الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
من تمام نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- وكمال بيانه، وتمام وصيته لأمته، أنه كان -صلوات الله وسلامه عليه- يقول الألفاظ القليلة، والكلمات المعدودة، وتكون مشتملة على عظيم المعاني، وجوامع الدلالات، بأوجز عبارة، وأيسر لفظ.
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: إن الله -عز وجل- منَّ على أمة الإسلام ببعثة النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فكان رسولاً ناصحًا أمينًا مبلغًا مؤديًا حكيمًا، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دل الأمة عليه، ولا شرًّا إلى حذرها منه، فجزاه الله عن أمة الإسلام خير ما جزى نبيًّا عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: ومن تمام نصح النبي -صلى الله عليه وسلم- وكمال بيانه، وتمام وصيته لأمته، أنه كان -صلوات الله وسلامه عليه- يقول الألفاظ القليلة، والكلمات المعدودة، وتكون مشتملة على عظيم المعاني، وجوامع الدلالات، بأوجز عبارة، وأيسر لفظ. ومن جوامع كلمه وعظيم نصحه لأمته ما جاء في سنن الترمذي عن أبي ذرّ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
تأمل -عبد الله- هذا الحديث العظيم الذي ألفاظه قليلة، وكلماته معدودة، لكنه -صلى الله عليه وسلم- جمع فيه الخير كله، جمع فيه خيري الدنيا والآخرة، ومن حقق هذا الحديث وأتى بمقاصده فقد تحقق له الخير من جميع أبوابه، وحصَّل الفلاح من أوسع سبله: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". جمل ثلاث معدودة إلا أنها أتت على أصول المعاملة، معاملتك مع الله كيف تكون، ومعاملتك مع نفسك كيف تكون، ومعاملتك مع عباد الله كيف تكون.
عباد الله: فأما المعاملة مع الله -جل وعلا- فإن أساسها وعمود بنائها تقوى الله -جل وعلا-، بمراقبته في السر والعلانية، والغيب والشهادة، أن تتقي الله أينما كنت، في سرك وعلانيتك، في ألفاظك وأعمالك، في ليلك ونهارك، في جميع أوقاتك، "اتق الله حيثما كنت"؛ لأن الله -جل وعلا- يراك أينما تكون، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، الغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، لا تخفى عليه خافية، يرى -جل وعلا- -من فوق سبع سماوات- دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، ويرى جريان الدم في عروقها، ويرى كل جزء من أجزائها، أحاط بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا.
"اتق الله حيثما كنت" بأن تجعل بينك وبين ما تخشاه من سخط الله وعقابه وقاية تقيك، وذلك -عباد الله- لا يكون إلا بفعل الأوامر وترك النواهي؛ ولهذا فإن أحسن ما حُدَّت به التقوى قول طلق بن حبيب -رحمه الله-: تقوى الله تعالى: أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله، على نور من الله، تخاف عقاب الله.
عباد الله: ولما كان المؤمن مهما اشتد حرصه وعظمت رغبته على تحقيق التقوى لابد مع ذلك من الوقوع في بعض الذنوب والخطايا، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطّائين التوابون"، لما كان شأن المؤمن كذلك قال -صلى الله عليه وسلم- ناصحًا: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"، فانظر إلى هذا الفضل العظيم، والإنعام الكريم من الرب الخالق الجليل، فإن الحسنات ماحية للسيئات: "أتبع السيئة الحسنة تمحها"، وهذا هو معنى قول الله تعالى في القرآن الكريم: (أَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114]، جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: يا رسول الله: أصبت من امرأةٍ قبلة، أي قبلة في حرام، فسكت عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل عليه قول الله تعالى: (أَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، فدعا الرجل وتلا عليه هذه الآية الكريمة، فقال له رجل آخر: يا رسول الله: أهذه له خاصة؟! قال: "بل للناس عامة".
فإتْبَاع السيئة الحسنة يمحوها، وهذا من عظيم فضل الله -جل وعلا- وجزيل إنعامه؛ ولهذا فإن العبد المؤمن حريٌّ به أن يكون مُكثِرًا من الحسنات، مواظبًا على الطاعات، مُجِدًّا في القربات؛ لأنها -بإذن الله جل وعلا- تذهب السيئات، وأعظم الحسنات -عباد الله- الماحية للسيئات، حسنة التوبة؛ فإن التوبة -عباد الله- حسنة عظيمة، وطاعة جليلة، والتوبة تجُبُّ ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، ومهما عظم الذنب وكبرت الخطيئة فإن من تاب تاب الله عليه؛ يقول الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) [الزمر: 53]، وقوله: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ)، أي توبوا إلى الله وأنيبوا إليه سبحانه؛ فإنه يغفر الذنب مهما عُظُم، فهو -جل وعلا- لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، ولا حاجة يُسألها أن يعطيها، فهو تواب رحيم، واسع كريم، محسن جواد، جل شأنه، وعظم اسمه؛ ولهذا -عباد الله- العناية بالحسنات أمر عظيم، ومطلب جليل؛ ليكون مُذْهِبًا للسيئات، رافعًا للدرجات، معليًا للعبد مكانته في الدنيا والآخرة.
