البحث

عبارات مقترحة:

العظيم

كلمة (عظيم) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وتعني اتصاف الشيء...

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

ترجمة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. شمولية فضل الصحابة رضي الله عنهم .
  2. من فضائل معاوية رضي الله عنه .
  3. فوائد الاقتصاد في الوضوء .
  4. ولايته في زمن الخلفاء الراشدين .
  5. السكوت عما صار بينه وبين علي رضي الله عنه .

اقتباس

وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ، وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ. عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله...

أما بعد:

فيا أيها المؤمنون: لقد اصطفي الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- على سائر البشر، فجعله خاتم النبيين، بل جعله خير  الخلق أجمعين -صلوات ربي وسلامه عليه-، ثم اصطفى له أصحابا فجعلهم خير الخلق بعد الأنبياء والرسل، وجعل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- درجات؛ فمنهم السابقون، ومنهم المسلمون بعد الفتح، إلا أنهم كلهم موعودين بالجنة كما قال سبحانه: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [الحديد:10]. والحسنى هي الجنة.

وكل النصوص التي جاءت في فضل الصحابة تعمهم جميعا، فرؤي النبي -صلى الله عليه وسلم- لها مزية، وطلب العلم على يديه له مزية، والجهاد معه له مزية أخرى.

إلا أن السلف الصالح جعلوا الفضل للجميع، ولم يستثنوا أحدا منهم، وحرموا الكلام في أعراض الصحابة جميعا، والعقيدة في الصحابة التي يتكلم عنها أهل السنة في عقائدهم تشملهم جميعا بلا استثناء.

عباد الله: إن الذي دعاني لهذا الكلام، أني سمعت ممن انخدع بهم البعضُ، وظنوا أنهم من أهل العلم، من يقسم الصحابة، ويجعل الفضل الوارد في الصحابة إنما يخص من كان أسلم قبل الفتح، ومن جاء بعدهم فليس له حرمة الصحابة بل هو كسائر الناس، ولهذا تجده يقع في أعراضهم ويسبهم.

وممن تكلموا فيه معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، ولقد جاء له فضائل عدة، وهو من خيرة الصحابة ولو كان أسلم في فتح مكة، ولهذا سنفرد له هذه الخطبة لنبين فضله ومكانته، وما نشر الله على يديه من الخير للأمة

فهو السيد ابن السيد، عظيم النسب، رفيع الحسب، أحد دهاة العرب المعدودين، وملوكهم العادلين، -رضي الله عنه وعن أبيه-، وجمعنا بهم في الجنان مع المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

وقد أسلم -رضي الله عنه- قبل أبيه وقبل الفتح وقيل في وقت عمرة القضاء (السير 3/120) لذا فهو ليس من الطلقاء ولا من المؤلفة قلوبهم وإن زعم كثيرٌ ذلك، بل أصبح القول لشهرته كالمُسلّم عند بعضهم! فقد جاء عنه -رضي الله عنه- قوله: "أسلمتُ يوم القضيّة وكتمتُ إسلامي خوفا من أبي"؛ أي يوم عمرة القضاء.

فمن فضائله -رضي الله عنه وعن أبيه-: ما رواه الطبراني عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَمِيْرَةَ المُزَنِيِّ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِمُعَاوِيَةَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ، وَالحِسَابَ، وَقِهِ العَذَابَ".

ومنها ما رواه الترمذي وحسنه من حديث عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ أَبِي عَمِيْرَةَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ لِمُعَاوِيَةَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِياً، مَهْدِيّاً، وَاهْدِ بِهِ".

عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسِيْرُ وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَذَكَرُوا الشَّامَ، فَقَالَ رَجُلٌ: كَيْفَ نَسْتَطِيْعُ الشَّامَ وَفِيْهِ الرُّوْمُ؟ قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ فِي القَوْمِ -وَبِيَدِهِ عَصاً- فَضَرَبَ بِهَا كَتِفَ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ: "يَكْفِيْكُمُ اللهُ بِهَذَا" هَذَا مُرْسَلٌ، قَوِيٌّ .

ومن فضائله -رضي الله عنه وعن أبيه-: أنه لما قَدِمَ عُمَرُ الجَابِيَةَ، فَبَقى عَلَى الشَّامِ أَمِيْرَيْنِ؛ أَبَا عُبَيْدَةَ بنَ الجَرَّاحِ، وَيَزِيْدَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ. ثُمَّ تُوُفِّيَ يَزِيدُ، فَنَعَاهُ عُمَرُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، فَقَالَ: وَمَنْ أَمَّرْتَ مَكَانَهُ؟ قَالَ: مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ: وَصَلَتْكَ -يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ- رَحِمٌ.

قال الذهبي: حَسْبُكَ بِمَنْ يُؤَمِّرُهُ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ عَلَى إِقْلِيْمٍ -وَهُوَ ثَغْرٌ- فَيَضْبِطُهُ، وَيَقُوْمُ بِهِ أَتَمَّ قِيَامٍ، وَيُرْضِي النَّاسَ بِسَخَائِهِ وَحِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ تَأَلَّمَ مَرَّةً مِنْهُ، وَكَذَلِكَ فَلْيَكُنِ المَلِكُ.

وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْراً مِنْهُ بِكَثِيْرٍ، وَأَفْضَلَ، وَأَصْلَحَ، فَهَذَا الرَّجُلُ سَادَ وَسَاسَ العَالَمَ بِكَمَالِ عَقْلِهِ، وَفَرْطِ حِلْمِهِ، وَسَعَةِ نَفْسِهِ، وَقُوَّةِ دَهَائِهِ وَرَأْيِهِ، وَكَانَ مُحَبَّباً إِلَى رَعِيَّتِهِ.

عَمِلَ نِيَابَةَ الشَّامِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَالخِلاَفَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَلَمْ يَهِجْهُ أَحَدٌ فِي دَوْلَتِهِ، بَلْ دَانَتْ لَهُ الأُمَمُ، وَحَكَمَ عَلَى العَرَبِ وَالعَجَمِ، وَكَانَ مُلْكُهُ عَلَى الحَرَمَيْنِ، وَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَالعِرَاقِ، وَخُرَاسَانَ، وَفَارِسٍ، وَالجَزِيْرَةِ، وَاليَمَنِ، وَالمَغْرِبِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ" ا.هـ كلام الذهبي رحمه الله.

قَالَ المَدَائِنِيُّ: كَانَ عُمَرُ إِذَا نَظَرَ إِلَى مُعَاوِيَةَ، قَالَ: "هَذَا كِسْرَى العَرَبِ"، وكان يقول: "تَعْجَبُوْنَ مِنْ دَهَاءِ هِرَقْلَ وَكِسْرَى، وَتَدَعُوْنَ مُعَاوِيَةَ؟".

وكان معاوية -رضي الله عنه- استأذن عمر بن الخطاب أن يغزو البحر، فسأله عن البحر وخطره، فبين له خطر البحر، فمنعه من الغزو في البحر، فلما جاء زمن عثمان أذن له فغزا البحر فكان -رضي الله عنه- أول من غزا البحر.

قَالَ الإمام أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "فُتِحَتْ قَيْسَارِيَّةُ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، وَأَمِيْرُهَا مُعَاوِيَةُ".

قَالَ يَزِيْدُ بنُ عَبِيْدَةَ: "غَزَا مُعَاوِيَةُ قُبْرُصَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ".

وفيه تحققت رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فَتُطْعِمُهُ -وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَطْعَمَتْهُ وَجَعَلَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَوْ: مِثْلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ"، شَكَّ إِسْحَاقُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهمْ، فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ" -كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ- قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، قَالَ" «أَنْتِ مِنَ الأَوَّلِينَ"، فَرَكِبَتِ البَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ البَحْرِ، فَهَلَكَتْ.

اللهم ارض عن معاوية بن أبي سفيان ولو كرهت الرافضة أجمعين.

أقول قولي هذا...

الخطبة الثانية:

الحمد لله


أما بعد:

فيا أيها الناس: لا يزال الحديث موصولا عن خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-؛ فمن فضائله أنه من كتاب الوحي بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.

ومنها: أن الله جعله محنة للناس من بعد عصره إلى وقتنا هذا فجعله الله مميزا لأهل السنة عن غيرهم فكتب العقائد كلها تذكر معاوية -رضي الله عنه- وتجعله ميزانا لأهل السنة من أهل البدعة؛ فمن سبه فهو مبتدع ضال.

ومن فضائله -رضي الله عنه-: أنه عد من الفقهاء المعتبرين من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: "مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ صَلاَةً بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمِيْرِكُم هَذَا"؛ يَعْنِي: مُعَاوِيَةَ.

وعن كُرَيْبٌ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ رَأَى مُعَاوِيَةَ صَلَّى العِشَاءَ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَزِدْ، فَأَخَبَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: "أَصَابَ، أَيْ بُنَيَّ! لَيْسَ أَحَدٌ مِنَّا أَعْلَمَ مِنْ مُعَاوِيَةَ".

قَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو مَعْشَرٍ، وَعِدَّةٌ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي رَجَبٍ، سَنَةَ سِتِّيْنَ، وَعَاشَ: سَبْعاً وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.

له مائَةٌ وَثَلاَثَةٌ وَسِتُّوْنَ حَدِيْثاً. وَاتَّفَقَ لَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيْثَ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِأَرْبَعَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِخَمْسَةٍ.

معاشر المؤمنين: نحن معاشر أهل السنة لا نعتقد العصمة في أحد من الصحابة، ولكننا نحفظ وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- في أصحابه ونهيه عن سبهم، ولهذا وجب على كل مسلم الكف عن الخوض فيما جرى بين معاوية وعلي -رضي الله عنهما-؛ فهم مجتهدون فالمصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد، وخطؤه مغفور له.

فأمسك لسانك، وتعرف على ذنوبك، ودع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلن نبلغ شأوهم، ولسنا مأمورين بالحكم بينهم بل كما قال الذهبي والله الموعد.

اللهم ارض عن أصحاب نبيك أجمعين، اللهم اجزهم خير ما جزيت أصحاب نبي عن نبيهم.

اللهم وفقنا للاهتداء بهديهم، واتباع آثارهم واجمعنا بهم مع نبينا في جناتك جنات النعيم..

اللهم أبرم لهذه... اللهم ارفع راية القرآن والسنة...اللهم من أراد بلادنا بتغريب وهدم للدين فأشغله بنفسه...اللهم فرج هم...