الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | خالد بن سعود الحليبي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
إذا عرفت قدر الصلاة أعددت العدة لاستقبالها، بإحسان الوضوء، والتفرغ الكامل، بحيث لا يكون في بالك شاغل يشغلك عنها، وعليك بالعلم بفقه الصلاة؛ لأن الجهل بأحكامها ينافي أداءها كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.. واتخذ سترة؛ حتى لا يشغلك شاغل ولا يمر بين يديك مارّ من الإنس أو الجن، فيقطع عليك صلاتك، ويكون سببًا في..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له من دون الله وليًّا ولا نصيرًا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله.. أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته؛ استجابة لقول الله –تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 1-2].
أيها الإخوة المؤمنون: حين امتدح الله العظيم عباده المصلين، امتدح منهم الخاشعين، فقال -عز وجل-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون: 1-2]. فالخشوع هو الذي يجعل للصلاة قيمة عند الله –تعالى-، بل بقدر ما يكون فيها من الخشوع يكون قدرها عند الله، عن عبد الله بن عنمة قال: "رأيت عمار بن ياسر دخل المسجد فصلى، فأخف الصلاة، قال: فلما خرج قمت إليه، فقلت يا أبا اليقظان لقد خففت، قال فهل رأيتني انتقصت من حدودها شيئًا؟ قلت: لا، قال: فإني بادرت بها سهوة الشيطان، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن العبد ليصلي الصلاة ما يُكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها" (رواه الإمام أحمد بن حنبل وحسنه الألباني).
ولو لم يكن للخشوع في الصلاة إلا فضل الانكسار بين يدي الله، وإظهار الذل والمسكنة له، لكفى بذلك فضلاً، وقد امتدح الله -جل وعلا- الخاشعين في آيات كثيرة، قال تعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 109]. وقال سبحانه: (وإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].
ولعل كلاً منا يقول: وكيف أخشع؟ فأقول له باختصار شديد: عليك أولاً بمعرفة الله -عز وجل-، (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28]، ثم عليك بالعلم بتعظيم الصلاة ومعرفة قدرها، لقد كان على بن الحسين رحمه الله إذا توضأ اصفر لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أقوم؟ (رواه الترمذي وأحمد).
وإذا عرفت قدر الصلاة أعددت العدة لاستقبالها، بإحسان الوضوء، والتفرغ الكامل، بحيث لا يكون في بالك شاغل يشغلك عنها، روي عن حاتم الأصم أنه سئل عن صلاته، فقال: "إذا حانت الصلاة، أسبغت الوضوء، وأتيت الموضع الذي أريد الصلاة فيه، فأقعد فيه حتى تجتمع جوارحي، ثم أقوم على صلاتي، وأجعل الكعبة بين حاجبي، والصراط تحت قدمي، والجنة عن يميني، والنار عن شمالي، وملك الموت ورائي، وأظنها آخر صلاتي، ثم أقوم... أكبر تكبيرًا بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع وكوعًا بتواضع، وأسجد سجودًا بتخشع، وأتبعها الإخلاص، ثم لا أدري أقبلت أم لا؟
وعليك بالعلم بفقه الصلاة؛ لأن الجهل بأحكامها ينافي أداءها كما صلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.. واتخذ سترة؛ حتى لا يشغلك شاغل ولا يمر بين يديك مارّ من الإنس أو الجن، فيقطع عليك صلاتك، ويكون سببًا في حرمانك من الخشوع. ثم تأمل في تكبيرك، فإنك تقول: الله أكبر، فإذا كان الله أكبر من كل شيء في نفسك، فلماذا تفكر في كل شيء إلا من وقفت بين يديه؟!
وهكذا تأمل في دعاء الاستفتاح: وتدبر القرآن الذي تتلوه، وتذلل لله تعالى في الركوع والسجود والجلوس والخضوع عند القيام، واستحضر قرب الله منك في السجود: فإن السجود هو أعلى درجات الاستكانة وأظهر حالات الخضوع لله للعلي القدير. يقول الله -تعالى-: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق:19]. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد، فأكثروا الدعاء فيه" (رواه مسلم).
ومن الأسباب الأخرى المعينة على الخشوع: عدم الالتفات في الصلاة أو كثرة الحركة، والتأني والطمأنينة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" (رواه النسائي وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني).
واختيار الأماكن المناسب: لأن الأماكن الني يكثر فيها التشويش أو غيره من موانع الخشوع تفقد المصلي صوابه فضلاً عن خشوعه.
واختيار الملبس المناسب: قال الله تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31].
والاستعاذة من الشيطان؛ فعن أبي هريرة "إذا نُودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثوَّب بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا واذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى" (رواه البخاري).
ومن أسباب الخشوع كذلك: ملازمة التوبة والاستغفار والاجتهاد في قيام الليل، والإكثار من النوافل فإنها أسباب لمحبة الله، والإخلاص والصدق مع الله.
وفقنا الله جميعًا لطاعته ومرضاته، والخشوع بين يديه. توبوا إلى الله واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواهب المنان، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله والحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله.. واعلموا بأن الصلاة قد ترتبط بالمكان فضلاً وعظمًا، كما في الأماكن التي حددها الرسول -صلى الله عليه وسلم- في مثل قوله: عن جابر "صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه" (رواه النسائي وصححه الألباني).
وقد تكون في الصحراء أفضل وأعظم من صلاة في أجمل المساجد وأعلاها وأقدمها، فكم صلاة ضاعت أجورها بين حركات والتفاتات وتفكير وسهوات، وهي تقام بين الصفوف، في جماعة عظيمة كثيرة، وكم صلاة أُقيمت في قلب الصحراء، فتفتحت لها أبواب السماء، بخشوع صاحبها وإخلاصه وحبه لمولاه. عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده خمسًا وعشرين درجة، فإذا صلاها بأرض فلاة فأتم وضوءها وركوعها وسجودها بلغت صلاته خمسين درجة" (رواه الحاكم وصححه الألباني).
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَعْجَبُ ربك من راعي غنم، في رأس شظية -قطعة مرتفعة من جبل-، يؤذن بالصلاة ويصلي، فيقول الله -عز وجل-: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي، وأدخلته الجنة" (رواه أبو داود وصححه الألباني).
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا كان الرجل بأرضٍ قِيٍّ - هي الأرض القفر الخالية - فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماءً فليتيمم، فإن أقام صلى معه ملكاه، وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه" (رواه الطبراني وصححه الألباني).
فكيف يا عبد الله وقد ائتم بك ملائكة الله وجنوده!! ما أعظمك أيها الإنسان إذا أطعت الله، وما أذلك إذا عصيته!!
صلوا وسلموا على الحبيب محمد بن عبد الله فقد أمركم الله جل وعلا بذلك في كتابه الكريم، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك ورضوانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر كل عدو للإسلام والمسلمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين وكشمير والفلبين والشيشان وفي كل مكان، واحم حرمات المسلمين في كل مكان، وارحم ضعفاءهم، وأطعم جائعهم، واكس عاريهم، واحفظ عليهم دينهم وأعراضهم وأموالهم.
اللهم اجعل غدونا إليك مقرونًا بالتوكل عليك، ورواحنا عنك موصولاً بالنجاح منك، اللهم أعذنا من جشع الفقير، وريبة المنافق، وطيشة العجول، وفترة الكسول، وحيلة المستبد، وتهور الغافل، ورقبة الخائف، وطمأنينة المغرور.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
واغفر لنا ولوالدينا ولمن لهم حق علينا من المسلمين، ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.