البحث

عبارات مقترحة:

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

في الكسوف (حكمته والواجب عند حدوثه)

العربية

المؤلف عبدالله بن صالح القصير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. دلائل الآيات الكونية .
  2. خلق الشمس بضيائها والقمر بنوره من الآيات العظيمة .
  3. مشروعية صلاة الكسوف والخسوف .
  4. بطلان زعم أهل الجاهلية وفساد اعتقادهم في كسوف الشمس والقمر .
  5. حكمة الكسوف وما يرسله الله تعالى من الآيات .
  6. مشروعية صلاة الكسوف. .

اقتباس

وكما أنَّ من آيات الله العظيمة أن خلَق الشمس بضيائها وإشراقها والقمر بنوره وبهائه وقدَّر جريانهما بفلكيهما..؛ فإن من آياته الحكيمة أن يذهب ضوؤهما متى شاء ليعلم العقلاء أنهما مخلوقان مسخران لا يملكان لنفسهما ولا لغيرهما ضراً ولا نفعاً وأنهما ليس لهما من أفعال الربوبية شيء فليس لهما من وصف الإلهية شيء فلا يستحقان العبادة...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وبارَك عليه وعلى أصحابه.

يا أيها الناس اتقوا الله -تعالى- حق تقاته، واعتبروا بتدبيره –سبحانه- وآياته، فإن الله -جل جلاله- وتقدست أسماؤه قد نصَب له آيات كثيرة عظيمة دلالة على وحدانيته، وتفرده في ملكه وربوبيته لتستدلوا بذلك على علمه وحكمته وإرادته وقدرته، ولتعلموا أنه -تعالى- هو الإله الحق، المعبود بالحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، ولا يستحقها أحد سواه (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [الحج: 62].

عباد الله: آيات الله -تعالى- المخلوقة كثيرة ففي كل شيء له آية دلالتها كبيرة؛ إذ تدل على أن الله -تعالى- هو الرب الواحد؛ كما تدل على إلحاد وخسران الجاحد، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) [فصلت: 37].

يعني -سبحانه- أن من دلائل انفراده -تعالى- في ربوبيته وقدرته، وتدبيره بإرادته وحكمته أن خلق الليل بسكونه والنهار بنشوره لتسكنوا في الليل مطمئنين مرتاحين وتنتشروا في النهار لفضل ربكم مبتغين، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النمل: 86].

عباد الله: وإنما جعل الله -تعالى- بقدرته وحكمته وفضله ورحمته الليل ظرفاً للسكون، والنهار ظرفاً للمعاش؛ لأنه جعل القمر الذي هو آية الليل نوراً هادئاً، بهياً أنيساً وجعل الشمس التي آية النهار سراجاً مضيئة، كما قال –سبحانه-: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) [الإسراء: 12]، وقال –سبحانه-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس: 5].

معشر المسلمين: وكما أن من آيات الله العظيمة أن خلق الشمس بضيائها وإشراقها والقمر بنوره وبهائه وقدَّر جريانهما بفلكيهما (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس: 40].

فإن من آياته الحكيمة أن يذهب ضوؤهما متى شاء ليعلم العقلاء أنهما مخلوقان مسخران لا يملكان لنفسهما ولا لغيرهما ضراً ولا نفعاً، وأنهما ليس لهما من أفعال الربوبية شيء فليس لهما من وصف الإلهية شيء فلا يستحقان العبادة، ولذا قال –تعالى-: (لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت: 37].

عباد الله: فقد استدل بعض أهل العلم بالأمر بالسجود لله -تعالى- في هذه الآية على مشروعية صلاة الكسوف والخسوف، ووجهه أن الله -تعالى- لما قرر أن الشمس والقمر من آياته أمر بالسجود له -سبحانه-، فدل على أنه يشرع السجود له -جل وعلا- عند آياته لا لآياته وذهاب ضوء الشمس والقمر حال وجودهما من آياته فإن الذي جعلهما مضيئين في السماء هو الذي يذهب بضيائهما إذا شاء؛ فتقرر بهذا أن العبادة للحق لا للخلق.

معشر المسلمين: لقد كسفت الشمس في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصادف ذلك موت ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- إبراهيم -عليه السلام-، وكان أهل الجاهلية يظنون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت أو حياة عظيم من العظماء، فصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف، ثم خطب الناس، وكان فيما قال للناس: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته".

فبيَّن لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بطلان زعم أهل الجاهلية وفساد اعتقادهم في كسوف الشمس والقمر، وبيَّن لهم -صلى الله عليه وسلم- حكمة الكسوف وما يرسله الله -تعالى- من الآيات؛ وهي أن الله -تعالى- يخوِّف بها عباده كما قال –تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) [الإسراء: من الآية 59].

وبيَّن لهم -صلى الله عليه وسلم- ما شرعه الله -تعالى- لهم تجاه ذلك، وهو أن يفزعوا إلى الصلاة والدعاء والاستغفار والتوبة، فذلك مما يكشف به البلاء، ويدفع به الضرر من الأحياء، قال -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى ينكشف أو قال ينجلي ما بكم".

أيها المسلمون: ولقد صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كسفت الشمس ركعتين في كل ركعة ركوعان وسجودان؛ كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة التي تواترت عن جمهور الصحابة -رضي الله عنهم-، وأطال -صلى الله عليه وسلم- القراءة، ثم ركع فأطال الركوع ثم رفع فقرأ القرآن وأطال الرفع، ثم ركع ثانية فأطال الركوع، ثم رفع فأطال القيام وهو دون الأول ولم يقرأ في الركوع الثاني، ثم سجد سجدتين أطالهما والجلوس بينهما طولاً مناسب لقيامه وركوعه، ثم صلى الركعة الثانية كالأولى إلا أنها دونها في الطول، ثم تشهد ثم سلم، ثم وعظ الناس بشأن الكسوف، وأخبر عما أطلعه الله عليه وكشف له من الأمور الغيبية.

وصلوا وسلموا...