على الجميع، آباءً وأمهات، بنين وبنات، في الصحف والمجلات، والإذاعة والتلفزة، لتفادي العواقب، وإصلاح ما خرِب، وبنيان ما انهد، وسأعرض في هذه الخطبة بعضَ الأسباب التي تُساهم بشكل كبير في تفكيكِ أسرنا، وتمزيقِ بيوتنا، بل وتساعد في هدم بنيانها، ونقض عروشها وكَيانها.
إن على رأس الأسباب -عباد الله-: تضييعُ المسلمْ من يعول، فكثيرٌ من الأولياء مضيعون لأولادهم، مضيعون لبيوتهم، مضيعون لزوجاتهم، لا يقومون بالحق الذي عليهم؛ ترى الواحد منهم قد أسلم الأولاد للأم، ولا يأتي البيت إلا نادراً، منهمكٌ في مشاغله وأعماله، ينقلب في الصباح إلى ساعات العمل وفي المساء مع أصحابه وأقرانه، يأتي لأكله وشربه وثوبه، يخرج من بيته وكأنه خارج من بيت جاره، لا يعنيه من في البيت، بنت محتاجة، أو زوجة مضطرة، أو ولد مريض و "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول"، وربما تشترك الأم مع الأب في هذا الإهمال، زيارات وسهرات وتتبع للأزياء والموضات وتضييع للبنين والبنات، والقائم بأمور البيتِ والأولاد السائقُ والخادمة: "والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها".
ومن الأسباب التي تهدم الأسر: كثرةُ الطلاق، فالتسرعُ في الطلاق وكثرتِه لأتفه الأسباب مما يهدم بنيان الأسر، وهذه المادياتُ البحتةُ والمشكلاتُ التافهة والشجار البغيضُ ساعد على كثرته ورواجه بين الأزواج، والنتيجة: انهيار الأسرةِ وتشردُ الأولاد، وضياع مستقبلهم، وإهمال تربيتهم، فهم إما مع الأب أو الأم، فلا يرون أباهم أو لا يرون أمهم، أو هم متوزعون بينهما، وهذا يؤجج البعضَ على البعض -والله المستعان-.
ومن الأسباب أيضا: فشو المخدراتِ في المجتمع، فهذا الداءُ الوبيلُ والمرض الخطيرُ الذي يلتهم شبابَنا كل يوم، فيحطم أجسادهم، ويهدم حياتهم، مخدرات روجها الأعداء، وشبابٌ لم يتربوا التربية السليمة، ولم ينشّؤوا النشأة الواعية، أضف إلى ذلك: بطالةٌ محكمةٌ تدفع الكثيرَ منهم في أحايين كثيرة إلى الاتجار بهذه المخدرات للحصول على الأموال، ثم هذه النشوةُ واللذةُ الموهومةُ التي يحسون بها، لأجل أن يغيبوا عن الواقع من كثرةِ المشاكل الأسريةِ والظلم الموجودان على أرض الواقع، إضافةً إلى غياب وعي الآباء عن أبنائهم وعدمِ مراقبتهم، ومعرفةِ أقرانهم ومع من يصحبون ويركبون ويأكلون، وغشيانِ البيوت من غير رقيب ولا حسيب، ثم ماذا: بيتٌ فيه بناتٌ مستضعفات يغلقن على أنفسهن ليلا، ولا يخرجن إلا بعد النظر من ثقب الباب، خشيةً من هذا العربيد الذي لا شعور له يتحول وحشاً كاسراً بعد تعاطيه لهذه المخدرات، وكم سمعنا من قصص يندى لها جبين الغيور المسلم، إنها نذير شؤم على الأسر، ومعول هدم يفتك بالمجتمع.
ومن الأسباب أيضا: فقدان العاطفة في المنزل، فلا يوجد حنانٌ ولا مشاعرُ صادقة في البيت، إنما هي أوامر ونواهي، زجر وعقوبات، ضرب من هنا وتوبيخ من هناك، تنفيذ فوري خشية العقوبة، عيش بلا رحمة ولا شفقة.
إن من البديهي -أيها الآباء- أن الأبناء يحتاجون في مراحلهم المختلفة إلى الأمان النفسي وتهيئةِ الجو الذي يحوي المشاعر الصادقةَ ويستوعبُ حاجتهم؛ لأن طبيعتَهم المجبولةَ على الرحمة والتراحم يجعلهم يتلمسون العاطفةَ والحبَّ من أبائهم، لكنْ واقعُ كثير من الأسر يشير إلى غياب هذه الروح في كثير من البيوتات اليوم، لقد بات مألوفاً أن تجد أبناء يعيشون في بيوت مظلمةٍ لا يرون الابتسامة ولا يسمعون الكلمة المحببة، وبنات معزولات عن آبائهن وأمهاتهن تتمنى الواحدةُ منهن أن تسمع كلماتْ الثناء والحنان والعطف ولين النفس، لقد كان نبيكم -صلى الله عليه وسلمَ- يفرح بقدوم ابنته فاطمة، بل كان يقوم لأجلها ويقول: "مرحبا بابنتي".
لقد كشفت دراسةٌ ميدانية أجريت على عدد من السجناء أن الحرمان العاطفي هو السبب الرئيس لوقوع الأبناء في الجريمة، ولا سيما في ظل تدهور المناخ الأسري وضعفِ العلاقات الأسرية.
وأكدت الدراسةُ أن اتجاهات الوالدين تؤثر في شخصيةِ الأبناء تأثيراً بالغاً، فالاتجاهات المُشْبَعةُ بالحب والقبولِ والثقة تمنحهم الأمان العاطفيَ والاستقرارَ النفسي، في حينِ أن الاتجاهاتْ الجافة عاطفياً والسلوكياتْ المترتبة عليها قد تدفعهم إلى عالمِ الجريمة والانحراف لا قدر الله، ثم لا تسل بعد ذلك عن ضياع الأبناء والبنات في ظل انفتاح الإعلام وغزوه على شتى الطرق، وتأثيره على عقولهم ونفوسهم، هواتفُ مدعومةٌ بكل ما يهدم في الغالب من تقنية فائقة، قنواتٌ وانترنت، غزل ومعاكسات، مجلات وأفلام، انحراف في الأخلاق، وانجراف إلى الفساد والضياع، سببه فراغ عاطفي ملئ من خارج الأسرة، كان الأولى أن يتدفق من داخلها وتحت ظل الزوجين الأب والأم.
ومن أسباب انهيار الأسر: انتشار السحر والتعاملِ به حتى راج وعمَّ، وكثُر السحرةُ بل والسفرُ إليهم، فهذا ينتقم من ذاك، وذاك يحسد هذا، كم من أسرة فُرق شملها وشُتت جمعها، كم من نساء طُلِّقن وأطفالٍ شردوا، كم من صحةٍ ذَبُلَت وسعادةٍ سُلِبَت، وكم من فرحة قُتلت وابتسامة وئدت، إنه السحر له حقيقة ومفعوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 102].
والناس في التعامل مع السحر حيارى مساكين؛ استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، عزلت البيوت عن ذكر الله وأصبحت خاوية على عروشها، قلّ الإيمان وضعفت الطاعة ونُسيت العبادة، لا ذكرٌ ولا تحصين ولا أذكار ولا قرآن يتلى، وإنما ملذاتٌ وغفلة وشهوات ومبارزة للمولى بالمعاصي وتبرج وسفور وضياع، ثم ما تلبث أن تسمع صيحاتُ الآباء وأناتُ الأمهات من تأثير السحر والشعوذة عليهم وعلى أبنائهم، وبعض الآباء لا يتورع من إدخال المشبوهين إلى منزله، فيدخل من هبّ ودب من أهل السوء والشر، ليدخل البيت من في قلبه مرض وحسد وغل وانتقام للأسرة ليضع سحراً في أكل أو شرب، غير آبه ما يقع للأسرة من هدم وتمزيق وفرقة وتشريد.
