البحث

عبارات مقترحة:

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الهجرة من المعاصي

العربية

المؤلف أبو إسحاق الحويني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أصل الهجرة وحقيقتها .
  2. أهمية الهجرة ومكانتها .
  3. الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام شرط في تحقق الولاية .
  4. من لوازم صحة الهجرة عدم العودة للمكان المهاجر منه إلا لحاجة .
  5. وجوب الهجرة لمن خشي على دينه .
  6. من صور الهجرة الواجبة؛ هجر العقائد الفاسدة والأفكار المنحرفة .
  7. أقسام الهجرة وأفضلها. .

اقتباس

ومطلوب من المجتمع؛ أن يهجر، العقائد الفاسدة التي تغزو الآن ديار المسلمين باسم الحرية والأفكار، وأن كل إنسان يقول ما يريد، كيف يترك هذا؟ ولا يحفظ على الناس دينهم؟ وهو أولى من حفظ أبدانهم ومعاشهم؛ لأنهم بلا دين لا يساوون شيئا كالأنعام بل الأنعام أفضل، لأنها تذكر...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهد ألا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70-71]، أما بعد:

أيها المسلمون: أطل علينا العام الهجري الجديد، عام ثمان وعشرين بعد الأربعمائة والألف، وعادة الناس أن يتكلموا عن هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بكلام يعرفه أكثر الناس، لكني أريد أن أتكلم عن الهجرة بكلام عملي، يستند إلى كتاب الله -عز وجل- وإلى سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لنحمل الجماهير على التلبس بمعنى الهجرة؛ فالهجرة أصلها الترك؛ فما هو الذي يجب على المسلمين أن يتركوه في هذه الأيام.

ولست أرى زمانا؛ الهجرة فيه أوجب مثل هذا الزمان، أصل الهجرة الترك، مطلوب منهم أن يتركوا عقائد فاسدة، ومعاملات فاسدة، ومطلوب منهم أن يتركوا العمل بأردأ الفقه، وقد فشا في الناس الآن من يدعو إلى الأخذ برخص العلماء والذي يتتبع رخص العلماء يفضي به الأمر في النهاية إلى الخروج والزندقة، ولست أقصد بالرخص الرخص الشرعية التي تقام الدليل على أنها رخصة في مقابل العزيمة؛ فالصلاة مثلا: الصلاة الرباعية هذه عزيمة؛ فإذا سافرت ترخصت؛ فصليت ركعتين، أنا لا أعني هذا النوع، إنما أعني بالرخصة الزلة، الغلطة، التي يقع فيه العالم فيتبعه الناس فيها، وقد قال سليمان التيمي -رحمه الله- وتناقلها العلماء من بعده: "إذا أخذت برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشر كله".

جاء في سنن النسائي من حديث أبي فاطمة -رضي الله عنه- بسند صحيح أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، مرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال: "عليك بالهجرة؛ فإنه لا مثل له" أي: لا مثل لهذا العمل، وإنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا لأبي فاطمة بعد فتح مكة، وأقول بعد فتح مكة لأن الهجرة الواجبة انقطعت مع فتح مكة، كان قديما قبل الفتح أوجب الله -عز وجل- على المؤمنين أن يهاجروا من مكة إلى المدينة وقلنا: إن الهجرة هي الترك، تترك وطنك لتؤسس دولة الإسلام في المدينة؛ فإن الدولة لا تؤسس مع تفرق أهلها، لابد أن يجتمعوا في مكان واحد ينصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقاتلوا الكفار معه، وهذا لا يستقيم، كما قلت إلا إذا تجمعوا في مكان واحد؛ فكانت الهجرة من مكة إلى المدينة واجبة.

وقد قطع الله -عز وجل- الموالاة بين المؤمنين وبين إخوانهم المؤمنين الذين لم يهاجروا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا) [الْأَنْفَالِ: 72]؛ فقطع المولاة بينهم؛ لأنهم لم يقوموا بالهجرة الواجبة مع قدرتهم عليها، قال الله -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا) [النِّسَاءِ: 97-99]، إذن هؤلاء الذين لم يهاجروا مع القدرة ظلموا أنفسهم، ومأواهم جهنم وساءت مصيرا إلا المستضعفين، فالذي يقدر على الهجرة الواجبة آنذاك ولم يهاجر يحدث قطع بينه وبين المؤمنين.

وكان الصحابة يخشون أن يموت الواحد منهم في المكان الذي هاجر منه؛ كسعد بن أبي وقاص كما هو حديثه في الصحيحين، لما مَرِضَ مَرَضًا شديدا في حجة الوداع حتى أشفى على الموت؛ فدخل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، أخلف بعد أصحابي؛ يعني سأموت وأخلف بعد أصحابي، وكان يخشى أن يموت بمكة؛ لماذا؟ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رثى لسعد بن خولة وسماه البائس، لقبه بلقب البائس، قال: لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن مات بمكة"؛ فكان سعد بن أبي وقاص خائفا أن يموت بمكة، وحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- على المهاجرين بعد الحج أن يبقوا بمكة إلا ثلاثة أيام، فقط، يقضي حوائجه بعد الحج؛ كما في حديث العلاء بن الحضرمي عند البخاري، لم يرخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للمهاجري أن يمكث بعد الصدر إلا ثلاثة أيام.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم"؛ فالذي يرجع إلى البلد الذي هاجر منها آنذاك يكون راجعا على عقبيه، وليس هذا فقط، بل الأمر أوسع من هذا؛ كما في الصحيحين من حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن الحجاج بن يوسف الثقفي لقيه فقال له: "ارتدت يا بن الأكوع عن هجرتك وتعربت –أي: صرت أعرابيا-؟ قال له: لا، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أذن لي في البدو؛ أن أبدو، أن أذهب إلى البادية، هل سلمة بن الأكوع مهاجري؟ لا، سلمة أنصاري، أول مشاهد سلمة الحديبية، ما هذه الهجرة التي ارتدت عنها؟ لأنه لما خرج من المدينة ذهب إلى الربذة؛ فالمدينة التي عاش فيها تركها وهاجر إلى الربذة، لماذا ترك سلمة بن الأكوع المدينة؟ إنما تركها بعد مقتل عثمان، كما في صحيح البخاري، ترك المدينة بعد مقتل عثمان وذهب إلى الربذة وتزوج امرأة وأنجب أولادا، لكن، قبل أن يموت بليال، رجع إلى المدينة فمات بها، وهل كان يدري متى سيموت؟ لا، إنما عَنَّ له أن يرجع إلى المدينة وأن يمكث بها فبقي بها ليالي ثم مات؛ فيقول له: "ارتدت؟" يعني: هاجرت وتركت المدينة؟ دار الإسلام والسنة وتذهب إلى الربذة.

ومن أجل -ذلك- بوَّب الإمام البخاري على هذا الحديث في كتاب الفتن، بقوله: باب التعرض في الفتنة، عندما تكون خائفا على نفسك الفتنة في بلد من البلدان اتركها حتى لو كان البلد فاضلا، المهم أن تنجو من الفتنة، وبريدة بن الحصيب لقي -أيضا- سلمة بن الأكوع وقال له: "تعربت؟" قال له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ابدوا يا أسلم"، وقبيلة أسلم التي منها بريدة ومنها سلمة، "ابدوا يا أسلم" يعني: اخرج إلى البادية، قالوا: يا رسول الله، إنا نخشى أن نكون قد رجعنا في هجرتها؟ قال: "أنتم مهاجرون حيثما كنتم" وسأل رجل جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، قال: من بقي من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: أنس وسلمة، قال: إن سلمة ارتد في هجرته، فقال له: لا تقل هذا؛ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لهم: أنتم مهاجرون حيثما كنتم، الرجوع في الهجرة كان مشكلة كبيرة؛ لأنك بذلت شيئا لله، فمن اللؤم أن ترجع فيه، فمن فضل هذا الجيل الغرباء الأولين أن الله -عز وجل- حرم عليهم أن يرجعوا فيما بذلوه له.

ومطلوب من المجتمع؛ أن يهجر، العقائد الفاسدة التي تغزو الآن ديار المسلمين باسم الحرية والأفكار، وأن كل إنسان يقول ما يريد، كيف يترك هذا؟ ولا يحفظ على الناس دينهم؟ وهو أولى من حفظ أبدانهم ومعاشهم؛ لأنهم بلا دين لا يساوون شيئا كالأنعام بل الأنعام أفضل، لأنها تذكر الله وتسبحه ولا تفتر عنه، (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الْإِسْرَاءِ: 44]، الإنسان بلا دين لا قيمة له، بدأت العقائد الزائغة تنتشر، وهناك تهاون من الدول في حفظ دين الناس؛ الآن مواقع النت يدخل عليها ملايين الشباب من المسلمين، يدخلون على مواقع الإلحاد وعلى مواقع الملل الأخرى وبعضهم يدخل البحر الخضم بلا طوق نجاة، أنا أستغرب فلا عندما يجيئني صبي قائلا: أنا أريد أن أرد على النصارى؟ ماذا تعرف أنت في ملتك؟ هل تعرف شيئا عن دينك؟ تعرف شيئا عن توحيدك؟ قل لي: ما التوحيد واشرحه لي، وقل لي أي كلام؟ ليس لديه فكرة عن شيء، هذا عندما يدخل على مواقع التنصير ماذا يحدث له؟ يحدث له "غسيل دماغ"، رجل دخل البحر ولا يحسن السباحة قمن أن يغرق، شيء طبيعي أن يغرق.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-، أما بعد:

روى النسائي في سننه وأحمد بإسناد قوي، وصححه ابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رجلا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال: "يا رسول الله، أي الهجرة أفضل؟ قال: "أن تهجر ما كره ربك -عز وجل-".

والهجرة هجرتان؛ هجرة البادي وهجرة الحاضر، البادي: هو الذي يسكن البادية، والحاضر هو الذي يسكن الحاضر؛ أما هجرة البادي؛ فإذا استنفرت نفرت؛ يعني عليه السمع والطاعة، إذا قيل له: تعال، وإذا أمر ائتمر، أما هجرة الحاضر؛ فهي أعظمهم بلية وأعظمهم أجرا، لأن هجرة المدينة إنما كانت من الصحابة الذين تركوا مكة إلى المدينة، تركوا ديارهم وتركوا أموالهم وفارقوا الأموال والنساء؛ فهؤلاء كانوا أعظم بلية، ولكنهم أعظم أجرا.

وفي حديث عبد الله بن عمر أيضا ومعاوية بن أبي سفيان، وعبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنهم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد روى الإمام حديث ابن عوف وحده، الإمام أحمد، أما أحاديث هؤلاء الثلاثة مجتمعين؛ عبد الرحمن بن عوف، معاوية بن أبي سفيان، عبد الله بن عمرو بن العاص فهذه في معاجم الطبراني الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير بإسناد حسن، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الهجرة هجرتان، هجرة إلى الله ورسوله، وهجرة عما يكره الله -عز وجل-، هجرة من الذنوب وهجرة إلى الله ورسوله، ولا تنقطع الهجرة ما قبلت التوبة، ولا تزال التوبة مقبولة حتى تشرق الشمس من مغربها؛ فإذا خرجت الشمس من مغربها ختم على كل قلب بما فيه وكفي الناس العمل، لم يعد للعمل قيمة: (لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا)؛ فقرن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة بالتوبة، ما معنى هذا؟ أن الهجرة التي تدوم ولا تنقطع هي الهجرة من الذنب، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.