البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

من أحكام الحج والعشر والعيد

العربية

المؤلف عبدالعزيز بن محمد الخرمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحج
عناصر الخطبة
  1. صفةُ حجِّ الإفراد .
  2. التكبير المطلق والتكبير المقيد .
  3. فضل صيام يوم عرفة .
  4. من أحكام العيد .
  5. حكم صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد .

اقتباس

وَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ العَشْرَ تَحْتَوِي عَلَى عِبَادَاتٍ عَظِيْمَةٍ، وَأَعْمَالٍ جَلِيْلَةٍ، مِنْ تَكْبِيْرٍ وَتَهْلِيْلٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَصَلاةِ عَيْدٍ وَأُضْحِيَةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ العِبَادَاتِ، وَسَنَتَنَاوَلُ بِالحَدِيْثِ جَمِيْعَ هَذِهِ العِبَادَاتِ؛ وَلَكِنْ بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ مُبَسَّطٍ.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ، جَعَلَ الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا، وَافْتَرَضَ فِي الْعُمْرِ إِلَيْهِ عُمْرَةً وَحَجًّا، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ يُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، وَيَمْحُو السَّيِّئَاتِ، وَيَرْفَعُ الدَّرَجَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَفْضَلُ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَكَبَ الْعَبَرَاتِ، وَبَاتَ بِمِنًى وَوَقَفَ بِعَرَفَاتٍ، وَنَحَرَ الْهَدْيَ وَرَمَى الْجَمَرَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، فِي سَبِيلِ اللهِ -تَعَالَى- جَاهَدُوا فِي كُلِّ فَجٍّ، وَأَقَامُوا شَعَائِرَ المَنَاسِكِ وَالْحَجِّ، وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَاتَّقُوا اللهَ كَمَا أَمَرَكُمْ رَبّكُمْ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

عِبَادَ اللهِ: وَدَخَلَتِ العَشْرُ أَفْضَلُ أَيَّامِ الشَّهْرِ، بَلْ أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَهَا نَحْنُ فِي يَوْمِهَا الثَّالِث. وَلا شَكَّ أَنَّ هَذِهِ العَشْرَ تَحْتَوِي عَلَى عِبَادَاتٍ عَظِيْمَةٍ وَأَعْمَالٍ جَلِيْلَةٍ مِنْ تَكْبِيْرٍ وَتَهْلِيْلٍ وَصِيَامٍ وَحَجٍّ وَصَلاةِ عَيْدٍ وَأُضْحِيَةٍ وَغَيْرِهَا مِنَ العِبَادَاتِ، وَسَنَتَنَاوَلُ بِالحَدِيْثِ جَمِيْعَ هَذِهِ العِبَادَاتِ؛ وَلَكِنْ بِشَكْلٍ مُخْتَصَرٍ مُبَسَّطٍ.

عِبَادَ اللهِ: مِنْ أَهَمِّ الأَعْمَالِ وَأَفْضَلهَا فِي هَذِهِ العَشْرِ الحَجّ، وَلَهُ ثَلاثَةُ أَنْسَاكٍ: التَمَتُّعُ، وَالقِرَانُ، وَالإِفْرَادُ، وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ لِمَنْ كَانَ بَعِيْدًا عَنِ الحَرَمِ. أَمَّا القَرِيْبُ مِنَ الحَرَمِ كَأَهْلِ مَكَّةَ وَجُدَّةَ، فَأَفْضَلُ الأَنْسَاكِ لَهُمُ الإِفْرَادُ؛ لِذَا سَأَشْرَعُ فِي بَيَانِ صِفَةِ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الحَجِّ.

عِبَادَ اللهِ: فِي اليَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، يَغْتَسِلُ الحَاجُّ وَيَتَنَظَّفُ وَيَلْبَسُ إِحْرَامَهُ، ثُمَّ يَعْقِدُ النِّيَةَ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَ صَلَاةِ فَرِيْضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ قَائِلاً: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ حَجًا، وَلَهُ أَنْ يَشِتَرِطَ إِنْ خَافَ أَنْ يَحْبِسَهُ حَابِسٌ قَائِلًا: وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلَّيِ حَيْثُ حَبَسْتَنِي.

ثُمَّ يَتَّجِهُ إِلَى مَكَّةَ مُلًبِّيَاً ذَاكِرَاً خَاشِعاً، ثٌمَّ يَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ طَوَافَ القُدُومِ، وَهُوَ سُنَّةُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، وَلا يُقَصِّرُ مِنْ شَعَرِهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى إِحْرَامِهِ، وَيَكْفِيْهِ هَذَا السَّعْيُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا سَعْيٌ وَاحِدٌ فَقَطْ، وَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى بَعْد طَوَافِ الإِفَاضَةِ فَلَهُ ذَلِكَ.

ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّجِهُ إِلَى مِنَى، وَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالعَصْرَ وَالمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ، يَقْصُرُ الرُّبَاعِيَّةَ مِنْ غَيْرِ جَمْعٍ؛ لِأَنَّ نَبِيُّكُم -صلى الله عليه وسلم-كَانَ يَقْصُرُ بِمِنَى وَفِي مَكَّةَ وَلا يَجْمَعُ.

فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ اليَوْمُ التَّاسِعُ، سَارَ مُلَبِّيًا خَاشِعًا للهِ إِلَى عَرَفَةَ، يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ جَمْعَ تَقْدِيْمٍ -أَيْ: فِي وَقْتِ الظُّهْرِ- وَيَقْصُرهُمَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَتَفَرَّغُ بِعْدَ الصَّلاةِ لِلْدُّعَاءِ وَالابْتِهَالِ إِلَى اللهِ، وَلْيَحْرِصْ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةَ أَثْنَاءَ الدُّعَاءِ، وَلَوْ كَانَ الجَبَلُ خَلْفَهُ؛ لِأَنَّ المَشْرُوعَ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ وَلَيْسَ الجَبَل، مَعَ التَّأَكُّدِ أَنَّهُ يَقِفُ فِي عَرَفَةَ وَلَيْسَ دُوْنَهَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفُ بِعَرَفَةَ فَلا حَجَّ لَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "الحَجُّ عَرَفَةَ" وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ إِلا بَطْنَ الوَادِي وَادِي عُرَنَةَ لِقَولِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "وَقَفْتُ هَاهُنَا، وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ"، فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَحَقَّقَ غُرُوبُهَا دَفَعَ  إِلَى مُزْدَلِفَةَ مُلَبِّيًا خَاشِعًا.

فَإِذَا وَصَلَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ صَلَّى بِهَا المَغْرِبَ وَالعِشَاءَ جَمْعَ تَأْخِيْرٍ -أَيْ: فِي وَقْتِ العِشَاءِ- ثُمَّ يَبِيْتُ بِهَا إِلَى الفَجْرِ، وَلَمْ يُرَخِّصِ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَحَدٍ فِي الدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قَبْلَ الفَجْرِ إِلا لِلْضَّعَفَةِ، رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا فِي آخِرِ اللَّيْلِ، فَإِذَا صَلَّى الفَجْرَ وَأَسْفَرَ جِدًّا سَارَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنَى، ثُمَّ يَلْتَقِطُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ وَيَذْهَبُ إِلَى جَمْرَةِ العَقَبَةِ، وَيَرْمِيْهَا بِعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِسَبْعٍ، يُكَبِّرُ اللهَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ خَاضِعًا لَهُ مُعَظِّمًا.

فَإِذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِ الجَمْرَةِ حَلَقَ رَأْسَهُ، وَيَجِبُ حَلْقُ جَمِيْعِ الرَّأْسِ، وَلا يَجُوزُ حَلْقُ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَالمَرْأَةُ تُقَصِّرُ مِنْ أَطْرَافِ شَعَرِهَا بِقَدْرِ أَنْمُلَةٍ، أَيْ: بِقَدْرِ طَرَفِ الأُصْبُعِ.

وَبِهَذَا تَحَلَّلَ الحَاجُّ التَّحَلُّلَ الأَوَّلَ، فَلَهُ أَنْ يَلْبَسَ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ، وَحَلَّ لَهُ كُلّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاء.

