القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
العربية
المؤلف | خالد بن عبد العزيز الباتلي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن الله -جل وعلا- فضل أهل القرآن الذين يتلونه ويتدبرونه، ويعملون به، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في صحيح البخاري من حديث عثمان -رضي الله عنه-: "خيركم مَن تعلم القرآن وعلمه"؛ فخيرُ هذه الأمة مَن قرأ القرآن، وعمل بالقرآن، وتدبر القرآن، وسعى في تعليم الناس القرآن...
الخطبة الأولى:
عباد الله: إننا في زمن يموج بكثرة المناهج والأطروحاتِ والأنظمة والمعتقدات، وصار كل حزب بما لديهم فرحون، وفي هذه المعمعةِ يجب أن تنتبه لنفسك -أيها المسلم-، وتشد قلبَك على عقيدة راسخة: أن تعلم علم اليقين أن حكمَ الله هو أحسنُ الأحكام وأكملُها، ولا حاكمَ إلا الله، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف:40]، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50]، (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)[التين:8].
يجب أن تربى النفوسُ على التسليم لحكم الله الشرعي؛ (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[النساء:65]، ولا تثبت قدم الإسلام إلا على قنطرة التسليم والاستسلام.
وهذا التسليم بحكم الله يشمل قبول أحكامه في العقائد والأحكام والأخلاق وغيرها.
ومن هذه القضايا التي نعرضُ لها اليوم تبيانا لحكم الله فيها، لمِا رأينا من تزعزع وتضعضع، وانحراف وتشويه: قضيةُ المرأة! نعم المرأة ذلك المخلوقُ المكرَّم الذي خلق من الرجل نفسِه، وجعلها الله سكنا للرجل وزوجا له؛ يأنسُ بها ويأوي إليها، وتوثقت بينهما جسور المحبة والرحمة والمودة والتجانس في أوثق مظهر من مظاهر القرب والصلة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ -هي آدم عليه السلام- وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا -حواء- وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)[النساء:1].
ومن حكمة الله وحسن صنعه: أن جعل في كل من الجنسين ميلا إلى الآخر؛ ليتم التزاوج والسكن، ولما كانت رغبة الرجل أقوى، وكانت المرأةُ أضعفَ في جسمها وقوتها وقلبها جاء حكمُ اللهِ الحكمِ الحكيم بصيانة المرأة والمحافظة عليها من كل خطر يعرضُ شرفَها وعفتها للخطر، ووضع لذلك أسوارا تحميها وتقف سدا منيعا في وجه كل لاعب وعابث.
فدعونا نتعرف على هذه الأحكام التي أعزت المرأة، وجاءت حماية لها:
أولا: الحجاب، ومعناه: هو سترُ المرأةِ بدنَها وزينتَها عن الرجال الأجانب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب:59]، وقال في أمهات المؤمنين: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب:53]. الحجاب شريعة وعبادة.
في الحجاب: حفظ الأعراض، وطهارة القلوب، وإحياء العفة والحياء والغَيرة ومكارم الأخلاق، وقطعُ الأطماع ومداخلِ الشيطان، وحفظُ المجتمع من الانحراف في مهاوي الرذيلة.
فإلى كل مسلمة: الحجاب الحجاب فهو درعك وجمالك وقربة إلى ربك.
من هدى الدينِ اغترافي | نبعنا أختاه صافي |
دربنا درب العفافِ | فاسلكيه لا تخافي |
ديننا دين الفضيلة | ليس يرضى بالرذيلة |
يا ابنة الدين الجليلة | أنت للعليا سليلة |
باحتجابي باحتشامي | أفرض الآن احترامي |
سوف أمضي للأمامِ | لا أبالي بالملامِ |
ثانيا: تحريم الخلوة بالرجل؛ فالخلوة بريد الشر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان"(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
والواقع خيرُ شاهد، ففي كل مجتمع يُتسامح فيه بالخلوة؛ تكثر ظواهر التحرش والاعتداء على اختلاف درجاتها.
ثالثا: تحريم سفر المرأة بغير محرم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم منها"(رواه مسلم).
بل حتى في فريضة الحج -الذي هو أحد أركان الإسلام- يسقط الوجوب، بل لا يجوز للمرأة الحجُّ إلا بمحرم لها يرافقها، ولما قال -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه يوما: "لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم" قام رجل فقال: يا رسول الله؛ إني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، وخرجت امرأتي حاجَّة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "اذهب فحج مع امرأتك"(رواه البخاري ومسلم)، وهذا أبلغ دليل على شدة عناية الإسلام بالمرأة وسلامتها من كل خطر.
رابعا: المنع من الاختلاط؛ لأن الاختلاط بوابةُ الشر والفساد، وانظر إلى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"(رواه مسلم). كيف حرص الشرع على ابتعاد الرجال عن النساء حتى في بيوت الله حال الصلاة؟!
وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم، قال: نَرى -والله أعلم- أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال (رواه البخاري).
خامسا: القرار في البيت. رغَّب الإسلام المرأةَ في لزوم بيتها، وعدمِ الخروج إلا لحاجة؛ فقال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب:33].
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ لِحَاجَتِكُنَّ"(رواه البخاري ومسلم)
وهذا القرار فيه استقرار وراحة للمرأة، وسلامة وصيانة لها، وتفرغ لرعاية أولادها وتدبير أمر المنزل، وحفظ لوقتها ودينها من الفتن والملهيات.
قيل لسودة -رضي الله عنها-: لمَ لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت: قد حججت واعتمرت ، وأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجتْ من باب حجرتها حتى أُخرجت جنازتها -رضوان الله عليها-.
وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما تقربت امرأة إلى الله بأعظمَ من قعودها في بيتها"؛ فليت نساءنا يعين هذا التوجيهَ القرآنيَ ويمتثلنه، في زمن كثر خروجُ النساء فيه بحاجة وبلا حاجة.
سادسا: المنع من الخضوع بالقول. وهذا سياج جاءت به الشريعة يمنع كل مدخل يتسلل منه الشيطان للإيقاع بالمرأة.
قال تعالى لأمهات المؤمنين وزوجات النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[الأحزاب:32].
والخضوع هو الكلام بصوت لين رقيق، وهذا يستميل قلب الرجل، وكما قيل:
يا قوم أُذْني لبعض الحيِّ عاشقةٌ | والأذنُ تعشقُ قبل العينِ أحيانا |
وروعي هذا حتى في العبادات؛ فلا تتولى الأذان، ولا تجهر بالتلبية في الحج والعمرة، وعند تنبيه الإمام في الصلاة؛ فإنها تصفق ولا تسبح؛ فعلى المرأة أن تعود نفسها عدمَ الحديث مع الأجنبي، وإن احتاجت لذلك فيكون باحتشام وفي حدود الحاجة.
بارك الله ..
الخطبة الثانية:
سابعا: المنع من الطيب عند الأجنبي. وهذا توجيه نبوي، وسياج شرعي للحفاظ على المرأة؛ وذلك لأن الطيب جاذب للرجل؛ يشد انتباهه، ويثير الكوامن في نفسه، ويحرك ما كان ساكنا، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية"(رواه أبو داود).
ثامنا: المنع من كل ما يلفت إليها؛ فكل قول أو فعل، تصريحا أو تلميحا، فيه لفت الأنظار وشد الانتباه إليها؛ فهي ممنوعة منه. قال تعالى: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النور:31].
فهذا نهي للنساء أن يضربن بأرجلهن عند سيرهن ليُسمعن صوتَ ما خفي من زينتهن كالخلخال ونحوه؛ فيلحق بذلك لفتُ الانتباه بالعباءة المزخرفة، والتمايل في المشية، والضحك ورفع الصوت، ونحو ذلك.
أيها الإخوة: هذه ثمانية أسوار متينة، وحصون منيعة؛ تحمي عرض المرأة، وتصون عفافها، وهي -والله- من محاسن هذا الدين؛ فهل تجدون مثل هذا في ملة أو نحلة أو نظام غير الإسلام؟.
إن المرأة في كثير من بلاد المسلمين انحرفت عن جادة الطريق بفعل قوة الاستعمار، وشياطين الإنس والجن، واليوم يراد بالمرأة هنا أن تحذو حذو من انحرفت؛ فالله الله أن يمال بالمرأة عن حكم ربها، واللهَ اللهَ أيتُها المرأةُ أن يؤتى الإسلامُ من قبلك.
يجب أن تشاع هذه المعاني والأحكام الربانية بين النساء في المدارس والجامعات والملتقيات ووسائل التواصل والنشر وبكل وسيلة، فهذا حكم الله (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة:50].
اللهم ..