البحث

عبارات مقترحة:

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

وماذا بعد رمضان

العربية

المؤلف يحيى بن موسى الزهراني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. الأيام جزء من العمر .
  2. أهمية المحافظة على ثواب القربات .
  3. أقسام الناس بعد رمضان .
  4. أعمال وطاعات أيام عيد الفطر المبارك .
  5. فضل صيام ستة أيام من شوال .
  6. تذكر المعاد. .

اقتباس

تذكروا أن الأيام أجزاء من العمر، فكل يوم ذهب، نقص من أعماركم، وقربكم إلى قبوركم، فاعملوا الصالح من الأعمال، فأنتم موقوفون بين يدي الكبير المتعال، (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ)..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، الحمد الله الذي أمر ونهى، ووعد من أطاع بجنة الرضى، وتوعد من عصى بنار تلظى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خلق فسوى، وقدر فهدى، نعم النصير ونعم المولى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، النبي المصطفى، والحبيب المجتبى، أفضل من أطاع ربه واتقى، وأعظم من صام وصلى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) . . . أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة، فاعرفوا لله إجلاله وعظمته، ووقروا كبرياءه وقدرته، واسلكوا كل سبيل يؤدي إلى رحمته، واجتنبوا كل طريق يوصل إلى سخطه .

أيها الأخوة في الله: تذكروا أن الأيام أجزاء من العمر، فكل يوم ذهب، نقص من أعماركم، وقربكم إلى قبوركم، فاعملوا الصالح من الأعمال، فأنتم موقوفون بين يدي الكبير المتعال،  (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ) [آل عمران:30]، لقد كنتم بالأيام القليلة الماضية في شهر رمضان، شهر مضاعفة الأعمال والحسنات، شهر الخير والبركات، تصومون نهاره، وتقومون ما تيسر من ليله، منعتم أنفسكم الطعام بالنهار، طاعة للواحد القهار، هجرتم المباح من الشهوات، وتركتم السيئات، وابتعدتم عن الموبقات، خوفاً من فاطر الأرض والسموات، فمضت تلك الأيام والليالي، وطويت فيها صحائف كثير من الأعمال، ويوم القيامة توفى كل نفس ما كسبت وأنتم لا تظلمون (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، فمن أحسن في شهر رمضان فليحمد الله، وليزدد من الأعمال الصالحة بعد رمضان، وليواصل الإحسان، ومن أساء وظلم، فليتب إلى الله، وليتدارك عمله، مادام في العمر بقية، واتبعوا السيئات بالحسنات، تكن كفارة لها ووقاية من خطرها وضررها، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)، وفي الحديث الصحيح الذي أخرجه (الترمذي وأحمد) من حديث أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " [ قَالَ أَبو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

 فاتقوا الله عباد الله، وأتبعوا الطاعة بالطاعة، وأعلموا أن الله تعالى يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، واحذروا المعاصي، فالسعيد من وفق للأعمال الصالحة في جميع أيامه إلى أن يلقى ربه، والشقي من فَتَحَتْ له الدنيا ذراعيها وهوى فيها، أخرج (الترمذي وابن ماجة والدارمي) من حديث أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: " أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ، وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ"، وأخرج (مسلم) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"، فاحذروا الدنيا فإنها غادرة ماكرة، ولا تغرنكم بهجتها وزينتها، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل .

أيها المسلمون: المؤمن الصادق يودع شهر رمضان بكل حزن وأسى، والمنافق يودع شهر رمضان بكل فرح وسرور، المؤمن يودعه راجياً من ربه قبوله بما استودعه فيه من العبادة والطاعة، صيام وقيام، وتلاوة للقرآن، وطاعة للرحمن، والمنافق يودع شهر رمضان بالغبطة والبهجة لينطلق إلى المعاصي والشهوات، لذا ترى المؤمن يتبع شهر رمضان بالاستغفار والتكبير والإكثار من ذكر الله تعالى في كل أحواله، وأما المنافق فيتبع شهر الغفران بالمعاصي واللهو واللعب وحفلات الأغاني وسماع المعازف والطبول، فرحاً بفراق شهر العتق من النيران، فشتان ما بين الفريقين، " فريق في الجنة وفريق في السعير"، فكونوا من أتباع سيد المرسلين، ولا تتبعوا سنن المنحلين من الفاسقين والمجرمين، الذين لا هم لهم إلا إخراج المسلمين من عقيدتهم وإبعادهم عن دينهم، قال تعالى: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) .

