البحث

عبارات مقترحة:

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

تأملات في بشرى ثلاث تمرات

العربية

المؤلف حسام بن عبد العزيز الجبرين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. الفوز بالجنة أعظم المنى .
  2. قصة المرأة وابنتيها .
  3. فوائد وعبر من هذه القصة .
  4. فضل تربية البنات ورعايتهن. .

اقتباس

ومن عبر القصة: شدة رأفة الأم التي عظم الله شأنها بوجوب برها, "أمُّكَ, ثم أمُّك, ثم أمُّك, ثم أبوك", (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) [لقمان: 15]. واحرص -عبد الله- على دعوتين قرآنيتين للوالدين؛ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح: 28], (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24]...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: الآية 102], (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1], (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].

إن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

عباد الرحمن: الفوز بالجنة والنجاة من النار رأس هرم المطالب والعطايا (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران: 185], وإليكم موقفا روته أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وجبت فيه الجنة لمسلمة بثلاث تمرات!, وإليكم الخبر:

أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءتني مسكينةٌ تحمل ابنتَين لها, فأطعمتُها ثلاثَ تمراتٍ, فأعطتْ كلَّ واحدةٍ منهما تمرةً, ورفعتْ إلى فيها تمرةً لتأكلَها, فاستطعمَتْها ابنتاها, فشقَّتِ التَّمرةَ ، التي كانت تريد أن تأكلَها  بينهما, فأعجبني شأنُها, فذكرتُ الذي صنعتْ لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-, فقال: "إنَّ اللهَ قد أوجب لها بها الجنةَ, أو أعتقَها بها من النَّارِ".

الله أكبر ما أقصرَ الخبر! وأكثرَ العبر!, فتعالوا نتأمل بعضهن:

أولا: عظمة كرم الله -سبحانه-, فقد أوجب لها الجنة وأعتقها من النار بثلاث تمرات, فسبحان الكريم الشكور, الرحيم الغفور.

ومن الوقفات: تسلية الفقراء, فهذا بيت خير البشر يمر به أوقات يكون خاليا من الطعام أو شبه خال, والله المستعان, ويا ترى أليست أغلبية من يرى نفسه اليوم فقيرا في مجتمعنا يزيد الطعام عن حاجته كثيرا؟! بل ربما ألقى زائد الطعام؟, عاملنا الله بعفوه ووفقنا لشكره.

ومن الوقفات: كرم عائشة -رضي الله عنها- وإيثارها للسائلة وابنتيها, والإيثار أعلى درجات الجود, قال -سبحانه- مادحا الأنصار: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].

ومن الوقفات: عدل هذه المرأة وإنصافها بل وإيثارها على نفسها؛ فقد أعطت لكل بنت تمرة ولها تمرة, ومن المعلوم أن الكبير يحتاج طعاما أكثر, ومع ذكر قسمت لنفسها كما لهنّ, ثم لما طلبن نصيبها شقت التمرة بينهما!.

ومن عبر القصة: شدة رأفة الأم التي عظم الله شأنها بوجوب برها, "أمُّكَ, ثم أمُّك, ثم أمُّك, ثم أبوك", (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان: 15].

واحرص -عبد الله- على دعوتين قرآنيتين  للوالدين؛ (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) [نوح: 28], (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) [الإسراء: 24].

ومن عبر القصة: ألا يحقر المسلم من الخير شيئا وفي التنزيل (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) [الزلزلة: 7], وقد يكون في عملك اليسير سعادتك في الدنيا والآخرة, ألم يغفر الله لبغي بسقي كلب, وذاك بغصن شوك أزاله عن طريق الناس؟! وفي الحديث: "لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا, ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ" (أخرجه مسلم).

ومن الفوائد: شدَّةُ حرصِ عائشةَ -رضي الله عنها- على الصَّدقة, وتأمل آيات القرآن وأحاديث السنة ترى كثافة ترغيب الإسلام بهذه العبادة.

ومن الوقفات: عظم أثر الإخلاص, قال ابن المبارك: "رب عمل صغير تعظمه النية, ورب عمل كبير تصغره النية".

ومن الفوائد: فضيلة تبليغ العلم, فهانحن بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام نتدارس هذا الحديث, ولمن روى هذا الخبر نصيب من الأجر -إن شاء الله- يزداد ثوابهم وهم في قبورهم.

ومن الوقفات: أن السعادة وطمأنينة القلب ليست مرتبطة بالترف والغنى.

نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة وبما فيهما من هدى وحكمة, واستغفروا الله إنه كان غفورا رحيما.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الحميد الشكور, الحليم الصبور, وصلى الله وسلم على الشفيع يوم النشور.

أما بعد:

عباد الرحمن: فمن عبر القصة القصيرة السابقة: أن الخير في قدر الله ولو لم يظهر لك, فتأملوا كيف كان فقر هذه المرأة سببا لحصول هذا الموقف, والذي تسبب لها بالجنة وفي التنزيل (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].

ومن الوقفات:  رحمة الصغير وتقدير جوعته, وتفهم براءة الطفولة , والراحمون يرحمهم الرحمن, والصغار يعلمون ولا يعنفون.

ومما يستفاد من القصة: أن الجنة قد تحصل بعمل خير لم يرِد به نص, فهذه المرأة حصل لها هذا الفضل بعد فعلها, قالت عائشة: فأعجبني شأنُها, فذكرتُ الذي صنعتْ لرسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقال: "إنَّ اللهَ قد أوجب لها بها الجنةَ, أو أعتقَها بها من النَّارِ".

ومن الفوائد: الصدقة ولو بالقليل, وفي الحديث: "لا تَرُدُّوا السائلَ، ولو بظِلْفٍ مُحْرَقٍ" (صححه الألباني), وفي الصحيحين: "اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ".

ومن الفوائد: أن النفقة على البنات والسعي على شأنهن من أفضل أعمال البر المنجية من النار, أخرج الشيخان عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاءَتني امرأةٌ, ومعها ابنتانِ لها, فسألتْني فلم تجِدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ واحدةٍ, فأعطيتُها إياها, فأخذَتْها فقسمَتْها بين ابنتَيها, ولم تأكلْ منها شيئًا, ثم قامت فخرجت وابنتاها, فدخل عليَّ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فحدَّثتُه حديثَها, فقال النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من ابتُلِيَ من البنات بشيءٍ, فأَحسنَ إليهنَّ, كُنَّ له سِترًا من النارِ".

ففي الحديث تأكيد حق البنات لما فيهن من الضعف غالبا والترغيب في القيام عليهن, وأما التعبير بالابتلاء فعلله بعض أهل العلم بمشقة القيام بشأنهن, وقال بعضهم: يحتمل أن يكون الابتلاء هنا الاختبار, أي من اختبر بشيء من البنات أيحسن إليهن أو يسئ.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن: 16].

هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه, فقال -عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].