البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الأول

(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

انحلال بعض العقبات التي تحول دون النكاح

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. الزواج آية من آيات الله ونعمة من نعمه .
  2. فوائد النكاح وثمراته .
  3. مشكلة المغالاة في المهور وكيفية حلها .
  4. الإشادة برجلين يسرا مهر بنتيهما .
  5. مشكلة الإسراف في حفلات وولائم الأعراس وكيفية حلها .

اقتباس

لقد سر الناس كلهم كثرة الزواج في هذه الأيام لما يحصل به من المصالح التي سمعتم بعضها الآن. لكن بقي عقبتان، نرجو الله -تعالى- أن ييسر تذليلهما على أيدي المخلصين المؤمنين. العقبة الأولى: الـ...

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى- واشكروه: (أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
فالزواج آية من آيات الله -تعالى- تجد الرجل يتزوج من قوم لا صلة بينه وبينهم، ثم يصبحون بهذا الزواج يتواصلون ويتزاورون كأنهم أقرباء، ولهذا قرن الله -تعالى- الصهر بالنسب وهو القرابة، فقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)[الفرقان: 54].
والزواج نعمة من الله -تعالى- أحله الله –تعالى– لعباده، بل أمرهم به، وحثهم عليه على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم-، أمر الله بالنكاح المتزوجين والمزوجين، فقال تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ)[النساء: 3].
وقال تعالى: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور: 32].
وحث عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج"[البخاري (4779) مسلم (1400) وغيرهما
وقال صلى الله عليه وسلم: "إني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"[البخاري (4776) مسلم (1401) النسائي (3217) أحمد (3/285)].
وكما أن النكاح سُنَّةُ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وطريقته، فهو سنة المرسلين من قبله، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً)[الرعد: 38].
ففي النكاح امتثال أمر الله ورسوله.
وفي النكاح اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن سبقه من الرسل.
وفي النكاح قضاء الوطر، وسرور القلب، وفرح النفس.
وفي النكاح تحصين الفرج، وحماية العرض.
وفي النكاح غض البصر، والبعد عن الفتنة.
وفي النكاح بقاء النوع الإنساني، وعمارة الأرض.
وفي نكاح المسلمين تكثير الأمة الإسلامية وقوتها، واكتفاؤها بنفسها.
وفي النكاح تحقيق مباهاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث يباهي الأنبياء بأمته يوم القيامة.
وفي النكاح تكوين الأسر، وتقريب بعض الناس من بعض، وقوة الروابط والصلات بينهم.
وفي النكاح قيام بحقوق الزوجية يؤجر به كل من الزوجين، إذا قام به لله -عز وجل-.
وفي النكاح حصول الأولاد والأجر بتربيتهم، والقيام عليهم، فالنكاح صلاح للأمة كلها، للفرد والجماعة، للرجال والنساء، في الدين والدنيا، والحاضر والمستقبل.
ولقد سر الناس كلهم كثرة الزواج في هذه الأيام لما يحصل به من المصالح التي سمعتم بعضها الآن.
نسأل الله -تعالى- أن يبارك للجميع وعليهم، وأن يجعل عاقبتهم حميدةً، وحياتهم سعيدةً، حياة عفاف وإيمان، وعمل صالح، ورزق طيب واسع، وذرية طيبة.
لكن بقي عقبتان، نرجو الله -تعالى- أن ييسر تذليلهما على أيدي المخلصين المؤمنين.
العقبة الأولى: المغالاة في المهور والزيادة فيها إلى حد كبير أصبح عسيرًا على كثير من الناس، وهذا من أكبر العوائق عن النكاح، وهو خلاف السنة، فإن السنة تخفيف المهر وتسهيله، وهو من أسباب بركة النكاح والوئام بين الزوجين، فإن أعظم النكاح بركة أيسره مؤونةً؛ وقد تزوج رجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأةً بنعلين، فأجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- نكاحه [الترمذي (1113)  ابن ماجة (1888) أحمد (3/445)].
