الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
وحفظ الدين والنفسِ والعقلِ والمالِ والعرضِ ضروراتُ خمس؛ يجب المحافظة عليها ولو مات الإنسان دونَها، وأمر الشرعُ الحنيف بالمحافظة على الأرواح والممتلكات، وعلى الوقاية من الأضرار عامة قبل وقوعها؛ بالأسباب الشرعية التي تقي الإنسان، كالتوكّلِ على الله والأوراد الشرعيّة وأسبابٌ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله خير الحافظين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له أرحم الراحمين، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله خاتم الأنبياء والمرسلين، -صلَّى الله عليه وعلى آله، وصحبه أجمعين-، ومن تبعهم بإحسانٍ وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين، أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن تعريفَ السلامة حمايةُ الأرواح والممتلكات من الأخطار، وهي: مطلبٌ دعا إليها الإسلام وحضَّ عليها، ونهى عن التعرض لكل ما يُسبّبُ الأخطار، وشدّدَ الله على من يتهوّر؛ فقال: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195]، ويقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء: 29].
وحفظ الدين والنفسِ والعقلِ والمالِ والعرضِ ضروراتُ خمس؛ يجب المحافظة عليها ولو مات الإنسان دونَها، وأمر الشرعُ الحنيف بالمحافظة على الأرواح والممتلكات، وعلى الوقاية من الأضرار عامة قبل وقوعها؛ بالأسباب الشرعية التي تقي الإنسان، كالتوكّلِ على الله والأوراد الشرعيّة وأسبابٌ حسيّة بأهميّة الوقاية أولاً ثمّ حسنُ التعامل مع الضرر إذا وقع قال -صلى الله عليه وسلم-: "غطُّوا الإناء، وأوكئوا السِقَاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج" (رواه مسلم).
وحذّر -صلى الله عليه وسلم- من ركوب البحر إذا هاج؛ فقال: "من ركب البحر بعد أن يرتجّ فقد برئت منه الذمة" (رواه أحمد)، بل اعتبر الإسلامُ أمنَ السلامةِ غايةً وأمنية، ونعمة ربانيّة قال -صلى الله عليه وسلم-: "من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنّما حِيزت له الدنيا" (رواه الترمذي وابن ماجه)، ونهى -صلى الله عليه وسلم- أن يُتعاطى السيفُ مسلولاً، أي: خارجًا عن غمده، ونهى عن إشهار السلاح لخطورته؛ فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يُشرْ أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعلَّ الشيطان ينزع في يده" (متفق عليه)؛ حتى في السفر والنزهة أَمرنا الإسلامُ بالبعد عن سُكنى الأودية والطرق ومأوى الدوابِّ والهَوام، ولما احترق بيتٌ في المدينة على أهله ليلاً قال عنهم -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ هذه النارَ عدوٌ لكم؛ فإذا نمتم فأطفئوها ولا تتركوا النار في بيوتكم حين تنامون" (متفق عليه)؛ فرغم نعمةُ النار ودفئها حُذّرنا منها لخطر تركها ويُقاس عليها ترك أجهزة التدفئة والكهرباء للشحن مُشتعلاً.
ومن السلامة -أيضاً-: عدم ترك أواني الطعام مكشوفة؛ خشيةَ التسمُّمِ والفسادِ، وكذلك إقفالُ الأبواب ونفضُ الفراشِ قبلَ النوم وحفظُ الصبيان من العبث خاصةً عند الليل، وكذا السياراتُ أَمرنا اللهُ بحفظ النفس عند استخدامها؛ فإذا ركبنا نقول: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِ) [الزخرف: 13]، ونهتمُّ بصيانتها والحرص على تطبيق نظام المرور بها والتزامُ قواعدِ السلامة في قيادتها من باب كربطِ حزام الأمان وعدم استخدام الجوال أثناء القيادة أو سرعةٍ ومخالفاتٍ تسبّبُ أخطاراً مميتة؛ إذاً فالاهتمامُ بالسلامة في كل ما تفعلهُ مهمٌ ومعرفتُها مطلبٌ فإغاثةُ الملهوف عظيمةٌ حثَّ عليها الإسلام ونحتاجها فيما يُسمى بالإسعافات الأوليّة بتعلُّمِ قواعدها فقد تساهم معرفتك إياها في إنقاذ غريقٍ أو إطفاء حريق أو إغاثة مختنق أو إسعاف جريح، (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة: 32].
أيها الأحبة: لقد فجعنا وتأثّر الناس قبل أيام بحادث حريق أودى في لمحة بصر بأسرةٍ توفي بعدهم أبوهم وهم نائمون رحمهم الله جميعاً وتقبّلهم شهداء وشكراً لكلِّ من تعاطف معهم وليس هذا بغريبٍ على مجتمعنا وقبل حادثهم وبعده حوادث أخرى من حرائق وسيارات أودت بآلاف الضحايا جرّاءَ التساهل بالسلامة وإهمال قواعد المرور، وهناك -أيضاً- سلامةُ الغذاء والمياه وجودتُهما وصحّةُ الإنسانِ ودوائهِ وغير ذلك مما نصّ الشرعُ المطهرُ في الوقاية لأجله بفعلِ السبب وطلب السلامة، ثم العلاج إذا وقع المحذور؛ فلا ضرر ولا ضرار عافانا الله جميعًا والمسلمين عامة ودفع عنا كل سوء ومكروه.
الاهتمامُ بقواعدِ السلامة؛ من وقوع الحوادث المتنوعةِ أخي يدخلُ في قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اعقلْهَا وتوكَّلْ"؛ فالسلامةُ منهجُ حياة مرتبطٌ بتوكلّك على الله؛ فإذا ركبتَ السيارة طبّقِ السلامةَ والتزم النظام، وفي منزلك أنت راعٍ له ومسؤولٌ عنه قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبدٍ استرعاه الله رعيّةً فلم يُحطْها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة" (رواه البخاري)؛ فاحذر ثم احذر من المجازفة والتساهل بعدم التزامك بقواعد السلامة في منزلك من كهرباء ومباني واحتياطاتٍ أمنيّة؛ تعلَّم الإسعافات الأولية؛ فكم من أحدٍ احتاجها ولم يكن يعرفها وكذلك علّموا أسركم وأولادكم حسن التصرف عند وقوع الحوادث بدل الجزع والخوف أما الجرأةُ والتهورُ بعبورِ الأودية أو العبثُ بالسيارات؛ فهذه جريمة وتعدّي ومن مات بسبب تلك المجازفات؛ فيُخشى عليه أنه تشبّهٌ بالانتحار وألقى نفسه بالتهلكة، ومن الخطأِ -أيضاً- التساهلُ بتناول أدوية ومضادّاتٍ حيويّةٍ بعشوائية أو بما يضرُّ جسمَ الإنسان كدهونٍ ضارةٍ أو زيادةِ سُكرياتٍ أو خمور ومخدرات فتجنّبْها.
إذاً مبدأُ السلامة؛ يجبُ أن يكون حاضراً في ذهنك دوماً واعتمده في كل ما تمارسه بالحياة مع أخطارها المتوقعة من عملٍ أو رياضةٍ أو بناءٍ وصناعة؛ فتجنّب الثقة الزائدة والتهوّر والاحتياطُ من فعل السبب مع التوكل على الله؛ فالسلامةُ لا يعدلها شيء انتبه لها بعبورك للطريق وحملك للشيء الثقيل وصحة عيونك بمطالعة الجوال خاصة بالظلام وأهمُّ قواعدِ سلامة الحياة والحفظ من الشرور.
تعلّمُ قراءةِ الأوراد والأذكار التي تحفظُ الإنسانَ وتُحصّنُ الأطفال من الأخطار بوعدِ رب العالمين؛ وفعل سيد المرسلين؛ فالله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين؛ فلقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُعوِّذُ الحسن والحسين -رضي الله عنهما- بـ"أعيذكما بكلمات الله التامات من كل شيطان وهامة ومن كل عينٍ لامة"، ويوصي برقية القرآن والسنة للحفظ وتلقين الأوراد كالمعوذات وآية الكرسي خاصة عند النوم والسفر.
أخي المسلم: أنت مسؤولٌ عن منزلك وعائلتك وسلامتك وسلامتهم؛ فاحفظ صغارك من العبث بالكهرباء أو المسابح أو الشوارع والتهاون بذلك إلقاءٌ للنفس بالتهلكة، وليت ولو!!لا تنفع ولا يصحُّ الاحتجاجُ بالقدر مع الإهمال والاستهتار؛ فاستخدامُ البضائع المُقلّدةِ إهمالٌ كبير خاصةً الأجهزةُ الكهربائيةُ التي نسترخص ثمنها وهي: مُسبّبةٌ كبرى للحرائق وآثارُها مدمّرة للأنفس والأموال؛ فلا تستخدمْها واحرص على جودتها ومناسبتها للاستخدام، كالتوصيلات وشواحنِ الأجهزة وما يركّب بالمنزل وكذلك الصيانةُ الدوريةُ للمنزل بأجهزته وكهربائه من ثوابت وانتبهوا خاصةً مع إقبال الشتاء على اختيار نوع أجهزة التدفئة وطريقةِ تشغيلِها أو بترك فحمٍ مشتعل مع النوم؛ فكلُّ ذلك خطرٌ نُهينا عنه، ثم اعلم أخي أن من السلامةِ فعلُ السبب باتخاذِ وسائل الاحتياط والحذر وهي: لا تُكلّفك شيئاً مقارنةً بخسائر محتملة لا قدّر الله فأجهزةُ الإنذار وكواشف الدخان وطفّاياتُ الحريق ضروريةٌ وكذا الاحتياطُ المسبق بالمنازل والورش الصناعية بألبستها المناسبة وحسن معرفةِ تشغيل الأجهزة الخطرة كل ذلك مهم.
ثم رسالةٌ للتجّارِ ومحلات الكهرباء؛ فهم مسؤولون أمام الله عن بيعهم بضائعَ مقلّدة يقلُّ ثمنُها وجودتُها من أجهزةٍ وتوصيلات تدمّرُ حياة الناس؛ فالله رقيبٌ عليكم فيما تبيعون وإثمكم عظيم بالغشِّ بها، وهنا يأتي دور الجهات الرقابية عليهم من تجارة وبلديات بالتشديد والعقوبة لمن يخالف التعليمات والجودة؛ فهل يعقل أن فرع تجارة محافظتنا جزاهم الله خيراً صادروا من محلاتنا حوالى 25000بضاعة كهربائية مقلّدة خلال أشهر هنا؛ فكيف بالمدن الكبرى.
أيها الإخوة: إننا نفخر بجهاز الدفاع المدني الذي يقومُ بجهودٍ مشكورة في حضورٍ مبكرٍ للحوادث وتطوّرٍ ملحوظ ووضع ضوابطَ للأمان؛ بإذن الله وبذل توعية وإرشادٍ للسلامة، وإقامة ندوات ومعارض، كمعرضنا اليوم بالجامع ونحن نحتاجُ لهكذا توعية! نعم نحتاج؛ فالحوادثُ التي نسمع بها نستغربُ كثرتَها وأسبابها وبساطةَ السلامةِ منها؛ بقدر الله وهذا ما يدعونا إليها جهازُ الدفاع المدني بجهودهم.
نسأل الله أن يأجرهم ويعيينهم على أداء مهمتهم في إنقاذ العباد من الأخطار.
اللهم سلّمنا من الأخطار في الليل والنهار، واحفظنا في بيوتنا وطرقنا قائمين قاعدين نائمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده..
عباد الله: إن أهمّ قاعدةٍ للسلامة نستصحبُها دوماً التوكّلُ على الله -سبحانه- والإيمانُ بالقضاء والقدر، وهذا أصلٌ عظيم للإيمان والتوحيد، لكنه أيضاً لا يُنافي فعل الأسباب؛ فالله خاطب نبيّه: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) [آل عمران:159].
والتوكّلُ صفةٌ للمؤمنين، (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).
والتوكّلُ على الله سبب للرضا بالقدر؛ فالله جعل النار برداً وسلاماً لإبراهيم بقوله، (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران:173]، ومحمد -صلى الله عليه وسلم-؛ فعل السبب بالاختفاء بالغار ويقول لصاحبه: "إن الله معنا"؛ فأعمى أعين المشركين عنهم.
وصحةُ التوكلِ على الله بفعلِ السبب؛ وليس بالإهمال والتهور وهكذا منهجُ الأنبياء؛ فنوحٌ يصنع الفلك ويركبها ويعقوب أمر يوسف بعدمِ قصِّ الرؤيا على إخوته وموسى عبر البحر توكّلاً على الله والصحابةُ طلبوا الرزق في السوق، وغير ذلك مما يبين أن التوكّل على الله أساسٌ عظيم في الحفظ والتوفيق والسلامة من كل خطر مع إخلاص النية لله -سبحانه- وتعالى.
اللهم وفقنا لما يصلح أمرنا في ديننا ودنيانا، اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا وهيئ لنا أمرنا رشدًا.
اللهم انصر جنودنا واحفظ حدودنا ووفق ولاةَ أمرنا وكن ناصراً ومعيناً للمستضعفين من المسلمين.