المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
خُذُو بِتَوْجِيهِ نَبِيَّنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي تَقْسِيمِ الأُضْحِيةِ واجْعَلُوهُ قَاعِدَةً تَسْلُكُونَهَا في شؤونِ مَعِيشَتِكُمْ: يَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا". فَهَذِهِ مِنْ أَفْضَلِ قَوَاعِدِ التَّدبِيرِ المَالِيِّ، فَيَأْتِي هَذَا التَّقْسِيمُ الحَكِيمُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ العَاقِلَ يَستَشْرِفُ المُستَقْبَلَ، وَيُفَكِّرُ فِي...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله أنعَمَ علينا بعظِيمِ آلائِه، نحمده على نعمائِه، ونشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لهَ نَشْكُرهُ على وَاسِعِ فَضْلِهِ وَعَطَائِهِ، ونَشهَدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُهُ أفضلُ رُسُلِهِ وخَاتَمُ أنبيائِهِ، الَّلهم صلِّ وسلّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأوليائه.
أمَّا بعد: فأوصيكم عبادَ الله: ونفسي بتقوى اللهِ وكثرةِ حَمْدِهِ على آلائِهِ إلينَا، نَعْمَائِهِ علينا، فكم خَصَّنَا بِنِعمَةٍ؟! وأَزَالَ عنَّا مِنْ نِقْمَةٍ؟! وَتَدَارَكَنَا بِرَحْمَةٍ؟! فالحمدُ للهِ أولاً وآخِراً وظاهراً وباطناً.
ثمَّ اعلموا -يَا مُؤمِنُونَ- أنَّ قيمةَ المسلمِ ليست بأموالِهِ وأرزاقِهِ! "فإِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ"، ولن يَبقَى للإنسانِ من عَمَلِهِ إلا ما كان خَالِصًا صَالحًا، وليسَ له من مالِه إلا ما أكلَ فَأَفنَى، أو لَبِسَ فَأبلَى، أو تَصَدَّقَ فأبقى!
إخواني: وَمِنْ قَوَاعِدِ التَّعامُلِ السَّلِيمِ مَعَ المَالِ: تَطْبِيقُ قَولِ اللهِ تَعَالَى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31].
دَعُونَا -أيُّها الكِرَامُ- نُطَبِّقُ هَذِهِ الآيَةَ الكَرِيمَةَ مَعَ أُسَرِنَا خَاصَّةً في ظِلِّ هَذِهِ الظُّرُوفِ المَادِّيَّةِ الرَّاهِنَةِ؛ فَلِلأُسْرَةِ حَقٌّ عَلَى مَنْ يَرعَاهَا، فَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْهُمْ أَمَامَ اللهِ تِعَالَى؛ لأنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا استَرعَاهُ؛ حَفِظَ أَمْ ضَيَّعَ"، وَقَالَ: "كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ".
وَبِقَدرِ هَذِهِ المَسؤُولِيَّةِ يَأْتِي الأَجْرُ العَظِيمُ؛ فَإنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهلِكَ، أَعظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهلِكَ".
فَالعَاقِلُ لا يَتْرُكُ أَهلَهُ فِي حَاجَةٍ تُنَغِّصُ مَعِيشَتَهُمْ، وَلَرُبَّمَا دَفَعَتْهُمْ إِلَى التَّسَوُّلِ، فَكَانَتْ لَهُمُ المَهَانَةُ وَالتَّذَلُّلُ، وَهَذَا مَا لا يَقْبَلُهُ عَاقِلٌ، فَعَلى الوليِّ أنْ يُوَسِّعُ عَلَى أهْلِهِ فِي النَّفَقَةِ، وَيَبْسُطُ إِلَيْهِمْ يَدَ المَعْرُوفِ؛ مُجتَنِبًا خَصلَتَيِ التَّبْذِيرِ وَالتَّقْتِيرِ. عِبَادَ اللهِ: إِنَّ الإِنْفَاقَ الأُسْرِيَّ، إِنَّمَا يُؤَسَّسُ بُنْيَانُهُ، عَلَى حُسْنِ تَرتِيبِ أَولِويَّاتِهِ، وَتَقْدِيمِ المُهِمَّاتِ وَالضَرُورِيَّاتِ، فَقَدْ رُويَ أنَّ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ"؛ (رَواهُ ابنُ مَاجَه).
إخْوَانِي: مُتَوقَّعٌ أنْ تَرْتَفِعَ الأسْعَارُ قَرِيبَاً، وَتِحِلُّ القِيمَةُ المُضَافَةُ على السِّلَعِ والمُشْتَرَياتِ؛ فَالصُّرَاخُ والصِّياحُ، والتَّلاوُمُ والتَّحَسُّرُ لَنْ يُجْدِيَ شيئَاً، وَتَأجِيجُ مَشَاعِرِ النَّاسِ يَهدِمُ ولا يَبْنِي، وَيُفَرِّقُ ولا يَجْمَعُ؛ فَلا بُدَّ مِن التَّعَايُشِ مَعَ وَاقِعٍ مَفْرُوضٍ، وَمَنْطِقُ العَقْلِ والحِكْمَةِ، أنْ نَبْدَأَ بِإصْلاحِ أنْفُسِنَا، فَنَبْدَأُ بِالأَهَمِّ فَالمُهِمِّ، فَنُعْرِضُ عَنِ اقتِنَاءِ مَا فِيهِ ضَيَاعُ المَالِ؛ فَكَمْ مِنْ سِلْعَةٍ فِي سَلَّةِ المُشْتَرَيَاتِ لا نَحتَاجُها، أَوْ لَيْسَتْ ذَاتَ أَهَمِّيَّةٍ كَبِيرَةٍ فِي وَقْتِنَا الرَّاهِنِ؛ فَالكَيِّسُ العَاقِلُ لا يَشْتَرِي كُلَّ مَا تَهْوَاهُ نَفْسُهُ وَيَتَمَنَّاهُ وَيَرَاهُ.
مَرَّ ابنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَلَى رَجُلٍ يَشْتَرِي شَيئًا، فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اشتَهَيتُهُ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ مُنكِرًا عَلَيْهِ: أَكُلَّمَا اشتَهَيتَ اشْتَرَيتَ؟ فَمَا تَقُولُونَ في حَالَةِ كَثِيرٍ مِنَّا، أو بَعْضِ نِسَائِنَا، وَشَبَابِنَا، إسْرَافٌ فِي المَأكَلِ والمَلبَسِ والمَرْكَبِ والمَشْرَبِ!
إخوانِي: لا تَظُنُّوا أنَّ الكَلامَ تَبْرِيرٌ لِغَلاءِ الأَسْعَارِ! إنَّمَا مَنْطِقُ العَقْلِ يَقُولُ: إنَّ عَلينَا أنْ نُحْسِنَ التَّعَامُلَ مَعَ ظُرُوفِنَا الرَّاهِنَةِ؛ فَالشِّرَاءُ مَعَ عَدَمِ الحَاجَةِ ضَرْبٌ مِنَ التَّكَاثُرِ المَذْمُومِ كَما فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ). كمَا َقَالَ الضَّحَّاكُ -رَحِمَهُ اللهُ-: "أَلْهَاكُمُ التَّشَاغُلُ بِالْمَعَاشِ".
وَخَتَمَ اللهُ السُّورَةَ بِقَولِهِ: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ). قَالَ ابنُ جَرِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لَيَسْأَلَنَّكُمُ اللهُ عَن النَّعِيمِ الذي كُنْتُمْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا: مِنْ أَينَ وَصَلْتُمْ إليهِ، وَفِيمَ أَصَبْتُمُوهُ، وَمَاذا عَمِلْتُمْ بِهِ".
ألا فَلتَعْلَمُوا -يا رَعاكُمُ اللهُ- أنْ مِنْ أسَاسِيَّاتِ التَعامُلِ مَعَ المَالِ أنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُنَا الْفَقْرَ وَيَأْمُرُنَا بِالْفَحْشَاءِ! وَكَمَا قَالَ السَّعدِيُّ: "فَإيَّاكُمْ أنْ تَتَّبِعُوا عَدُوَّكُمْ الذي يَأْمُرُكُمْ بِالإمْسَاكِ، وَيُخَوِّفُكُمُ بِالفَقْرِ وَالحَاجَةِ إذَا أَنْفَقْتُمْ، فَلَيسَ هَذا نُصْحَاً لَكُمْ، بَل غَايَةُ الغِشِّ لَكُمْ"!
والإسْلامُ -يَا كِرَامُ- لا يَدْعُو إلى المَسْكَنَةِ وَالافْتِقَارِ وَالاتِّكَالِ عَلى الغَيرِ، فَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ دُعَاءِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ"؛ فاللهُمَّ قَنِّعْنَا بِما رَزَقْتَنَا، وَأغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ، وَبِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ نَشْهَدُ الَّا إلهَ الَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ ولهُ الحَمدُ وَهُوَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ، وَنشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ السِّرَاجُ المُنيرُ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وبارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابهِ وَمَنْ اهتدى بهمْ إلى يَومِ الدِّينِ.
أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، وَأَدْرِكُوا حَجْمَ المَسؤُولِيَّةِ المُلْقَاةِ عَلَى عَاتِقِكُمْ، تُجَاهَ أَهلِيكُمْ وَمُجتَمَعِكُمْ، وَاجْعَلُوا تَقْوى اللهِ تَعَالَى سَفِينَةً تَجتَازُونَ بِهَا بَحْرَ الصِّعَابِ. وَتَأمَّلُوا قَولَ اللهِ -سُبحَانَهُ-: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال:28].
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: خُذُو بِتَوْجِيهِ نَبِيَّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي تَقْسِيمِ الأُضْحِيةِ واجْعَلُوهُ قَاعِدَةً تَسْلُكُونَهَا في شؤونِ مَعِيشَتِكُمْ: يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا". فَهَذِهِ مِنْ أَفْضَلِ قَوَاعِدِ التَّدبِيرِ المَالِيِّ، فَيَأْتِي هَذَا التَّقْسِيمُ الحَكِيمُ لِيُبَيِّنَ أَنَّ العَاقِلَ يَستَشْرِفُ المُستَقْبَلَ، وَيُفَكِّرُ فِي العَوَاقِبِ، وَيُوَازِنُ بَيْنَ المَصَالِحِ، فَسَتُحِّقِقُ ثَلاثَ حَاجَاتٍ:
أَوَّلُهَا: حَاجَةُ الفَردِ وَالأُسرَةِ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا بِقَولِهِ: "كُلُوا"، فَلِلنَّفْسِ حَقُّ التَّمَتُّعِ بِالطَّيِّبَاتِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلا بَطَرٍ.
وَثَانِيهَا: "وَتَصَدَّقُوا"، فَبِالصَّدَقَةِ نَمَاءُ المَالِ وَبَرَكَتُهُ، وَسَدُّ حَاجَاتِ مُجتَمَعِهِ.
وَثَالِثُها قَولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "وَادَّخِرُوا"؛ فَالمَرْءُ حِينَ يَدَّخِرُ يَكُونُ مُستَعِدًّا لِتَقَلُّبَاتِ الزَّمَانِ، وَهَذَا لا يُنَافِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللهِ تَعالى؛ فَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنا يُكْثِرُ مِنْ قَولِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّينِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ"، وَبِالادِّخَارِ يَحفَظُ الإِنْسَانُ لأُسْرَتِهِ مَا يُغْنِيهِمْ عَنِ النَّاسِ حَتَّى بَعْدَ مَوتِهِ وَرَحِيلِهِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ".
وَاعلَمُوا -يا كِرامُ- أنَّ بَرَكَةَ المَالِ مَرْبُوطٌ بالصَّلاحِ والصِّدْقِ؛ كَمَا مَدَحَ النَّبَيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِقَولِهِ: "نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلْمَرْءِ الصَّالِحِ"، وَقَولِهِ: "الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا".
وَلْنَعْلَمْ -يا مُؤمِنُونَ- أنَّ بَرَكاتِ الأرْزَاقِ مَرْبُوطَةٌ بِتَقْوى اللهِ تَعالى!؛ ألمْ يَقُلْ العَلِيمُ الخَبِيرُ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف:96].
ألمْ نَتفَكَّرَ فِي قَولِ رَسُولِنِا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِن الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ".
أيُّها المُؤمِنُون: نُؤمِنُ جميعاً أنَّ نَقَصَ الأرزَاقِ، وَغَلاءَ الأسعَارِ مَربُوطٌ بِذُنُوبِنا وَمَعاصِينا؛ لِقولِ اللهِ تَعالى: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) [الجن:16]، وَقَولهِ تَعَالَى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) [طه:124]؛ فَالمَعَاصِي سَبَبٌ لِفَسَادِ المَعَاشِ والمَعَادِ وَصَدَقَ اللهُ: (ظَهَرَ ٱلۡفَسَادُ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ بِمَا كَسَبَتۡ أَيۡدِي ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعۡضَ ٱلَّذِي عَمِلُواْ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ) [العنكبوت:41].
قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمهُ اللهُ-: "اقشَعَرَّتِ الأرضُ، وأظلَمتِ السَّماءُ، وظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ مِنْ ظُلْمِ الْفَجَرَةِ، وَذَهَبَتِ البَرَكَاتُ، وَتَكَدَّرَتِ الحَيَاةُ مِن فِسْقِ الظّلَمَةِ، وَشَكَا الكِرَامُ الكَاتِبُونَ مِنْ غَلَبَةِ المُنْكَرَاتِ وَالقَبَائِحِ! وَهَذا وَاللهِ مُنذِرٌ بسيْلِ عَذَابٍ قَد انْعَقَدَ غَمَامُهُ، ومُؤْذِنٌ بِلَيْلِ بَلاءٍ قَد ادْلَهَمَّ ظَلامُهُ، فَعَليكُمْ بَتوبَةٍ نَصُوحٍ مَا دَامَتْ مُمكِنَةً وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ. وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُوا أيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُون" ا.هـ.
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا | فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ |
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا | دِ فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ |