البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الرءوف

كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...

العشر الأواخر

العربية

المؤلف إبراهيم بن صالح العجلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصيام
عناصر الخطبة
  1. سرعة رحيل رمضان .
  2. فضل العشر الأواخر وأهم أعمالها .
  3. أهمية لزوم الدعاء والاستغفار.
  4. أحكام زكاة الفطر .
  5. التكبير والشكر في أواخر رمضان. .

اقتباس

يا من غفل في رمضان وأساء الاستقبال، ها هي أيام العشر بين يديك، فعوِّض ما فات، وجانب ما ألهاك، وتيقن أُخي أنَّ الأعمال بالخواتيم، وأن العبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، فالحق بركب الطائعين، فالباب مفتوح، والخير مفسوح، وعتق الرقاب ممنوح. أقبل -يا رعاك الله- إلى كرم ربك، واستشعر فضلَه وفيضه، فقد وسِعَتْ مغفرةُ ربك من لم يسجد لله سجدة حين ختم حياتَه بتوبة. وشملت رحمة ربك امرأة كثر فجورها، وشاع بغيها يوم أن سقت كلبًا شربةَ ماء. فبادر أخي المقصر - وكلنا وربي مقصر- على تغيير الحال، وتصحيح المسار، فربك تعالى يحب ندم التائبين، وتوبة النادمين.

الخطبة الأولى:

مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ:

وَلَا زَالَتْ رَكَائِبُ أَهْلِ الْإِيمَانِ تَغْرِفُ مِنْ غَنَائِمِ رَمَضَانَ، فَنَهَارُهُمْ مَعَهُ بِرٌّ وَإِحْسَانٌ، وَلَيْلُهُمْ فِيهِ مُنَاجَاةٌ وَقُرْآنٌ.

بُيُوتُ اللَّهِ عَامِرَةٌ فِيهِ بِالرُّكَّعِ السُّجُودِ، وَالْأَنْفُسُ مَعَهُ سَخِيَّةٌ بِالْبَذْلِ وَالْجُودِ.

دَعَوَاتُ أَهْلِ الصِّيَامِ قَدْ تَلَجْلَجَتْ فِي حَنَاجِرِهَا، وَدَمَعَاتُهُمْ تَرَقْرَقَتْ عَلَى مَحَاجِرِهَا.

يَرْجُونَ رَحْمَةَ رَبِّهِمْ، وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ، إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا.

مَضَتْ أَيَّامُ رَمَضَانَ وَلَيَالِيهِ الْحِسَانُ، وَرَبُّكُمُ الْجَوَادُ يَجُودُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ.

فَسَلَامٌ عَلَى شَهْرِ الصِّيَامِ، سَلَامٌ عَلَى شَهْرِ الْقُرْآنِ وَالْقِيَامِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ عَلَّمَنَا مَعْنَى الْعُبُودِيَّةِ، وَلَذَّةَ الطَّاعَةِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ دَرَّبَنَا عَلَى مَكَارِمِ الْخِلَالِ وَمَحَاسِنِ الْفِعَالِ.

سَلَامٌ عَلَيْكَ يَوْمَ أَقْبَلْتَ، وَيَوْمَ حَلَلْتَ، وَسَلَامٌ عَلَيْكَ إِذَا تَرَحَّلْتَ.

ذَرِ الدُّمُوعَ نَحِيبًا وَابْكِ مِنْ أَسَفِ

عَلَى فِرَاقِ لَيَالٍ ذَاتِ أَنْوَارِ

عَلَى لَيَالٍ لِشَهْرِ الصَّوْمِ مَا جُعِلَتْ

إِلَّا لِتَمْحِيصِ آثَامٍ وَأَوْزَارِ

يَا لَائِمِي فِي الْبُكَا زِدْنِي بِهِ كَلَفًا

وَاسْمَعْ غَرِيبَ أَحَادِيثٍ وَأَخْبَارِ

مَا كَانَ أَحْسَنَنَا وَالشَّمْلُ مُجْتَمَعٌ

مِنَّا الْمُصَلِّي وَمِنَّا الْقَانِتُ الْقَارِي

تَصَرَّمَ رَمَضَانُ وَتَتَابَعَتْ لَيَالِيهِ، وَهَا نَحْنُ نَعِيشُ أَفْضَلَ أَوْقَاتِهِ الْفَاضِلَاتِ، فِيهِ لَيْلَةٌ مُفَضَّلَةٌ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ، فَأَيَّامُكُمْ هَذِهِ هِيَ أَنْفَسُ سَاعَاتِ الْعُمْرِ، وَأَغْلَى دَقَائِقِ الْحَيَاةِ.

مَحْرُومٌ –وَاللَّهِ- مَنْ أَشْغَلَ نَفْسَهُ فِيهَا بِالْمَفْضُولَاتِ عَنِ الْفَاضِلَاتِ.

وَخَاسِرٌ –يَقِينًا- مَنْ أَرْخَصَهَا وَضَيَّعَهَا، فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ.

هَذِهِ الْأَيَّامُ عَرَفَ قَدْرَهَا وَشَرَفَهَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِشَرَفِ الْأَيَّامِ وَفَضْلِ اللَّيَالِي مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَحَّ بِوَقْتِهِ، وَلَزِمَ مُعْتَكَفَهُ، وَأَوْقَفَ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ.

كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ جَدَّ وَاجْتَهَدَ، وَشَدَّ الْمِئْزَرَ، وَأَيْقَظَ الْأَهْلَ، فَلَا جَفْنَ يُغْمِضُهُ، وَلَا فِرَاشَ يَعْرِفُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إِحْيَاءٌ لِلَّيْلِ كُلِّهِ.

إِحْيَاءٌ بِمَاذَا؟

إِحْيَاءٌ بِالْقُرْآنِ تَالِيًا وَقَانِتًا، وَإِحْيَاءٌ بِالذِّكْرِ، وَإِحْيَاءٌ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ.

حَتَّى امْتَدَحَهُ ابْنُ رَوَاحَةَ بِقَوْلِهِ:

وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ

وَقَدْ لَاحَ مَعْرُوفٌ مِنَ الصُّبْحِ طَالِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ

إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ

فَيَا طُلَّابَ الْقِمَمِ وَالسَّنَاءِ، وَيَا رُوَّادَ الرِّفْعَةِ وَالسَّمَاءِ، هَذَا هُوَ الْفَخْرُ وَالْعِزُّ وَالشَّرَفُ، بِذَلِكُمْ أَخْبَرَ أَمِينُ السَّمَاءِ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِأَمِينِ الْأَرْضِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ". "رَوَاهُ الطَّيَالِسِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ".

كَيْفَ وَإِذَا كَانَ هَذَا الْقِيَامُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ شَرِيفَةٍ عَظِيمَةٍ عِنْدَ أَهْلِ السَّمَاءِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ، فِيهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَفِيهَا تَجْرِي أَقْلَامُ الْقَضَاءِ بِالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاءِ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، هِيَ لَيْلَةُ سَلَامٍ وَبَرَكَةٍ وَاطْمِئْنَانٍ، هِيَ لَيْلَةُ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، قَالَهَا مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

نَعَمْ، خَفِيَ تَعْيِينُ هَذِهِ اللَّيْلَةِ امْتِحَانًا وَاخْتِبَارًا، لِيَتَبَيَّنَ الْعَامِلُونَ وَالصَّادِقُونَ، وَمَنْ حَرَصَ عَلَى شَيْءِ جَدَّ فِي طَلَبِهِ، وَهَانَ عَلَيْهِ مَا يَلْقَى فِي تَعَبِهِ، بَيْدَ أَنَّ أَرْجَى لَيَالِيهَا هِيَ السَّبْعُ الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيَهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ".

وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ - يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ - فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي".

فَجَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى قِيَامِ هَذِهِ اللَّيَالِي الْمَعْدُودَاتِ، وَاصْبِرُوا عَلَى إِحْيَاءِ لَيَالِيهَا، وَإِنْ لَمَسْتَ -يَا عَبْدَ اللَّهِ- مِنْ نَفْسِكَ فُتُورًا، أَوْ رَأَيْتَ مِنْهَا تَقْصِيرًا، فَشَوِّقْهَا بِقَوْلِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السَّجْدَةِ: 16-17].

يَا أَهْلَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، يَا مَنْ تَرْجُونَ نَوَالَ اللَّهِ وَرِضَاهُ، اعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّهُ- أَنَّ أَعْلَى مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَكْمَلَ صُوَرِ الِانْكِسَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ هُوَ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ، اخْتَصَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِبَادَةَ فِيهِ، فَقَالَ: "الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ"، وَقَالَ: "لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ".

وَحَدَّثَنَا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ اللَّهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ، بِكِبْرِيَائِهِ وَاسْتِغْنَائِهِ عَنْ خَلْقِهِ يَسْتَحِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا.

فَيَا أَيُّهَا الصُّوَّامُ، أَلِحُّوا فِي عَشْرِكُمْ بِالدُّعَاءِ، وَأَلِظُّوا بِالسُّؤَالِ، وَتَضَرَّعُوا إِلَى رَبِّكُمْ فِي جُنْحِ الظَّلَامِ، وَابْتَهِلُوا إِلَيْهِ بِصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ، قَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ سُؤْلِكُمْ صَدَقَاتٍ، فَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ إِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ.

لَا تَسْأَمُوا وَلَا تَسْتَبْطِئُوا الْإِجَابَةَ، فَالدُّعَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ، وَلَا يَأْتِ إِلَّا بِخَيْرٍ، وَرَبُّكُمُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَدْ يُؤَخِّرُ إِجَابَةَ دُعَاءِ عَبْدِهِ لِأَنَّهُ يُحِبُّ انْكِسَارَهُ، وَتَذَلُّلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ.

يَا مَنْ غَفَلَ فِي رَمَضَانَ وَأَسَاءَ الِاسْتِقْبَالَ، هَا هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ بَيْنَ يَدَيْكَ، فَعَوِّضْ مَا فَاتَ، وَجَانِبْ مَا أَلْهَاكَ، وَتَيَقَّنْ –أَخِي- أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَمَالِ النِّهَايَاتِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَاتِ، فَالْحَقْ بِرَكْبِ الطَّائِعِينَ، فَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، وَالْخَيْرُ مَفْسُوحٌ، وَعِتْقُ الرِّقَابِ مَمْنُوحٌ.

أَقْبِلْ -يَا رَعَاكَ اللَّهُ- إِلَى كَرَمِ رَبِّكَ، وَاسْتَشْعِرْ فَضْلَهُ وَفَيْضَهُ، فَقَدْ وَسِعَتْ مَغْفِرَةُ رَبِّكَ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلَّهِ سَجْدَةً حِينَ خَتَمَ حَيَاتَهُ بِتَوْبَةٍ.

وَشَمَلَتْ رَحْمَةُ رَبِّكَ امْرَأَةً كَثُرَ فُجُورُهَا، وَشَاعَ بَغْيُهَا يَوْمَ أَنْ سَقَتْ كَلْبًا شَرْبَةَ مَاءٍ.

فَبَادِرْ أَخِي الْمُقَصِّرَ -وَكُلُّنَا وَرَبِّي مُقَصِّرٌ- إِلَى تَغْيِيرِ الْحَالِ، وَتَصْحِيحِ الْمَسَارِ، فَرَبُّكَ تَعَالَى يُحِبُّ نَدَمَ التَّائِبِينَ، وَتَوْبَةَ النَّادِمِينَ.

مَضَى رَمَضَانُ مَحْمُودًا وَأَوْفَى

عَلَيْنَا الْفِطْرُ يَقْدُمُهُ السُّرُورُ

وَفِي مَرِّ الشُّهُورِ لَنَا فَنَاءٌ

وَنَحْنُ نُحِبُّ أَنْ تَفْنَى الشُّهُورُ

يَا مَنْ أَحْبَبْتُمْ رَمَضَانَ، هَا هِيَ أَيَّامُ رَمَضَانَ وَلِيَالِهِ تُؤْذِنُكُمْ بِرَحِيلٍ، وَلَا تَدْرُونَ يَا مَنْ أَحْبَبْتُمْ رَمَضَانَ لَعَلَّكُمْ لَا تَلْقَوْنَهُ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، فَشَيِّعُوا شَهْرَكُمُ الْغَالِيَ وَوَدِّعُوهُ بِالدُّعَاءِ وَالدُّمُوعِ، وَالذِّكْرِ وَالْخُشُوعِ، وَكَثْرَةِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَقَدْ كَانَ الْخَلِيفَةُ الصَّالِحُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِتَامِ كُلِّ رَمَضَانَ يَكْتُبُ إِلَى الْأَمْصَارِ يَأْمُرُهُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ، وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَكَانَ يَقُولُ فِي رِسَالَتِهِ: قُولُوا كَمَا قَالَ أَبُوكُمْ: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الْأَعْرَافِ: 23].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ....

