الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | سعد بن سعيد الحجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
بالخلق الحسن ينال محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحبه الله أحبه جبريل وأحبته الملائكة وأحبه أهل الأرض .. ومن أحبه الله حفظه في سمعه وبصره ويده وقدمه وأجاب دعاءه وأعطاه سؤاله ومن أحبه رسول الله شفع فيه يوم القيامة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الملك الحق خلق الخلق وميز المؤمنين بالصدق وجملهم بحسن الخلق وأشهد أ ن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أظهر الحق وجعل أهله أهل السبق وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل الخلق والقدوة في حسن الخلق صلى الله عليه وسلم كلما كثرت الأرزاق وحسنت الأخلاق.
أما بعد:
فيا أيها المسلمون اتقوا الله حق تقاته: أطيعوه فلا تعصوه واذكروه فلا تنسوه واشكروه فلا تكفروه ولا تموتون إلا وأنتم مسلمون فإن أجل الله لآت وإذا جاء لا يؤخر فاغتنموا الحياة قبل الموت والعمل قبل الفوت والشباب قبل الهرم والصحة قبل السقم واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.
أدوا الحقوق واحذروا العقوق فإن الدين المعاملة وكان الدين المعاملة لأن التعامل هو الذي يميز المعادن النفيسة من المعادن الرخيصة وهو الذي يظهر الإنسان على حقيقته والناس معادن كمعادن الذهب والفضة وغيرها من المعادن الأخرى منهم من يقول آمنت بالله ثم يستقيم على الإيمان حتى يلقى ربه فهؤلاء كالمعادن النفيسة ومنهم من يقول آمنت بالله ثم ينتكس يتبع الأهواء والشهوات وهؤلاء كالمعادن الرخيصة التي سرعان مما تتغير ولا تبقى على جوهر واحد يقول صلى الله عليه وسلم: "فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" واعتبر عمر التعامل مقياساً من معادن الناس إذ جاءه مزك يزكي شاهداً وقال له عمر: هل جاورته؟ قال: لا، قال: هل تعاملت معه بالدرهم والدينار؟ قال: لا قال: هل سافرت معه؟ قال: لا قال: قم فإنك لا تعرفه. وكان الدين المعاملة لآن الإنسان لا يسع الناس بماله وذلك لحبه له حباً جماً ولأنه لو أنفق مرة لم ينفق أخرى ولأن النفوس جبلت على الشح (وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ ) [النساء: من الآية128]، ولأنه لا يسعهم بجاهه لعدم معرفته لجميع الناس قد يعرف عشرهم ولا يعرف الباقين، ولعدم رضي جميع الناس عنه ولكن يسع الناس بالتعامل الحسن والتعامل الحسن قسمان مجموعان في قوله صلى الله عليه وسلم: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن" فالتعامل الأول هو التعامل مع الحق تعالى والمستفيد من هذا التعامل هو الإنسان لأن الله غني عن عباده ولا ينتفع بطاعة مطيع ولا يتضرر بمعصية عاصي وإنما يحصي أعمال عباده ثم يوفيهم إياها.
يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ويقول: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وتعامل العبد مع ربه يكون بإحسانه في عبادته يعبد الله وكأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه، وبهذا التعامل تتحقق المراقبة الحقة ويتيقن العبد أنه مكشوف أمام الله تعالى يسمع ما يقول ويبصر ما يفعل ويعلم ما يقول وهو صدره قبل أن يكون على اللسان وتثمر هذه المراقبة بإتقان العمل ليكون على مراد الله والخوف من الله والحفظ في الدنيا والآخرة وإجابة الدعاء والشكر لله على نعمه وقد كافأ الله أهل الإحسان بالحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة. والتعامل الثاني هو التعامل الحسن مع الخلق لأن الإنسان يعيش معهم ويستأنس بهم ولذا يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) [الحجرات: من الآية13].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" ويقول: "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس" ويقول: "لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق" ويقول: "تبسمك في وجه أخيك صدقة".
والتعامل الحسن مع الخلق يعني التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل وأن تصل من قطعك تصله بالسلام والإكرام والدعاء له والاستغفار والثناء عليه والزيارة له وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، ويقوم هذا التعامل على أربعة أركان:
الركن الأول: الصبر الذي يحمله على التحمل وكظم الغيظ وكف الأذى والحلم والرفق وعدم العجلة والطيش.
والركن الثاني: العفة التي تحمله على اجتناب الرذائل وفعل الفضائل وتمنعه من الفحشاء والقبائح وتجمله بالحياء.
الركن الثالث: الشجاعة التي تحمله على عزة النفس والعدل والتحري.
والركن الرابع: العدل الذي يحمله على اعتدال أخلاقه والنفوس لا تزكو إلا بحسن الخلق لتبقى على فطرتها التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وإذا زكت النفوس نالت المطلوب ونجت من المرهوب. وقد أقسم الله أحد عشر قسماً في القرآن أن الفلاح منوط بتزكية النفوس قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس:1-9].
ويقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى:14-15]، والخلق الحسن ربع الرسالة المحمدية فإن الله تعالى أرسل رسوله للأمة من أجل أن يتلو عليهم القرآن ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ويعلمهم السنة يقول تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2 ].
والخلق الحسن صفة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]. ويقول تعالى:(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: من الآية159]. وتقول عائشة: "كان خلقه القرآن"، ويقول أنس: "خدمته عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لي لشيء صنعته لما صنعته ولا لشيء تركته لما تركته" وكان أحسن الناس خلقاً وكان يسلم على الصبيان ويداعبهم، دخل على أبي عمير أخي أنس وهو حزين لموت طائر له فقال: "يا أبا عمير ما فعل النغير" وجاءه شاب يطلب الزنا فنهره الصحابة فقال له: "أدن مني" فدنا منه فقال له بلين في الكلام وبشاشة في الوجه: "هل ترضى الزنا لأمك؟" قال: لا قال: "أترضاه لبنتك؟" قال: لا قال: "ولأختك وعمتك ولخالتك" قال: لا قال: "والناس لا يرضونه لأمهاتهم ولا لبناتهم وأخواتهم" فوضع يده على صدره وقال: "اللهم طهّر قلبه وحصن فرجه واغفر ذنبه"، والخلق الحسن طاعة لله وطاعة لرسوله ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: من الآية71].
وقد كان طاعة لله لأن الله تعالى أمر به في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]، وكان طاعة للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه أمر به في قوله: "وخالق الناس بخلق حسن" وبالخلق الحسن ينال الإنسان البر وثواب البر الجنة لأن البر يهدي إلى الجنة ولأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ولأن بر الوالدين يوصل إلى الجنة قال صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة" وقال للذي أراد الجهاد وترك أمه قال: "الزم رجلها فإن الجنة ثم" أي تحت قدمها، ولأن البر إيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وهذه أبواب الجنة. يقول صلى الله عليه وسلم: "البر حسن الخلق والإثم ما حاك في النفس وكرهت أن يطلع عليه الناس" وبالخلق الحسن ينال محبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أحبه الله أحبه جبريل وأحبته الملائكة وأحبه أهل الأرض ففي الحديث: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلانا فأحبه فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في الملائكة إن الله يحب فلاناً فأحبوه ثم يوضع له القبول في الأرض".
ومن أحبه الله حفظه في سمعه وبصره ويده وقدمه وأجاب دعاءه وأعطاه سؤاله ومن أحبه رسول الله شفع فيه يوم القيامة يقول صلى الله عليه وسلم: "أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقاً" ويقول: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس أحاسنكم أخلاقاً وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقاً" وبالخلق الحسن ينال الإنسان الخيرة وكمال الإيمان وبالخيرة يقدم على غيره فإن الله يخلق ما يشاء ويختار ويكون من عباد الله الأخيار ويكون مع الأخيار من الأنبياء وأتباعهم من المؤمنين الذين اختار الله نياتهم وأقوالهم وأفعالهم وتعاملهم وجعلهم خير البرية، يقول صلى الله عليه وسلم: "خياركم أحاسنكم أخلاقاً والموطئون أكنافاً" وقال: "خير الناس أحسنهم خلقاً" وقال: "خيركم إسلاماً أحاسنكم أخلاقاً إذا فقهوا" وكمال الإيمان يدل على كمال العمل وعلى سعادة الدنيا وعلى سعادة الآخرة يقول صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً الموطئون أكنافاً الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف" والجمال صفة أهل الجنة فإنهم يدخلون الجنة جرداً مرداً وهم أنباء ثلاث وثلاثين وأول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة الدر ولو أن حورية أشرقت على الدنيا لأضاءت ما بين المشرق والمغرب ولملأت ما بينها ريحاً يقول صلى الله عليه وسلم: "عليك بحسن الخلق وطول الصمت فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلها" وبالخلق الحسن يكون أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنها لمنزلة شريفة ومنزلة عالية ومنزلة آمنة لا ينالها إلا القليل وسبب هذا القرب والاقتداء والمحبة والمرء يحشر يوم القيامة مع من يحب وقد بعث صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق ويدعو إليها بقوله وفعله وتعامله.
يقول صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" ويقول: "أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً".
أستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاقتربوا عباد الله من رسول الله في مجالسكم يوم القيامة واحظوا بشرف المجاورة وشرف القرب حيث يقول: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً" وبالخلق الحسن يدرك درجة الصائم القائم الذي حفظ ليله بالقيام ونهاره بالصيام والذي عزفت نفسه عن الدنيا وحفظ وقته بالطاعة وجاهد نفسه وأخلص لربه وجاهد شيطانه وضاعف أجره بغير حساب يقول صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها" يقول الله تعالى: "إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ويقول عن أهل القيام (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:16-17].
ويقول صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل صائم النهار" ويقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم" وبحسن الخلق يدخل الإنسان الجنة ويثقل ميزانه ليكون في عيشة راضية ويرتفع في أعلى الجنة ليكون في عليين وما دخوله الجنة إلا لأنه متصف بصفات أهلها: نزع الله الغل من صدورهم فهم إخوان على سرر متقابلين وكانوا متقابلين وكانوا متآلفين متحابين بعضهم على بعض ويسلم بعضهم على بعض ويسأل بعضهم بعضاً عما كان بينهم في الحياة الدنيا ويقول الله تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].
ويقول: (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ) [الصافات:50-51] وما ثقل ميزانه إلا لأنه قلبه سليم مملوء بمحبة الله وبالخوف منه وبرجائه لا يشبع من طاعة ولا يقبل معصية، يقول تعالى:(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89]. وبشر رجل بالجنة ثلاث مرات لسلامة قلبه إذ قال: أبيت وليس في صدري غل ولا حسد ولا حقد لأحد من المسلمين ولسانه سليم ملئ بالكلمة الطيبة التي بها تستقيم الجوارح وبها يكون الفلاح، يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول اتق الله فينا فإنك أن استقمت استقمنا وأن اعوججت أعوججنا" وملئ بأحب الكلام إلى الله وبخيره عند الله وهو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير يقول صلى الله عليه وسلم: "أحب الكلام إلى الله أربع سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر لا يضرك بأيهن بدأت" ويقول: "خير الكلام أربع لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر".
وبهذا الكلام الطيب يثقل الميزان يقول صلى الله عليه وسلم: "سبحان الله تملأ الميزان" ويقول: "كلمتان خفيفتان على اللسان حبيبتان على الرحمن ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم" وارتفعت الدرجات العالية لأنه ارتفع عن سفاسف الأمور ورديء الأخلاق، فتخلق بالأخلاق العالية وأعرض عن الأخلاق السافلة.
يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرفها ويكره سفاسفها" وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق"، وقال: "أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" وقال: "أثقل شيء في ميزان الخلق الحسن" ويقول: "أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن إن الله يبغض الفاحش والمتفحش البذيء".
وبالخلق الحسن تعمر الديار وتزيد الأعمار وما عمارة الديار إلا لأن من علامات السعادة الجار الصالح يقول صلى الله عليه وسلم: "أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء" وما زيادة الأعمار إلا للتعاون على البر والتقوى ولحب الخير للغير يقول صلى الله عليه وسلم: "حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار" فاحرصوا على حسن الخلق تكونوا متآلفين متعارفين وأكثروا من الدعاء في الهداية إلى أحسن الأخلاق فإنه لا يهدي إلى أحسنها إلا الله يقول صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".