البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عبد الله يعقوب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إنها المخدرات التي يروجُ لها أعداءُ الإسلام؛ لتخديرِ الأمة، وإهدارِ أعز وأغلى طاقاتها، وشلِّ جهودهم، وتغييب عقولهم؛ فبعدما فشلوا في تحقيقِ أغراضهم للنيل من المسلمين بالطرق العسكرية التقليدية، قاموا بزجِّ كمياتٍ رهيبة من جميع أصناف المخدرات إلى بلاد المسلمين، حسداً من عند أنفسهم، حتى تتورط الأمةُ المسلمةُ بهذه السموم، فلا...
أما بعد: أيها المسلمون، في أحد المطارات، قدمتْ رحلةٌ دوليةٌ مكتظةٌ بالركاب الذين بدؤوا في النزول والمرور على رجال الجمارك والجوازات، وكلٌ منهم في شأنه، هذا يحملُ حقيبةً، وذاك يمسك طفلاً، وثالثٌ يتهادى في سيره إرهاقاً وتعباً، وهكذا.
وبين تلك الجموع امرأةٌ تحمل طفلاً صغيراً بين يديها، تضمه إلى صدرها، وتلصقه بحجرها، غير أنَّ هذا المنظرَ الرحيمَ الوادع، ما كان ليمرَّ على الأعينِ الفاحصةِ المدربة المترقبة هكذا،
أُمرت المرأةُ بالدخول إلى غرفة التفتيش الخاصة بالنساء.
وهناك كانت الصدمة، لقد فارق الغلامُ الحياة، والصدمةُ الأكبر أنه كان ميتاً قبل بداية الرحلة، وقد نُزعت أحشاؤه الداخليةُ وحُشيتْ بالمخدرات!.
نعم، لقد كان جسدُه الطاهرُ وسيلةً تستخدمها عصاباتُ الموت لتمريرِ كميةٍ من السمومِ القاتلة! فأيُّ خِسةٍ ودناءةٍ، بل أيُّ قسوةٍ ووحشية وهمجية يحملها بين جنبيه، مَنْ رسَمَ وخطّطَ ونفّذَ هذا الفعل القذر؟ ما هو مقدارُ المكرِ والكيد والحقد ضدَّ شبابِ هذه الأمة، يحملها هذا المروجُ والمهربُ للمخدرات؟.
إن السعيَ للمالِ والثروة لا يسوّغُهُ الإقدامُ على هذه الجريمةِ الكبيرة أبداً، وإن تهريبَ وترويجَ أيّ كميةٍ من السموم المخدرة، معناه -في نهاية المطاف- قتلُ وتدميرُ أعدادٍ من شباب المسلمين الذين يقعون ضحية لهذه السموم، ويقعون ضحية بين أيدي المجرمين الذين يلعبون بهم كيفما شاءوا.
نعم؛ يلعب مروجو المخدرات بالمدمنين كيفما شاءوا، يأخذون أموالهم، ينتهكون أعراضهم، يأمرونهم بالسرقة فيسرقون، يأمرونهم بالقتل فيقتلون، يأمرونهم بالكفر فيكفرون.
إنها المخدرات التي يروجُ لها أعداءُ الإسلام؛ لتخديرِ الأمة، وإهدارِ أعز وأغلى طاقاتها، وشلِّ جهودهم، وتغييب عقولهم؛ فبعدما فشلوا في تحقيقِ أغراضهم للنيل من المسلمين بالطرق العسكرية التقليدية، قاموا بزجِّ كمياتٍ رهيبة من جميع أصناف المخدرات إلى بلاد المسلمين، حسداً من عند أنفسهم، حتى تتورط الأمةُ المسلمةُ بهذه السموم، فلا تخرج منها إلا بعد لَأْيٍ وشدائد.
ها هو أحدهم يقول للمروجين: عليكم أن تهتموا باستدراج الشباب والطلبة بوجه خاص، ولا خشيةَ من ارتفاع الثمن، فالمهم أن يصل الصنف في البداية إلى الشباب ولو مجاناً، وبعد ذلك سيحصل الشبابُ على الثمن بأي طريقة.
وما أبشع الثمن! وما أسوأ الطريقة! وما أخبث النتيجة! كم من الجرائم ارتكبتْ تحت تأثير الخمر والمخدرات! وكم من الفواحش والآثام اقترفتْ في غياب عقل الإنسان وإرادته! وكم من أعراضٍ انتهكتْ! وكم من أموالٍ سُرقتْ! وكم من حوادثِ سيرٍ وقعت! وكم من أبدانٍ هدها المرضُ، وسممتها المسكرات! وكم من أعصابٍ احترقت وأتلفتها المخدرات! وكم تأججت بسببها بين الأصدقاء والأقرباء نيرانُ العداوات!.
ولعظيم خطر المخدرات، كان من المعلوم من التجارب والأخبار والقصص أن المخدرات ما وقعتْ وفشتْ وانتشرتْ في أمةٍ إلا أهلكتها وضيعتها، وجعلت مجتمعها برجاله ونسائه مجتمعاً مغيّباً ضائعاً تائهاً، فلا دينَ ولا قيمَ ولا مبادئَ تحكمه إلا الشهوةُ والنشوةُ والسُّكرُ والعربدة.
وما لم يتدارك العقلاءُ ورجالُ الإصلاحِ وأهلُ الحل والعقد من العلماء والأمراء والوجهاء هذا الأمر، فقلْ على الأمةِ السلام، وليس بين الأمة وبين الضياعِ والشتاتِ حينئذٍ إلا مرورُ الوقت، واللهُ خيرٌ حافظاً وهو أرحمُ الراحمين.
أيها الكرام، يا شباب الإسلام: إن كيداً كبيراً، ومكراً كُبَّاراً يرادُ بكم ولكم، يخطط الأعداءُ لتدميركم، والقضاءِ عليكم؛ فهل يليق بك -أيها الشاب المسلم- أن تسير إلى حتفك بيديك؟ وأن تركب رأسك وتقلد هؤلاء الفجرة؟.
إنهم لا يزالون بك حتى يوقعوك في شرك المخدرات وحبائلها، حتى إذا طلبوا منك بعد ذلك أيَّ شيء، وكلَّ شيء، لم ترفض لهم طلبا! حتى يصل بهم الأمرُ إلى مساومتك في عرضك وعرض محارمك! فما أنت صانع؟!.
قل لي بربك: ما أنت صانعٌ، وقد وقعت في فخاخهم، وأصبحت فريسة في شباكهم، حتى يقال عنك: فلان، موضوعه منتهٍ؟!.
وكم من القصص قد سُمعتْ، وكم من الحكايات قد رُويت، وعند رجال الأمن والهيئات الخبرُ اليقين. حمانا الله وإياكم من ذلك.
أخي الكريم: إن للمسكرات والمخدرات مضاراً كثيرة، أثبتها الطبُ الحديث، وأكدتها تجاربُ المجتمعات، وذكروا فيها أكثرَ من مائة وعشرين مضرة دينية ودنيوية، من أعظمها أنها تفسدُ العقل والمزاج، وما قيمة الإنسان إذا فسد عقله وتغير مزاجه؟ يتعاطى المسكرات والمخدرات، فيرتكب من الآثام والخطايا، ما تضج منه الأرجاء، وما يندم عليه حين يصحو، ولات ساعة مندم!.
ذكرتْ إحدى الصحف المحلية خبراً يتشقق القلبُ له ألماً وحزناً، عن رجلٍ أقدم على قتل زوجته، ثم قتل ابنته ذات سبع السنوات، ثم قتل ابنه ذي خمس السنوات، ثم قطع يد ابنه الآخر وعمره ثلاث سنوات، ثم لم يكتف بذلك، حتى قام بالتمثيل بجثثهم وتقطيع أعضائهم!.
فهل يفعلُ هذا الجُرمَ عاقلٌ؟! هل بلغت قسوةُ القلوب أن يقوم والدٌ بقتل فلذات أكباده؟! هل تحجرت الأفئدةُ إلى هذا الحد، حتى وصل الأمر إلى أن يقتل أمَّ أولاده؟! هل نُزعت الرحمةُ من ذاك القلب حتى لم يكتف بقتلهم فشرع في التمثيل بجثثهم وتقطيع أجزائهم؟!.
إنه السُّمُّ الزّعاف، الذي أذهب عقلَ ذاك الرجل، إنها الخمورُ والمخدرات التي نزعت الرحمةَ والشفقةَ من ذلك الإنسان، فأصبح لا يشعر بنفسه ولا يدري عن أفعاله، فأخذ يقتل هذا ويسفك دم ذاك، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
روى القرطبيُّ -رحمه الله- في تفسيره أن أحد السكارى جعل يبول، ويأخذ بولَه بيديه ليغسل به وجهه وهو يقول: اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين. عافانا الله وإياكم!.
ولما سُئل أبو بكرٍ الصديق -رضي الله عنه-: هل شربتَ الخمرَ في الجاهلية؟ قال: أعوذ بالله! فقيل له: ولِمَ؟ قال: كنت أصونُ عرضي، وأحفظُ مروءتي؛ فإنَّ من شرب الخمر كان مُضيِعاً لعرضه ومروءته.
ومن أعظم مضارها، الصدُّ عن ذكر الله -تعالى-، وعن الصلاة التي هي عمودُ الإسلام، وقرةُ عينِ خيرِ الأنام -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة:90-91].
هذه المخدرات -أيها الكرام- تُذهبُ الحياء، وتُضعفُ الإيمان، وتُورِثُ الخزي والندامة، وسببٌ في زوال النّعمِ، ونزول العقوبةِ والنقم، وهي سببٌ لسوء الخاتمة والعياذ بالله، وكم رأينا صوراً لمن مات متعاطياً لها في دورات المياه، أو مات ورأسه في المرحاض، أو نحو ذلك من الهيئات التي لا يرجوها عاقلٌ في قلبه ذرة من إيمان! نسأل الله العافية!.
تخيل -أخي المسلم- الذي سيقوله هذا الذي قد لقي ربه وهو متعاطٍ للخمر أو المخدر؟! بأي وجه سيقف بين يدي الله -تعالى-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الخمر: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، ومبتاعها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه" رواه الترمذي وغيره.
وقال: "كُلُّ مسكرٍ حرام، إن لله -عز وجل- عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "عَرَقُ أهلِ النار"، أو: "عصارة أهل النار" رواه مسلم.
اللهم إنا نسألك رحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها أمرنا، وتلم بها شعثنا، وترد بها غائبنا، وترفع بها شاهدنا، وتزكي بها أعمالنا، وتبيض بها وجوهنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
إن من الأمور المهمة التي لا بد من معرفتها أسباب انتشار المخدرات في مجتمعاتنا، وهاك -يا رعاك الله- بعض تلك الأسباب، فمن عرف الداءَ، عرف الدواءَ بإذن الله.
أولاً: ضعف الإيمان في القلب، فإذا ضعف الإيمان سهل على الإنسان ارتكاب المعاصي والمنكرات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" رواه مسلم.
وأكثر المتعاطين للخمر والمخدرات مضيعون للصلاة، ولذلك بيّن اللهُ -تعالى- شأن الصلاة بقوله: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت:45].
ولذا فمن أعظم أنواع العلاج لمن ابتلاه الله بالمخدرات، المحافظةُ على الصلوات جماعة، وملازمةُ المسجدِ وأهلِ المسجد.
ثانياً: من أسباب انتشار المخدرات السفرُ إلى خارج هذه البلاد الطيبة، إلى دولٍ تكون بها المغرياتُ كثيرة، والمنكرات منتشرة، دون رقيبٍ ولا حسيب ولا متابعة.
ثالثاً: مشاهدةُ القنوات الفضائية، تلك التي تبث الشرَّ والفحشاءَ في بيوت المسلمين، ومن شرها وبلائها الدعايةُ إلى شرب الخمور وتعاطي المسكرات والمخدرات، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة.
والشابُّ إذا رأى ذلك، تأمره نفسه -التواقةُ إلى كل جديد- بأن يجرب مثل ذلك، وإذا وقع، فالنهاية معلومة بائسة، ولا حول ولا قوة إلا بالله!.
رابعاً : رفقاء السوء، وقد أثبتت الدراسات أن أكثر من ثمانين بالمائة من الشباب الذين يتعاطون المخدرات كان وراءهم رفقاء السوء.
لذلك فإني أوصيك أخي الشاب بتقوى الله، واختيار الصديق العاقل، ومجالسة الصالحين؛ وأوصي الآباء بمتابعة أبنائهم ورعايتهم وإبعادهم عن جلساء السوء، وشغل أوقات فراغهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم.
واحذر -أيها الشاب- من التقليد والمجاملة لرفقاء السوء، بل عليك أن تبتعد عن مجالسهم السيئة، فأولُ الطريق، الدخان، ونهايتُه، المخدرات.
واحذر يا من ابتليت بشيء من هذه السموم، احذر أن تصمَّ أذنيك، وأن تستغشي ثيابك حينما تسمع التوجيهَ من الموجهين، والنصيحةَ من الناصحين، بل كُنْ من الذين لهم آذانٌ يسمعون بها، وقلوبٌ يعقلون بها، واستمع إلى توجيهات الموجهين، ونصائح الناصحين، لعلك أن تكون من الراشدين الشاكرين.
اللهم من ابتلي بشيء من هذه المخدرات، فاشرح صدره بالإيمان، وافتح قلبه بالقرآن، وأنزل عليه عافيتك. اللهم عافه واعف عنه.
اللهم أبعد عنهم رفقاء السوء والشر، وقرب إليهم رفقاء الخير والصلاح.
وصلوا وسلموا على خير خلق الله، نبينا محمد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَن صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً".
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي؛ وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...