البحث

عبارات مقترحة:

الغفار

كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

الواحد

كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...

شمولية الإسلام لكل مناحي الحياة

العربية

المؤلف ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. دين الإسلام صالح لكل زمان ومكان   .
  2. دين عام شامل كامل .
  3. إقصار الدين على الشعائر التعبدية خطأ محض   .
  4. العلمانيون ودعوة فصل الدين عن الحياة .
  5. شمولية الإسلام أذهلت الكفار قديماً وحديثاً .
  6. فصل الدين عن الحياة دعوة جاهلية .

اقتباس

إن الإسلام منهج حياة متكامل لا يفرق بين العبادة والمعاملة والسلوك والأخلاق، لا كما يقول هؤلاء الأدعياء أنه منهج عبادة فقط ولا يتدخل في شؤون الحياة الأخرى، لا يتدخل في نظام الحكم، ولا الأنظمة الاقتصادية، ولا السلوك والأخلاق....

الخطبة الأولى:

الحمد لله المحمود بكل لسان، واسع الفضل والإحسان، أحمده -سبحانه- وأشكره؛ حمداً وشكراً تنال به نواهل الرضوان، أنزل علينا شريعة كاملة المناهج أصيلة الأركان، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المبعوث للثقلين؛ الإنس والجان، بلغ الرسالة وأوضح المحجة وأبان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ذوي التقى والإيمان، والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

عباد الله: إن دين الإسلام دين شامل كامل، وهو الدين الباقي الذي لا يقبل الله من العباد ديناً سواه، فالعباد جميعاً بمختلف أجناسهم وألوانهم وعلى اختلاف لهجاتهم ولغاتهم مأمورين بالانقياد لهذا الدين والامتثال له، في أي مكان وفي كل زمان.

فهو لا يخص قوماً دون قوم، ولا يتعلق بأمة دون أخرى، ولا يصلح لزمان دون زمان أو مكان دون مكان، بل هو صالح لكل الأزمان والأمكنة ولكل الناس، يقول الله -جل وعلا-: (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة : 3]، ويقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران : 85].

فإذا علمنا أن هذا الدين صالح لكل الأزمنة والأمكنة؛ علمنا أنه دين شامل كامل مستوف لكل شيء، لم يهمل صغيرة ولا كبيرة إلا بيّنها، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا ذكرها وفصّل حكمها، إما بصورة مباشرة وإما باندراج حكمها تحت أصل عام أو قاعدة عريضة.

إنه منهج حياة متكامل جمع بين الدين والدنيا، والقول والعمل، والظاهر والباطن، فضمن بذلك للإنسان خيري الدنيا والآخرة، ولذللك جاءت شريعته على قدر كبير من الدقة، والأحكام العامة والخاصة، والمبادئ المجملة والمفصلة، والقواعد المقررة والمستنبطة، مما يجعل هذه الشريعة تصلح لكل مناحي الحياة، وتتسع لكل تطوراتها ومتغيراتها.

هذا هو الإسلام الشامل الذي أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو الدين الكامل الذي أمرنا بالتعبد به لله -جل وعلا-، وليس من المعقول أبداً أن يبين الله لنا أحكاماً دقيقة، وتفاصيل خفية، وأموراً هينة، كأحكام الخلاء والمسح على الخفين، ثم لا يبين لنا الأحكام الكبرى، كأحكام السياسة الشرعية، ومسائل الاقتصاد والأموال، والأحكام الاجتماعية والأحوال الشخصية.

إن بعض المسلمين وللأسف يظن أن الدين الإسلامي مقصور على الشعائر التعبدية كالصلاة والصيام والحج ولا علاقة له بالجوانب الأخرى، فإذا قيل له هذه المعاملة ربوية أو محرمة قال: "وما علاقة الدين بهذه المعاملات المعاصرة؟". وإذا قيل له: "لا يجوز لك الانتماء إلى شيء من المذاهب الهدامة والأحزاب السياسية التي تتنكر للشريعة", قال: "وما علاقة الدين بالسياسة؟". وينسى أن الدين الإسلامي دين متكامل أنزله الله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين كلهم في كل شئونهم.

إن هذا الاعتقاد الخاطئ والظن السيء بفصل الدين عن نواحي الحياة جعل كثيراً من الناس يرى أن الدين مقصور على المسجد وأماكن العبادة ودورها فقط، فتراه في المسجد أو في الحج متنسكاً متعبداً خاشعاً ذليلاً، فإذا كان في السوق أو خارج المسجد انتهك محارم الله وخالف حدوده، وباع بالحرام واشترى الحرام، وفعل المنكرات والموبقات، ظاناً أن هذه الأشياء لا علاقة لها بالتدين ولا دخل لها بالعبادة، ونسي قول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً) [البقرة:208] ، أي: في الإسلام كله.

أيها الناس: إن المنهج العلماني الذي يردده المنافقون في وسائل الإعلام المختلفة ينادي بهذه التصورات الفاسدة، ويدعو الناس إلى اعتقادها، فيقول لهم: إن من حقكم أن تتعبدوا وتتدينوا ولكن الدين لا يكون في كل شيء، وإنما العبادة في دور العبادة، والحقيقة إن الدين معك في كل شيء، فعليك أن تلتزم بدين الله في كل شيء، وأن تستقيم على دين الله في كل الأمور، وفي جميع الأماكن سواء في البيت، أو في المسجد، أو في السوق، أو في الجو، أو في البر، أو في البحر، أو في السفر، أوفي الحضر، أو في أي مكان.

لا يظن الحكام والمسؤولون والأمراء أن الدين منوط بالعلماء ويخاطبهم ولا علاقة لهم بالخطاب الديني، ولا يعتقد التجار والكبراء وأرباب المال والأعمال أن الدين خاص بالدعاة وأهل العلم والمتخصصين في الشريعة وليس لهم فيه شيء.

ولا تتصور المرأة أن أحكام الدين وتعاليم الشريعة مختصة بالرجال، وأوامره ونواهيه تخاطب في مجملها الذكور دون الإناث!!.

لا يظن أحد من المسلمين أبداً أن الدين مقصور على فئة دون فئة، أو مجال دون مجال، أو اختصاص دون آخر، فالدين عام وكامل وشامل يدخل في كل المجالات، ويشمل كل التخصصات وشتى النواحي، يقول الله -تبارك وتعالى-: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام 161: 163].

إن هذه الآية العظيمة هدمت هذا المعتقد الجاهلي بفصل الدين عن بعض الأشياء، حيث كان الجاهليون يظنون أن الدين لا يتدخل في الذبائح والنذور والثمار، فرد الله عليهم بأن الدين القيّم الدين الحق هو دين شامل كامل يشمل المحيا والممات، والشعائر التعبدية، والحياة الواقعية، ويشمل كل شيء.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم و بارك على البشير النذير، وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها المسلمون: إن شمولية الإسلام أذهلت الكفار قديماً وحديثاً، فمن الغريب جداً أن يعتقد بعض المسلمين اليوم أن الدين مقصور على جوانب دون جوانب. روى مسلم في صحيحه عَنْ سَلْمَانَ الفارسي -رضي الله عنه- قَالَ: "قَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ هَذَا لَيُعَلِّمُكَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُعَلِّمُكُمُ الْخِرَاءَةَ!. قَالَ: قُلْتُ: لَئِنْ قُلْتُمْ ذَاكَ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ أَوْ نَسْتَدْبِرَهَا، أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، أَوْ يَكْتَفِيَ أَحَدُنَا بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ" [مسلم (262)].

فانظروا كيف أن المشركين -وفي بعض الروايات أنهم اليهود- استغربوا من هذا الدين العظيم وشموليته التي تعم كل شيء، حتى تعجبوا أنه علمهم كيف يستنجون؟ وكيف يبولون ويتغوطون؟ فيأمرهم بأن يستنجوا بثلاثة أحجار، ولا يستقبلوا القبلة أو يستدبروها ببول أو غائط.

واليوم يتحدث كثير من عقلاء الغرب وعلمائهم عن ذهولهم من شمولية الشريعة الإسلامية وعمومية الأحكام الإسلامية، وينادي بعضهم بتطبيق بعض الأنظمة الإسلامية كالنظام الاقتصادي الإسلامي، ويرون أنه المخرج الوحيد للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرون بها.

يقول (بوفيس فينست) رئيس تحرير أكبر الصحف الاقتصادية في أوروبا في مقال له بعنوان: (البابا أو القرآن) يقول بالنص: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من أحكام وتعاليم وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري لأن النقود لا تلد نقوداً".

ويقول (رولاند لاكسين) رئيس تحرير صحيفة اقتصادية فرنسية في مقال بعنوان (هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت؟) يقول: "إذا كان قادتنا حقاً يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت في الأزمة فلا شيء أكثر ببساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية". وصدق الله -تبارك وتعالى- إذ يقول: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل:89]، ويقول - سبحانه وتعالى -: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام:38].

من هنا نعلم -يا عباد الله- أن هؤلاء العلمانيين ومن يقول بقولهم ممن ينادون بالدعوة إلى فصل الدين عن نواحي الحياة ومجالاتها إنما هم جاهليون، يدعون إلى دعوة جاهلية خرقاء مخالفة للقرآن ولدعوة الدين الإسلامي الصحيح.

إننا نسمعهم يقولون: "دع ما لله لله، وما لقيصر لقيصر!!" ونقول لهم: "كذبتم، بل لله ما في السماوات وما في الأرض، ومنهجه منهج حياة شامل كامل، نعمت به البشرية عبر القرون الماضية كلها تحت ظلال الدولة الإسلامية".

إن الإسلام منهج حياة متكامل لا يفرق بين العبادة والمعاملة والسلوك والأخلاق، لا كما يقول هؤلاء الأدعياء أنه منهج عبادة فقط ولا يتدخل في شؤون الحياة الأخرى، لا يتدخل في نظام الحكم، ولا الأنظمة الاقتصادية، ولا السلوك والأخلاق، ولا غير ذلك، فإذا أردت الدين عندهم فعليك أن تبحث عنه في المسجد فقط، وليس لك أن تبحث عنه في مجلس الشورى -كما يقولون- أو في البرلمان، أو في مجلس الأمة!!.

ويا ليتهم تركوا الدين في المسجد حراً طليقاً! ولكنهم يطاردونه ويتابعونه في المسجد، ويؤذون أولياء الله وأهله في المساجد، ويحاربونهم ويسخرون منهم، مما يدل على أنهم لا يريدون الدين أصلاً لا في المسجد ولا في خارجه.

ونحن نقول لهم: "إن دين الإسلام وشريعته شاملة كاملة تتدخل في شؤون الحياة كلها، ولن تعلموا حقيقتها ولن تذوقوا طعمها إلا إذا حكمتم بها في شتى نواحي حياتكم كلها, وحينها سيستقر أمن العالم وتعتدل سياسته، ويومها سيقوم اقتصاده وينعم أهل الأرض جميعاً بخيراتها وثرواتها، وتنتهي كل المشاكل الاجتماعية والمشكلات الأخلاقية والسلوكية إذا حكم العالم بأحكام الشريعة الإسلامية المتكاملة، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف : 21]".

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على هذا النبي العظيم الذي أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بالإسلام كله، القائمين بحدوده وفروضه، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، واخذل الكفرة والمشركين والملحدين والعلمانيين، يا قوي يا متين.

اللهم نسألك من الخير كله، عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله ما علمنا منه وما لم نعلم.