البحث

عبارات مقترحة:

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

العفو

كلمة (عفو) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعول) وتعني الاتصاف بصفة...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

ليلة غير عادية (ليلة القدر)

العربية

المؤلف أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. شرف ليلة القدر وفضائلها .
  2. تحري ليلة القدر والحث على استغلالها .
  3. حكم صدقة الفطر وآدابها وأحكامها .

اقتباس

هيَ فرصةُ العمرِ، وغُرةُ الشهرِ، وما أجلها وما أكرمها وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر, وألف شهر -عباد الله- تزيد على ثلاثة وثمانين عاما، فهي عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله -عزّ وجل-، فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، وهذا...

الخطبة الأولى:

الحمدُ للهِ الخلاَّقِ العليمِ؛ خلقَ الزمانَ، وكوَّرَ الليلَ على النهارِ، وكُلُّ شيءٍ عندَهُ بمقدارٍ، نحمدُهُ على إدراكِ هذا الشهرِ الكريمِ، ونشكرُهُ على ما حبانَا فيهِ منَ الخيرِ العظيمِ، ونسألُهُ سبحانَهُ صلاحَ نياتِنَا، وقبولَ أعمالنَا، واستقامتَنَا على أمرِهِ، واستمرارَنَا على عهدِهِ، وإعانتَنَا على ما يرضيهِ، واجتنابنَا لما يسخطُهُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ؛ دبرَ خلقَهُ بعلمِهِ وقدرتِهِ، وسيرَهُمْ على مرادِهِ وحكمتِهِ، ودلَّهُمْ على مَا يرضيهِ؛ فقطعَ معذرتَهُمْ، وأقامَ الحجةَ عليهِمْ، وهوَ العزيزُ الحكيمُ.

وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدَهُ ورسولَهُ؛ صلَّى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ وأتباعهِ إلى يومِ الدينِ.

أمَّا بعدُ:

فاتقوا اللهَ- تعالى- وأطيعوهُ، وأحسنُوا ختامَ شهرِكُمْ بخيرِ عملِكمْ، وألزمُوا أنفسَكمْ بعهدِكمْ، والاستمرارِ على طاعةِ ربِّكمْ، وأكثرُوا منَ الاستغفارِ؛ فإنَّهُ مرقِّعٌ لما تخرَّقَ منْ صيامِكمْ، والهجُوا للهِ -تعالى- بالحمدِ والشكرِ على رحمتِهِ بكمْ، وفضلِهِ عليكمْ؛ فلقدْ أدركتمْ رمضانَ صحاحًا معافينَ مسلمينَ، فصمتُمْ وقمتُمْ وقرأتُمْ وتصدقتُمْ، وفعلتُمْ منَ الخيرِ ما دُوِّنَ في صحائفِكمْ، وأتيتُمْ منَ البرِّ ما لمْ يوفقْ لهُ غيركمْ؛ وذلكَ محضُ فضلِ اللهِ -تعالى- عليكمْ: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) [النحل: 18 - 19].

عبادَ اللهِ: نحمدُ اللهَ -تعالى- أنْ مدَّ في أعمارِنَا ونسأَ في آجالنَا حتى أدركنَا هذا الشهرَ الكريمَ، ثمَّ أنعمَ علينَا بدخولِ هذهِ العشرِ المباركةِ، وها نحنُ الآنَ في خاتمةِ هذَا الشهرِ الكريمِ الذِي نسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يتقبلهُ منَّا بقبولٍ حسنٍ.

عبادَ اللهِ: ما أعظمُ هذهِ الليالي المتبقيةِ فإنَّ منها الليلةَ التي يرجَى أنْ تكونَ ليلةَ القدرِ، فإنَّ هذهِ الليلةَ العظيمةَ ليلةَ القدرِ منَ الليالي العظيمةِ المباركةِ، فهيَ فرصةُ العمرِ، وغُرةُ الشهرِ، وما أجلها وما أكرمها وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر, وألف شهر -عباد الله- تزيد على ثلاثة وثمانين عاما، فهي عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله -عزّ وجل-، فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، وهذا فضل عظيم وإنعام كريم.

لقدْ أعطيتْ الأممُ قبلنَا طولَ الأعمارِ، ولكنْ عوضَ اللهُ هذهِ الأمةَ قصرَ العمرِ معَ الزيادةِ في الأجرِ في العملِ.

منْ فضائلِ هذهِ الليلةِ: أنَّ قيامَهَا إيمانًا واحتسابًا ليسَ كألفِ شهرٍ، بلْ أفضلِ منْ ألفِ شهرٍ وصْفهَا ربنَا بأنهَا خيرٌ منْ ألفِ شهرٍ في قولهِ: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر: 3]، ووصفهَا بأنها مباركةٌ في قولهِ: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ) [الدخان: 3].

وبأنها تنزلُ فيها الملائكةُ.

وقوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) [الدخان: 4] أيْ يفصلُ من اللوحِ المحفوظِ إلى الكتبةِ أمرِ السنةِ وما يكونُ فيها منَ الآجالِ والأرزاقِ، وما يكونُ فيها إلى آخرهَا.

ووعدَ اللهُ وهوَ أصدقُ الصادقينَ بأنْ يغفرَ لمنْ قامهَا إيمانًا واحتسابًا ما تقدمَ من ذنبهِ؛ كما ثبتَ عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- أنهُ قالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" (متفقٌ عليه)، وقولهُ: "إيمانًا واحتسابًا" أيْ تصديقًا بوعدِ اللهِ بالثوابِ عليهِ، وطلبًا للأجرِ لا لقصدٍ آخرٍ منْ رياءٍ أو نحوِهِ.

ويستحبُّ تحري هذهِ الليلةِ في أوتارِ العشرِ منْ هذا الشهرِ الكريمِ؛ لحديثِ عائشةَ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ" (أخرجه البخاري).

وهيَ في ليلةِ سبعٍ وعشرينَ أرجى ما تكونُ؛ فعنْ معاويةَ بنِ أبي سفيانَ عنِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ" (أخرجه ابن حبان في "صحيحه وصححه الألباني).

وكونُهَا ليلةُ سبعٍ وعشرينَ هوَ مذهبُ أكثرِ الصحابةِ وعددٍ منَ العلماءِ، حتى أبيِّ بنِ كعبٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- كانَ يحلفُ لا يستثني أنها ليلةُ سبعٍ وعشرينَ؛ كما في الحديث عن زِرِّ بْنَ حُبَيْشٍ، يَقُولُ: "سَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فَقُلْتُ: إِنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؟ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ، وَأَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَأَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لَا يَسْتَثْنِي، أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ شَيْءٍ تَقُولُ ذَلِكَ؟ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، قَالَ: بِالْعَلَامَةِ، أَوْ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا" (أخرجه مسلم).

استغلّ ليلةَ القدرِ بالدعاءِ الذي يقربكَ إلى ربكَ؛ فعنْ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- قالتْ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: "تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (أخرجه الإمام أحمد في المسند وصحه الألباني).

فأكثرْ -أخي المسلمَ- فيها منَ الذكرِ والدعاءِ، ومنَ الخشوعِ والخضوعِ والبكاءِ، واحرصْ على دقائقهَا بلْ وثوانيهَا فقدْ لا يتيسرُ لكَ إدراكهَا مرةً أخرى.

لِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ كَانَتْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ هِيَ أَرْجَى اللَّيَالِي أَنْ تَكُونَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ عَامٍ، وَلِذَا كَانَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَرِوَايَةٌ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ المُسْلِمِينَ فِي عُمُومِ الْأَمْصَارِ فِي زَمَنِنَا هَذَا؛ فَإِنَّ المَسَاجِدَ تَمْتَلِئُ بِالمُصَلِّينَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ المُبَارَكَةِ تَحَرِّيًا لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ.

بَلْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ النَّصْرَانِيَّةِ اسْتَقَرَّ عِنْدَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةٌ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ المُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ حَفَاوَتِهِمْ بِهَا، حَتَّى وُجِدَ فِي بَعْضِ الْبُلْدَانِ اسْتِخْفَاءُ النَّصَارَى وَدُخُولُهُمْ مَعَ المُسْلِمِينَ فِي المَسَاجِدِ لِإِحْيَاءِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ؛ لِمَا يَرْجُونَهُ مِنْ بَرَكَتِهَا.

أيها الإخوة: ليلة القدر ليلة غير عادية أبداً.

بعد كل هذا الفضل وهذا التقدير الكبير لهذه الليلة هل يحسن بك أن تجلس في بيتك أو مع صحبك, أو في متجرك وتترك هذه الليلة وهي ليلة واحدة فقط؟

أيها الأخ الحبيب: لو قيل لك إنك بعد لحظات قليلة من بقائك في هذا المسجد في هذه الليلة ستحصل بعدها على مليون ريال هل تتوقعون أن يتخلف أحد؟ لا والله, بل رأينا أبواب المساجد وهي كظيظ من الزحام!

أيها الأخ الحبيب: الله -عز وجل- يصف هذه الليلة بأنها خير من ألف شهر، فأين الأذكياء؟ أين العقلاء؟ أين من يحسنون اقتناص الفرص؟ والله لا يجتهد في هذه الليالي إلا موفق.

أسأل الله -تعالى- أن يوفقك لقيامها، وكثرة الطاعات فيها، ويلهمك أحسن الدعاء، وعاجل الإجابة.

بارك الله لي ولكم....

الخطبةُ الثانيةُ:

بعدَ المقدمةِ.

أيهَا المسلمُ: وما يبغي التذكيرُ بهِ في ختامِ هذا الشهرِ: صدقةُ الفطرِ، وهيَ فريضةٌ فرضهَا الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ- على أمتهِ؛ فعنِ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- قالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ" (متفق عليه أخرجه البخاري في "صحيحه").

وشرعتْ زكاةُ الفطرِ لتكونَ طهرةً للصائمِ مما عسى أنْ يكونَ وقعَ فيهِ منَ اللغوِ والرفثِ، وتكونَ جابرةً ما فيهِ منْ قصورٍ، فإنَّ الحسناتِ يذهبنَ السيئاتِ، ولتكونَ عونًا للفقراءِ، والمعوزينِ، وطعمةً لهمْ في هذا اليومِ الذي هوَ يومُ عيدٍ وفرحٍ وسرورٍ، ليشاركوا الأغنياءَ في الفرحِ والسرور؛ فعنْ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- قالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين" (أخرجه ابن ماجه في "سننه وصححه الألباني).

وتجبُ هذهِ الزكاةُ على كلِّ مسلمٍ فضُلَ لهُ يومَ العيدِ وليلتهِ عنْ قوتهِ وقوتِ عيالهِ وحوائجهِ الأصليةِ، لا فرقَ بينَ ذكرٍ وأنثى ولا بينَ صغيرٍ وكبيرٍ، بلْ لا فرقَ بينَ غنيٍ وفقيرٍ، ولا بينَ ولا بينَ صائمٍ وغيرِ صائمٍ.

ويجبُ إخراجهَا عمنْ تلزمهُ مؤونتهُ منْ زوجةٍ أو قريبٍ إذا لمْ يستطيعوا إخراجهَا عنْ أنفسهمْ، فإنِ استطاعوا فالأولَى أنْ يخرجوهَا عنْ أنفسهمْ، لأنهمْ المخاطبونَ بها أصلًا.

وأما الجنينُ في بطنِ أمهِ إذا أكملَ أربعةَ أشهرٍ استحبَّ بعضُ أهلِ العلمِ أنْ يخرجَ عنهُ زكاةُ الفطرِ تطوعًا منْ غيرِ وجوبٍ.

والواجبُ في صدقةِ الفطرِ صاعٌ، والمرادُ بالصاعِ: الصاعُ النبويُّ، وصاعُ المدنيةِ، وهوَ ما يساوي بالكيلو في زماننَا الحاضر كيلوينِ وأربعينَ جرامًا منَ البرِّ الجيدِ، وأما الأرزُ وما أشبهَ ذلكَ منَ الأطعمةِ الثقيلةِ فيزيدُ وزنهُ، والوزنُ المعتدلُ ثلاثةُ كيلواتٍ تقريبًا.

فاعتبارُ الصاعُ هوَ الأساسُ وهوُ الأحوطُ في الأحوالِ والأطمعةِ كلهَا، خروجًا منَ الخلافِ واتباعًا للنصِّ الثابتِ بيقينٍ.

تؤدى صدقةُ الفطرِ منْ غالبِ قوتِ البلدِ، وإنْ لمْ ينصّ عليهِ في الحديثِ، كالأرزِ مثلًا.

وعلى هذا فلا تجزئُ إخراجها منَ الدراهمِ والفرشِ واللباسِ وأقواتِ البهائمِ والأمتعةِ وغيرها؛ لأنَّ ذلكَ خلافُ ما أمرَ بهِ النبيُّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-

وأما زمنُ إخراجها فلهُ وقتانِ: وقتُ فضيلةٍ، ووقتُ جوازٍ.

فأما وقتُ الفضيلةِ: فهوَ صباحُ العيدِ قبلَ الصلاةِ؛ لما في صحيحِ البخاريِّ منْ حديثِ أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي الله عنه- قالَ: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ" (متفق عليه).

وفيهِ أيضًا منْ حديثِ ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهما- أنَّ النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- "أَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ" (متفق عليه).

ويجوزُ إخراجها قبلَ العيدِ بيومٍ أوْ يومينِ ولا يجوزُ تأخيرها عنْ صلاةِ العيدِ، فإنَّ أخَّرها عنْ صلاةِ العيدِ بلا عذرٍ لمْ تُقبلْ منهُ؛ لأنهُ خالفَ ما أمرَ بهِ رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- وفي حديثِ ابنِ عباسٍ -رضيَ اللهُ عنهما- "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ" (أخرجه ابن ماجه في "سننه وصححه الألباني).

أما إنْ أخَّرها لعذرٍ فلا بأسَ.

وأما مكانُ دفعها فتدفعُ إلى فقراءِ المكانِ الذي هوَ فيهِ.

تقبل الله من الجميع صالح العمل.

هذا وصلوا وسلموا...