السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
ومن أعظم أسباب الأمن في المجتمع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والأخذ على أيدي السفهاء؛ لئلا يفسدوا في الأرض فيختلُّ الأمن بسببهم, فالنجاة من المصائب والفتن واستبقاء الأمن يكون في نهي أصحاب المنكرات عن فعل منكرهم؛ لأنَّ المنكر يعمُّ بضرره الجميع مالم يقوموا بواجب إنكاره...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسماوات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله -تعالى- رسله، وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى المؤمنين والكفار والأبرار والفجار، فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين، وحُجةً على الخلائق أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- وأكثروا من ذكره وحمده وشكره, فإنكم في نعمٍ من الله عظيمة.
معاشر المسلمين: أمن المرء في نفسه وماله وعياله ومجتمعه, أمر في غاية الأهمية, وللأمن أسباب كما أنَّ لخلله وضعفه أسباب, فمن أعظم أسباب حصول الأمن للفرد والمجتمع: تحقيق العبودية لله -تعالى-, وإخلاص العبادة له -عزَّ وجل- وعدم الإشراك به, قال -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام: 82], قال السمعاني -رحمه الله-: "معنى الآية: الذين آمنوا بالله ولم يشركوا به", وقال السعدي -رحمه الله-: "الأمن من المخاوفِ والعذابِ والشقاء، والهدايةُ إلى الصراط المستقيم، فإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بظلم مطلقا، لا بشرك، ولا بمعاص، حصل لهم الأمن التام، والهداية التامة, وإن كانوا لم يلبسوا إيمانهم بالشرك وحده، ولكنهم يعملون السيئات، حصل لهم أصل الهداية، وأصل الأمن، وإن لم يحصل لهم كمالها, ومفهوم الآية الكريمة، أن الذين لم يحصل لهم الأمران، لم يحصل لهم هداية، ولا أمن، بل حظهم الضلال والشقاء".أ.هـ
فيا عباد الله: إنَّ المجتمع الذي لا توجد فيه مظاهر الشرك والبدع والضلال مجتمع آمن مطمئن.
معاشر المسلمين: إنَّ توحيدَ الله وإفرادَه بالعبادة وطاعتَه فيما أمر وتركَ ما نهى عنه, من أعظم أسباب حلول الأمن على النفس والمال والأهل والوطن, ومتى اختل شيء من ذلك اختل شيء من الأمن, وعلى ذلك فإنَّ الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك وما ينافي التوحيد بالكلية أو ينافي كماله دعوة إلى إحلال الأمن في الناس, وكذلك الدعوة إلى فعل الطاعاتِ وتركِ المعاصي والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر هي في الحقيقة دعوة إلى إحلال الأمن, قال -تعالى-: (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأنعام: 48], قال السعدي -رحمه الله-: "أي: آمن بالله وملائكته، وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وأصلح إيمانه وأعماله ونيته (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فيما يستقبل (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) على ما مضى".
أيها المسلمون: إنَّ أهل الإيمان لا خوف عليهم فهم في أمن دائم قال -تعالى-: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [البقرة: 112], وكذلك فإنَّ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأعمالَ الصالحة من أعظم أسباب الأمن من الخوف على مستوى الفرد والمجتمع, قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 277].
وكذلك فإنَّ التقوى وإصلاحَ النفس من أسباب أمن المسلم من الخوف في الدنيا والآخرة, قال -تعالى-: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأعراف: 35], والمتقون -يا عباد الله- هم أولياء الله (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس: 62], وقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف: 13].
وكذلك من أسباب أمن المسلم الإنفاقُ في طاعة الله وفي سبيله, بلا مَنٍّ ولا أذى ولا لمصلحة دنيوية يرتجيها ممن أنفق عليه, قال -تعالى-: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 262], فلا يقول لمن أنفق عليه: "أعطيتك كذا وكذا", ولا يذكر ذلك للآخرين, (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة: 274].
معاشر المسلمين: ومن أعظم أسباب الأمن: الحكم فيما بين الناس بالشريعة الإسلامية, فالعدل ركيزة كبرى في حلول الأمن وقوة الأوطان وثباتها وانتصارها.
ومن أعظم أسباب الأمن في المجتمع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والأخذ على أيدي السفهاء؛ لئلا يفسدوا في الأرض فيختلُّ الأمن بسببهم, فالنجاة من المصائب والفتن واستبقاء الأمن يكون في نهي أصحاب المنكرات عن فعل منكرهم؛ لأنَّ المنكر يعمُّ بضرره الجميع مالم يقوموا بواجب إنكاره, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الـمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ، قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ المَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ" (أخرجه البخاري), والـمُدهِنُ كما قال ابن حجر -رحمه الله- هو: "مَنْ يُرَائِي وَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَلَا يُغَيِّرُ الْمُنْكَرَ".
وقال السعدي -رحمه الله-: "إن العباد إذا كثر ظلمهم وفسادهم، ومنْعهم الحقوق الواجبة، ولَّى -الله- عليهم ظلمة، يسومونهم سوء العذاب، ويأخذون منهم بالظلم والجور أضعاف ما منعوا من حقوق الله، وحقوق عباده، على وجه غير مأجورين فيه ولا محتسبين, كما أن العباد إذا صلحوا واستقاموا، أصلح الله رعاتَهم، وجعلهم أئمةَ عدل وإنصاف، لا ولاة ظلم واعتساف".
معاشر المسلمين: على كلٍّ منا واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأوجب ما يكون من ذلك أن يأمر الأب والأم أبناءهما بالمعروف وينهونهم عن المنكر ويعملوا جاهدين على ذلك, فبإصلاح البيوت يصلح المجتمع وتصلح الأحوال.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدلله على إحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما, أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون-.
معاشر المسلمين: إنَّه باختلال الأمن في المجتمع يحصل الخوف على النفس والمال والعرض, فالخائف لا يهنأُ بماله وقد يُسلب منه, ولا يأمن على نفسه وولده حتى ولو كان في جوف بيته, ولا يستمرئ طعاما, لانعدام الأمن.
وخطر اختلال الأمن كبير, فحافظوا على ما أنتم عليه من نعمة بشكر الله عليها وبتقوى الله, وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وبعدم الإسراف في الملبس والمأكل والمشرب, وبعدم مباهاة الناس ومفاخرتهم في ذلك.
وكذلك من الواجب علينا التعاون مع رجال الأمن بالتبليغ عن كل من يريد الإخلال بالأمن, والتعاون مع رجال هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, بالتبليغ عن المنكر حال العلم به.
ونسأل الله أن يحفظ بلادنا وأن يزيدها قوة إلى قوتها وأن يجعلها آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين, اللهم أصلح ولي أمرنا وولي عهده وجميع ولاة أمور المسلمين وأن يريهم الحق حقا ويرزقهم اتباعه ويريهم الباطل باطلا ويرزقهم اجتنابه, ونسأله أن يغفر ذنوبنا وأن يستر عوراتنا, وأن يغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين, اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين, وفرِّج كرب المكروبين واقض الدين عن المدينين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء, أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين, اللهم أغثنا غيثا مغيثا هنيئا مرئيا مريعا سحا طبقا مجللا نافعا غير ضار.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 – 182].