البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

الطيب

كلمة الطيب في اللغة صيغة مبالغة من الطيب الذي هو عكس الخبث، واسم...

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

شيء من آيات الله -تعالى– الدالة على قدرته (3)

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان
عناصر الخطبة
  1. حكم الله في آياته الكونية .
  2. خلق الله للسماوات والأرض وما بينهما .
  3. بعض آيات الله الدالة على قدرته على إحياء الموتى .

اقتباس

لقد أخبر الله -تعالى- عنه أنه يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله -تعالى-، فينفخ فيه فيكون طيرا يطير بإذن الله -تعالى-، وأخبر أنه يبرئ الأكمه، وهو الذي يولد مطموس العين، والأبرص بإذن الله -تعالى-، وأخبر أنه ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله البشير النذير، الداعي إلى الله بإذنه على بصيرة السراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- وتفكروا في آياته الدالة على كمال قدرته، لتزدادوا بذلك تعظيما لله -تعالى- وعبادة.

فلقد خلق الله -تعالى- السماوات والأرض وما بينهما بما في ذلك الشمس والقمر، والنجوم والجبال، والشجر والدواب، والبحار والأنهار، خلق ذلك كله في ستة أيام على أكمل وجه، وأتم نظام، ولو شاء لخلقها في لحظة واحدة، كما قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[النحل: 40].

وقال: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)[القمر: 50].

ولكنه تعالى خلقها في ستة أيام لحكمة اقتضت ذلك: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)[القصص:68].

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ)[المؤمنون: 12] خلق منها آدم: (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِينٍ) [السجدة:8] (مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ)[الطارق:6- 7] ثم يستقر: (فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ)[المؤمنون:13] لا يعتريه شمس ولا هواء، ولا حر ولا برد، يطوره الله -تعالى-: (فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ)[الزمر:6] ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة الغشاء، أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، فإذا تمت هذه الأيام، وهي أربعة أشهر أرسل الله -تعالى- إليه الملك الموكل بالأجنة، فنفخ فيه الروح، فأصبح إنسانا بعد أن كان جمادا، فتبارك الله أحسن الخالقين.

ولقد أرى الله -تعالى- عباده من آيات قدرته ما يكون آية للموقنين، وعبرة للمعتبرين.

لقد خلق الله -تعالى- عيسى بن مريم من أم بلا أب، وأقدره على النطق في المهد، فتكلم بكلام من أفصح كلام البشر وأبينه: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)[مريم: 30 - 33].

فما أبلغ هذا الكلام وأفصحه وأهمه موضوعا من صبي في المهد.

ولقد أخبر الله -تعالى- عنه أنه يخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله -تعالى-، فينفخ فيه فيكون طيرا يطير بإذن الله -تعالى-، وأخبر أنه يبرئ الأكمه، وهو الذي يولد مطموس العين، والأبرص بإذن الله -تعالى-، وأخبر أنه يحيي الموتى ويخرجهم من قبورهم بإذن الله -تعالى-.

ولقد قص الله -تعالى- علينا في سورة البقرة خمس حوادث كلها تتضمن إحياء الموتى في هذه الدنيا؛ فأولها: قصة بني إسرائيل حين قالوا لنبيهم موسى: (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً)[البقرة: 55].

فعاقبهم الله -تعالى- فأخذتهم الصاعقة فماتوا، ثم بعثهم الله -تعالى- من بعد موتهم، وفي هذا يقول الله -تعالى- يخاطب بني إسرائيل: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 55 - 56].

والقصة الثانية: في شأن القتيل من بني إسرائيل أيضا قتله ابن عم له، فاتهموا به قبيلة أخرى، وخاصموهم فيه، فأمرهم موسى بوحي من الله -تعالى- أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بجزء منها، ففعلوا بعد التعنت والمراجعات: (وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ)[البقرة:71].

فضربوه ببعضها، فأحياه الله -تعالى-، وأخبر عن قاتله، وفي هذا يقول الله -تعالى-: (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[البقرة: 72 - 73].

والقصة الثالثة: في قوم نزل في ديارهم وباء، فخرجوا من ديارهم، وهم ألوف، حذار من الموت، فأراهم الله -تعالى- أنه لا مفر من قدره، فأماتهم ليعلم العباد قوة سلطانه، ونفوذ قدرته، ثم أحياهم ليستكملوا آجالهم، وفي ذلك يقول الله –عز وجل-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)[البقرة: 243].

والقصة الرابعة: في رجل مر على قرية وهي خاوية على عروشها، قد تهدم بناؤها، ويبست أشجارها، فاستبعد أن تعود على ما كانت عليه من العمران والسكان، فأراه الله -تعالى- آية في نفسه تدل على قدرة الله -تعالى-، فأماته الله مائة سنة، وكان معه حمار وطعام وشراب، فمات الحمار، وتمزقت أوصاله، ولاحت عظامه، وبقي الطعام والشراب لم يتغير واحد منهما بنقص ولا طعم ولا لون ولا رائحة، مدة سنة والشمس تصهره، والرياح تتعاقب عليه.

لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

فبعث الله -تعالى- ذلك الرجل، وأراه طعامه وشرابه، لم يتغير مع طول هذه المدة، وأراه الحمار، فنظر إلى عظامه المتفرقة في الأرض، يركب بعضها بعضا، كل عظم في محله، ويكسوها الله -تعالى- لحما، وفي هذا يقول الله -تعالى-: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 259].

والقصة الخامسة: في إبراهيم الخليل، حين سأل الله -تعالى- أن يريه كيف يحيي الموتى، فأمره الله -تعالى- أن يأخذ أربعة من الطير، فيقطعهن أجزاء فيفرقها على الجبال التي حوله على كل جبل جزءا من هذه الطيور، ثم يناديهن، وحينئذ تلتئم هذه الأجزاء المفرقة في الجبال بعضها إلى بعض، ويأتين إلى إبراهيم مشيا لا طيرانا، وفي هذا يقول الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: 260].

هذه النماذج من إحياء الله -تعالى- الموتى في الدنيا، آيات على البعث يوم القيـامة، ومـا أهـون ذلك على الله –عز وجل-، قـال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ)[الروم: 27].

(مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ)[لقمان: 28].

(فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ)[النازعات:13].

(إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[يس:53].

(وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[النحل: 77].

فسبحانه من إله عليم، قادر بزجرة واحدة يخرج بها الناس أحياء من قبورهم، ذكورا وإناثا، كبارا وصغارا، لا يتخلف منهم أحد، في مثل لمح البصر، أو هو أقرب: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا)[فاطر:44].

اللهم ارزقنا التفكر في آياتك، وارزقنا الاتعاظ بذلك، وارزقنا الانتفاع بما أنزلت من وحيك، وما قدرته من قضائك، واغفر لنا وارحمنا إنك أنت الغفور الرحيم.