الخطبة الثانية:

أَمَّا بَعْدُ فَيَا إِخْوَةَ الْإِيمَانِ، التَّقْصِيرُ أَمْرٌ لَازِمٌ عِنْدَ بَنِي الْبَشَرِ، فَكُلُّ مَخْلُوقٍ يَتَجَاذَبُهُ التَّقْصِيرُ وَالْخَطَأُ، وَلِذَا كَانَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- بِنَا أَنْ شَرَعَ لَنَا مَا يَجْبُرُ هَذَا التَّقْصِيرَ وَالنُّقْصَانَ، فَشَرَعَ -سُبْحَانَهُ- لِعَبْدِهِ بَعْدَ الصِّيَامِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، يُخْرِجُهَا الْمُسْلِمُ تَعَبُّدًا لِلَّهِ وَاسْتِجَابَةً، وَهِيَ طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، تُعْطَى لِلْمَسَاكِينِ، وَتُخْرَجُ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.

لَا يَجُوزُ إِخْرَاجُهَا بَعْدَ الْعِيدِ، وَلَا قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ الْمُسْلِمُ أَطْيَبَ الْقُوتِ وَأَنْفَسَهُ حَتَّى وَلَوْ غَلَا ثَمَنُهُ (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 92]، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُخْرَجَ عَنِ الْخَدَمِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، قَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُعْطِي عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُعْطِي عَنْ بَنِيَّ".

وَيُسْتَحَبُّ إِخْرَاجُهَا عَنِ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ وَلَا يَجِبُ، اسْتَحَبَّ ذَلِكَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَأَمَّا مَكَانُ إِخْرَاجِهَا فَالْأَفْضَلُ لِفُقَرَاءِ الْبَلَدِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا لِغَيْرِهِمْ إِذَا عَمَّتِ الْحَاجَةُ، وَاسْتَشْرَتِ الْمَسْغَبَةُ، كَحَالِ إِخْوَانِنَا فِي سُورْيَا وَالْيَمَنِ وَبُورْمَا وَغَزَّةَ.

وَالْأَفْضَلُ -عِبَادَ اللَّهِ- أَنْ يَتَوَلَّى الْإِنْسَانُ تَوْزِيعَ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ، وَلَوْ وَكَّلَ فِيهَا جَازَ.

أَمَّا إِخْرَاجُ زَكَاةِ الْفِطْرِ نَقْدًا بَدَلَ الطَّعَامِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَقَدْ زَكَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ تِسْعَ سَنَوَاتٍ، وَسَارَ عَلَى دَرْبِهِ صَحَابَتُهُ، وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُمْ إِخْرَاجُ الْقِيمَةِ مَعَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ لِلْمَالِ، وَوُجُودِ الْمُوسِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَأَخِيرًا -يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ- اعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ قَدْ نَدَبَكُمْ بَعْدَ إِتْمَامِ عِدَّةِ رَمَضَانَ إِلَى شَعِيرَةِ التَّكْبِيرِ فِي سَاعَاتٍ مَعْدُودَاتٍ، يَبْدَأُ وَقْتُهَا مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ، فَكَبِّرُوا اللَّهَ -تَعَالَى- عَلَى مَا هَدَاكُمْ، وَعَظِّمُوهُ وَمَجِّدُوهُ عَلَى مَا وَفَّقَكُمْ وَأَعْطَاكُمْ، فَارْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ بِهَا، وَأَعْلِنُوهَا فِي بُيُوتِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمْ وَطُرُقَاتِكُمْ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الْبَقَرَةِ: 185].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ...