البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

النصير

كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

آداب للصائمين

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصيام
عناصر الخطبة
  1. غايةُ الصومِ هي تحقيق التقوى .
  2. تحذير الصائم من الزور والخنا والجهل .
  3. غضُّ البصر وفوائده .

اقتباس

فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثاراً لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، لا أقصد الإفسادِ الحِسِّيَ بتناول مُفطِرٍ؛ وإنما بفساد الغاية من الصوم، ونتيجة ذلك على السلوك ..

أما بعد، أيها الإخوة: نحمد الله على ما منَّ به علينا من الإيمان: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الحجرات:17]، ونشكره على ما أتمــَّه علينا من المنة بأن يسَّر لنا إدراك رمضان، وخَاتمها أن وفَّقنا لصومه، فقد حُرم مِن صومه أقوامٌ أدركهم المنونُ قبلَه، ففاتهم فضله. 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَجُلَانِ مِنْ بَلِيٍّ -حَيّ مِنْ قُضَاعَةَ- أَسْلَمَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَاسْتُشْهِدَ أَحَدُهُمَا، وَأُخِّرَ الْآخَرُ سَنَةً، قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ: فَأُرِيتُ الْجَنَّةَ، فَرَأَيْتُ الْمُؤَخَّرَ مِنْهُمَا أُدْخِلَ قَبْلَ الشَّهِيدِ، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَأَصْبَحْتُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَيْسَ قَدْ صَامَ بَعْدَهُ رَمَضَانَ، وَصَلَّى سِتَّةَ آلَافِ رَكْعَةٍ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَكْعَةً صَلَاةَ السَّنَةِ؟" رواه أحمد وقال أحمد شاكر إسناده حسن، وقال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة: إِسْنَاده حَسَنٍ.

أيها الإخوة: وحُرم من صوم رمضان أقوامٌ آخرون أغواهم الشيطان فخسروا أجرَ هذا الشهر، وسِرَّ مشروعيته، وهي التقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة:183]. لعلكم تتقون! هكذا تبرز الغاية من الصوم، وهي التقوى.

فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب وهي تؤدي هذه الفريضة؛ طاعةً لله، وإيثاراً لرضاه، والتقوى هي التي تحرس هذه القلوب من إفساد الصوم بالمعصية، لا أقصد الإفسادِ الحِسِّيَ بتناول مُفطِرٍ؛ وإنما بفساد الغاية من الصوم، ونتيجة ذلك على السلوك.

أيها الإخوة: جميل أن نرى حرصاً شديدا، واهتماما بالغاً من الناس بالمفطرات الحسية من الأكل والشرب وغيرهما من المفطرات، يظهر ذلك بكثرة سؤالهم عنها حتى صارت عند بعض الناس منتهى الغاية من الصيام فلا يفكر إلا بها، لا أنكر على هؤلاء اهتمامهم بالمفطرات الحسية، وما فعلوه أمر واجب لا يتم الصيام شرعاً إلا به، ولا يعتبر المسلم صائماً إلا بالأخذ به.

لكنني أقول -أيها الإخوة-: لا بد من أمر آخر ليفعل الصيام فعله، وهي آداب يجب على الصائم مراعاتها والمحافظة عليها، جمعها النِّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ، وَالْجَهْلَ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ".

وفي رواية: "مَن لم يدع الخنا والكذب فلا حاجة لله أن يدع طعامه وشرابه" رواه الطبراني في الصغير والأوسط من حديث أنس بن مالك. قال الألباني: حسن لغيره.

مَنْ لَمْ يَدَعْ قول الزُّور: أي لَمْ يَتْرُك الْكَذِب، وَالْجَهْل، والسفه، وَالْمَعَاصِي كُلّهَا، والعمل بمقتضاها، والخَنَا: الفُحْشُ في القول. وقال ابن بطّال، "قال المهلب: فيه دليلٌ أن حكمَ الصيام الإمساك عن الرفث وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب"، وإن لم يمسك عن ذلك فقد نقص صيامه وتعرض لسخط ربه.

وقال الحافظ -رحمه الله-: "والجمهور وإن حملوا النهى على التحريم، إلا إنهم خصوا الفطر بالأكل والشرب والجماع".

وقال غيره: وليس معناه أن يؤمر بأن يدع صيامه إذا لم يدع قول الزور، وإنما معناه تحذيرُ الصائمِ من قولِ الزور والعملِ به ليتم أجر صيامه، فإن قيل: فما معنى قوله: "فليس لله حاجة"؟ والله لا يحتاجُ إلى شيء؟ قيل: معناه: فليس لله إرادة في صيامه، فوضع الحاجة موضع الإرادة.

أيها الأحبة: يا من صمتم لله إيماناً واحتساباً، يا مَن كابدتم الجوع والعطش في هذه الأيام الطويلة والقيظ الشديد، لنحفظ صيامنا من مُفْسِدَاتِ الصيام غير البدنية، ومِن أهمها حفظ جارحة البصر، وكفه عن الاتساع في النظر إلى ما يذمُ ويكره.

وغض البصر أصلٌ لحفظ الفرج، قال الله تعالي: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:30-31].

أيها الأحبة: قد جعل الله العين مرآةَ القلبِ؛ فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته، وإذا أطلق العبدُ بصرَه أطلق القلب شهوته، في الحديث الصحيح: "الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ" رواه أحمد، قال أحمد شاكر: صحيحٌ على شرط مسلم. وهذا الحديث من أَبْيَنِ الأدلة على أن العين تعصى بالنظر، وأن ذلك زناها.

وثبت عنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال لعليِّ: "يا عليُّ، لا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فَإِنَّ لكَ الأُولَى، وليست لكَ الثانيةُ" رواه الترمذي وأبو داود.

وعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-: قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؟ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي" رواه مسلم. قال النووي -رحمه الله-: "ومعنى نظر الفجاءة أن يقع بصرُه على الأجنبية من غير قصد؛ فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف بصره في الحال فلا إثم عليه، وان استدام النظر أثم".

وروى عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يرويه عن ربه أنه قال: "النظرة سهمٌ من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيماناً يجد حلاوته في قلبه" رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفيه عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي، وهو ضعيف.
 

أحبتي: النظر إلى الأجنبيات مُحَرَّمٌ سواء نظر إلى شخصها أو صورتها في الشاشات أو غيرها من وسائل الإعلام، وربما كان تأثير النظر إلى الصور أبلغ في النفس، وذلك أن الناظر سلم من المراقب وزوال المنظور.

أسأل الله تعالى بمــَنِّهِ وكرمه أن يطهر قلوبنا من النفاق، وأعيننا من الخيانة، فإنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

بارك لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

رمضانُ فرصةٌ لتربية النفس على معالي الأخلاق، والبُعْدِ عن سَفْسَافِها، متى ما وُجِدَت العزيمة الصادقة.

ولعلى أشير هنا إلى بعض فوائد غض البصر، فله -مع السلامة من الإثم- فوائد عظيمة لا تقارن بلذة النظر.

من تلك الفوائد -على سبيل الذكر لا الحصر- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته، فأضر شيء على القلب إرسال البصر، فإنه يريه ما يشتد طلبه ولا صبر له عنه، ولا وصول له إليه، وذلك غاية ألمه وعذابه، نسأل الله العافية.

وقد عبر الشاعر عن هذا المعنى فقال:

وكنتَ مَتَى أرسلْتَ طَرْفَكَ رَائِدَاً لِقَلْبِكَ يوماً أَتْعَبَتْكَ الْمَنَاظِرُ
رأيتَ الَّذِي لا كُلَّهُ أنتَ قادِرٌ عليْهِ ولا عَنْ بَعْضِهِ أنتَ صابِر

والنظرة -أيها الأحبة- تفعل في القلب ما يفعلُ السهم في الرَّمِيَّة، فإن لم تقتله جرحَتْه، وهي بمنزلة الشرارة من النار تُرمَى في الحشيش اليابس؛ فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما، قيل:

كُلُّ الحوادثِ مَبْدَاها مِن النَّظَرِ ومُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ
كم نظرةٍ فَتَكَتْ في قلب صاحبها فتْكَ السِّهامِ بلا قوسٍ ولا وتر
والمرء ما دام ذا عَيْنٍ يُقَلِّبُها في أعيُنِ الغِيدِ موقوفٌ على الخَطَر
يسُرُّ مقلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَتَهُ لا مرحباً بسرور عاد بالضَّرَر

والناظر -أيها الأحبة- يرمي من نظره بسهامٍ عرضها قلبه وهو لا يشعر

يا راميا بسهامِ اللَّحْظِ مجتهداً أنت القتيلُ بما ترمي فلا تُصِبِ
وباعثُ الطرف يرتادُ الشفاء له تَوَقَّهُ إنه يأتيك بالعَطَب

ومنها أن غض البصر يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه والجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمه تظهر في وجهه وجوارحه.

ومن فوائده أنه يفتح له طرقَ العلم وأبوابَه، ويسهل عليه أسبابه؛ وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، وانكشفت له بسرعة، ونفذ من بعضها إلى بعض. ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه، وأظلم، وانسَدَّ عليه باب العلم وطُرقها.

ومنها أنه يورثُ قوةَ القلبِ وثباتَه وشجاعتَه، فيجعلُ له سلطانَ البصيرة مع سلطانِ الحجة، وفي الأثر: "إن الذي يخالف هواه يفْرَق الشيطانُ من ظِلِّه"؛ ولهذا يوجد في المتبع لهواه ذل القلب، وضعفه، ومهانة النفس، وحقارتها، هذا ما جعله الله لمن آثَرَ هواه...

قال الحسن -رحمه الله-: "إنه، وإن همْلَجَتْ بهم البغال، و طقطقت بهم البراذين، إنَّ ذُلَّ المعصيةِ لَفِي قلوبهم، أبى اللهُ إلا أن يُذِلَّ مَن عصاه".

ومنها أن غض البصر يورث القلب سروراً وفرحاً وانشراحا أعظمَ من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، قال بعضهم: "والله! لَلَذَّةُ العفةِ أعظمُ مِن لَذَّةِ الذنب".

أيها الإخوة: لا يخفى علينا ما عليه بعض الناس من أسْر لهذه الشهوة، حتى صار بعض الناس أسيراً للقنوات التي ملأت الجو بكل غث، تجده يقلبها بكل شغف، قد أسره هواه، وأغلَّه شيطانُه، حسيراً كسيراً، على وجهه غبرة، وترهقه قترة، ينفر من سماع الخير والذكر، هذا إن قعد، أما إن خرج فتلقاه كالثعلب التفاتا، والذئبِ غدراً وخيانة، قد أطلق لبصره العنان، فقدْ أسَرَتْه شهوته وهواه، فهي تسومه سوء العذاب، وصار:

كعصفورةٍ في كَفِّ طفلٍ يسومُها حياضَ الرَّدَى والطفلُ يلهو ويلعبُ

ألا ما أمَرَّهُ من عيش! وما أتعَسَها من حياة! تمضى بصاحبها ولم يتذوق طعم الطاعة، ولم يحس بسكينة العبادة، أبى الله إلا أن يذل من عصاه!.

ومَن أدرك عظم الأمر وضرره خف إلى البعد عنه، والتخلص منه.

وفقنا الله لكل خير، وجعل شهرنا مفتاحاً له، إنه جواد كريم.