وقال لرجل: "التمس ولو خاتمًا من حديد" فلم يجد شيئًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "هل معك شيء من القرآن؟" قال: نعم، سورة كذا وكذا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "زوجتكما، أو قال: ملكتكها بما معك من القرآن"[البخاري (4842) مسلم (1425) الترمذي (1114) النسائي (3280) أبو داود (2111) ابن ماجة (1889) أحمد (5/336) مالك (1118)  الدارمي (2201)].
وقال له رجل: يا رسول الله إني تزوجت امرأةً على أربع أواق؟ يعني مئةً وستين درهمًا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "على أربع أواق؟ كأنما تنحتون الفضة من عُرْض هذا الجبل؟"[مسلم (1424)].
وقال أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه-: "لا تغلوا صدق النساء" يعني مهورهن، فإنها لو كانت مكرمةً في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، كان أولاكم بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيا أيها الغني القادر: لا تغال في المهر، ولا تفاخر في الزيادة فيه، فإن في مجتمعك من إخوانك، من لا يستطيع مباراتك.
وإذا دخلت على أهلك، فأعطهم من المال ما شئت.
ثم أنتم -أيها الأولياء- لا تجعلوا المال غرضكم وعوضكم من بناتكم، ومن ولاكم عليه من النساء، فتشترطوا لأنفسكم شيئًا من المهر، تثقلون به كاهل الزوج، وتحرمون المرأة منه.
اجعلوا غرضكم أن تعيش المرأة عند رجل صالح ذي دين وخلق، تحيا معه حياةً سعيدةً في ظل الدين والأخلاق.
ولقد أعجبني رجلان فاضلان من هنا:
أما أحدهما: فخطبت منه ابنته، فاشترط على الخاطب أن لا يدفع مهرًا سوى كذا، مهر قليل جدًّا سماه للخاطب.
وأما الثاني: فدفع الخاطب إليه المهر، وكان مهرًا متوسطًا، فأخذ منه أبو الزوجة أقل ما يمكن أن تجهز به المرأة، ورد الباقي على الخاطب.
وهكذا تكون الرجولة، وتقدير المسؤولية، والنظر للعواقب والمستقبل.
ومن المعلوم أن هذين الرجلين الفاضلين لن يقصرا في تجهيز ابنتيهما بما يليق بأمثالهما.
وهكذا ينبغي أن يكون كل ولي ينظر لمصلحة الزوجة لا للمال، فالمال عرض يزول ويعود، فكم من غني افتقر، ومن فقير اغتنى.
أما العقبة الثانية: فهي ما حدث في هذه الأيام من الإسراف البالغ في الولائم، يدعو الزوج وأهل المرأة جمعًا كبيرًا يحضر منهم من يحضر، ويتخلف من يتخلف، وأكثر من يحضر لا يحضر إلا مجاملةً، أو قيامًا بما أوجب الله عليه من الحضور إذا كانت الوليمة وليمة الزوج.
ذلك أن الزوج إذا دعاك إلى وليمته في العرس، كان واجبًا عليك أن تحضر إلا لعذر شرعي، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله.
وإن هذا الإسراف البالغ في الولائم، لممَّا نهى الله عنه، وفاعله معرض نفسه لعدم محبة الله له، قال الله -تعالى-: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)[الأنعام: 141].
فهل ترضى -أيها المؤمن- أن تفعل شيئًا لا يحبك الله من أجله؟ هل ترضى أن تقع فيما نهاك الله عنه؟ هل ترضى أن تخرج بعملك هذا عن طريق عباد الرحمن الذين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)[الفرقان: 67]؟
هل ترضى أن تجعل نفسك عرضة للناس باللوم والذم، فإن الناس نراهم يلومون ويذمون من يسرف في هذه الولائم، بل يعدون ذلك من السفه، حيث أضاع ماله، وأتعب أهله، وأتعب بدنه وفكره في أمر يكون به مسرفًا.
ونرى الناس يمدحون ويثنون على من اقتصد في ذلك.
وإن الإسراف في هذه الولائم يوجب: أن تمتهن نعمة الله بهذا الطعام من عيش ولحم، وغيرهما، حيث لا تؤكل، فترمى في الأسواق، أو تضاع في البراري، وكل هذا مخالف للشرع والعقل والرشد، فإن العقل والرشد حسن التصرف في كل ما تفعل.
فاتقوا الله -عباد الله- واشكروا نعمة الله عليكم إن كنتم إياه تعبدون، واذكروا زمانًا كان الواحد يتمنى فيه لقمةً أو تمرةً يسد بها جوعته، وما من شيء ينتهي إلا انتهى.
وفقني الله وإياكم لصلاح ديننا ودنيانا، ورزقنا القصد في الفقر والغنى، وحمانا من البخل والإسراف، إنه جواد كريم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.