الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | محمد بن سليمان المحيسني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
بغير الوالد يبقى الولد يتيماً، ينظر إليه بعين العطف والرحمة، حتى وإن وجد من يأويه، ولكن إذا انعكس الوضع فقوبل الإحسان بالإساءة، وجوزي المحسن بالجحود، كان ذلك تنكراً للجميل، وخروجاً على الدين، ولو قيس كل جميل ومعروف يبذله الناس لبعضهم في هذه الحياة بجميل معروف الوالدين لأولادهم؛ لربا جميلهم على كل جميل، ولفاق كل معروف، ومن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي هدانا واجتبانا، ومن خلقه اصطفانا، تفضلاً منه وامتناناً، وأنزل القرآن هدىً للناس وبياناً، وحكماً بالغة وفرقاناً، فقال في محكم كتابه: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23].
نحمده تعالى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أوجب طاعة الوالدين، وحرم عصيانهما وقهرهما، فقال عز من قائل: (فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا)[الإسراء: 23].
ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، سيد العظماء، وأشرف الكرماء، وأفضل من تحت السماء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الفضلاء، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله وأطيعوه، وأتمروا بأمره ولا تعصوه.
أيها المسلمون: تردد على سمعي وبصري حكايات ومواقف يندى الجبين لسماعها، ويندى الجبين لرؤيتها؛ إذ هي مواقف تحمل طابع الأنانية، وتخالف المروءة مخالفة تامة، هذا بالإضافة إلى كونها كبيرة من كبائر الذنوب، بل ومن الذنوب التي قرنها الله بالشرك الأكبر، ولعل من أبرز المواقف التي مرت، وإن كانت نادرة الوقوع، إلا أن الإنسان يخشى أن يتركها فيستفحل أمرها، ويكثر صدورها؛ هذه المواقف كانت بين طرفين لا يستغني أحدهما عن صاحبه، هذه المواقف كانت بين شباب مع آبائهم وأمهاتهم، مع أكثر الناس إنعاماً وتفضلاً عليهم؛ بين شباب وآبائهم الذين أحاطوهم بالرعاية، والحضانة والخدمة؛ مع آبائهم وأمهاتهم الذين سهروا ليلهم، وأنفقوا أموالهم، وشغلهم الهم بهم دون غيرهم، وبين الأبناء والآباء الذين كانوا يبكون لبكائهم، ويفرحون لفرحهم، ويحزنون لحزنهم.
كان من هذه المواقف المخزية؛ مجيء أحد ولاة الأمور يشتكي تعامل الابن معه، فأخذ الوالد بالحديث، وكأن ما يقوله عن الابن حلم لا حقيقة، فذكر ما كان يتلفظ به الابن اللئيم من ألفاظ نابية وسب وشتم، حتى توقف الوالد عن الكلام فجأة، فتغير وجهه حتى ذرفت منه دمعة، أوقفت الكلمة في لسانه، ثم استطرد بعدها في الكلام، فانتهى به الحديث عن الابن بتطاول الابن اللئيم بالضرب، بالضرب لمن؟ لصديقه؟ لعدوه؟
لا، لأقرب الناس إليه، لوالده.
وبعدها بأيام حضر إليّ والد آخر، لقي كما لقي الأول أيضاً؛ إذ بلي بابن لئيم قرب زملاءه وجفا أباه، فأرهق والده بالمصاريف والمتطلبات التي لا تعود عليه بالخير، يحدثني الأب وقد قاسى ألواناً من التعب والأذى، يقول: أتى إليّ الابن كعادته يريد مبلغاً لشراء سيارة أخرى، محدداً نوعية هذه السيارة، ففهمت من اختياره لهذه النوعية أنه يريد استخدامها لأغراض سيئة من التطعيس والتفحيط، فرفضت طلبه، فأصر، فأصررت على الرفض، فتكلم عليّ بكلمات نابية، ثم خرج من المنزل وهو يزمجر ويتوعد، فحضر في اليوم الثاني، وهو مصر على طلبه، فأبيت، ففوجئت به وهو يمسكني بمجامع ثيابي، يريد أن يوسعني ضرباً.
أما الرجل الثالث؛ فقد حضر يوماً من الأيام ومعه ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر سنة، فأوقف سيارته ومعه ابنه، فنظرت في السيارة وإذا بالابن مقيد بالسلاسل في يديه ورجليه، والأب في حالة من الغضب والأسى والكمد؛ فابنه الذي كان ينتظر ثماره في كل لحظة أصبح الآن يتمنى زواله وفقدانه، فقد أعياه أيما إعياء، وأشقاه أيما شقاء، حتى إن الابن هم بقتله، وقد أخبرني الابن نفسه عن الطريقة التي حاول فيها قتل أبيه بتخطيط مع زملائه -لا كثرهم الله-.
أحبتي في الله: هذه الأحداث وإن كانت نادرة الوقوع، وبهذه الكيفية؛ فإني أخشى أن تستفحل يوماً بعد يوم، فالنار من مستصغر الشرر، أخشى أن يتمادى أصحابها، حتى يصلوا إلى ما وصل إليه غيرهم؛ فإن الشر لا ينتهي إلى حد، وإن الذي وصل إلى حد التطاول على الوالد باليد لم يصل إلا بعد تجرئه على رفع الصوت، وإن الذي تصل به اللآمة والخيانة، ونكران الجميل إلى ضرب أبيه قد يصل إلى قتله، كما هي الحال فيمن سمعتم خبره قبل أشهر يسيرة في الإذاعات والصحف، حيث قتل حداً وتعزيراً للقضية البشعة، والعمل الذي ينافي مقتضى الفطرة البشرية؛ إذ عمد مع زوجته إلى قتل أمه تلكم القتلة البشعة، وكما هي الحال في القضية التي نشرت يوم الجمعة الماضي، والتي حدثت في بلد عربي مجاور، حيث اتفقت الزوجة مع ابنتيها على خيانة زوجها الذي يعتبر الأب للفتاتين، فتحين الجميع فرصة نومه، وبعد أن غطَّ الأب في نومة قامت الزوجة بكتم أنفاسه، وقامت الفتاتان بتوثيق يديه ورجلين حتى قتلنه شر قتلة، وصدق الله إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[التغابن: 14].
أيها الأبناء: قال رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في حديث طويل: "من صنع إليكم معروفاً فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه"[أبو داود: باب عطية من سأل بالله (2/128)، رقم (1672)، وابن حبان: ذكر الأمر بالمكافأة لمن صنع إليه معروف (8/199)، رقم (3408)].
فمن الذي كان سبباً في خروجك إلى الدنيا بعد الله؟
من الذي غذاك بعد الله؟
من الذي عالجك بعد الله؟
من الذي سهر الليل والنهار لحمايتك ورعايتك، ومن الذي كساك بعد الله؟
من الذي أمّن مسكنك بعد الله؟
بغير الوالد يبقى الولد يتيماً، ينظر إليه بعين العطف والرحمة، حتى وإن وجد من يأويه، ولكن إذا انعكس الوضع فقوبل الإحسان بالإساءة، وجوزي المحسن بالجحود، كان ذلك تنكراً للجميل، وخروجاً على الدين، ولو قيس كل جميل ومعروف يبذله الناس لبعضهم في هذه الحياة بجميل معروف الوالدين لأولادهم؛ لربا جميلهم على كل جميل، ولفاق كل معروف، ومن أجل ذلك وجه الباري الأنظار إلى عظيم منتهما بالوصية بهما، تقديراً لفضلهما، فقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)[لقمان: 14].
بيد أن في الناس من لا يرفع رأساً بهذه الوصية الكريمة، فيغدو متنكراً لجميل والديه، مصعراً لهما خده، شامخاً عليهما بأنفه، معتزاً بشبابه، أو بجاهه وماله، أو بثقافته وتعليمه، متناسياً ماضيه، وقد كان ملء السمع والبصر من والديه، وموضع الرعاية والعناية طفلاً رضيعاً، فصبياً، فغلاماً، فشاباً مكتمل النضوج، ومع الأسف يمضي وكأنه لا يذكر لحظة من لحظات ذلك الماضي الحافل بالمنن والأيادي السابغة للوالدين.
ثم تعدى الأمر إلى الإساءة إليهما في أبشع صور الإساءة؛ حتى يبلغ إلى حد السب، أو الضرب، أو القطيعة، أو الهجران، ولكن الله بالمرصاد لمن انتكست قلوبهم، فلسوف يلقى العاق جزاءه في دنياه قبل آخرته، حيث يشقى في الدنيا، ويصطلي في الآخرة عذاب الجحيم.
فشقاء الدين أوضحه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "كل الذنوب يغفر الله منها ما يشاء إلا عقوق الوالدين؛ فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات"[مشكاة المصابيح للتبريزي (3/1383)].
ومن أعظم الشقاء عقوق أبنائه له في المستقبل جزاءً وفاقاً، كما جاء في الأحاديث: "بروا بآبائكم تبركم أبناؤكم"[المستدرك: كتاب البر والصلة (4/170)، رقم (7258)، والمعجم الأوسط (1/299)، رقم (1002)، وقال في مجمع الزوائد (8/138):" رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح، غير شيخ الطبراني أحمد غير منسوب، والظاهر أنه من المكثرين من شيوخه فلذلك لم ينسبه، والله أعلم"].
أيها الأخ المسلم: إن العار والشنار، والويل والثبور أن يفاجأ الوالدان بالتنكر للجميل بتطلعهما للإحسان، وأملهما بالصلة بالمعروف، فإذا بالمخذول المخدوع يتناسى ضعفه وطفولته، ويترفع بمنصبه أو استغنائه عنهما بماله، فيؤذيهما لأدنى سبب بالتبرم والتأفف، وفحش القول، ونهرهما وقهرهما، حتى يتمنيا أن لو كانا عقيمين بسببه.
فيا أيها العاق لوالديه: هل حين كبرا فاحتاجا إليك جعلتهما أهون الأشياء عليك؟
قدمت غيرهما بالإحسان! وقابلت جميلهما بالنسيان! وشق عليك أمرهما، وطال عليك عُمرهما، فاستمع أخي إلى كلام والد يناجي ولده، وقد أذاقه الأذى ألواناً، يقول الوالد:
غذوتك مولوداً وعلتك يافعاً | تعل بما أدني عليك وتنهل |
إذا ليلة نابتك بالسقم لم أبت | لذكرك إلا ساهراً أتململ |
كأني أنا المطروق دونك بالذي | طرقت به دوني وعيني تهمل |
تخاف الردى نفسي عليك وإنها | لتعلم أن الموت حتم مؤجل |
فلما بلغت السن والغاية التي | إليها مدى ما كنت فيك أؤمل |
جعلت جزائي منك جبهاً وغلظة | كأنك أنت المنعم المتفضل |
وسميتني باسم المفند رأيه | وفي رأيك التفنيد لو كنت تعقل |
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي | فعلت كما الجار المجاور يفعل |
فأوليتني حق الجوار ولم تكن | عليّ بمالي دون مالك تبخل |
ويقول الآخر:
يود الردى لي من سفاهة رأيه | ولو مت بانت للعدو مقاتله |
إذا ما رآني مقبلاً غض طرفه | كأن شعاع الشمس دوني يقابله |
أيها المسلمون: إن الإسلام بتعاليمه القيمة، وأوامره الشريفة كتب على من تناسى الجميل للوالدين، وضرب بإحسانهما عرض الحائط؛ كتب الإسلام عليه أقبح الأسماء والصفات، وحكم عليه الباري جل جلاله بأقسى العقوبات، فقرن حالته بحالة المشركين الجاحدين لرب العالمين، روى البخاري -رحمه الله- عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس"[البخاري: باب اليمين الغموس (2/939)، رقم (6298)].
ولـابن حبان في صحيحه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث كتاباً إلى أهل اليمن مع عمرو بن حزم قال فيه: "وإن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير حق، والفرار في سبيل الله يوم الزحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم"[ابن حبان: ذكر كتبة المصطفى صلى الله عليه وسلم من أهل اليمن (14/504)، رقم (6559)، وقال في مجمع الزوائد (3/72):" رواه النسائي رواه الطبراني في الكبير، وفيه سليمان بن داود الحرسي، وثقه أحمد، وتكلم فيه ابن معين، وقال أحمد: إن الحديث صحيح، قلت: وبقية رجاله ثقات"، وقال الزيلعي في نصب الراية (2/341):" ورواه عبد الرزاق في مصنفه: أنبأ معمر عن عبد الله بن أبي بكر به، وعن عبد الرزاق رواه الدار قطني في سننه، وأخرجه الدار قطني أيضاً عن إسماعيل بن عياش بن يحيى بن سعيد عن أبي بكر به، ورواه كذلك ابن حبان في صحيحه في النوع السابع والثلاثين من القسم الخامس، والحاكم في المستدرك كلاهما عن سليمان بن داود حدثني الزهري به، قال الحاكم: إسناده صحيح وهو من قواعد الإسلام انتهى. وقال ابن الجوزي -رحمه الله- في التحقيق: قال أحمد بن حنبل رضي الله عنهما: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح"].
وأخرج أحمد والنسائي والبزار والحاكم بإسناد صحيح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة حرم الله -تبارك وتعالى- عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر الخبث في أهله"[أحمد (2/69)، رقم (5372)].
ولأبي أمامة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً: عاق، ومنان، ومكذب بقدر"[المعجم الكبير (8/119)، رقم (7547)].
ولـثوبان -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا ينفع معهن عمل: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف"[المعجم الكبير (2/95)، رقم (1420)، وقال في مجمع الزوائد (1/104): "رواه الطبراني في الكبير وفيه يزيد بن ربيعة ضعيف جداً"].
ولأبي هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله سبعة من فوق سبع سماواته، وردد اللعنة على واحد منهم ثلاثاً، ولعن كل واحد منهم لعنة تكفيه، قال: ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من عمل عمل قوم لوط، ملعون من ذبح لغير الله، ملعون من عق والديه، ملعون من أتى شيئاً من البهائم، ملعون من جمع بين امرأة وابنتها، ملعون من غير حدود الأرض، ملعون من ادعى إلى غير مواليه"[المعجم الأوسط (8/234)، رقم (8497)، وقال في مجمع الزوائد (6/272):"رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محرز بن هرون، ويقال محرر، وقد ضعفه الجمهور، وحسن الترمذي حديثه، وبقية رجاله رجال الصحيح "].
والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً، ومن منّ الله عليه، وكتب له الهداية؛ فإن حديثاً واحداً من هذه الأحاديث يجعله يصحح ماضيه إن كان خطأ، ويزداد في البر إن كان صائباً.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع نهجه، وصار على دربه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- القائل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)[الإسراء: 23].
أحبتي في الله: إن كلام الابن العاق تئن له الفضيلة، وتبكي له المروءة، وتأباه الديانة، وترفضه الفطرة، ولا يرضى به العاقل فضلاً عن المتعلم لأحكام دينه، ولئن كان الإسلام نهانا، وشدد في النهي عن إصدار أدنى الإهانات، وهي كلمة: "أف" والتي تعني: التسخط من عملٍ قد يعمله الوالدان، أو قول قد يصدرانه، فإذا كان الإسلام ينهانا عن إصدار هذه الكلمة اليسيرة التي قل أن يسلم منها إنسان؛ فما الحال إذاً بمن سمعتم عن أخبارهم من السب والشتم والضرب والقتل لآبائهم؟!
لا شك أنهم ألقوا أنفسهم في هاوية، وحفرة عميقة من حفر نار جهنم إذا استمروا في أفعالهم، ولم يراجعوا أنفسهم، فيقدروا لآبائهم حق قدرهم، ويحترموهم ويجلوهم غاية الإجلال والتقدير، حتى وإن صدر من الأبوين -إما لكبرهما أو لجهلهما- ما يورث التبرم، فإن الابن ينبغي له أن يرجع بذاكرته إلى الوراء، ليقارن بين هذه الهفوة، وبين تلك الحسنات الجمة التي نالها من الوالدين.
عباد الله: هذه الخطبة أعتبرها ركيزة من الركائز التي أبني عليها خطباً في المستقبل -إن شاء الله - من ناحية بر الوالدين، ومن ناحية مشكلات الشباب مع الآباء، ومشكلات الآباء مع الأبناء؛ فإن هذا موضوع يحتاج إلى غاية من الاهتمام، وإلى غاية من التركيز، فإن الأمر بدأ يستفحل، وبدأ يستشري، وبدأ ينتشر في أوساط بعض الشباب الذين ابتعدوا عن منهج الله -تعالى-.
عباد الله: صلوا وسلموا على خير عباد الله، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له، محافظين على حدودك قائمين بطاعتك يا رب العالمين.
اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح فساد قلوبنا، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً، اللهم رد ضالهم إليك رداً جميلاً.
اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين يا رب العالمين.