والحسنات -عباد الله- مطهرة للعبد من أدرانه وأقذاره وأوساخه، تطهره وتنقيه بإذن الله؛ يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: "إن في الدنيا ثلاثة أنهر، من تطهر بها طهرته، وهي الحسنات الماحية، والتوبة النصوح، والمصائب المكفرة، فمن تطهر بها في الدنيا طهرته، وإلا فإن الله يطهره يوم القيامة بنهر جهنم". نسأل الله لنا ولكم العافية.
عباد الله: وفي هذا الحديث -حديث أبي ذر رضي الله عنه- بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- المعاملة بين الناس كيف تكون؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "وخالق الناس بخلق حسن"، أي عاملهم بالمعاملة الطيبة والأدب الرفيع والخلق الكريم، وضابط ذلك -عباد الله- والجامع له، أن تعامل الناس بالشيء الذي تحب أن يعاملوك به، وأن تأتي إليهم ما تحب أن يأتوا إليك، فهذا جماع حسن الخلق؛ ولهذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وجاء عنه في حديث آخر أنه قال: "وأن تأتي للناس الشيء الذي تحب أن يؤتى إليك"، فانظر إلى المعاملة التي تريدها لنفسك، والخُلُق الذي تريد أن تُعامل به فعامل به الآخرين، فإن هذا هو جماع حسن الخلق، فليس منا من يرضى أن يعامل بالفظاظة والغلظة، وليس منا من يرضى أن يعامل بالغش والخيانة والخديعة، وليس منا من يرضى أن يعامل بالكذب والتدليس ونحو ذلك، فحسنُ الخلق -عباد الله- أن لا ترضى للناس الشيء الذي لا ترضاه لنفسك، وأن تحب لهم ما تحب لنفسك؛ ولهذا قال بعض العلماء في تعريف حسن الخلق: هو كف الأذى، وبذل الندى. كف الأذى عن الناس بأن لا يتعرض إليهم بأي نوع من أنواع الأذى، لا أذًى قولي، ولا أذًى فعلي، وبذل الندى بأن يعاملهم بالألفاظ الطيبة والأقوال الجميلة والمعاملات الحسنة التي يحب أن يعامل بها.
عباد الله: وأقرب الناس يوم القيامة منزلة من النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاسنهم خُلقًا، كما ثبت بذلك الحديث عنه -صلوات الله وسلامه عليه-، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة عديدة.
نسأل الله -جل وعلا- أن يرزقنا وإياكم تقواه في السر والعلانية، وأن يمنَّ علينا جميعًا بتوبة نصوحٍ، وأن يهدينا وإياكم لفعل الحسنات والإتيان بالطاعات، والتقرب إلى الله -جل وعلا- بما يرضيه من صالح الأقوال والأعمال، وأن يمنَّ علينا وعليكم بالخلق الكريم والأدب العظيم، أدب الشريعة، الذي أدب الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم- وخير أمته -صلوات الله وسلامه عليه- وعلى من اقتدى به في عقيدته وعبادته وخلقه، اللهم اجعلنا من أتباعه حقًّا، ومن أنصاره صدقًا، ووفقنا للاقتداء به يا رب العالمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفره يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى؛ فإن تقوى الله -جل وعلا- هي وصية الله للأولين والآخرين من خَلقه، كما قال الله -جل وعلا-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- لأمته، وهي وصية السلف الصالح فيما بينهم، ولمَّا قال رجل لأمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما قال له رجل: اتق الله، قال: لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نقبلها، وخير ما تعمر به في هذه الحياة تقوى الله -جل وعلا-، وخير زاد يتزود به العبد ليوم المعاد هو تقوى الله -جل وعلا-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة: 197].
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، واهدنا -يا ذا الجلال- سواء السبيل، ووفقنا لما تحب وترضى، وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على إمام المتقين وقدوة الموحدين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرًا"، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي السبطين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة ورأفة على عبادك المؤمنين.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إنا نسألك الهدى والسداد، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك مستعملين لها في طاعتك يا ذا الجليل والإكرام، اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، واكتب الصحة والسلامة والعافية والغنيمة لعموم المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدَّين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه وفضله يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.