البحث

عبارات مقترحة:

المحيط

كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

المتكبر

كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...

القيل والقال فكك أسرنا

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. أضرار (القيل والقال) وفِتَنُ الأُسَرِ بسببها .
  2. انتشارها بسبب غفلتنا واتباعنا الهوى .
  3. من هدي السلف في محاربتها .
  4. سبل معالجتها .

اقتباس

أغلب ُالأُسَرِ اليَوْمَ تَعِيشُ في فِتَنٍ أَوْدَتْ بِهَا إلى حَيَاةِ شَقَاءٍ وَضَنْكٍ وَخِلَافٍ وَتَنَازُعٍ وَطَلَاقَاتِ، جُلُّ هَذِهِ الفِتَنِ بِسَبَبِ القِيلِ وَالقَالِ، مَعَ عَدَمِ مُرَاقَبَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فَيَا عِبَادَ اللهِ، نَحْنُ اليَوْمَ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ لِمُرَاقَبَةِ اللهِ -تعالى- في أَقْوَالِنَا وَأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا، وَفِي جَمِيعِ حَرَكَاتِنَا وَسَكَنَاتِنَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحْصِيٌّ عَلَيْنَا، (أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المجادلة:6]. وَسَيُعْرَضُ عَلَيْنَا يَوْمَ القِيَامَةِ: (فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرَاً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدَاً) [الكهف:49].

وَالغَرِيبُ فِينَا أَنَّا نَعْلَمُ الحَلَالَ وَالحَرَامَ، وَنَعْلَمُ بِأَنَّ الغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ وَالسُّخْرِيَةَ وَالاسْتِهْزَاءَ حَرَامٌ وَكَبِيرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ؛ وَلَكِنَّ اتِّبَاعَ الهَوَى أَضَلَّ الكَثِيرَ عَنْ عِلْمٍ لَا عَنْ جَهْلٍ، أَلَمْ يَقُلْ مَوْلَانَا -عَزَّ وَجَلَّ-: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ) [الجاثية:23]؟ ضَلَالٌ عَلَى عِلْمٍ بِسَبَبِ اتِّبَاعِ الهَوَى، وَلِذَلِكَ حَذَّرَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مِنَ اتِّبَاعِ الهَوَى، فَقَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ" رواه ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالبَغَوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.

السَّعِيدُ مِنَ العِبَادِ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ كِتَابَ اللهِ -تعالى- الذي أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ، السَّعِيدُ مِنَ العِبَادِ مَنْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ كِتَابَ اللهِ -تعالى- الذي مَنِ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَا، وَمَنِ ابْتَغَى الهُدَى في غَيْرِهِ ضَلَّ وَغَوَى.

يَا عِبَادَ اللهِ: أغلب ُالأُسَرِ اليَوْمَ تَعِيشُ في فِتَنٍ أَوْدَتْ بِهَا إلى حَيَاةِ شَقَاءٍ وَضَنْكٍ وَخِلَافٍ وَتَنَازُعٍ وَطَلَاقَاتِ، جُلُّ هَذِهِ الفِتَنِ بِسَبَبِ القِيلِ وَالقَالِ، مَعَ عَدَمِ مُرَاقَبَةِ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-.

القِيلُ وَالقَالُ سَبَبٌ لِكُلِّ بَلَاءٍ وَلِكُلِّ فِتْنَةٍ، حَدِيثُ الرَّجُلِ مَعَ زَوْجَتِهِ قِيلَ وَقَالَ، وَحَدِيثُ المَرْأَةِ مَعَ زَوْجِهَا قِيلَ وَقَالَ، الكُلُّ يَتَحَدَّثُ بِأُمُورٍ لَمْ تَرَهَا عَيْنُهُ، وَلَمْ تَسْمَعْهَا أُذُنُهُ، وَيَشْهَدُ بِمَا لَا يَعْلَمُ، مَعَ أَنَّ الأَصْلَ قَوْلُهُ -تعالى-: (وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا) [يوسف:81].

يَا عِبَادَ اللهِ: دَقِّقُوا في بُيُوتِكُمْ عِنْدَ وُجُودِ الخِلَافِ وَالشِّقَاقِ وَالنِّزَاعِ، مَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ مَنْ دَقَّقَ وَكَانَ مُنْصِفَاً، وَجَدَ جُلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ القِيلِ وَالقَالِ، الذي حَذَّرَنَا مِنْهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، كَمَا جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثَاً، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثَاً، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئَاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ المَالِ".

وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "كَفَى بِالمَرْءِ كَذِبَاً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ".

وروى أبو داود عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا!".

يَا عِبَادَ اللهِ: لَقَدْ تَرَكْنَا مَا يُحِبُّهُ اللهُ -تعالى- لَنَا وَيَرْضَاهُ، وَارْتَكَبْنَا مَا يَكْرَهُهُ اللهُ -تعالى- وَلَا يَرْضَاهُ، تَرَكْنَا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]. وَارْتَكَبْنَا مَا كَرِهَهُ اللهُ -تعالى- لَنَا "قِيلَ وَقَالَ".

القِيلُ وَالقَالُ دَمَّرَ بُيُوتَنَا، وَفَرَّقَ بَيْنَ الأَزْوَاجِ وَالأَوْلَادِ، وَحَلَّتْ بِسَبَبِهِ الخُصُومَاتُ وَالمُشَاجَرَاتُ، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ، وَتَمَزَّقَ كَيَانُ الأُسْرَةِ وَالعَائِلَةِ.

يَا عِبَادَ اللهِ: بِغَفْلَتِنَا عَنِ الآخِرَةِ، وَبِنِسْيَانِنَا قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]. وَقَوْلَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئَاً؛ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ" رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-؛ وَقَعْنَا في القِيلِ وَالقَالِ.

وَاللهِ مَا قَسَتِ القُلُوبُ، وَمَا نُزِعَتْ مِنْهَا الرَّحْمَةُ، وَمَا ابْتَعَدَتْ عَنِ اللهِ -تعالى-، إِلَّا بِسَبَبِ القِيلِ وَالقَالِ. غِيبَةٌ، وَنَمِيمَةٌ، وَسُخْرِيَةٌ، وَكُلُّهَا كَبَائِرُ مُهْلِكَةٌ تَجُرُّ الشَّقَاءَ وَالتَّعَاسَةَ لِبُيُوتِنَا.

يَا عِبَادَ اللهِ: كَانَ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَشْتَرِطُ عَلَى جُلَسَائِهِ شُرُوطَاً -وَقَطْعَاً أَهْلُهُ مِنْ جُلَسَائِهِ-:

أولاً: لَا تَتَكَلَّمُوا في الدُّنْيَا.

ثانياً: لَا تَغْتَابُوا أحَدَاً في مَجْلِسِي.

ثالثاً: لَا تَمْزَحُوا في مَجْلِسِي أَبَدَاً.

يَا عِبَادَ اللهِ: القِيلُ وَالقَالُ مُنْذِرُ خَطَرٍ، وَعُنْوَانُ شَقَاءٍ في الآخِرَةِ إِذَا لَمْ نَتُبْ إلى اللهِ -تعالى-.

يَا مَنِ انْشَغَلَ بِالقِيلِ وَالقَالِ، اسْمَعْ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ عِنْدَمَا جَاءَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَسْأَلَةٌ شَغَلَتْنِي بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ: اتْرُكْنِي لَا تَشْغَلْنِي، فَإِنَّ عِنْدِي مِنَ المَسَائِلِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ.

قَالَ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا الذي شَغَلَكَ؟ قَالَ إِبْرَاهِيمُ: ثَلَاثُ مَسَائِلَ شَغَلَتْنِي:

الأُولَى، اللهُ يَقُولُ: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران:106]. فَأَنَا لَا أَدْرِي إِلَى أَيِّ الفَرِيقَيْنِ أَكُونُ: مِمَّنْ تَبْيَضُّ وُجُوهُهُمْ أَو مِمَّنْ تسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ؟ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ -تعالى-: (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود:105]. وَأَنَا لَا أَدْرِي مِنَ الأَشْقِيَاءِ أَكُونُ أَمْ مِنَ السُّعَدَاءِ؟. الثَّالِثَةُ: اللهُ يَقُولُ: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7].

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنُرَاقِبِ اللهَ -تعالى- في أَقْوَالِنَا، وَأَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَفِي جَمِيعِ حَرَكَاتِنَا وَسَكَنَاتِنَا، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنْشُورَاً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَاً) [الإسراء:13-14].

اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا. آمين.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.