ومن الأسباب أيضا: وجودُ القنوات الفضائية وبروزها في البيت على مصراعيها من غير ضابط، لتُعرض أمام الأبناء والبنات بسمومها ومجونها وأفلامها وخلاعتها، رقص وغناء، مجون وعهر، تقبيل وضم، تكسر وتغنج، قنوات تعرض السحر والشعوذة، وأخرى تعرض النساء الكاسيات العاريات، يسيل منها لعاب العجوز الهرم لو رآها، فكيف بشاب وفتاة في ريعان شبابهما؟ يظن كثير من الآباء والأمهات أن اجتماع العائلة أمام التلفاز أمر يقرب العائلة، ويجعل بعضها مجتمعٌ إلى بعض.
لقد تبين بالدراسة أن وسائل الإعلام تمنع الإنسان من الاستمتاع بما حوله من العلاقات الاجتماعية والقراءة والتثقيف، بل تساعده على العزلة، وتقلل من غرس التفاهم بين الأزواج، كما أنها تشغل الطلاب عن المذاكرة، هذا بالإضافة إلى تسرب ألوان الفساد إلى الأسرة، فإلى الله المشتكى ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ومن أهم ما يكون سببا في انفكاك الأسر وانفراط عقدها وانهيار بنيانها: سوءُ تربيةِ الأولاد، بل انعدامها بالكلية، فإن الله -تعالى- امتن علينا بنعمة الذرّية، وحذّرنا من الافتتان بها، فقال: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15]، ولذلك فإن من حقّ أهلينا علينا، وتمامِ رعايتنا لهم، تربيتُهم التربيةَ الإسلاميةَ المحمدية، ولأداء أمانةِ الرعاية فلا بدّ للأبوين من الحرص والعملِ على تعليم الأبناء وتربيتهم، ولا يفوتهما أنهما محاسبان على التهاون والتقصير في ذلك، فقد روى الترمذي وأحمد عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلمَ- وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِى يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا: "أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا" قَالَتْ: "لا" قَال: "أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟" قَالَ: فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلمَ- وَقَالَتْ: "هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ".
لقد رتب النبي -صلى الله عليه وسلمَ- العقوبة في هذا الحديث على الأم وليس على البنت مع أنها هي اللابسة، إن التربية السليمة تبدأ منذ نعومة أظفار الأبناء.
وينشأ ناشئ الفتيان فينا | على ما كان عوّده أبوه |
وحدّث ولا حرج عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلمَ- في التربية، لتر مدرسةً متكاملة المناهج، راسخة الأصول، يانعة الثمار، وافرة الظلال في التربية والتنشئة الصالحة، فالله الله في التربية الحسنة، ربوا اليوم لتُخدموا غدا.
فمن زرع الحبوب وما سقاها | تأوه نادما يوم الحصاد |
عباد الله: إن هذه البيوت التي نعيش فيها أمانة في أعناقنا، والكثير من الآباء والأمهات اليوم أضاعوا هذه الولاية، فكم من بيوت تفككت، وأسر تفرقت، ومجتمعات تمزقت، وأبناء شقوا، وبنات تمردن، ورجال وُضعوا في ملاجئ العجزة، وسار كثير من أبناء المسلمين خلف ركب الأعداء، فهل من عقلاء يعودون عودة صادقة إلى الله لكي ينظروا إلى هذا الشتات، ولتسألُن يومئذٍ عما استودعتموه من هذه الأمانات التي وضعها الله بين أيديكم وفي رقابكم؛ في يومٍ لا ينفع فيه مَالٌ وَلَا بَنُونَ: (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 89].
اللهم طهر بيوتنا من المنكرات، اللهم اغفر لنا ولآبائنا وللأمهات.
توبوا إلى ربكم، واستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد الله حمد الشاكرين، وصلاة وسلاما على عبده وخليله محمد وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم المعاد.
أما بعد:
فيا عباد الله: إن من أسباب التمزق أيضا: تضييع الأهل والأولاد، وعدم الإنفاق عليهم مما يضطرهم للخروج خارج البيت، وخروجُ النسوة بالذات خارجَ البيت يفضي إلى أنواعٍ من المفاسد لا يعلمها إلا الله، وبعض هذا يكون بسبب بُخل القائم على أمر البيت، وكم حدثتنا القصص الواقعية عن فتياتٍ ارتكبن الفواحش لتحصيل الأموال، وربما لا يكون الغرض هو الوقوع في الفاحشة، وقل مثل ذلك في أنواع الخيانات الأخرى -والله المستعان-.
ومن الأسباب أيضاً: نشر الأسرار الزوجية، وهتك أسرار البيوت، ولذلك فإن كثيراً من الذين لا يخافون الله يحدثون بما في داخل بيوتهم من أنواع الأسرار التي لا يجوز أن تُخرج وتُفشى؛ من قلة الحياء وانعدام الغيرة، وغير ذلك من التساهل، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أصحابه من هذا فقال: "هل منكم الرجلَ إذا أتى أهله فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم، قال: ثم يجلس بعد ذلك فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا، فسكتوا، ثم أقبل على النساء، فقال: هل منكن من تُحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتها، وتطاولت لرسول الله ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن؟ فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطاناً في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه" (رواه أبو داود)، وقال عليه الصلاة والسلام: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها" (رواه مسلم).
ومن أسباب انهيار الأسر: سوءُ الخلق الذي يولد الفحش والبذاءة، والاعتداء والضرب والتوحش، فهذا رجلٌ يضرب زوجته أمام أولادها، وآخر يدعوا على ابنته وأمها بالسرطان والشلل، وثالث يقذف زوجته بالزنا، إن هذا التوحش المتولد من سوء الخلق يؤدي إلى أمورٍ عجيبة لا تحمد عقباها؛ وهذه نتيجةٌ طبيعية للابتعاد عن شرع الله، والتجاوز لحدود الله، وعدم التخلق بأخلاق الإسلام، فإن النفس إذا نُزع منها الدين، تحولت إلى وحشٍ كاسر -والعياذ بالله-.
أيها المسلمون: بيوتكم بيوتكم! وأُسَرَكُم أسركم! اتقوا الله فيها، واحذروا غضب الله، ولا شك عباد الله فإنه -ولله الحمد- يوجد عددٌ كبيرٌ من البيوت مستقيمة تحكّم الشريعة، بيوت طيبة طاهرة عفيفة، لكن الطيب مختلط بالخبيث، والمجتمع واحد والعمارات متجاورة، والبيوت متلاصقة، والشوارع والمدارس واحدة، إننا نتعامل مع بعضنا يومياً، الموظفون يختلطون ببعضهم، والناس لا يعيشون في فرقة، وإنما يعيشون مع بعضهم، وربما يكتوي الإنسان بنار فتنة جاره.
فعليكم بإصلاح بيوتكم، قوموا لله -تعالى- فيها بالواجب، ارعوها حق رعايتها، حافظوا عليها حفاظكم على أجسادكم وأموالكم.
اللهم طهر بيوتنا من المنكرات، اللهم ارزقنا الوقوف عند حدودك وجنبنا الحرام، اللهم ارزقنا حسن الخلق، وحسن تربية الأولاد، اللهم ارزقنا البر بآبائنا وأمهاتنا.
اللهم إن نسألك أن تجنبنا الفواحش والفتن ما ظهر منا وما بطن.
اللهم حرم علينا الفواحش وما ظهر من الآثام وما بطن، واجعلنا من عبادك المتقين الأخيار، يا رب العالمين.
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) [النحل: 90]، فاذكروه يذكركم، وتوبوا إليه واستغفروه، وقوموا إلى صلاتكم -يرحمكم الله-.