ثُمَّ يَنْزِلُ إِنْ تَيَسَّرَ لَهُ قَبْلَ صَلاةِ الظُّهْرِ إِلَى مَكَّةَ، لِيَطُوفَ لِلحَجِّ، وَهَذَا يُسَمَّى طَوَاف الإِفَاضَةِ أَوِ الزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى إِذَا لَمْ يَسْع عِنْدَ قُدُومِهِ، فَإِنْ كَانَ سَعَى مِنْ قَبْلُ فَيَكْفِيْهِ سَعْيهُ الأَوُّلُ. وَبِطَوَافِهِ هَذَا قَدْ تَحَلَّلَ التَّحَلُّلَ الثَّانِي، فَيَجُوزُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى النِّسَاءُ.

ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مِنَى وَيَبِيْتُ بِهَا لَيْلَةَ الحَادِي عَشَرَ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَهُوَ الأَفْضَلُ بَلِ الصَّحِيْحُ، رَمَى الجَمَرَات الثَّلَاث مُبْتَدِئًا بِالأُوْلَى ثُمَّ الوسْطَى ثُمَّ العَقَبَةُ، كُلّ وَاحِدَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَمَنْ كَانَ لا يَسْتَطِيْعُ الرَّمْيَ بِنَفْسِهِ لِصِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ، وَلا بَأْسَ أَنْ يَرْمِيَ الوَكَيْلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَمَّنْ وَكَّلَهُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ، لَكِنْ يَبْدَأُ بِالرَّمِي لِنَفْسِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ مُوَكِّلِهِ.

وَفِي اليَومِ الثَّانِي عَشَرَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ مَبِيْتٍ وَرَمْيٍ لِلْجِمَارِ، فَإِذَا رَمَى اليَومَ الثَّانِي عَشَرَ فَقَد انْتَهَى الحَجُّ، وَهُوَ بِالخِيَارِ إِنْ شَاءَ تَعَجَّلَ وَنَزَلَ وَإِنْ شَاءَ بَاتَ لَيْلَةَ الثَّالِثَ عَشَرَ.

ثُمَّ بَعْدَ رَمْي الجَمَرَاتِ الثَّلاثِ يَتَّجِهُ إِلَى مَكَّةَ وَيَطُوفُ طَوَافَ الوَدَاعِ، وَالحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِمَا.

هَذِهِ هِيَ صِفَةُ حَجِّ الإِفْرَادِ، حَيْثُ الْتَزَمْتُ أَنْ أُبَيِّنَ صَفَةَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الحَجِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الأَفْضَلُ لِأَهْلِ جُدَّةَ؛كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُم -مِمَّا لَا شَكَّ فِيْهِ- قَدْ أَتَوا بِعُمْرَةٍ مِنْ قَبْلُ، فَلَا حَاجَةَ أَنْ يُقْرِنُوا أَوْ يَتَمَتَّعُوا بِعُمْرَةٍ مَعَ الحَجِّ.

وَمِنَ العِبَادَاتِ فِي هَذِهِ العَشْرِ، الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، لا سِيَمَا التَّكْبِيْرُ. وَالتَّكْبِيْرُ فِيْهَا عَلَى قِسْمَيْنِ: مُقَيَّدٌ وَمُطْلَقٌ، فَأَمَّا المُطْلَقُ فَيَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ مُقَيَّداً بِوَقْتٍ أَوْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَيَبْدَأُ مِنْ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ ذِيْ القِعْدَةِ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ اليَّومُ الثَّالِث عَشَر. وَأَمَّا المُقَيَّدُ فَمُقَيَّدٌ بِأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، وَيَبْدَأُ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ لِغَيْرِ الحَاجِّ -أَيْ: مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الفَجْرِ مِنَ اليَوْمِ التَّاسِعِ- وَيَمْتَدُّ إِلَى بَعْدِ صَلَاةِ العَصْرِ مِنَ اليَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ. أَمَّا الحَاجُّ فَيَبْدَأُ مِنْ ظُهْرِ يَومِ النَّحْرِ. وَيَتَرَافَقُ مَعَ هَذَا المُقَيَّد أَيْضاً المُطْلَقُ وَيَكُونُ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

وَمِنَ العِبَادَاتِ فِي هَذِهِ العَشْرِ، صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَهُوَ اليَومُ التَّاسِعُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ، وَصِيَامُهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، سَنَةً قَبْلَهُ وَأُخْرَى بَعْدَهُ، بِذَلِكَ أَخْبَرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ أَحتَسِبُ على اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ التي قَبلَهُ وَالسَّنَةَ التي بَعدَهُ". فَاحْرصُوا -عِبَادَ اللهِ- عَلَى صِيَامِ هَذَا اليَومِ العَظِيْمِ وَاغْتِنَامِ فَضْلِهِ.

عِبَادَ اللهِ: وَفِي خِتَامِ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ، سَيَكُونُ عِيْدُ الأَضْحَى، وهو اليَومُ العَاشِرُ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ.

وَمِمَّا يُقَرِّبُ إِلَى اللهِ فِي يَومِ العِيْدِ: الحِرْصُ عَلَى صَلاةِ العِيْدِ وَحُضُورِهَا مَعَ المُسْلِمِيْنَ، فَاحْرصْ -أَخِيْ المُسْلِمُ- عَلَى حُضُورِهَا، وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الذِيْنَ يُثَبِّطُهُمُ الشَّيْطَانُ، فَيُفَضِّلُونَ النَّومَ عَلَى هَذِهِ الشَّعِيْرَةِ العَظِيْمَةِ! حَتَّى النِّسَاءَ، عَلَيْهِنَّ أَنْ يُصَلِّيْنَ العِيْدَ، وَيَشْهَدْنَ صَلاةَ العِيْدِ مَعَ المُسْلِمِيْنَ، بَلْ حَتَّى الحُيَّض وَالعَوَاتِق، إِلَّا أَنَّ الحُيّضَ يَعْتَزِلْنَ المُصَلَّى.

وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يَخْرُجَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ عَلَى أَحْسَنِ هَيْـئَهٍ مُتَطِـيِّــبًا لَابِسًا أَحْسْنَ الثِّيابِ تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، أَمَّا النِّسَاءُ فَيَخْرُجْنَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ بِغَيْرِ زَينَةٍ وَلَا طِيبٍ.

وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يَخْرُجَ إِلَى صَلاَةِ الْعِيدِ مَاشِيًا، وَأَنْ يُخْرُجَ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ. وَمِنْ آدَابِ الْعِيدِ: أَنْ يُكْثِرَ مِنَ التَّكْبِيرِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ.

وَمِنْ آدَابِ عِيدِ الْأَضْحَى خَاصَّةً: أَلَّا يَأْكُلَ شَيْئًا حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، لَا يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ تَعْظِيْماً لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْن.

أَمَّا بَعْدُ، فَالوَصِيَّةُ لِي وَلَكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، فَاتَّقُوا اللهَ؛ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون.

عِبَادَ اللهِ: وَبَعْدَ صَلَاةِ العِيْدِ هُنَاكَ شَعِيْرَةٌ عَظِيْمَةٌ مِنْ شَعَائِرِ الدِّيْنِ، أَلَا وَهِي الأُضْحِيَةُ. والأُضْحِيَةُ، مَشْرُوعَةٌ بِاتِّفَاقِ المُسْلِمِيْنَ، فَلا خِلافَ بَيْنَهُم فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَحُكْمُهَا سُنَّةٌ مُؤكَّدَةٌ، فَعَلَهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَدْ ضَحَّى بِنَفْسِهِ، وَحَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى التَّضْحِيَةِ، وَهِي مَطْلُوبَةٌ فِي وَقْتِهَا مِنَ الحَيِّ عَنْ نِفِسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، وَلَهُ أَنْ يُشْرِكَ فِي ثَوَابِهَا مَنْ شَاءَ مِنَ الأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ.

وَلَا تَجُوزُ الأُضْحِيَةُ إِلا مِنْ بَهِيْمَةِ الأَنْعَامِ: الإِبِلِ أَوِ البَقَرِ أَوِ الغَنَمِ، وَأَنْ تَبْلُغَ السِّنّ المُجْزِئَةَ شَرْعًا، فَمِنَ الغَنَمِ مَا أَتَمَّ سَنَةً كَامِلَةً، وَمِنَ الضَّأْنِ مَا أَتَمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، وَمِنَ الإِبِلِ مَا أَتَمَّ خَمْس سِنِيْنَ، وَمِنَ البَقَرِ مَا أَتَمَّ سَنَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ.

أَمَّا الإِبِلُ فَالوَاحِدَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَكَذَلِكَ البَقَرُ، الوَاحِدَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، أَمَّا الغَنَمُ فَالشَّاةُ عَنْ مُضَحٍّ وَاحِدٍ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، أَوْ تَفَاوَتَتْ دَرَجَةُ قَرَابَتِهِمْ مَادَامُوا فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ، أَمَّا مَنِ انْفَصَلَ عَنْهُ فِي مَسْكَنٍ آخَرَ فَلا تُجْزِئهُمْ وَاحِدَةٌ مَهْمَا كَانَتْ صِلَةُ القَرَابَةِ فَكُلٌ يُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ المَسْكَنُ الآخَرُ هُوَ مَسْكَنا لَهُ أَيْضًا كَمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ أُخْرَى وَلَهُ مِنْهَا أَوْلادٌ فَيَكْفِيْهِ وَاحِدَهٌ عَنْهُمَا، وَكَذَلِكَ مَنْ قَدِمَ مِنْ دَاخِلِ المَدِيْنَةِ أَوْ خَارِجِهَا إِلَى مَسْكَنِ وَالِدِهِ أَوْ أَحَد أَقَارِبِهِ قَبْلَ العِيْدِ بِأَيَّامٍ لِيَبْقَى عِنْدَهُ إِلَى يَومِ العِيْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَا تُجْزِئهُمْ أُضْحِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ فَكُلٌ يُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ.

وَاحْذَرُوا -عِبَادَ اللهِ- مِنَ العُيُوبِ المَانِعَةِ مِنَ الإِجْزَاءِ، وَقَدْ بَيَّنَهَا -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيِّ: الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلعُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تَنْقَى"  وفي رواية "الْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي"، أَيْ الهَزِيْلَةُ الضَّعِيْفَةُ النَّحِيْلَةُ التِي لا لَحْمَ فِيْهَا وَلا مُخَّ لَهَا لِهُزَالِهَا.

وأَلْحَقَ أَهْلُ العِلْمِ بِذَلِكَ العَضْبَاء وَهِيَ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أذْنِهَا أَوْ قَرْنِهَا، وَالهَتْمَاء الَّتِي ذَهَبَتْ ثَنَايَاهَا مِنْ أَصْلِهَا، وَالعَصْمَاء وِهِيَ مَا انْكَسَر غِلَافُ قَرْنِهَا، وَالعَمْيَاء، وَالتَّوْلَاء وَهِيَ الَّتِي تَدُورُ فِي المَرْعَى وَلا تَرْعَى، وَالجَرْبَاء الَّتِي كَثُرَ جَرَبُهَا.

وَمِنَ السُّنَّةِ -يَا عِبَادَ اللهِ- أَنْ يَأَكُلَ مِنْهَا وَيَهْدِي وَيَتَصَدَّقَ، وَلَا يَجُوْزُ بَيْعُهَا وَلا بَيْعُ جِلْدِهَا، وَلا يُعْطَى الجَزَّارُ مِنْ لَحْمِهَا شَيْئًا كَأَجْرٍ، أَمَّا إِنْ أُعْطِيَ كَهَدِيَّةٍ فَلا بَأْسَ، وَلَهُ أَنْ يُكَافَأَ نَظِيْرَ عَمَلِهِ.

وَمِنَ السُّنَّةِ -أَيْضًا-: أَنْ يَذْبَحَ الإِنْسَانُ أُضْحِيَّتَهُ بِنَفْسِهِ رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأةً، وَحَدَّ السِّكِّيْنِ، وَإِضْجَاعَ الذَّبِيْحَةِ عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ، وَيَضَعُ الذَّابِحُ رِجْلَهُ اليُمْنَى عَلَى عُنُقِهَا، مُسْتَقْبِلاً بِهَا القِبْلَةَ، وَيَقُولَ حَالَ الذَّبْحِ بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ، اللهُمَّ هَذَا عَنِي وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِي، اللهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيْمَ خَلِيْلكَ، أَوْ يَقُول: هَذِهِ عَنْ فُلانٍ إِذَا كَانَ نَائِبًا لَهُ وَيُسَمِّيْهِ بِاسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ لا يُحْسِنُ الذَّبْحَ فَلْيَشْهَدْهُ وَيَحْضُرْهُ إِنْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ يُنِيْب عَنْهُ مَنْ يَذْبَحُهَا لَهُ إِنْ كَانَ مُسَافِراً. وَمِنَ السُّنَّةِ فِي الإِبِلِ نَحْرُهَا قَائِمَةً مَعْقُوَلَةً يَدُهَا اليُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا، وَمَنْ أَضْجَعَهَا خَالَفَ السُّنَّةَ.

وَمِنْ أَحْكَامِ الأُضْحِيَةَ أَنْ تُذْبَحَ فِي وَقْتِهَا المُحَدَّدُ شَرْعًا، وَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ العِيْدِ، إِلَى قَبْل غُرُوبِ الشَّمْسِ مَنَ اليَوْمِ الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِيْ الحِجَّةِ. وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا وَإِنَّمَا كَرِهَ بَعْضُ العُلَمَاءِ قَديَمًا الذَّبْح لَيْلاً خَشْيَةَ إِخْفَائهَا عَنِ الفُقَرَاءِ، أَمَّا فِي الوَقْتِ الحَاضِرِ فَاللَّيْلُ أَصْبَحَ مِثْلُ النَّهَارِ، بَلْ رُبَّمَا أَكْثَرُ حَيَاةً وَحَرَكَةً مِنَ النَّهَارِ. وَلِذَا فَيَجُوزُ ذَبْحُهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَلَى السَّوَاءِ.

عِبَادَ اللهِ: قَبْلَ أَنْ نَخْتِمَ؛ نُبَيَّنُ أَنَّهُ يُوَافِقُ هَذَا العَام يَوْمَ عِيْدِ الأَضْحَى يَوْمُ جُمُعَةِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامُ أَقَرَّتْهَا اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْإِفْتَاءِ، وَهِيَ:

أَوَّلًا: مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ العِيْدِ، فَيُرَخَّصُ لَهُ فِي عَدَمِ حُضُورِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ، وَيُصَلِّيْهَا ظُهْراً فِي وَقْتِ الظُّهْرِ، وَإِنْ أَخَذَ بِالعَزِيْمَةِ فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الجُمُعَة فَهُوَ أَفْضَلُ.

ثَانِيًا: مَنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَاةَ العِيْدِ، فَلَا تَشْمَلُهُ الرُّخْصَةُ؛ وَلِذَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوب الجُمُعَةِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْي إِلَى المَسْجِدِ لِصَلَاةِ الجُمُعَةِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عَدَدٌ تَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاةُ الجُمُعَةِ صَلَّاهَا ظُهْراً.

ثَالِثًا: يِجِبُ عَلَى إِمَامِ مَسْجِدِ الجُمُعَةِ إِقَامَة صَلَاةِ الجُمُعَةِ ذَلِكَ اليَوْمِ لِيَشْهَدَهَا مَنْ شَاءَ شُهُودُهَا وَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ العِيْدَ، إِنْ حَضَرَ العَدَدُ الَّذِيْ تَنْعَقِدُ بِهِ صَلَاةُ الجُمُعَةِ وَإِلَّا فَتُصَلَّى ظُهْرًا.

رَابِعًا: مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ العِيْدِ وَتَرَخَّصَ بِعَدَمِ حُضُورِ الجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ يُصَلِّيْهَا ظُهْراً بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الظُّهْرِ.

خَامِسًا: لَا يُشْرَعُ فِي هَذَا الوَقْتِ الأَذَانُ إِلَّا فِي المَسَاجِدِ الَّتِيْ تُقَامُ فِيْهَا صَلَاةُ الجُمُعَةِ، فَلَا يُشْرَعُ الأَذَانُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ ذَلِكَ اليَوْمِ.

سَادِسًا:  القَولُ بِأَنَّ مَنْ حَضَرَ صَلَاةَ العِيْدِ تَسْقُطُ عَنْهُ صَلَاةُ الجُمُعَةِ وَصَلَاةُ الظُهْرِ ذَلِكَ اليَوْم قَوْلٌ غَيْرُ صَحِيْحٍ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَلَاتُهَا ظُهْرًا.

هَذَا وَصَلُّوْا -رَحِمَكُمُ الْلَّهُ- عَلَىَ مَنْ أُمِرْتُمْ بِالْصَّلاةِ عَلَيْهِ...