البحث

عبارات مقترحة:

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

المؤخر

كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...

الظاهر

هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...

كالعرجون القديم

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تأملات في خلق القمر .
  2. أهمية القمر والتوقيت القمري .
  3. العظات في القمر والأهلة .
  4. أسباب كسوف القمر .
  5. ظهور الزنا من أمارات خراب العالم. .

اقتباس

فحينما يغفل الناس ويأتون بأشياء هي نذير خطر عليهم، ودواعي عقوبة تحل بهم فإن الله يخوِّف عباده ليرجعوا إلى أنفسهم، وينظروا في أمرهم. فيقطع عنهم إلفاً اعتادوه، ويغير سننًا في خلقه وفي نظام كونه تخويفًا وتحذيرًا. فما يحدثه الله في خسوف الشمس أو كسوف القمر هو كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يخوِّف الله بهما عباده...

الخطبة الأولى:

الحمد لله فَالق الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، الداعي إلى سبيل ربه القويم.

فصلواتُ الله وسلامُه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فلقد عظَّم الله شأن بعض مخلوقاته، ولفت أنظار عباده للنظر فيها، والتأمل في حالها، ومراقبة سيرها.

فها هو القمر لبعده صغُر في الرؤية والنظر، ولكنه عظيم في خلقته، وله عند خالقه شأن وخبر.

أقسم الله به في كتابه ثلاث مرات فقال: (كَلَّا وَالْقَمَرِ)[المدثر: 32]، وقال: (وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)[الشمس: 2]، وقال: (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ)[الانشقاق: 18].

وإحدى سور القرآن سورة القمر قوية في معانيها، قديمة في نزولها.

وتردد ذكره في آي الذكر الحكيم سبعًا وعشرين مرةً.

جعله الله نورًا لأهل الأرض يهتدون به (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا)[يونس: 5]، وارتبطت مصالحهم في منازله (وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ)[يونس: 5].

وبإهلاله تكون مواقيت الناس في حجهم وحلول آجالهم، وصيامهم وقضاء ديونهم وعِدَدِ وتربص نسائهم.

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ)[البقرة: 189].

تميزت أمة الإسلام بالتوقيت القمري، وكان من خصائصها حين كانت الأمم السابقة تعتبر مواقيتها وأعوامَها بالسنة الشمسية.

فآية القمر جزء من حياة الإنسان، وتنقلاته في منازله كتنقلات الإنسان هلال صغير لا يكاد يرى، ثم لا يزال ينمو حتى يكتمل بدراً ممتلئًا نوراً وجمالاً.

ثم يدب فيه الضعف ويأخذ في الصِّغر حتى يستتر في آخر الشهر فلا يُرى ليستعيد قوته في دورة جديدة

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ)[يس: 39]؛ أي: كعذق النخلة القديم اصفرَّ واستدق، واشتد انحناؤه! هذه مراحل القمر فما أشد شبهها بك يا ابن آدم!، وما أقرب شبهك بها!

فولادتك واستبشار أهلك بك تحاكي ولادة الهلال وتطلع الناس له.

وغياب القمر وأُفوله مؤذن بغيابك، وانقضاء أجله. فسبحان الذي جعل لنا واعظًا في أنفسنا وفيما حولنا وهو اللطيف الخبير.

وحتى تبقى العظة في القمر مستمرة، والآية متجددة شبَّه النبي -صلى الله عليه وسلم- رؤية المؤمنين لربهم، وهو أعظم نعيمهم، وغاية مرادهم شبَّه ذلك برؤية القمر ليلة اكتماله بدراً متلألئاً (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة: 22- 23].

عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جلوسًا، فنظر إلى القمر ليلةَ البدر -ليلةَ أربع عشرة-، فقال: "إنكم سترون ربَّكم كما ترون هذا لا تُضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تُغلَبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ هذه الآية: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)"(رواه البخاري ومسلم).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن ناسًا قالوا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه كذلك".

ومعنى "تضارون" أي لا يزاحم بعضكم بعضًا، أو يلحق بعضكم الضرر ببعض بسبب الرؤية، وتشبيه رؤية الباري برؤية الشمس والقمر، ليس تشبيهًا للمرئي بالمرئي، وإنما تشبيه الرؤية في وضوحها وجلائها برؤية العباد الشمس والقمر؛ إذ يرونهما من غير مزاحمة ولا ضرر.

أيها الإخوة: لقد كانت آية القمر دليلاً  ألزم به المشركون حينما سألوا آية على صدق الرسالة فكان القمر آية التأييد.

في الصحيحين من حديث أنس -رضي الله عنه- أن أهلَ مكة سألوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يُريَهم آيةً، فأراهم القمرَ شِقَّين، حتى رأوا حِراء بينهما، وقد قال الله -جل وعلا-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)[القمر: 1]؛ فكان حادثُ الانشقاق من آياته -صلى الله عليه وسلم- ودلائل نبوَته وهو الصادق المصدوق.

فيا لله العجب؛ ما أعظمه من آية، وأوقعه من حجة!

ولكن (وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ)[يونس: 101].

نكسوا على رؤوسهم، وقالوا: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)[القمر: 2- 3].

فاللهم أيقظ قلوبنا... أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله.. أما بعد:

فحينما يغفل الناس ويأتون بأشياء هي نذير خطر عليهم، ودواعي عقوبة تحل بهم فإن الله يخوِّف عباده ليرجعوا إلى أنفسهم، وينظروا في أمرهم.

فيقطع عنهم إلفاً اعتادوه، ويغير سننًا في خلقه وفي نظام كونه تخويفًا وتحذيرًا.

فما يحدثه الله في خسوف الشمس أو كسوف القمر هو كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- يخوِّف الله بهما عباده.

تقول عائشة -رضي الله عنها- صلى رسول الله صلاة الخسوف، فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يخوِّف الله بهما عباده، لا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"(رواه البخاري).

ولا نغفل عباد الله هذه الجملة العظيمة قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلكم الخطبة قال "يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ! وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا".

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم الله"(رواه مسلم).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولهذا كانت غيرة الله أن يأتي العبد ما حرَّم عليه، ولأجل غيرته –سبحانه- حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ لأن الخلق عبيده وإماؤه فهو يغار علي إمائه كما يغار السيد على جواريه، ولله المثل الأعلى، ويغار على عبيده أن تكون محبتهم لغيره بحيث تحملهم تلك المحبة على عشق الصور ونيل الفاحشة منها".

وقال أيضًا -رحمه الله-: "وفي ذكر هذه الكبيرة بخصوصها عقيب صلاة الكسوف سَرّ بديعٌ لمن تأمله".

وظهور الزنا من أمارات خراب العالم وهو من أشراط الساعة..

وقد جرت سنة الله –سبحانه- في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضب الله -سبحانه وتعالى- ويشتد غضبه فلا بد أن يُؤَثِّر غضبه في الأرض عقوبة.

أجل عباد الله: وإن وقوع هذه الفاحشة في المجتمعات لا تكون إلا بمقدماتٍ يتساهل الناس بأسبابها يَغُضُّونَ الطرف عن مقدماتها.

ألا وإن من أعظم أسباب الزنا ومقدماته تساهل الأولياء في أمور نسائهم من البنات والأخوات وغيرهن.

وإلا كيف للمرأة الضعيفة أن تزاحم الرجال في الأسواق والتجمعات تجوبها عرضًا وطولاً بعباءة مخجلة ونقابات فاتنة.

ولو كنا قائمين على النساء حق القيام لم يكن بقاء المرأة خارج بيتها هو الأصل في بعض الأسر فتخرج لكل دعاية، وتجيب كل ناعق تعددت الأسماء والسفور والتبرج واحد.

ثم من أسباب الزنا التساهل في النظر المحرم لا سيما عبر وسائل التواصل، والمواقع والمقاطع فهذه خراب للقلوب ومشعلة نار الفتن ومحولة لمن تورط فيها ليكون عبدًا لشهوته وسوف يسعى إليها بأيِّ سبيلٍ ولن يتردَّد في أيِّ طريق.

فاحفظوا أيها الإخوة نساءكم، واحفظوا أبصاركم، واعمروا أوقاتكم فيما ينفعكم، ويحفظ النعمة التي تعيشونها أمن وإيمان بلدة طيبة ورب غفور.