عباد الله: يالها من خسارة عظيمة، ومصيبة كبيرة، ويا لها من عقوبة أليمة، لمن فاته رمضان ولم يُغفر له، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن جبريل -عليه السلام- قال له: ومن أدركه شهر رمضان فلم يغفر له فمات فدخل النار فأبعده الله، قل آمين، فقلت: آمين " فهذا هو الصادق محمد -صلى الله عليه وسلم- يخبر عن جبريل -عليه السلام- أن من أدرك رمضان فلم يغفر له فيه، ومات على ذلك أنه من أهل النار، ودعا عليه جبريل، وأمَّن على دعائه محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكم هم الذين لا يصلون إلا في رمضان، وكم هم الذين لا يتلون القرآن إلا في رمضان، ثم هجروا المساجد والقرآن، وارتدوا على أدبارهم، ونكصوا على أعقباهم، ولم يعلموا أن الله رب كل الشهور والأعوام، وكل اللحظات والأيام، نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة، ونعوذ به من الردة بعد الإسلام، ومن الانتكاسة بعد الاستقامة.

أيها المسلمون: كم هم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ؟ بل هناك من الناس من لا يعرفون الله لا في رمضان ولا في غيره، فهم مسلمون بالبطاقة، وكفار في الحقيقة، لعدم أدائهم للصلوات الخمس في أوقاتها، جحوداً وإنكاراً لوجوبها، وتهاوناً وكسلاً عن أدائها، ولقد توعدهم الله تعالى بأليم العقاب، وشديد العذاب، قال تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم:59] ، وقال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)، وغي وويل واديان في جهنم، أعدا لمن ترك الصلاة وكفر بالله، فويل ثم ويل لمن قطع صلته بالله، وويل لمن ترك الصلاة، فهي الفاصلة بين الإسلام والكفر، والفارقة بين الإسلام والشرك، قال صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"، فاحرصوا على الصلوات الخمس جماعة في بيوت الله تعالى، وأمروا بها أهليكم، واصطبروا على ذلك، قال تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) ولقد امتدح الله عبده ونبيه إسماعيل فقال: (واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً * وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً).

عباد الله: في هذه الأيام الفاضلة، أيام عيد الفطر المبارك، يحسن التذكير بصلة الأرحام، وبر الوالدين، فهي سعة في الرزق، وطول في الأجل، وبركة في العمر، كما صح الخبر عن نبي البشر، وأما قاطع الرحم فهو ملعون في كتاب الله، ملعون على لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [الرعد:25] وعن أبي هريرة - رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن -عز وجل-، فقال: مه ؟ فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال تعالى: "ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك ؟ قالت: بلى، قال: فذاك لك" قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (متفق عليه)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله العقوبة لصاحبه في الدنيا مع ما يدخره له من العقوبة في الآخرة، من البغي وقطيعة الرحم" (الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد)، فاجتهدوا في صلة أرحامكم، وصلوا آباءكم وأمهاتكم، وكل من له حق عليكم، وليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها، فصلوا أرحامكم، ولو قطعوكم، برءوا ساحتكم أمام الله تعالى بوصل الرحم، ولا يمنعنكم من قطعكم، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك" (أخرجه مسلم) .

عباد الله: مما شرعه الله لكم على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم، اتباع صوم شهر رمضان بصوم ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر" . يعني: في الأجر والثواب والمضاعفة، فالحسنة بعشر أمثالها، فاحرصوا رحمكم الله على صيام هذه الأيام الستة لتحضوا بهذا الثواب العظيم، ومن كان عليه قضاء من رمضان، فليبادر بالقضاء، ثم يتبعه ستاً من شوال، فاعملوا الخيرات، واحذروا المنكرات، وصلوا خمسكم، وصلوا أرحامكم تدخلوا جنة ربكم، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وجعلنا من المتبعين لسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمداً كثيراً، طيباً مباركاً، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إنه كان سمعياً بصيراً، لا يزال لعباده المتقين ظهيراً ونصيراً، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه عبداً نبياً، صلى الله عليه رسولاً تقياً، وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد :

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى في كل الأوقات والأيام، فإن الله رقيب لا يغيب، قيوم لا ينام، واعلموا أن أقوالكم وأعمالكم تحصى عليكم، فحسنوا أخلاقكم، وهذبوا أقوالكم، ذلكم أزكى لكم عند مليككم .

أيها المسلمون: تذكروا عندما تقدمون على ربكم حفاة عراة، غرلاً بهماً، تقدمون على خالقكم ومولاكم، كما خلقكم أول مرة تعودون، تعودون إلى الله تعالى كما ولدتكم أمهاتكم، فالخطب عظيم، والشأن خطير، فترى الناس في خوف وهلع، من هول المطلع، مشفقين من عذاب الله، فويل لمن أجرم وعصى، وأدبر عن سبيل الله وتولى، قال تعالى: (هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) يوم القيامة لا تنفع الأعذار، ولا تجدي الآهات ولا الصيحات، فيالها من مواقف عصيبة وعظيمة، في يوم تتطاير فيه الصحف، وتنشر فيه الدواوين، وتنصب فيه الموازين، ويصبح فيه السر علانية، فحين ذاك: (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى * تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) ويصور الله تعالى ذلك الموقف الرهيب في سورة الحج في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)، وقال تعالى: (فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) فويل لتارك الصلاة، وويل لمن هجر بيوت الله، والخزي والعار لمن عق والديه، والعذاب على شرب المحرمات، وتعاطي المنهيات، وأساء إلى المسلمين، وقتل الأبرياء، وروع الآمنين، وقتل المعاهدين والمستأمنين، وشق عصى الطاعة، وانعزل عن الجماعة، ويل له من عذاب الله، قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا) وقال سبحانه: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ)

وأخرج البخاري ومسلم من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-قَالَ: " مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ، فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً "، فمن وافى الله تعالى جاحداً لنعمه، تاركاً لأوامره، فاعلاً لنواهيه، مرتكباً لحرماته، فلن تنفعه شفاعة الشافعين، ولا تجدي فيه توسلات الخلق أجمعين، هذا وصلوا وسلموا على صاحب الحوض المورود واللواء المعقود، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، نبيكم وحبيبكم محمد -صلى الله عليه وسلم-، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال تعالى في علاه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

 اللهم صل وسلم على أفضل رسلك وخير أنبيائك وعلى آله وأزواجه الطيبين الطاهرين، وعلى الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم من أراد المسلمين بشر وسوء، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم نكس رأسه، واجعل الخوف لباسه، اللهم من كاد بلادنا بسوء فرد كيده عليه، واخذل مخططاته ومساعيه، واجعل من بين يديه سداً ومن خلفه سداً، وأعمه فلا يعود بصيراً، اللهم انصر إخواننا المسلمين في فلسطين، وفي كل مكان يارب العالمين، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم احم حوزتهم، واجمع على الحق كلمتهم، وثبت أقدامهم، وسدد أراءهم وسهامهم، وقوي عزائمهم، اللهم اربط على قلوبهم، وانصرهم على من عاداهم، يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، ياذا الجلال والإكرام، اللهم تقبل منا صيام شهر رمضان وقيامه، واجعله شاهداً لنا لا شاهداً علينا، اللهم أعده علينا أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة ونحن في صحة وعافية، والإسلام والمسلمين في نصر وعز وشموخ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، اللهم ثبتنا على الأعمال الصالحة بعد رمضان، اللهم إنا نعوذ بك من الردة بعد الإسلام، ونعوذ من الحور بعد الكور، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واجعل عمله في رضاك، اللهم هيئ له بطانة صالحة ناصحة، تدله على الخير وتعينه عليه، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .