البحث

عبارات مقترحة:

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

الغفور

كلمة (غفور) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) نحو: شَكور، رؤوف،...

وتزودوا فإن خير الزاد التقوى

العربية

المؤلف غالي مساعد
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. استغلال ليالي العشر الأواخر من رمضان .
  2. تعريف التقوى .
  3. ميادين تقوى الله .
  4. أهمية التقوى وفضلها .
  5. سوء الخاتمة(قصة مأسوية مؤثرة) .
  6. خطر المعاصي على البشرية .
  7. فوائد وثمرات التقوى .
  8. كلمة في وداع رمضان .

اقتباس

عباد الله: اعلم أيها المسلم أنك لن تندم أبدا على طاعة الله، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في الصلاة، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في القرآن، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في قضاء حوائج الناس، وفي العمل بطاعة الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.
تقوى الله –عز وجل- ترفعك في الدنيا وفي الآخرة، اسمع إلى تيسير الأمور لمن ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الواسع العظيم الجواد البر الرحيم، خلق كل شيء وقدره، وأنزل الشرع فيسره، وهو الحكيم العليم، بدأ الخلق وأنهاهن وسير الفلك وأجراه: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[يس: 38- 40].

أحمده سبحانه وتعالى- على ما أولى وهدى، وأشكره على ما وهب وأعطى، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلي الأعلى، الأول الذي ليس قبله شيء، والأخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء والباطن الذي ليس دونه شيء وهو بكل شيء عليم.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على العالمين، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر أفضل الصديقين، وعلى عمر المعروف بالقوة في الدين، وعلى عثمان المقتول ظلما بأيدي المجرمين، وعلى علي أقربهم منه صلى الله عليه وسلم نسبا على اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ما فاحت الأزهار، وما تناغمت الأطيار، وما تعاقب الليل والنهار.

أما بعد:

أيها المسلمون الأخيار الأطهار: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خيرا مما كثر وألهى، و (إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ)[الأنعام: 134].

أيها المسلمون عباد الله: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ)[البقرة: 197].

رسالة عاجلة نبعث بها إلى كل من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، نبعث بها من قلب العشر الأواخر من رمضان لهذا العام 1434 من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد مضى من رمضان أكثره، وبقي أقله، فهل من معتبر؟

ترحل شهر الصبر وا لهفاه وانصرما

واختص بالفوز في الجنات من خدما

وأصبح الغافل المسكين منكسرا

مثلي فياويحه يا عظم ما حرما

من فاته الزرع في وقت البدار

فما تراه يحصد إلا الهم والندما

فطوبى لمن كانت التقوى بضاعته

في شهره وبحبل الله معتصما

من قلب العشر الأواخر من رمضان -عباد الله- والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها من أول العشر الأواخر من رمضان يترقبون الليلة المباركة، ليلة القدر التي هي في الوتر من العشر الأواخر من رمضان، والتي هي حري بالمسلمين –والله- أن ينفقوا أموالهم ومجهوداتهم، وأوقاتهم في سبيل تحصيلها، فقد جعلها الله –عز وجل- فوزا عاليا، ورضا واسعا منه سبحانه على من وفق لقيام ليلة القدر.

لذا كان رسولكم -صلى الله عليه وسلم- إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان كان يعتكف في مسجده -صلوات الله وسلامه عليه- ليتفرغ لعبادة ربه -جل وعلا-، ومناجاته، وليطلب ذلك ليلة القدر التي العبادة فيها خيرا من العبادة في ألف شهر.

لذا نقول -عباد الله- إنها رسالة عاجلة لنا جميعا يحتاج إليها الشيوخ، ويحتاج إليها الشباب، يحتاج إليها الرجال، ويحتاج إليها النساء، الجميع يحتاجون إليها، التزود بتقوى الله -جل وعلا-؛ لأنه خير زاد، خير ما ينفعك بين يدي الله -تبارك وتعالى- يوم القيامة أن تلقى الله –عز وجل- وقد ختم لك بالخواتيم الحسنة الطيبة.

أن تلقى الله –عز وجل- وقد أكثرت من العمل الصالح، وقد أكثرت من طاعة الله -تبارك وتعالى-، هذا هو الذي ينفعك، وهذا هو الذي يرفعك، وهذا هو الذي يقويك، وهذا هو الذي ينجيك بين يدي المولى -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

اسمع إلى عمر بن الخطاب -رضي الله تبارك وتعالى عنه وأرضاه- يسأل يوم من الأيام أبي بن كعب يقول يا أبي: "ما التقوى؟ " فقال أبي -رضي الله عنه وأرضاه: "يا أمير المؤمنين ألا سلكت يوما طريق ذا شوك؟" فقال عمر -رضي الله عنه وأرضاه: "بلى " قال: "وما فعلت؟" قال: "شمرت واجتهدت" فقال: "ذاك التقوى".

 خلَّ الذنوب صغيرها

وكبيرها فهو التقى

واصنع كماش فوق

أرض الشوك يحذر ما يرى

ولا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

تقوى الله -جل وعلا-: أن تعمل بطاعة الله -تبارك وتعالى- على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله -جل وعلا-.

تقوى الله -تبارك وتعالى: هي العمل بالتنزيل، والخوف من الجليل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.

تقوى الله -تبارك وتعالى-: أن لا يجدك الله –عز وجل- حيث نهاك، وأن لا يفتقدك حيث أمرك.

تقوى الله -جل وعلا-: أن تكون في ساحات الطاعة والأعمال الصالحة، مؤديا للصلوات، مؤديا للزكوات، تاليا للقرآن، متمسكا بسنة الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

تقوى الله –عز وجل-: أن تكون بارا بوالديك، تقوى الله -جل وعلا-: أن تكون واصلا لأرحامك، تقوى الله -تبارك وتعالى-: أن تكون محسنا إلى جيرانك، تقوى الله -تبارك وتعالى: أن تكون آكلا للمال الحلال، تقوى الله -جل وعلا-: أن تحفظ اللسان عن الكذب، والغيبة والنميمة والبهتان، تقوى الله -تبارك وتعالى-: أن تحافظ على الصلوات في جماعة، تقوى الله -جل وعلا-: أن تخاف الله، أن تحب الله، أن ترجوه سبحانه، أن تتوكل عليه، أن تخلص العمل له في السر والعلن -جل جلاله-، وتقدست أسماءه.

هذه ميادين التقوى -عباد الله- فهل من مشمر لها؟!

اعلم –والله- أنك لو كانت لك الدنيا وأمثالها وعشرة أمثالها معها لم تنجيك بين يدي الله -تبارك وتعالى- إن لم تكن من المتقين.

والله لو عاش الفتى في عمره

ألفاً من الأعوام مالك أمره

متمتعاً فيها بكل لذيذة

متلذذاً فيها بسكنى قصره

لا يعتريه الهم طول حياته

كلا ولا ترد الهموم بصدره

ما كان ذلك كله في أن

يفي فيها بأول ليلة في قبره

عباد الله: إنها فرصة عظيمة، ومنحة جسيمة أن تدركوا الجمعة الأخيرة من شهر رمضان لهذا العام، والذي لا ندري والله هل سنبقى لنعيشها مرة أخرى في رمضان الجديد أم لا؟ وإلا فكم من أناس كانوا معنا في مثل هذا المكان في العام الماضي الآن أين ذُهب بهم؟ إلى أين ارتحلوا؟ وإلى أين ذهبوا؟ لقد غيبوا تحت أطباق الثرى، رحلوا إلى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

إذا أنت لم ترحَل بِزَادٍ من التُّقَى

ووافَيتَ بَعدَ المَوتِ مَن قد تزَوّدا

نَدِمتَ على أن لا تكونَ شركَتهُ

وَأرصَدتَ قبلَ الموتِ ما كان أرصدَا

عباد الله: اعلم أيها المسلم أنك لن تندم أبدا على طاعة الله، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في الصلاة، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في القرآن، لم تندم أبدا على لحظات قضيتها في قضاء حوائج الناس، وفي العمل بطاعة الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

تقوى الله –عز وجل- ترفعك في الدنيا وفي الآخرة، اسمع إلى تيسير الأمور لمن كانوا متقين لله -جل وعلا-، قال الله -جل جلاله-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق: 4].

أبواب التيسير مفتوحة على مصراعيها لكل من أراد أن يلج فيها، وأن يدخل لها، هذا إذا كان متقيا لله -جل وعلا-.

إلى من يبحثون عن تفريج الكربات، إلى من يبحثون عن الرزق الواسع الهني، إلى من يبحثون عن الحياة الطيبة السعيدة، الحل في تقوى الله -جل وعلا-، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[الطلاق: 3].

إنه كلام الله -عباد الله- الذي إذا ما أخذ به الناس عاشوا في كل خير، وهدوا إلى كل خير، وإلى كل هدى وصلاح -بإذن الله جل جلاله-، وتقدست أسماؤه.

هذا على مستوى الأفراد -عباد الله-، أما إذا اتقت الأمة ربها عادت إلى كتاب ربها وسنة رسولها -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الله –عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) [الأعراف: 96].

إلى من يبحثون عن الخيرات، إلى من يبحثون عن البركات، أدوية التقوى أمامنا -عباد الله- تفتح أمامنا أبواب الخيرات والبركات التي تتنزل من لدن خالق الأرض والسماوات.

اسمع إلى ما يفوز به المتقون الصالحون، الطائعون الذين يطيعون ربهم -تبارك وتعالى-، قال الله –عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا * وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا) [النساء: 66-70].

إنها أنوار وبركات وخيرات تتنزل -عباد الله- على المتقين الذين عاشوا حياة الطاعة والقرب من الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، الحياة التي عاشها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعاشها الصحب الكرام فسعدوا في الدنيا مع ما ينتظرهم من جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

عباد الله: تقوى الله -تعالى- تفتح لك أبواب الرزق الواسع الهني كما ذكرنا، تقوى الله -تبارك وتعالى- تجعلك تفوز بمحبة الله -جل وعلا-؛ كما قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4].

إن الله -جل في علاه- يحب من؟ المتقين من عباده، ألا تشتاق إلى محبة الله؟ ألا تريد أن تكون ممن يحبهم الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

وإذا أردت أن تعجب فلتعجب من حال المتقين يوم القيامة، وصف الله –عز وجل- المتقين في كثير من الآيات، في قوله عز وجل: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا)[مريم: 85-86].

إما أن تعيش في هذه الحياة متقيا لله، وإما أن تستحق وصف الإجرام -والعياذ بالله-، أما المتقون فإنهم يحشرون إلى الله -جل وعلا-، يحشرون على الركائب، على النجائب إذا هموا بها طارت وإذا هموا بها سارت إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

أما المجرمون فإنهم يساقون في ذلة وخسة ومهانة، فإنهم يساقون إلى جهنم عطاشا -والعياذ بالله- كما قال ابن عباس -رضي الله عنهما-، فشتان شتان -عباد الله- بين من يطير إلى الجنة بالركائب والنجائب يحشر إلى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، وبين من يساقون إلى النار في ذلة ومهانة وهم عطاش إلى جهنم: (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا) [الفرقان: 12-14].

عباد الله: أربأ بنفسي وبكم أن نكون من هؤلاء الذين تركوا طريق الله –عز وجل-، الذين تركوا طاعة الله -جل وعلا- وانجرفوا إلى طريق المعصية، انجرفوا إلى طريق النساء في الحرام، انجرفوا إلى طريق الأكل من الحرام، انجرفوا إلى الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، انجرفوا إلى فعل المحرمات والمنكرات والفواحش -ولا حول ولا قوة إلا بالله العليم العظيم-.

يبحثون عن السعادة وما كانت السعادة يوما من الأيام في معصية الله -جل وعلا-، بل إن هؤلاء الذين يضيعون حياتهم في غير طاعة الله يعيشون أتعس حياة –والله- في هذا الوجود.

تأمل إلى أحدهم كيف يختم له بالخاتمة السيئة -والعياذ بالله-، إنه شاب كحال غيره من شباب أمة الإسلام، ممن يظن أن السعادة في أن يسافر هنا وهناك، ويتمتع بالملذات والشهوات، انتقل من بلد إلى بلد هنالك لكي يمارس حياته، ويتمتع بحياته، إلى بلد يمارس فيها الفسق والفجور -والعياذ بالله- يتعرف على راقصة، موعد وراء موعد وراء موعد، ثم كان الموعد الأخير يتعرف عليها تتعرف عليه، لا تأتي في الموعد، تأمل، فيظل يعد الثواني والدقائق، حتى وهو ينتظر هذه المرأة البغية -والعياذ بالله- فلما رآها وليت ما فعل ما فعل لما رآها، لما رآها من شدة فرح المسكين -ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم-، سجد لها سجدة لكنها كانت السجدة الأخيرة في حياته، فاضت روحه إلى الله، وختمت له بهذه الخاتمة السيئة -والعياذ بالله-، ومات وهو ساجد لراقصة بغية، -وإنا لله وإنا إليه راجعون-.

إنها لحظات عبرة -عباد الله- وإلا فمن الممكن أن يختم لك وأنت تشرب المخدرات، من الممكن أن يختم لك وأنت أمام الشاشات تشاهد الأفلام الإباحية والخليعة، يختم لك فتبعث يوم القيامة على مثل هذا الشكل القبيح المهين -ولا حول ولا قوة إلا بالله-، أتحب أن تلقى الله -جل وعلا- يوم القيامة وأنت في فمك سيجارة تدخنها؛ لأنك مت عليها.

أتحب -أيها المسلم الكريم- أن تلقى الله –عز وجل- وقد أكلت مال الربا، وتعاملت بالربا، وأنت محارب لله –عز وجل- ورسوله؟ أتحب أن يقال لك يوم القيامة: خذ سلاحك للحرب لكن من تحارب أيها المسكين؟!

تحارب الله -جل وعلا- ورسوله.

المعاصي -أيها الكرام-  تدمر حياة الإنسان، المعاصي -عباد الله- تعرقل مسيرة العبد إلى ربه -تبارك وتعالى-، المعاصي -عباد الله- تظلم قلب الإنسان، أما الطاعة فإنها أنوار وخيرات، وبركات وراحات، وسعادات، عند خالق الأرض والسماوات، بإذن الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

إنها رسالة عاجلة نبعث لكم بها -عباد الله- من قلب العشر الأواخر من رمضان، من كان قد أحسن في أول رمضان فليكمل وليستمر على العمل الصالح، وليختم فإن الأعمال بالختام، أما من أساء فليعد إلى الله، فرصتك الأخيرة أن تتوب إلى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

فرصتك الأخيرة أن تتصالح مع الله -تبارك وتعالى-، فرصتك الأخيرة أن تفتح صفحة بيضاء نقية مع المولى الكريم -جل في علاه-.

إنها فرصة قد لا تعوض -عباد الله- دونكم ما تبقى من رمضان من أيام وليالي اجعلوها في طاعة الله -تبارك وتعالى-، اجتهدوا فيها كما اجتهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها، أقبلوا على الله -تبارك وتعالى-، أكثروا من الدعاء، أكثروا من ذكر الله –عز وجل-، أكثروا من تلاوة القرآن الكريم، سل الله – عز وجل- أن يتوب عليك، إذا تاب الله –عز وجل- عليك فتحت لك أبواب الخير والبركة والتقى بإذن الله -جل في علاه-.

نسأل الله تبارك بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صلي على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

عباد الله: فتزودا فإن خير الزاد التقوى، أمر من الله –عز وجل- ووصية من الله -تبارك وتعالى-لحجاج بيت الله الحرام الذين تزودوا التزود المادي فأوصاهم الله –عز وجل- كذلك بالتزود المعنوي بتقوى الله -تبارك وتعالى-، وسارت هذه الوصية وصية لكل عباد الله -جل وعلا-، لكل من أراد الفوز والنجاة أن يكون متقيا لله -تبارك وتعالى-، قال الله -جل وعلا-: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 72].

أهل التقوى هم الفائزون، هم الناجون، هم الذين يسعدون في الدنيا والآخرة، أما من خالف التقوى فهو يعيش حياة الغم والضيق والكآبة؛ كما قال الله -جل وعلا: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه: 123- 126].

تقوى الله –عز وجل عباد الله- سبب في حفظ مستقبل الأولاد الذي يبحث عنه كثير من الناس في هذه الأيام، يبحثون عن تأمين مستقبل أولادهم، ولذلك قد يمد الإنسان يده إلى الحرام يقول: كيف أعيش وأولادي، كيف أطعم هؤلاء الأولاد، فيمد يده إلى الحرام، قد يمد يده إلى الرشوة -والعياذ بالله- لأجل أن ينفق على الأولاد، قد يضيع الصلوات، قد يقطع الأرحام، قد يعق الوالدين، كل هذا من أجل الأولاد.

وما هكذا يكون تأمين مستقبل الأولاد -عباد الله-، إنما أولا أن تعلم أن المستقبل بيد الله -سبحانه وتعالى- فاحفظ الله يحفظك إن حفظت الله –عز وجل- في نفسك واتقيت الله -تبارك وتعالى-فإنك متوعد بهذا الحفظ من لدن رب الأرض والسماوات.

ثم لتعلم ثانيا أن الله –عز وجل- قد بشر المتقين بأنهم سوف يحفظون في ذريتهم، كما قال الله -جل وعلا-: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ.. ) اسمع: (.. فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا) [النساء: 9].

إلى من يخاف على أولاده، إلى من يخاف على مستقبلهم، أقول لك: اترك لهم تقوى الله –عز وجل - ميراثا، فوالله ثم والله ثم والله أعظم شيء تقدمه لنفسك ولأولادك ولنفسك ولأمة الإسلام أن تكون متقيا لله –عز وجل-، وأن تربي أبناءك على تقوى الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-.

إذا أنت تركت التقوى لأولادك فأبشر ثم أبشر ثم أبشر بكل خير في الدنيا وفي الآخرة -بإذن الله جل جلاله- وتقدست أسماؤه-.

ما ضيع الله –عز وجل- أبناء الصالحين لصلاح آبائهم، اسمع كيف وفق الله –عز وجل- موسى -عليه السلام- والخضر لبناء جدار كان لغلامين: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا) اسمع: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)[الكهف: 82] قيل: كان جدهم السابع صالحا فحفظ الأولاد وبنا موسى -عليه السلام- والخضر الجدار لهذين الغلامين بسبب صلاح جدهم السابع كما في بعض الروايات.

فإذا أردت أن يحفظ الله أولادك فاتق الله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، فاعمل بطاعة الله -جل وعلا-، رب أبناءك على تقوى الله -تبارك وتعالى-، عودهم على كتاب الله وعلى سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ربهم على الصلاة، ربهم على كثرة الذكر، ربهم على محبة القرآن.

أيها المسلمون عباد الله: التقوى سبب النجاة على مستوى الأفراد، وكذا هي سبب الانتصار والتمكين لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، الأمة التي تريد النصر والتمكين الطريق إلى ذلك في تقوى الله -جل جلاله-؛ كما قال الله -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].

انتصر دين الله –عز وجل- في المشارق والمغارب يوم وجد المتقون العاملون بطاعة الله -تبارك وتعالى-، وقف يوما أمير الروم يقول لجنوده وأجناده وقد كان عددهم كثير جدا والمسلمون عددهم قليل فقال لهم: ويلكم ويحكم ما بالكم تنهزمون أمام هؤلاء، أي أمام هؤلاء المسلمين وعددكم كثير وعددهم قليل، فقالوا: إنهم يقومون الليل ويصومون النهار ويتناصفون فيما بينهم، أي يعدلون فيما بينهم.

فبتقوى الله –عز وجل- يكون الانتصار والتمكين، وقد سطر لنا التاريخ مشهد من مشاهد الروعة في الجهاد في سبيل الله -تبارك وتعالى- سطر صفحاتها هؤلاء المتقون الذين كانوا مع السلطان التركي ألب أرسلان -رحمه الله-، والذي هو معروف في تاريخ أمة الإسلام بأنه قائد جيش الأكفان.

جمع الروم يوما جيشا عرمرما يقدر بستمائة ألف من المقاتلين الأشداء، اجتمعوا عن بكرة أبيهم بعددهم وعتادهم، وكان اللقاء مع المسلمين الذين يقودهم السلطان التركي ألب أرسلان -رحمه الله- في موقعة ملاذكرد، تأمل يقف جيش المسلمين وعددهم عشرون ألفا، ماذا يفعل عشرون ألفا أمام ستمائة ألف؟!

لكن:  (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة: 249)] وحال كما قال بعضهم: "إنما تقاتلون بأعمالكم" ليس النصر والتمكين بكثرة العدد والعتاد إنما النصر والتمكين، حينما توجد قلوب متقية لله -جل جلاله وتقدست أسماؤه-، عاملة بطاعة الله -تبارك وتعالى-.

أوقف السلطان جنوده وخطب فيهم خطبة عصماء حفزهم فيها إلى الجهاد لله -جل وعلا-، وذكر لهم أنه لا فائدة الحياة أن يعيش الإنسان حيا لكنه ذليلا، فالموت في سبيل الله في عزة أولى من أن يعيش الإنسان ذليلا على ظهر هذه الأرض، وبالفعل -عباد الله- تحنط السلطان ولبس جنود المسلمين أكفانهم، وانتظروا بعد صلاة الجمعة قيل له: لماذا؟ قال: لأنه لا يبقى مسجد من مساجد المسلمين إلا دعوا لنا، فنستنصر بدعائهم -بإذن الله تبارك وتعالى-.

فلما حان وقت الزوال وصعد الخطباء على المنابر ودعوا ربهم -تبارك وتعالى- تجهز السلطان وأقبل على الله -جل وعلا-، وأقبل ومن معه من جنود المسلمين ثم تقابل الصفان، فما هي إلا ساعات وكان العشرون ألف ينخرون وسط هؤلاء يقطعون الرؤوس، ويضربون يمينا ويسارا، ما هي إلا ساعات حتى وقفوا فوق رأس أميرهم ومليكهم، أرمانوس واحتلوا خيمته.

ودخل السلطان ألب أرسلان الذي انتصر بتقوى الله -تبارك وتعالى-، جلس على كرسي هذا الأمير الروماني، ولبس تاجه، وجلس في خيمته، ثم انتشر الخبر بانتصار أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وجاء في مشهد عجب جاء الجنود يقولون للسلطان ألب أرسلان: إنا نطوف بهذا الملك على الجنود نبيعه لأحدهم بالدرهم والدنانير، وما يرضى أحد أن يشتريه.

قال: بيعوه ولو بأقل شيء، فمروا على الجنود يريدون بيع أمير الروم ليشتره واحد من الجنود، فيأبى إلا واحد ما عندي إلا هذا الكلب، فإن أخذتم مني هذا الكلب أخذته منكم، فرجعوا إلى السلطان لا يرضى أحد بشرائه إلا رجل يريد شرائه بكلب، فقال: ادفعوه له وخذوا منه الكلب، فالكلب أنفع، ثم ربطوه في الكلب، وأطلقوه إلى دياره، وإلى أرضه مرة أخرى.

بتقوى الله -تبارك وتعالى - عباد الله: انتصر مثل هذا الجيش الذي تحنط، ولبس أكفانه لله -جل جلاله وتقدست أسماءه-، فكان النصر والتمكين.

أمة الإسلام: أنتم مسئولون عن أمة الإسلام، أنتم مسئولون عن دين الله -تبارك وتعالى-، اتق الله –عز وجل- في نفسك، اتق الله –عز وجل- في زوجتك، اتق الله –عز وجل- في أولادك، اتق الله –عز وجل- في عملك، اتق الله في أقربائك وأرحامك، اتق الله –عز وجل- في جيرانك، اتق الله في تجارتك، اتق الله في وظيفتك، اتق الله مع المسلمين، واتق الله مع غير المسلمين، عش بتقوى الله -تبارك وتعالى-، تزود من تقوى الله -جل وعلا-، سوف تسعد وتربح -بإذن الله جل جلاله وتقدست أسماؤه- أعظم ربح وأسعد حياة في الدنيا وفي الآخرة؛ كما قال الله -جل وعلا-: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) [مريم: 72].

أيها المسلمون عباد الله: ما هي إلا أيام وليالي معدودات، ويرحل عنا شهر رمضان، لكن رمضان إما أن يكون شاهدا لنا، أو شاهدا علينا، إما أن تكتب في سجلات المغفور لهم، وإما أن تكتب في سجلات المردودين الذين ردوا عن طاعة الله، وعن مغفرة الله -تبارك وتعالى-.

أيها المسلمون عباد الله: أمامكم ما تبقى من رمضان، فاغتنموا ما تبقى منه من الليالي والأيام.

فيَا شَهْرَ رَمَضانَ تَرَفَّق ، دُمُوع المحبِّين تَدَفَّق ، قُلُوبُهم من أَلَمِ الفِراقِ تَشَقَّق ، عَسَى وَقفةٌ للودَاعِ تُطْفِئُ مِنْ نَارِ الشَّوقِ ما أَحْرَق ، عَسَى ساعةَ تَوبَةٍ وإقلاعٍ تَرْفُو مِنْ الصِّيامِ كُلَّ ما تَخرَّق ، عَسَى أسيرُ الأوزارِ يُطلَق ، عَسَى من استوجبَ النار يُعْتَق ، عَسَى منقطعٌ عن ركب المقبولين يَلْحق ، عسى رحمةُ المولى لها العاصي يُوفَّق.

عسى وعسى من قبل وقت التفرق  

إلى كل ما ترجو من الخير ترتقي

فيجبر مكسور ويقبل تائب

ويستر خطاء ويسعد من شقي

نسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من عتقائه من النار، ومن المقبولين.

اللهم أعتق رقابنا من النار...