البحث

عبارات مقترحة:

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

ماذا بعد رمضان؟

العربية

المؤلف محمد بن سليمان المهوس
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصيام
عناصر الخطبة
  1. وداع شهر رمضان المُبارَك .
  2. سرعة انقضاء شهر رمضان .
  3. الوجل من قبول الأعمال .
  4. علامات القبول .
  5. المداومة على الطاعات بعد شهر رمضان. .

اقتباس

من علاماتِ قَبُولِ العملِ تتابعُ الحسناتُ، والمداومةُ على فِعْل الطّاعات بعدَ رمضان، فيا مَنْ أطعتَ اللهَ في شهرِ رمضان، إيّاكَ أنْ تَعودَ إلى المعاصي والأوزارِ بعدَه، فَحُضورُكَ إلى المساجدِ والمحافظة على الصلاة في رمضان لا بُد أنْ يستمرّ بعْد رمضان، وكذا تلاوةُ الْقُرآنِ، وقيامُ اللَّيلِ، والصيامُ، والْـجُودُ والْكَرَمُ، وهكذا بقيةُ الأعْمال؛ فاللهُ خلقكَ لِعبادته وطاعَتِهِ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إنّ مِنْ أعظمِ النّعم التي يُنعم الله بها على عباده، أنْ بَلّغهم أيامَ الطاعات، ومواسمَ الخيرات، ونُزولَ الرحمات، لِيتزودوا من الحسنات، ويستغفرونَ عن ما بدر منهم من الذنوب والسيئات، ولقد عِشْنا مع شهر رمضان أجملَ الأوقات فَالْهِمَمُ عاليةٌ، والصدورُ منشرحةٌ، والنفوسُ مقبلةٌ على ربِّها، وهذا كلُّه فضلٌ من الله ومنّة، كما قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 83]، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر: 29- 30].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لقد مضتْ أعمالُ الطَّاعاتِ والقُربات التي عُمِلتْ في رمضان، وبقي قَبُولُها، ولاشك أن المطلبَ الأعظمَ قَبولُ هذه الأعمال، فلقد كان السلف الصالح يجتهدون في إكمال العمل وإتمامه وإتقانه ثم يهتمّون بعد ذلك بِقَبولِه، ولما نزلت هذه الآيةُ على النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60]، تقولُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)؛ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: "لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ" (رواهُ التِّرمِذِيُّ، وصحّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

قال فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لأَنْ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ تَقَبَّلَ مِنِّي مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ؛ لأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]".

وقالَ عبدُ العزيز بنُ أبي روّاد -رَحِمَهُ اللهُ-: "أدركتُهُم يَجْتهِدُونَ فِي الْعَمَلِ الصّالحِ فإذا فَعلُوه وَقَعَ عَليْهِمُ الْهَمُّ أيُقْبَلُ مِنْهُمْ أمْ لا؟".

وقالَ مَالِكُ بنُ دِينارٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الخوفُ عَلى الْعَمَلِ ألاّ يُقْبَلُ أشَدُّ منَ الْعَمَل".

وقد ذكر العلماءُ أنّ من علاماتِ قَبُولِ العملِ تتابعُ الحسناتُ، والمداومةُ على فِعْل الطّاعات بعدَ رمضان، فيا مَنْ أطعتَ اللهَ في شهرِ رمضان، إيّاكَ أنْ تَعودَ إلى المعاصي والأوزارِ بعدَه، فَحُضورُكَ إلى المساجدِ والمحافظة على الصلاة في رمضان لا بُد أنْ يستمرّ بعْد رمضان، وكذا تلاوةُ الْقُرآنِ، وقيامُ اللَّيلِ، والصيامُ، والْجُودُ والْكَرَمُ، وهكذا بقيةُ الأعْمال؛ فاللهُ خلقكَ لِعبادته وطاعَتِهِ، كمَا قالَ اللهُ –تَعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]، وقال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [الأنعام: 162].

وهذه العبادةُ لا تَنْتهي ولا تَنْقَطِعُ إلا بِموتِ الْعَبْدِ، كمَا قالَ تعالى: (وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ) [الحجر: 99].

وَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْها - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَاعْلَمُوا أَنْ لَنْ يُدْخِلَ أَحَدَكُمْ عَمَلُهُ الْجَنَّةَ، وَأَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ" (رواه البُخاري).

وعَنْها - رَضِيَ اللهُ عَنْها – "إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا" (رواهُ مُسْلم).

فاتّقُوا اللهَ –تَعالى- عبادَ الله، واعْلَمُوا أنَّ الْمُوفّقَ منْ وُفّقَ لعملٍ صالحٍ مَقْبول، اللَّهُمَّ وفّقْنا لِصالحِ الأقْوالِ والأعْمَالِ واجْعَلْنا منَ المَقْبُولِينَ يا ربَّ الْعَالَمِينَ.

باركَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الكتابِ والسُّنة، وَنَفَعنا بِما فِيهِما مِنَ الآياتِ وَالْحِكْمَةِ، أقولُ قَوْلِي هَذا، وأسْتغفرِ اللهُ لِي وَلَكُم مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإنّه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحيم.

اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً.

أمّا بَعْدُ: فاعْلَموا عِبادَ اللهِ: أنَّ المداومةَ على الأعمالِ الصالحةِ سببٌ في حُسنِ خَاتِمَةِ الْعبد، قالَ -صلّى اللهُ عليْهِ وسلّم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عز وجل- بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَلَهُ" قِيلَ: وَمَا عَسَلُهُ؟ قَالَ: "يَفْتَحُ اللَّهُ -عز وجل- لَهُ عَمَلًا صَالِحًا قَبْلَ مَوْتِهِ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ" (رواه الترمذي وصححه الألباني).

وقالَ -صلّى اللهُ عليهِ وسلّم-: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ" قِيلَ: وَمَا اسْتَعْمَلَهُ؟ قَالَ: "يُفْتَحُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ مَنْ حَوْلَهُ" (رواه الإمامُ أحمد، وصحّحه الألباني).

فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واحْرِصُوا على طاعةِ ربِّكم، فالسّعيدُ من وُعِظ بِغيره، فكمْ سَمِعْنا من ماتَ وهو ساجداً، ومن ماتَ وهو معتكفاً، ومن مات وهو محرماً، ومن مات وهو في طريقٍ لعمل صالح وهكذا فَلْأعمالُ بِالخواتِيم، اللّهُم تُبْ علينا وأحْسِنْ خاتِمَتِنا وارزقْنا الجنةَ يا ربّ العالمين.

هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ، فَقَال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقالَ ‏-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا" (رَوَاهُ مُسْلِم).