البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

العليم

كلمة (عليم) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

أسباب فساد القلوب

العربية

المؤلف عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. العناية بصلاح القلب .
  2. بعض مفسدات القلب والحذر منها .
  3. أقسام الناس من حيث الاختلاط والاجتماع بهم وحكم كل قسم .
  4. أسباب صلاح القلب وسلامته .

اقتباس

إن للقلب مفسداتٍ إذا وُجِدَت فيه أوردته المهالك، وأبعدته وطردته مِن رَحْمَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فواجب كل شخص مِنَّا أن يعرف هذه المفسدات، وأن يُلِمَّ بها؛ ليجتنبها ويحذرها أشدَّ الحذر، فمفسدات القلب...

الخطبة الأولى:

عباد الله: إن أولى ما اهتم المسلم به ورعاه وحفظه من الخراب والدماء: قَلْبُهُ، قلبُهُ الذي ينبني عليه الصلاح والفساد، وإليه ينظر رب العباد، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ -جَلَّ جَلاَلُهُ- لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ؛ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"؛ فإذا صلح قلبك -أيها المسلم- صلح عملك، وإن فسد فسد عملك؛ كما أخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه في قوله: "أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ؛ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ".

أيها الإخوة: إن للقلب مفسداتٍ إذا وُجِدَت فيه أوردته المهالك، وأبعدته وطردته مِن رَحْمَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ فواجب كل شخص مِنَّا أن يعرف هذه المفسدات، وأن يُلِمَّ بها؛ ليجتنبها ويحذرها أشدَّ الحذر.

فمفسدات القلب خمسة، هي: التعلق بغير الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، والتمني، والخُلطة، والشِّبَع، والنوم.

فهذه المفسدات لا بد وأن يعرفها المسلم، وأن يحيط بها؛ ليكونَ أشدَّ الناس اجتنابًا لها؛ ليسلمَ له قلبُه؛ فيصلحَ عملُه بإذن الله -تَعَالَى-.

فالتعلق بغير الله -جَلَّ جَلاَلُهُ- أساسُ الشرك بالله -جَلَّ وَعَلاَ-، وهو بابُ كُلِّ شَرٍّ يَلِجُ إلَيْهِ المسلمُ ويدخلُه؛ فمَن تعلَّق بغير الله وَكَلَهُ الله إلى مَن تعلَّق به؛ فاستحكمت هلكتُه عندئذ.

فراعِ قلبك؛ لا يتعلقنَّ بغير الله في جلب نفع أو دفع ضُر؛ تكن من عباد الله المخلِصِين، وإذا زاغ قلبُك عن الله فتعلق بغيره تَعَالَى وقعت في الإشراك؛ فلتستقل أو لتستكثر، وهذا أمر معروف لا يحتاج إلى تفصيل.

والمفسد الثاني من مفسدات القلب: التَّمَنِّي؛ وهو أن يهيم القلب في أودية الخطرات والوساوس، ويتمنى ما لا يَصِلُ إليه عمله الحالي.

وهذا خطره عظيم على فكر المسلم وعلى دينه؛ فإن المسلم متى استرسل مع التمنيات أصيب بأمراض نفسية لا حصر لها، ولم يستطع التخلص منها إلا بعد مشقة وجهد؛ ولذا فإن الله -جَلَّ وَعَلاَ- لم يعلِّق الثواب والعقاب على التمني والأمنيات؛ وإنما علَّقها على الأعمال؛ فقال الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) [النساء: 123].

فالمسألة ليست تَمَنٍّ؛ بل هي عمل يُعرض على الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فإن كان صالحًا فنِعِمَّا لك، وإن كان فاسدًا فجبر الله عزاءك؛ ما أشَدَّ مُصِيبَتَكَ! وما أعظمَ خسارتَكَ!

إن الشيطان -يا عباد الله- يحرص كلّ الحرص على أن يغمر المسلم في أودية التمني؛ ليلهيه عن العمل الجاد، سواءٌ في أمور دينه أو في أمور دنياه؛ ولذا ثبت عن ابن مسعود أنه قال: "إذا ركب أحدُكم قال له الشيطان: تَغَنَّ، فإن لم يتغن قال له الشيطان: تَمَنَّ"، يعني: أن المسلم إذا ركب في دابته أو سيارته فإن الشيطان يتسلط عليه؛ ليشغله عن ذكر الله، وعما يفيده في دينه ودينه؛ فيقول له: تَغَنَّ، فإذا لم يجد حيلة في هذا الرجل في باب التغني أولجه في باب آخر أسوأ من التغني؛ وهو التمني، فإذا هام في أوديته ضَيَّع عمل الدنيا وعمل الآخرة.

وهذا المرض النفسي الديني انتشر في هذه الأزمان انتشارًا واسعًا لا نطاق له؛ ومن ثَم فسدت القلوب -عافانا الله وإياكم-.

فعلى المسلم أن يجتنب هذه التمنيات، وليحقق ما يخطر في باله بالأعمال الصالحة التي تزكيه عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وترفعه منازل، فهذا من مفسدات القلب.

ومن مفسدات القلب أيضًا: كثرة الخلطة من غير فائدة؛ فإن مخالطة الناس إذا جاوزت الحد المعهود عقلاً وشرعًا فإنها تعود على القلب بإفساد؛ ولذا فإن النبي -صلى الله عليه وسلم-  حَذَّر من كثرة الخلطة، ونهى عنها، وبين ما تجنيه على المسلم من مفاسدَ في دينه ودنياه.

وليجعل المسلمُ الناس أقسامًا في الخلطة:

فمِنَ الناس مَن خُلْطَتُهم كالأكل والشرب؛ لا يستغني عنه حي بأي حال من الأحوال؛ وهؤلاء هم أهل العلم، والمذكِّرون بالله -جَلَّ وَعَلاَ- الذين يحثونك على كل خير، وينهونك عن كل شر، فهؤلاء لا غنى للمسلم عن مخالطتهم، والانتفاع من أخبارهم وأحوالهم، واجتناء أطايب أثمار كلامهم كما يُجتبى الشَّهْدُ والعَسَل. فهذا قسم من الناس.

وقسم آخر: مَن خلطته كالدواء؛ يحتاج إليه عند المرض والألم، فإذا زال المرض والألم لم يحتج إلى هذا الدواء؛ وهؤلاء أرباب الدنيا وأهل الصناعات، الذين لا غنى للمسلم عنهم في حياته؛ فهو يخالطهم لأجل مصالحه الدنيوية، فإذا انقضت فعليه أن يقلع عن مخالتطهم؛ لأن الاستزادة من مخالطتهم تجني فساد القلب.

وقسم ثالث من الناس: مَن خلطتهم الموتُ المحقق، بمثابة السُّم في الطعام؛ وهؤلاء أصحاب السوء وأهل المناهج المنحرفة، الذين يبعدون المسلم عن ربه -جَلَّ وَعَلاَ-، ويُدنونه من كل فعل قبيح خبيث.

فاجتنب -عبدَ الله- كثرة المخالطة من غير حاجة، وخُذ من المخالطة ما تحتاج إليه في دينك ودنياك، ولا تَزِد فيها؛ فتتراكم عليك الآثام، وتجتمع عليك المصائب. ماذا يجني الناس من كثرة الخلطة إلا الوقوع في الغيبة والنميمة والكلام فيما لا يخصهم شرعًا؟!

فاحذروها -عباد الله- وكونوا منها على تَقِيَّة؛ فإن الْمَقَاتِلَ إنما يُصِيبها الشيطانُ كثيرًا بسبب التفريط في الخُلطة.

لِقَاءُ النَّاسِ لَيْسَ يُفِيدُ شَيْئًا

سِوَى الْهَذَيَانِ مِنْ قِيلٍ وَقَالِ

فَأَقْلِلْ مِنْ لِقَـاءِ النَّاسِ إِلاَ

لأَخْذِ الْعِلْمِ أَوْ إِصْلاَحِ حَالِ

فهذا من مفسدات القلب.

ومن مفسداته أيضًا: كثرة الشِّبَع؛ فإن الشارع جعل للمسلم ثلثًا لطعامه، وثلثًا لشرابه، وثلثًا لنَفَسه؛ لحكمة عظيمة بالغة؛ ألا وهي أن الشيطان يتسلّط على المسلم بالشبع؛ فيورده المهالك؛ ولذا أمر الشارع أن نُضَيِّقَ مجاريَهُ بالصَّوم؛ فإن المسلم إذا أكل أكلاً كثيرًا فاق الحدَّ الذي يحتاجه عاد ذلك على قلبه بالإفساد، وقد رُوِي أن الشيطان عَرَضَ يومًا لزكريا -عَلَيْهِ السَّلاَمُ-، فقال له زكريا: هل نلت مني خيرًا قط؟! قال: نعم؛ قُرِّب إليك الطعام ذات ليلة، فشهّيتُه لك؛ فأكلتَ منه حتى شبعتَ؛ فنمتَ عن وردك، فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: لِلَّهِ علي أن لا أشبع من طعام أبدًا. ذكره ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ- في مدارج السالكين.

فاجتنبوا هذه المفسدات التي إذا طرأت على القلوب أبعدتها من الله -جَلَّ وَعَلاَ-، وقربتها من الشيطان، عافانا الله وإياكم من كل سُوءٍ وبَلِيَّة.

ومن المفسدات التي لم نذكرها أيضًا: كثرة النوم؛ فإن كثرة النوم تفسد القلب؛ كما ثبت ذلك عن السلف الصالح -رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنهم-، وقد روى ابن ماجه أن سليمان -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- قالت له أمه: يا بني، لا تكثر النوم؛ فإن كثرة النوم تَدَعُ العبد فقيرًا يوم القيامة؛ لأن كثرةَ النوم تقطع المسلم عن الأعمال الصالحة، وتقطعه عن أعمال دنياه التي يستفيد بها فيها؛ فالنوم كثرته لا تجلب على المسلم إلا سوءًا على كل الأحوال؛ فاجتنبوا الزائدَ منه بارك الله فيكم؛ يسلمْ لكم قلبُكم، وتسعدوا دينًا وأخرى.

الخطبة الثانية:

عباد الله: علمتم فيما سبق مفسدات القلب؛ فما مصلحاته؟

مصلحاته كثيرة جِدًّا؛ فالمسلم إذا توقى تلك المفسدات فإن الجوَّ أمامَهُ خالٍ لعمارة قلبه بطاعة الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- وذِكره، ومما يصلح القلب: كثرة ذكر الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في كل حين وآونة؛ ولذا أمر الله -جَلَّ وَعَلاَ- بذكره في أشد الأحوال وأصعبها؛ وهو حال التحام الصفوف في الحرب: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) [الأنفال: 45].

فأكثر -عبدَ الله- من ذكر الله -جَلَّ وَعَلاَ-، يسلمْ قلبك ويصلُحْ، وتخفّ عليك الطاعات، وتثقل عليك المعاصي؛ جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-  فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام كَثُرَت عَلَيَّ؛ فأرشدني إلى عَمَلٍ أتشبثُ به؟ فقال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: "لاَ يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-".