البحث

عبارات مقترحة:

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الكسل: مخاطره وصوره وعلاجه

العربية

المؤلف أحمد عماري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات
عناصر الخطبة
  1. تفشي داء الكسل والتحذير منه .
  2. التعريف بالكسل .
  3. بعض مخاطر الكسل وأضراره .
  4. بعض مظاهر الكسل وصوره وأشكاله .
  5. علاج الكسل والخمول .

اقتباس

داء عضال، ومرض فتاك، من اتصف به أقعده عن العمل لدنياه وأخراه، فصار عالة على غيره، معتمداً على غيره، لا يسدي معروفاً لأحد؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ذلكم هو داء الكسل، وما أدراكما الكسل؛ مرض خطير، إذا فشا في أمة تخلفت وتقاعست، وأصبحت في ذيل الأمم. ومن اتصف بهذا الوصف الشنيع...

الخطبة الأولى:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

ثم أما بعد:

إخوتي الكرام: نعود لنتم حديثنا في التحذير من مساوئ الأخلاق، وقبيح الخصال، وحديثنا اليوم عن داء عضال، ومرض فتاك، من اتصف به أقعده عن العمل لدنياه وأخراه، فصار عالة على غيره، معتمداً على غيره، لا يسدي معروفاً لأحد، لأن فاقد الشيء لا يعطيه؛ ذلكم هو داء الكسل، وما أدراكما الكسل؛ مرض خطير، إذا فشا في أمة تخلفت وتقاعست، وأصبحت في ذيل الأمم. ومن اتصف بهذا الوصف الشنيع خسر دنياه وأخراه.

الكسل هو التثاقل عن الشّيء، والفتور عنه، والقعود عن إتمامه. الكسل عجز القادر على العمل المتراخي عنه، المتثاقل إلى سفاسف الأمور، المتخلف عن عظائمها. الكسل تعطيل للواجب، وإخلال بالمسؤولية، وتضييع للأمانة.

وللكسل مخاطر كثيرة، وأضرار عديدة، يضرّ بها الكسول نفسه وأسرته ومجتمعه وأمته.

الكسل سبيل التردي والخسران والهبوط والانحطاط، ينتقل صاحبه من العزّ إلى الذلّ، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الرّفعة إلى الضّعة، ومن النّباهة إلى الخمول، ومن معالي الأمور وأشرافها ومحاسنها إلى سفاسف الأمور وأراذلها ومساوئها، ومن تعوّد الكسل ومالَ إلى الرّاحة فقدَ الرّاحة.

وَمَنْ يتهيّبْ صُعُودَ الجبالِ

يَعِشْ أبَدَ الدَّهْر بينَ الحُفرْ

الكسل سبب في تخلف الأمم، وتفشي الفقر والبطالة، وانتشار السرقة والجريمة؛ فالكسول لا ينفع نفسَه فضلا عن أن ينفع غيره، لا يُسدي المعروف لغيره، ولا يقدم الخير لغيره، ولا ينفع غيره لا في شدة ولا في رخاء، همته متدنية، وعزيمته فاشلة، يريد الحصول على المكاسب والمغانم بدون كدّ ولا جهد ولا عناء.

الكسل سبب في فوات الخيرات والمكاسب الدينية والدنيوية؛ فمن أشْرِبَ الكسلَ ورضيَ به فوّتَ على نفسه كثيرا من الخيرات، فاته أن يعيش في دنياه في هناء ورخاء مستمتعا بما أنعم الله عليه من نعم وخيرات، وفاته ما يَسعد به في الدار الآخرة من الأجر والثواب والحسنات في أعالي الجنان.

إخوتي الكرام: للكسل مظاهر عديدة وصور كثيرة في أمور الدين، وأمور الحياة، ومن صوره وأشكاله: التثاقل في أداء الفرائض والواجبات: أن يتثاقل المرء عن أداء ما افترضه الله عليه، أن يترك ما أوجبه الله عليه من فرائض وواجبات، وأن يتخلى عن وظيفته التي من أجلها خلقه الله وهي عبادة الله وحده.

من الكسل أن يقدم المرء هواه على طاعة مولاه، وأن يُؤْثِرَ الراحة على العبادة، وأن يستسلم لوساوس الشيطان ويقعَ في شِرَاكِه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "يعقد الشّيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على مكان كلّ عقدة عليك ليل طويل فارْقدْ، فإن استيقظ فذكرَ الله انحلّتْ عقدة، فإن توضّأ انحلّتْ عقدة، فإن صلّى انحلّت عقدة، فأصبح نشيطا طيّب النّفس، وإلا أصبح خبيث النّفس كسلان" (متفق عليه).

والكسل لا يليق أن يكون خلقا لمؤمن، لا يليق بمؤمن أن يكون كسولا في طاعة ربه، لا يليق بمؤمن يرجو لقاء الله والدار الآخرة، ويسعى للفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم أن يتكاسل في طاعة خالقه ومولاه.

فالكسل لا يليق إلا بمن لا يعرف هدفه، والغاية التي من أجلها خلق؛ لذا حذر الله -تعالى- من هذا الوصف القبيح، والخلق الذميم، وجعله صفة من صفات المنافقين -نعوذ بالله من النفاق-، فقال سبحانه: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 142]، وقال عز وجل: (وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة: 54].

من الكسل في الطاعة والعبادة: أن يتكاسل العبد في السنن والنوافل، والسنن والنوافل فضل من الله، وكرم من الله، ورحمة من الله، بها ينجبر ما قد يكون من نقص في الفرائض، وبها تكثر الحسنات، وترفع الدرجات، وتمحى السيئات، ويكون العبد محبوبا إلى الله، قريبا من الله، فقد قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: "وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه" (رواه البخاري عن أبي هريرة مرفوعا).

والتكاسل في الوظيفة والعمل، فالوظيفة أمانة ومسؤولية، والمخلّ بها مذنب وآثم، والمُجدّ فيها مُثاب ومأجور؛ فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيّع؟ حتى يُسألَ الرجلُ على أهل بيته" (أخرجه النسائي وابن حبان، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة) فكيفَ لعاقل أن يتكاسل في وظيفة تقلدها ومسؤولية تولاها وعمل أنيط به، فيَجني على نفسه وعلى أمّته، ويُحمّل نفسَه أوزارَ الناس ذوي الحقوق الذين ضيع حقوقهم بكسله وتفريطه؟

من الكسل: أن يرضى المرء لنفسه بالبطالة وترْكِ العمل، يَعتمدُ على غيره في قوته وقوت عياله، يَمدّ يديه متسولا في الطرقات وعلى أبواب المساجد.

ومشكلة البطالة ليست فيمن لم يجد عملاً يعمله في فترة معينة وهو يَجدّ ويجتهد في البحث عن العمل، ولكن المشكلة فيمن يرضى بالبطالة، ويرفض العمل، ويخلد للراحة والكسل، ويتكبّر على كل عمل حلال عُرض عليه، ويرضى لنفسه أن يكون عالة على غيره، ثِقلا على مجتمعه.

والبطالة من أخطر المشكلات الاجتماعية وأسوئها عاقبة وأشدها تأثيرًا على طمأنينة الحياة وهناءة العيش؛ لأنها تولد التسول والسرقة والغش والخداع، وغير ذلك من قبيح الفِعال.

ولا شك أن العمل مهما كان حقيرًا فهو خير من البطالة والتسول، ولا يليق بالرجل القادر أن يرضى لنفسه أن يكون حِمْلاً على كاهل المجتمع، ثقيلاً مرذولاً، وأن يقعد فارغًا من غير شغل، وأن يكون عالة على غيره في قوته وأمور حياته، يتقاعس عن العمل وينتظر ما تجود به أيدي العاملين من الأقارب أو الأباعد، فهذه سفاهة في الرأي وسذاجة في العقل، وسيُوَرّثه ذلك الذل والمهانة والبغض في قلوب الخلق، وقد ذم الله -تعالى- من يترك نفسه عالة على غيره، فقال سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بخَيْر هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 76]؟

الجواب: لا يستويان أبدا، لا يستوي الذي هو عالة على الناس، وذاك الذي يقدم النفع للناس.

فليس بنقص ولا عيب أن يعمل المرء عملاً قد يعدّه بعض الناس عملاً حقيرًا؛ فنبيّ الله داود -عليه السلام- عمل في الحدادة، ونبي الله زكريا -عليه السلام- عمل في النجارة، ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ- عمل في الرعي والتجارة، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: "ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم"، فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: "نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" (أخرجه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه-)، وفي صحيح البخاري عن الزبير بن العوام -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه" فلا عيب في العمل مهما كان حقيرا، وإنما العيب كل العيب، في الخمول والكسل والبطالة، حين يعيش الإنسان على فتات غيره، ويعيش على لقمة غيره، يقعد في الطرقات سائلا متسولا، مع أنه صحيح البدن قوي الجسد.

والمؤمن نزيه القلب شريف الخُلق، عزيز النفس، لا يرضى أن يكون عالة على الناس، بطالاً أو متسولاً، وقد قال جبريل -عليه السلام- لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ-: "يا محمد شرَفُ المؤمن قيام الليل، وعِزّهُ استغناؤه عن الناس" (أخرجه الحاكم من حديث سهل بن سعد، وقال: "صحيح الإسناد ووافقه الذهبي"، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة بمجموع طرقه).

ومن صور الكسل وأشكاله: تكاسل الطلبة والتلاميذ في دراستهم، بانشغالهم باللهو واللعب وتضييع الوقت فيما لا ينفع على مَدار السنة، حتى إذا حان وقت الامتحان لم يجدوا وسيلة للنجاح إلا الغش والتحايل، وبئست الشهادة التي تنال بالغش، ولا خير في الغش لصاحبه ولا لأهله ولا لوطنه ولا لأمته؛ لأنه ينتج إنسانا فاشلا يُسنَدُ إليه ما لا يجيده ولا يتقنه من الأمور.

فعلى التلاميذ والطلبة أن يَجدّوا ويجتهدوا من بداية السنة الدراسية إلى منتهاها، وليَعلموا أن لا مصلحة لهم إلا في الجد والاجتهاد. أما الكسل والخمول فمآله الفشل والرسوب والندامة.

وعلى الآباء والمربين أن يُحبّبوا الدراسة للطلبة والتلاميذ؛ بحُسن إرشادهم وتعليمهم وتربيتهم، بالرفق والرحمة واللين.

وعلى كافة المسؤولين أن يُهيئوا كل الظروف والوسائل لضمان سنة دراسية ناجحة.

إخوتي الكرام: هل من علاج لداء الكسل بجميع أشكاله وأنواعه؟ ما الدواء النافع لهذا الداء العضال؟

أولا: استعذ بالله -تعالى- ليحميك الله من هذا الداء العضال، فهو سبحانه مُعيذ من استعاذ به، مجير من استجار به، ناصر لمن احتمى به واعتمد عليه، وهذا ما علمَنا إياه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ-؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلمَ- يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرَم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر" (متفق عليه).

ثانيا: استعن بالله -تعالى-؛ فهو سبحانه معينٌ من استعان به، وهو ولي العون والتوفيق، ونحن الفقراء إلى الله، في حاجة إلى عونه وتوفيقه في كل وقت وحين، في أمور الحياة وفي أمور الدين، وقد علمنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلمَ- في وصيته لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه- وهي وصية لنا جميعا: أن نسأل الله -تعالى- العونَ على طاعته وعبادته، فقال عليه الصلاة والسلام: "أوصيك يا معاذ لا تدَعَنّ في دُبُر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذِكرك، وشكرك، وحُسن عبادتك" (أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع).

ثالثا: ضرورة الصبر والمصابرة في كل عمل صالح نافع؛ فالإصلاحُ والتغيير وتقديمُ النفع للآخرين يحتاج إلى صبر ومصابرة، يحتاج إلى إرادة قوية وهمة عالية، وهكذا كان أفضل المُصْلِحين وهم أنبياء الله ورُسله، وهم قدوتنا في الصبر والمصابرة والهمة العالية ومحبة الخير للناس أجمعين، وقد أمر الله -تعالى- بالتأسي بهديهم وصبرهم، فقال سبحانه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فبهُدَاهُمُ اقتدِهْ) [الأنعام: 90]، وقال عز وجل: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) [الأحقاف: 35].

وإذا الكسل من عيوب النفس فإن التخلص منه يحتاج إلى صبر ومصابرة: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 7 - 10]، يقول ابن المنكدر -رحمه الله تعالى-: "كابدتُ نفسي أربعين سنة حتى استقامتْ"، ويقول ثابت البناني -رحمه الله- عن الصلاة: "كابدتُ الصلاة عشرين سنة، وتنعّمْتُ بها عشرين سنة" أي حتى أصبحت محبوبة لدى النفس، يَجد راحته فيها وطمأنينته فيها.

رابعا: اعلم أن عمرك في نقصان؛ لا يحتمل أن تضيعه في الكسل والخمول، عمرُك ينقص في كل وقت وحين. كل يوم يمضي وكل ليلة وكل شهر وكل سنة وكل لحظة إلا وينقص بها عمر هذا الإنسان، وهو في غفلة وسهو، يقول الحسن البصري –رحمه الله-: "ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما مضى يوم مضى بعضك" فلماذا تضيع هذه الأيام فيما لا ينفع؟ في كسل في خمول؟

خامسا: اعلم أن المؤمن ليس بطالاً ولا متسوّلاً، لا عمل له ولا كسب؛ بل لا يليق بالمؤمن إلا أن يكون كادحًا عاملاً، مؤدّيًا دورَه في الحياة، آخذًا منها، معطيًا لها، قال تعالى: (هُوَ الذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فامْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15]، وقال سبحانه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص: 77]، وقال عز وجل: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10].

وفي صحيح البخاري عن المقدام -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- قال: "ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود -عليه السلام- كان يأكل من عمل يده"، يقول ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إني أكره أن أرى الرجل فارغا، لا في عمل دنيا ولا آخرة" (أخرجه الطبراني في المعجم الكبير).

سادسا: اعلم -رحمك الله- أن الذي ينفعك في دنياك وفي أخراك هو أن تجد وتجتهد؛ أن تتحلى بهمة عالية وإرادة قوية، وأن تبتعد عن العجز والكسل والفتور والخمول.

أما في الدنيا؛ فإن الكسل سبيل إلى الفشل والتخلف والفقر والجهل. والكسول لا يَبني مَجْدا، ولا يُؤسّس حضارة، ولا يُعَوّل عليه في شيء.

والوطن والأمة في حاجة إلى أناس أذكياء متفوقين نجباء، ذوي عقول ذكية، وهمم عالية، ونفوس تواقة، وسواعد قوية، وأخلاق راقية، وقلوب نقية مُحِبة رحيمة.

وأما في الآخرة؛ فإن الفوز بالجنة والنجاة من النار لا يكون إلا بالجد والعمل: (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران: 185]، وهذا الفوز يحتاج إلى جد واجتهاد وعمل، قال تعالى: (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ) [الزخرف: 72 - 73].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ-: "من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة" (أخرجه الترمذي والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع).

فاتقوا الله -عباد الله-، وجدّوا واجتهدوا، ولا تعجزوا ولا تتكاسلوا: (اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].

نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من المفلحين الفائزين، وأن يوفقنا لما فيه خير لنا في ديننا ودنيانا، وأن يعيذنا ويحفظنا من الكسل وعواقبه ونتائجه.

اللهم حببْ إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرّهْ إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين.

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع شملهم، ووحد صفوفهم، وفرج همومهم، ونفس كروبهم، وانصرهم على أعدائهم يا قوي يا عزيز.

وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].