الولي
كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...
العربية
المؤلف | يحيى جبران جباري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن طالب العلم يلزمه أن يُرَى علمه عليه، فله سمته، وله شكله، وله أدبه، وله فضل على غيره، فتجده بارًّا بوالديه، محترمًا لمعلميه، موقرًا للكبير، وراحمًا للصغير، يعلم ما له وما عليه، أخلاقه عالية، وسوءاته نائية، وحسناته دانية، وتصرفاته من الأخطاء خالية، هذه صفاة الطالب الرفيع البعيد عن الهاوية.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رفع بالعلم المنازل، وجعل المفضول به هو الفاضل، أحمده سبحانه وأشكره ما استمع مستمع وما قال قائل، وأستعينه وهو المعين على دفع النوازل، وأستهديه وهو الهادي لكل ضالّ غافل، وأستغفره وهو الغافر لمن تاب إليه من المعاصي والمهازل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لكل ما يشاء فاعل، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله خير حامل لرسالة ربه وأفضل ناقل، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه إلى يوم بشفاعته حافل.
ثم أما بعد: فأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله -جل وعلا- وخشيته في كل شأن وأمر في حياتكم واقع وحاصل، فبتقوى الله نكفى الهوائل، وبتقوى الله ندفع الرذائل، وبتقوى الله نتقي شر كل جاهل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].
أيها المسلمون: قد كنت في موعظة خلة سقت رسالة للمعلمات والمعلمين؛ بيَّنت فيها شيئًا من فضلهم، وقدرهم، وواجبهم تجاه بناتنا والبنين، فأسأل الله أن يكون لهم خير معين.
واليوم أريد أن أطلق سهامي لأصيب بها الطرف الثاني، وهم المتعلمون، فلا معلم بدون متعلم، ولا متعلم بدون ولي أمر يوجِّه ويسعى ويبذل، ولشتات من هم تحت يده يلملم، عملاً بقول المنان: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1- 4].
وقد جاء في الآثار "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة"؛ فالحاجة لطلب العلم ملحة، ولولا تيسير الله له على طالبيه ما عُرفت العلوم، ولا وُجِدَ دواء للكحة، وفي هذا الزمان -ولله الحمد- توفرت دُور العلم، وأصبح الكل يطلبه إذا بلغ سِنّه والحلم.
وإن أردت حَصْر أعداد الطالبين فضَعْ أرقامًا تعجز القارئين، وإن أردت الدقة، فقل من هم طلبة العلم الصادقين؟ هنا يظهر كدَر الماء من المَعِين، إن أول صفة لطالب العلم أن يكون مخلصًا في طلبه لله، ويرجو به صلاح آخرته، كما يريد به صلاح دنياه، ويثق يقينًا بأنه مأجور على طلبه ومسعاه.
"إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع"، "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة"؛ هكذا قال في الترغيب نبي الأمة.
إن طالب العلم يلزمه أن يُرَى علمه عليه، فله سمته، وله شكله، وله أدبه، وله فضل على غيره، فتجده بارًّا بوالديه، محترمًا لمعلميه، موقرًا للكبير، وراحمًا للصغير، يعلم ما له وما عليه، أخلاقه عالية، وسوءاته نائية، وحسناته دانية، وتصرفاته من الأخطاء خالية، هذه صفاة الطالب الرفيع البعيد عن الهاوية.
وأما ذاك الذي يقضي ليله بالسهر، ويقضي وقته في فصله بين نوم وسبات، ويجعل المدرسة مجرد سبيل للخروج من محيط المنزل والانفلات، أو مجرد اجتماع مع أصدقائه في الصف ليشكلوا مجموعات، همهم أذية المدرسين وبقية الطلاب المجتهدين وتضييع الأوقات، وعدم الالتزام بالزي المدرسي، والتفاخر بأسوأ القصَّات، وهذا على مستوى الجنسين طلابًا وطالبات. وكم سمعنا وشاهدنا من أمثال هؤلاء وما عليهم من مخالفات!!
واختصارًا لوصفهم أقول: علم بلا أدب كشجر بلا ثمر، فهذان صنفان من الطلبة؛ الأول منهم لم يأتِ بما فيه من صفاة وحده، بل كان لولي أمره عليه سلطه، وتعب ومتابعه، وتوجيه إلى الصواب، ورضا بما يمليه عليه معلموه ومربوه، من واجب واهتمام ومذاكرة لكتاب، وتعاون مع المعلمين لدفع ابنه أو ابنته إلى الأمام، بلا تردد أو انسحاب.
وأما الصنف الثاني من الطلاب، فقد وجدوا تراخيًا من أولياء أمورهم، وعدم محاسبة على كثرة الغياب، وترك محاسن الآداب، وجعلوا أعظم همهم، توفير مصاريف الإفطار والذهاب، فلا مدرسة يحضر ولا يعلم هل ابنه في المدرسة أم له يغدر، واذا أرسل له من إدارة المدرسة تنبيه، أهمله، وكأن الأمر لا يعنيه، فأي فلاح وصلاح من ابنه إن لم يشأ الله أن يجنيه.
وقد علمنا من حب طلب العلم في عقولنا أجج، بأنه لا يستوي الظل والعود أعوج. كثير من داخلي يود أن يخرج، ولكني أقف الآن، ولعلي في الثانية عليه أعرج… وعلى كل متعلم أن يعلم، بأن العلم يبني قصورًا لا أساس لها .. والجهل يهدم بيت العز والشرف..
أعاننا الله وإياكم، أن نفي بشيء من حقه.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ظاهر أو خفي، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]؛ أحمده سبحانه وأشكره عدد ما أفاض من خير وعطاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده فاطر الأرض والسماء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وخير الأصفياء، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه عدد النجم وذرات الفضاء.
وبعد أيها الطلبة والأولياء ومن لعبادة ربه جاء، اتقوا الله؛ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].
أيها الطلبة والطالبات والأمهات والآباء، اعلموا بأن من طلب العلم من أجل الشهادة والثناء فذاك في عقله وباء، ولن يحصد من طلب العلم إلا الشقاء، ومن أراد به وجه الله، ونوى به الخير والعطاء، فذاك نقي معافى من كل الأدواء.
فأعينوا أبناءكم الطلبة وبناتكم الطالبات على فهم حقيقة العلم وتطبيقه، يا أمهاتهم والآباء، تابعوهم في مدارسهم وسلوا عنهم معلماتهم ومعلميهم، هذبوهم وربوهم وعلى قيم طلاب العلم نشؤوهم، لا تكتفوا بالمال الذي تعطوهم، ودفع الأجرة لمن يوصلوهم، وإحضار ما يطلبونه بدون أن توعوهم، فأنتم مسؤولون عنهم أمام ربكم إن أهملتموهم.
وأنتم أيها الطلاب احرصوا على دراستكم، واجعلوا كتبكم خير الأصحاب، ادوا واجباتكم والتزموا بالأخلاق والآداب، واجتهدوا فلكل مجتهد نصيب، لا تتركوا دراستكم وطلب العلم لعدم توفر وظيفة أو تعيين، فالرزق يدرب العالمين.
أثبتوا لمعلميكم بتعاملكم معهم واحترامهم أنهم الحاجب وأنتم العين، وسيكونون لكم الجفن الذي يقي بريق العين، أروا آباءكم وأمهاتكم مثابرتكم واجتهادكم، ليكونوا بنجاحكم فَرِحين، وتحوزون الفلاح في الدارين، أنتم أمل الأمة، ومن يكشف عنها حلك الغمة، ومن سيقودها غدا نحو القمة، والله أسأل أن يرزقكم العون والإخلاص والهمة.
ثم الصلاة والسلام على صاحب السنة، نختم بها القول ونتمه، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد.