البحث

عبارات مقترحة:

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

تشبه الرجال بالنساء

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. مفهوم تشبه الرجال بالنساء وحكمه .
  2. مظاهر تشبه الرجل بالمرأة .
  3. دواعي تشبه الرجل بالمرأة .
  4. علاج ظاهرة تشبه الرجال بالنساء. .

اقتباس

لَقَدْ عَمَّتِ الْبَلْوَى فِي بَعْضِ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَاكَاةِ النِّسَاءِ فِي زِيِّهِنَّ وَكَلَامِهِنَّ؛ فَحَلَقُوا لِحَاهُمْ حَتَّى بَدَتْ وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْعَذَارَى، وَنَافَسُوا النِّسَاءَ عَلَى أَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ، وَشَارَكُوهُنَّ فِي لُبْسِ الرَّقِيقِ وَالضَّيِّقِ مِنَ الثِّيَابِ، حَتَّى لَمْ...

الْخُطْبَةُ الْأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ خَلَقَ اللهُ الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، وَجَعَلَهُ فِي أَكْمَلِ صُورَةٍ، وَمَيَّزَهُ وَكَرَّمَهُ وَفَضَّلَهُ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا؛ فَخَلَقَ الرَّجُلَ وَمَيَّزَهُ بِصِفَاتٍ تُنَاسِبُ تَكْوِينَهُ وَفِطْرَتَهُ، وَخَلَقَ الْمَرْأَةَ وَجَمَّلَهَا بِصِفَاتٍ تُنَاسِبُ جِبِلَّتَهَا وَفِطْرَتَهَا، وَجَعَلَ بَيْنَ صِفَاتِ الْجِنْسَيْنِ بَرْزَخًا؛ لِئَلَّا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى صِفَاتِ أَحَدٍ، أَوْ يَتَعَدَّى صِنْفٌ عَلَى صِفَاتِ آخَرَ. فَقَبيحٌ فِي الرَّجُلِ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ صِفَاتِ رُجُولَتِهِ، وَأَنْ يَتَنَكَّرَ لِذُكُورِيَّتِهِ؛ وَيَمِيلَ إِلَى رِقَّةِ الْمَرْأَةِ وَأُنُوثَتِهَا، وَيَتَحَلَّى بِلِبَاسٍ وَصِفَاتٍ لَا تَتَنَاسَبُ إِلَّا مَعَهَا.

وَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ)[النساء:32]، فَأَشَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَى النَّهْيِ عَنْ تَشَبُّهِ كُلِّ صِنْفٍ بِمَا اخْتَصَّ بِهِ الصِّنْفُ الْآخَرُ.

وَالْمُرَادُ بِتَشَبُّهِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ: أَنْ يَتَشَبَّهَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ، أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ، أَوْ مَا كَانَ صِفَةً قَائِمَةً بِهَا، فَذَلِكَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّهْيُ.

وَقَدْ خَلَقَ اللهُ الْمَرْأَةَ بِتَنْشِئَةٍ خَاصَّةٍ فَقَالَ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف:18]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "هُنَّ النِّسَاءُ؛ فَرَّقَ بَيْنَ زِيِّهِنَّ وَزِيِّ الرِّجَالِ". فَتَشَبُّهُ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ مِنْ كَبِيرِ الْمُوبِقَاتِ، وَعَظِيمِ الذُّنُوبِ وَالْمُحَرَّمَاتِ. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ"(رواه البخاري). وَعَنْهُ –أَيْضًا- قَالَ: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ"(رواه البخاري)، وَالْمُخَنَّثُ هُوَ الْمُتَكَسِّرُ فِي مَشْيِهِ وَكَلَامِهِ حَتَّى يَغْدُوَ كَالنِّسَاءِ.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ"(رواه أبو داود وصححه الألباني).

وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ، فَقَالَ: "مَا بَالُ هَذَا؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ".

فَهَذِهِ النُّصُوصُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ؛ لِمَا جَاءَ فِيهَا مِنَ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ، وَاللَّعْنِ الَّذِي لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى أَمْرٍ كَبِيرٍ. قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ يَتَكَلَّفُ أَخْلَاقَ النِّسَاءِ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَسَكَنَاتِهِنَّ وَكَلَامَهُنَّ وَزِيَّهُنَّ، فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُهُ".

وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْ تَشَبُّهِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُمَا مُغَيِّرَانِ لِخَلْقِ اللهِ، وَمُتَّبِعَانِ لِدَعْوَةِ إِبْلِيسَ الْقَائِلِ: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا)[النساء: 119].

كَمَا أَنَّ هَذَا التَّشَبُّه سَبَبٌ لِمُقَارَفَةِ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ؛ فَإِذَا لَبِسَ الرَّجُلُ الْحَرِيرَ، وَأَرْخَى ذُؤَابَةَ شَعْرِهِ، وَعَلَّقَ عَلَى صَدْرِهِ وَأُذُنَيْهِ الذَّهَبَ، وَبَدَا صَوْتُهُ رَقِيقًا، وَمِشْيَتُهُ مُتَكَسِّرَةً، فَقَدْ يَهُونُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ الْمَعْصِيَةَ، أَوْ يَأْتِيَ الْكَبِيرَةَ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَقَدْ عَمَّتِ الْبَلْوَى فِي بَعْضِ شَبَابِ الْمُسْلِمِينَ بِمُحَاكَاةِ النِّسَاءِ فِي زِيِّهِنَّ وَكَلَامِهِنَّ، فَحَلَقُوا لِحَاهُمْ حَتَّى بَدَتْ وُجُوهُهُمْ كَوُجُوهِ الْعَذَارَى، وَنَافَسُوا النِّسَاءَ عَلَى أَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ، وَشَارَكُوهُنَّ فِي لُبْسِ الرَّقِيقِ وَالضَّيِّقِ مِنَ الثِّيَابِ، حَتَّى لَمْ يَعُدْ لِلنِّسَاءِ مَا يَتَمَيَّزْنَ بِهِ عَلَيْهِمْ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّشَبُّهَ لَهُ مَظَاهِرُ مُتَعَدِّدَةٌ، فَقَدْ يَكُونُ فِي اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ، كَلُبْسِ خَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، أَوْ سِوَارَةٍ أَوْ قِلَادَةٍ يُعَلِّقُهَا عَلَى عُنُقِهِ، وَتِلْكَ مِنْ خَصَائِصِ ذَوَاتِ الْحِلْيَةِ اللَّاتِي قَالَ اللهُ فِيهِنَّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف: 18].

وَقَدْ يَكُونُ التَّشَبُّهُ: فِي لُبْسِ الْمَلَابِسِ الرَّقِيقَةِ كَالْحَرِيرِ، وَالْمَلَابِسِ الْمُلَوَّنَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ إِلَّا بِالنِّسَاءِ. أَوْ يَكُونُ التَّشَبُّهُ فِي تَسْرِيحَةِ الشَّعْرِ وَصَبْغِهِ وَإِطَالَتِهِ، وَوَضْعِ الْمَسَاحِيقِ عَلَى الْوَجْهِ وَالشِّفَاهِ، وَتَنْعِيمِ الْوَجْهِ وَالْخَدَّيْنِ. وَقَدْ يَكُونُ فِي تَرْقِيقِ الصَّوْتِ، وَالتَّكَسُّرِ فِي الْمِشْيَةِ، وَالتَّمَايُلِ وَالرَّقْصِ وَإِبْرَازِ الْمَفَاتِنِ.

وَأَوْضَحُ صُوَرِ التَّشَبُّهِ مَا يَقُومُ بِهِ بَعْضُ الرِّجَالِ فِي تَمْثِيلِ دَوْرِ النِّسَاءِ؛ فَيَتْنَكَّرُ حَتَّى تَصِيرَ صُورَتُهُ كَالْمَرْأَةِ، وَيَلْبَسُ لِبَاسَهَا، وَيَنْطِقُ بِنَبْرَتِهَا، وَيَبْدُو كَهَيْئَتِهَا، وَيَتَسَمَّى بِاسْمِهَا فِي تَمْثِيلٍ مُتْقَنٍ لِدَوْرِ الْمَرْأَةِ حَتَّى لَمْ تَعُدْ تَسْتَطِيعُ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ.

فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ؟ كَيْفَ يَطِيبُ لِرَجُلٍ سَوِيٍّ أَنْ يُغَيِّرَ خَلْقَ اللهِ، وَلَا يَرْضَى بِرُجُولَتِهِ الَّتِي مَيَّزَهُ اللهُ بِهَا؟ مَا الدَّاعِي أَنْ يَخْطُوَ الرَّجُلُ بِأَقْدَامِهِ إِلَى أَمَاكِنِ التَّجْمِيلِ لِيَخْرُجَ مِنْهَا بِتَسْرِيحَةِ شَعْرٍ غَرِيبَةٍ، وَرِيحَةِ طِيبٍ أُنْثَوِيَّةٍ، وَكَلَامٍ مَصْحُوبٍ بِالتَّغَنُّجِ وَالتَّمَايُلِ؟

عَلَامَ يُفَرِّطُ الرَّجُلُ فِي التَّجَمُّلِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ الْجَمَالَ مَفْخَرَةُ النِّسَاءِ، وَأَنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا تَتَجَمَّلُ لِأَجْلِ الرَّجُلِ؟! فَمَاذَا أَبْقَى هَؤُلَاءِ لِلنِّسَاءِ يَتَجَمَّلْنَ بِهِ لَهُمْ؟!

وَمَا هَذِهِ الظَّاهِرَةُ الَّتِي نَرَى إِلَّا عَاقِبَةً مِنْ عَوَاقِبِ التَّجَدُّدِ الزَّائِفِ وَالرُّقِيِّ الْمَزْعُومِ، وَإِحْدَى مُخْرَجَاتِ الْحَضَارَةِ الْوَاهِيَةِ، وَالَّتِي تَسْمَحُ بِتَحْوِيلِ الْجِنْسِ، وَزَوَاجِ الْمِثْلَيْنِ، وَتَأَنُّثِ الرِّجَالِ، وَتُجْرَى عَمَلِيَّاتٌ مُعَقَّدَةٌ لِتَحْوِيلِ الرَّجُلِ إِلَى امْرَأَةٍ بِمَبَالِغَ طَائِلَةٍ!

وَمَا عَجَبٌ أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجَّلَتْ

وَلَكِنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عَجِيبُ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ تَقْلِيدَ الرِّجَالِ لِلنِّسَاءِ أَمْرٌ غَرِيبٌ، وَدَرْبٌ مُرِيبٌ، تُنْكِرُهُ الْفِطَرُ السَّلِيمَةُ، وَتَأْبَاهُ الطِّبَاعُ الْقَوِيمَةُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ دَوَاعِيَ تَجُرُّ إِلَيْهِ، وَأَسْبَابًا تَدْفَعُ لِفِعْلِهِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا:

ضَعْفُ الْإِيمَانِ، وَغِيَابُ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ، وَسُوءُ التَّرْبِيَةِ لِلْأَبْنَاءِ؛ فَتَجِدُ الْأَبَوَيْنِ قَدْ أُشْرِبُوا حُبَّ تَتَبُّعِ الْمُوضَاتِ، وَالِافْتِتَانَ بِالْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ الزَّائِفَةِ؛ فَيَذْهَبُونَ بِأَبْنَائِهِمْ صِغَارًا إِلَى صَوَالِينِ الْحِلَاقَةِ لِأَجْلِ قَصَّاتِ شَعْرٍ غَرِيبَةٍ، وَيَذْهَبُونَ بِهِمْ إِلَى الْأَسْوَاقِ لِشِرَاءِ مَلَابِسَ نَاعِمَةٍ ضَيِّقَةٍ؛ فَيَعْتَادُ عَلَيْهَا الصَّغِيرُ إِذَا كَبِرَ، وَيُصْبِحُ الشَّابُّ الْمُسْلِمُ فِي الْبَلَدِ الْمُسْلِمِ وَكَأَنَّهُ يَعِيشُ فِي إِحْدَى الدُّوَلِ الْكَافِرَةِ.

وَمِنْ دَوَاعِي التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ: حُبُّ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ، أَوِ الشُّعُورُ بِالنَّقْصِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ، فَمِنَ الشَّبَابِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَجْذِبَ انْتِبَاهَ الْآخَرِينَ، أَوْ يَلْفِتَ أَنْظَارَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِكَي لَا يُوصَفَ بِالتَّخَلُّفِ وَالرَّجْعِيَّةِ، وَلِيُقَالَ عَنْهُ: إِنَّهُ مُتَحَضِّرٌ مُتَطَوِّرٌ.

وَمِنَ الْأَسْبَابِ –أَيْضًا-: فَسَادُ الْفِطْرَةِ، وَدَنَاءَةُ الطَّبْعِ، وَسُوءُ فَهْمِ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ، وَالْبُعْدُ عَنْ صُحْبَةِ أَهْلِ الشِّيَمِ وَالْمُرُوءَاتِ، وَمُخَالَطَةُ الْإِنَاثِ، سَوَاءً فِي الصِّغَرِ أَوْ بَعْدَ سِنِّ الرُّشْدِ، فَيَكْتَسِبُ مِنْهُنَّ بَعْضَ صِفَاتِهِنَّ، وَالَّتِي لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ وَإِنْ صَارَ كَبِيرًا.

وَمِنَ الدَّوَاعِي –أَيْضًا-: أَنْ يَتَشَبَّهَ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ فِي الْمَظْهَرِ؛ لِيَجْذِبَ النِّسَاءَ، وَيُقِيمَ مَعَهُنَّ عَلَاقَاتٍ مَشْبُوهَةً، وَتِلْكَ دَاهِيَةُ الدَّوَاهِي، وَقَاصِمَةُ الظُّهُورِ. وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَصِحْتُ:

وَاأَسَفَا عَلَى شَبَابِ الْعَرَبِ

كَيْفَ غَدَوْا أُلُعُوبَةً لِلْأَجْنَبِيْ

عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ مِنْهُ ضَاعَتْ

وَاضْطَرَبَتْ فِي خَدِّهِ وَمَاعَتْ

قَدْ طَوَّلُوا الشُّعُورَ لِلْمَنَاكِبِ

وَرَبَّوُا الْأَظْفَارَ كَالْمَخَالِبِ

ظَنَنْتُهُ مِنَ الْبَعِيدِ غـَادَهْ

وَرُحْـتُ أُغْضِي عِفَّةً كَالْعَادَةْ

وَسَـاءَنِي لَمَّا تَأَمَّلْتُ الْغَبِي

أَنَّ أَبَـاهُ مِنْ كِرَامِ النَّسَبِ

وَأُمَّـهُ مِنْ أُسْرَةٍ نَبِيلَـــهْ

مَعْرُوفَةٍ بِالدِّينِ وَالْفَضِيلَهْ
يَا لَضَيْعَةِ الْأَنْسَابِ تَحَوَّلَ الصَّقْرُ إِلَى غُرَابِ

كَيْفَ ارْتَضَى أَبُوهُ هَذَا الْعَارَا

وَهَلْ جَوَادٌ يِلدُ الْحِمـارَا

يَا أَيُّهَا الشَّبَابُ يَا كِــرَامُ

الْعِزُّ وَالنَّصْرُ هُمَا الْإِسْلَامُ

هَذِي السُّمُومُ الْحُلْوَةُ الْوَخِيمَهْ

قَدْ جَرَّعَتْنَا الذُّلَّ وَالْهَزِيمَهْ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ..

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَمْ يَعُدْ مِنَ الْمَنَاظِرِ الْمُثِيرَةِ لِلِاْسِتْغَرابِ فِي مُجْتَمَعِنَا الْعَرَبِيِّ أَنْ تَجِدَ شَبَابًا يَرْتَدُونَ مَلَابِسَ لَافِتَةً لَا تَتَنَاسَبُ مَعَ رُجُولَتِهِمْ، أَوْ يَلْبَسُونَ مَا يَصِفُ مَعَالِمَ الْجَسَدِ، وَمَا لَا يَخْلُو مِنَ التَّطْرِيزَاتِ الْبَرَّاقَةِ، أَوْ تَرَى قَصَّاتِ شَعْرٍ غَرِيبَةً، وَصَبْغَاتٍ مُتَعَدِّدَةَ الْأَلْوَانِ، وَارْتِدَاءَ الْبَارُوكَاتِ، وَالتَّزَيُّنَ بِالْأَسَاوِرِ وَالسَّلَاسِلِ، أَوْ تَرَى الشَّابَّ أَكْثَرَ بَحْثًا عَنْ أَدَوَاتِ التَّجْمِيلِ مِنَ الْفَتَاةِ، حَتَّى تَغَيَّرَتْ فِيهِ مَلَامِحُ وَسِمَاتُ الرُّجُولَةِ، وَظَهَرَتْ عَلَيْهِ مَلَامِحُ الْأُنُوثَةِ وَالنُّعُومَةِ.

لَكِنَّ الْإِسْلَامَ جَاءَ لِيُخَلِّصَ الْبَشَرِيَّةَ مِنْ مَظَاهِرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمْرَاضِ الْحَضَارَةِ الزَّائِفَةِ، وَلِتَقْوِيمِ السُّلُوكِ ضِدَّ أَيِّ انْحِرَافٍ عَنِ الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ، وَتَقْدِيمِ الْعِلَاجِ الشَّافِي لِكُلِّ هَذِهِ الْأَدْوَاءِ عَبْرَ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَهُوَ عِلَاجٌ تَقْبَلُهُ النَّفْسُ السَّوِيَّةُ، وَلَا تَسْتَسِيغُهُ النُّفُوسُ الْمَرِيضَةُ.

وَعِلَاجُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ يَكُونُ بِالنَّظَرِ إِلَى أَسْبَابِ انْتِشَارِهَا، فَمَعْرِفَةُ السَّبَبِ نِصْفُ الْعِلَاجِ، ثُمَّ يَشْتَرِكُ فِي هَذَا الْعِلَاجِ الْمُجْتَمَعُ بِكُلِّ أَطْيَافِهِ، ابْتِدَاءً بِالْأُسْرَةِ؛ حَيْثُ يتَّبِعُ الْوَالِدَانِ سُبُلَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالتَّنْشِئَةِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ دَوْرًا عَظِيمًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ.

كَمَا يَنْبَغِي عَلَى الدُّعَاةِ وَأَصْحَابِ التَّأْثِيرِ نَشْرُ الْوَعْيِ الدِّينِيِّ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَرَبْطُ الشَّبَابِ بِرَبِّهِمْ، وَتَذْكِيرُهُمْ بِتَقْوَاهُ وَمَخَافَتِهِ، وَإِشَاعَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

وَعَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَبْتَعِدُوا عَنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَمَوَاطِنِ الِاخْتِلَاطِ، وَأَنْ يَعْتَزُّوا بِرُجُولَتِهِمُ الَّتِي فَضَّلَهُمُ اللهُ بِهَا.

وَعَلَى الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ دَوْرٌ مُهِمٌّ –أَيْضًا-: وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَ الْأَنْظِمَةَ وَالْعُقُوبَاتِ لْمُكَافَحَةِ هَذَا السُّلُوكِ الْقَبِيحِ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى بَرَامِجِ التَّثْقِيفِ وَالتَّوْعِيَةِ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ.

فَإِنْ أَبَى هَؤُلَاءِ الشَّبَابُ الِاسْتِجَابَةَ لِهَذِهِ الْحُلُولِ؛ فَعَلَى الْمُجْتَمَعِ أَنْ يَنْبُذَهُمْ، وَلَا يَقْتَرِبَ مِنْهُمْ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الْبُيُوتِ؛ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالَ: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ. وَأَخْرَجَ فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا"(رواه البخاري)، وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "فَالَّذِي يُعَظِّمُ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مِنَ الرِّيَاسَةِ وَالْأَمْرِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ مَا يَجْعَلُ هُوَ أَحَقُّ بِلَعْنَةِ اللهِ وَغَضَبِهِ".

فَيَنْبَغِي لِلْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ أَلَّا يُمَكِّنَ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ إِدَارَةِ الْمُؤسَّسَاتِ الَّتِي يَكُونُونَ فِيهَا قُدُوَاتٍ، وَخَاصَّةً مِنْهَا التَّرْبَوِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ؛ لِأَنَّ إِفْسَادَهُمْ فِي الْجِيلِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِمْ فِي مَجَالِ عَمَلِهِمْ.

وَعَلَيْنَا جَمِيعًا مُحَارَبَةُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ مُنَاسِبَةٍ، فَلَيْسَ مِنْ كَمَالِ الْإِيمَانِ أَنْ نَرَى الشَّبَابَ يَسْقُطُونَ فِي هَاوِيَةِ الطَّرْدِ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ وَلَا نَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى النَّجَاةِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون.