البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الرحمن

هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...

الشافي

كلمة (الشافي) في اللغة اسم فاعل من الشفاء، وهو البرء من السقم،...

الظلم ظلمات يوم القيامة

العربية

المؤلف عبد الله بن محمد الطيار
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المهلكات
عناصر الخطبة
  1. تعريف الظلم وأشكاله .
  2. الظلم لا يصدر إلا من النفوس الدنيئة .
  3. مآل الظالمين وعقوبتهم .
  4. حرص السلف على التواصي في البعد عن الظلم .
  5. حكم الظلم .
  6. من أحوال ظلم الأمم السابقة ومآلهم .
  7. التحذير من الظلم وبيان مضاره .

اقتباس

إذا أراد بأهل البيت خيراً رزقهم الرفق ليستعينوا به مدة حياتهم، ووفقهم للين في تصرفاتهم فيما بينهم ومع الناس، وألهمهم المداراة التي هي ملاك الأمر.. وهذا من علامة محبة الله لهم؛ فالبيت الذي يكون فيه رفق وسهولة ويسر في التعامل يكون بيت سعادة، لا يود الإنسان أن يخرج منه، ويتمنى ويرقب متى يرجع إليه، والبيت الذي فيه...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له إذا أخذ الظالم أخذه أخذاً شديداً وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله حذر من الظلم فقال: "اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رواه مسلم) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، وتعاونوا على الخير وتجنبوا الظلم بكل صوره وأشكاله: وهو مجاوزة الحدود التي شرعها الله بين عباده، وأعظم الظلم الإشراك بالله والكفر بآياته وانتهاك محارمه وتعطيل أحكامه والإعراض عن كتابه والتحاكم إلى غيره.

ومن الظلم التعدي على المخلوقات وهتك الحرمات والعبث بالأعراض ونهب الأموال والتعدي على المحارم، ومن أشنع الظلم وأخسه ظلم الإنسان نفسه؛ وذلك بحملها على الفسوق والعصيان والوقوع في المحرمات وارتكاب المنهيات.

أيها المؤمنون: وعادة لا يقع الظلم إلا من ذوي النفوس الخبيثة التي جبلت على الفساد وانطوت على الحقد والحسد؛ حيث تدفع هذه الأحقاد الظالم، فيتعدى على غيره، وينال منهم ويطلق لسانه؛ بالقذف والسب والسخرية وتتبع عوراتهم وإشاعة الفاحشة بينهم.

والظالم يشوه الحياة من حوله، ويجعلها مُظلمة بأفعاله المشينة التي ينفر منها الناس ولا يطيقونها؛ لاسيما إذا كانت تتعلق بإزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات وتخويف الأبرياء الآمنين؛ من أجل تحقيق زعامة أو المحافظة على كرسي..

غير مبال هؤلاء الظالمون بما يترتب على أفعالهم؛ لكن عقوبة الله تنتظرهم جزاء ما اقترفت أيديهم قال الله -جل وعلا-: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ)[إبراهيم:42-46].

وقد بين رسولنا -صلى الله عليه وسلم- عقوبة الظالم بقوله: "إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)(رواه البخاري).

أيها المؤمنون: ورحمة الله -جل وعلا- تسع جميع ذنوب العباد، ويتجاوزها الله -جلا وعلا- بما فيها الشرك إذا تاب منه أهله ولقوا الله مؤمنين به، أما مظالم العباد فيما بينهم فلا بد فيها من القصاص مهما كانت الأسباب والمبررات، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ - فَيُقْتَصُّ - لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا"(رواه البخاري).

نعم جاءت النصوص أن العباد لا يدخلون الجنة حتى تؤدى المظالم ويقتص للمظلوم من الظالم، قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "يؤخذ بيد العبد فينصب على رؤوس الناس وينادي منادٍ هذا فلان ابن فلان؛ فمن كان له حق فليأت، فيأتون فيقول الرب: آت هؤلاء حقوقهم، فيقول: يا رب فنيت الدنيا فمن أين أوتيهم، فيقول للملائكة: خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل إنسان بقدر طلبته؛ فإن كان ناجياً وفضل من حسناته مثقال حبة من خردل ضاعفها الله حتى يدخل بها الجنة".

وقد كان السلف -رضوان الله عليهم- أحرص الناس على هذا الأمر، وكانوا يتواصون عليه ويعين بعضهم بعضاً بأن يسلموا من حقوق الخلق؛ لما عرفوا من خطورتها ولزوم القصاص منها؛ فهذا محمد بن واسع يكتب إلى أحد إخوانه قائلاً: "إن استطعت أن تبيت حين تبيت وأنت نقي الكف من الدم الحرام، خميص البطن من الطعام الحرام، خفيف الظهر من المال الحرام فافعل؛ فإن فعلت فلا سبيل عليك؛ (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)[الشورى:42]".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "منْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ -مِنْ أَخِيهِ- فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ"(رواه البخاري).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "لَتُؤَدُّنَّ الحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ القَرْنَاءِ"(رواه مسلم).

عباد الله: لقد حرم الله الظلم على عباده بعد ما حرمه على نفسه، قال تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحْرِمًا فَلَا تَظْالِمُوا"(رواه مسلم).

الظلم مرتعه وخيم وعاقبته جسيمه، وما تظالم قوم فيما بينهم وحصل عدوان بعضهم على بعض إلا حل بهم الهلاك والخسران، ونزل بهم العذاب من حيث لا يشعرون.

وقد أخبر الله -جل وعلا- عن أحوال أقوام من الأمم السابقة؛ لما وقع الظلم منهم وكيف جاءهم العذاب قال الله -تعالى- حكاية عن قوم عاد: (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)[فصلت:  15].

هذه القوة العظيمة لهم وهذا الظلم والجبروت والفساد في الدنيا كانت عاقبته أليمة ونهايته موجعة قال تعالى عنهم: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ)[فصلت:16].

وأخبر الله عن نهاية ثمود الذين عتوا عن أمر ربهم وكذبوا صالحاً وانبعث أشقاهم فعقر الناقة قال تعالى: (فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ)[الأعراف:78]، وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)[القمر:31].

ونفس المصير كان لفرعون وجنوده فقد قال الله عنهم: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)[القصص:39-40].

وهكذا كان مصير أصحاب الفيل قال تعالى: (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ *فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ)[سورة الفيل].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم؛ فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله ولي المؤمنين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فاحذروا -أيها المؤمنون- من الظلم، وتأملوا في مصير الظالمين، واعلموا أن لكل بداية نهاية، وأن الظالم مهما طغى وبغى وتجبر إلا إن عاقبته العار والشنار والخزي والذل والصغار؛ فمن تلطخت يده ولسانه بظلم الناس فاستحل به عقوبة الله في الدنيا والآخرة، وتلك سنة من سنن الله ماضية.

وقد حذر رسولنا -صلى الله عليه وسلم- من دعوة المظلوم فقال: "اتقوا دعوات المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار "(رواه الحاكم).

وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فاذكر قدرة الله -تعالى- عليك ونفاد ما تأتي إليهم وبقاء ما يأتون إليك".

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب ولو استنار بنور الهدى لاعتبر، فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئاً".

عباد الله: والظلم عند الله -جل وعلا- يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئاً إذا مات العبد عليه وهو الشرك بالله، وديوان لا يترك الله منه شيئاً بل لا بد من القصاص فيه كله وهو ظلم الناس بعضهم بعضا، وديوان لا يعبأ الله به وهو ظلم العبد لنفسه فهذا يمحوه الاستغفار والتوبة وكثرة الحسنات بعده.

وللظلم -أيها المؤمنون- مضار كثيرة منها:

1- يجلب غضب الرب سبحانه.

2- يسلط الله -جل وعلا- على الظالم فيصيبه بشتى أنواع العذاب.

3- يقبل الله دعاء المظلوم في الظالم.

4- الظلم يخرب الديار ويفسد البلاد وهو سبب لهلاك الظالمين.

5- معصية الظلم تتعدى للآخرين فيتحاشون الظالم ويبتعدون عنه.

6- الظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته.

7- صغار الظالم عند الله وذلته ومهانته وبعده عن كل ما فيه صلاح وفلاح الناس.

8- الظالم يحرم شفاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

عباد الله: وتأملوا في واقع المسلمين اليوم لتروا أن الظلم بلغ مداه على مستوى الأفراد والجماعات والدول؛ فإلى الله المشتكى من تلطخ أيدي الظالمين بدماء الأبرياء؛ فهذه الأنفس المظلومة ستأتي يوم القيامة تطالب بحقها؛ فماذا سيكون الجواب؟ وكيف سيكون الحساب؟

أسأل الله بمنه وكرمه أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يعصمنا من ظلم الآخرين، وأن يحفظ المسلمين في كل مكان.

كما أسأله -سبحانه- أن يسلط على الظالمين عدواً من أنفسهم فينشغلوا به عن ظلم الناس.

اللهم احفظ بلادنا من كيد الكائدين وعدوان المعتدين اللهم من أرادنا أو أراد بلادنا بسوء اللهم أشغله بنفسه ورد كيده إلى نحره، اللهم آمنا في أوطانا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].

اللهم ارحم هذا الجمع من المؤمنين والمؤمنات، اللهم استر عوراتهم وارفع درجاتهم وأصلح نياتهم وذرياتهم.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أنزل علينا الغيث اللهم أغث القلوب بالإيمان وأغث الديار بالأمطار يا ذا الجلال والإكرام وصلى الله وسلم على نبينا محمد.