البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

القادر

كلمة (القادر) في اللغة اسم فاعل من القدرة، أو من التقدير، واسم...

في فضل صلاة التطوع

العربية

المؤلف صالح بن فوزان الفوزان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصلاة
عناصر الخطبة
  1. فضل المحافظة على النوافل .
  2. أنواع سنن الصلوات وحكم كل نوع .
  3. المحافظة على السنن الرواتب .
  4. فضائل قيام الليل .
  5. صلاة الوتر وبعض أحكامها .
  6. مشروعية صلاة الضحى وفضلها .
  7. نوافل الصلاة المتعلقة بالأسباب .
  8. الأوقات المنهي عن صلاة التطوع فيها والصلوات المستثناة من ذلك .

اقتباس

التقرُّبُ إلى الله بالنوافل، سببٌ لنيلِ محبة الله للعبد، كما أنَّ التقرب إلى الله بالنوافلِ يَجْبُرُ به ما يحصُلُ في الفرائض مِنْ نقصٍ يوم القيامة. والسننُ نوعان: نوعٌ مستقلٌّ بنفسِه، كنوافلِ الصلاة، ونوافل الصيام، والصدقة، والحج، وغيرها. ونوعٌ تابعٌ للفرائض غير مستقل بنفسه، فهذا...

الخطبة الأولى:

الحمد لله ربِّ العالمين، أمَرَ عباده بالتزَوُّدِ للدار الآخرة بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل، ونَهَاهم عن الغفلةِ والإِعراض والانشغال بالدنيا عن الدين.

وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، السعيدُ مَنْ أطاعه واتّقاه، والشقيُّ من خالَفَ أمرَهُ وعصاه، وأشهَدُ أَنَّ محمداً عبده ورسوله، نبيٌّ غَفَرَ الله له ما تقدَّمَ من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك كان يقومُ من الليل حتى تفطَّرَت قدماه، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين اتَّبعوه واقتدَوْا به في فعل الطاعات، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وحافظوا على أداء فرائض الله، فإنها أحبُّ الطاعات إلى الله، ثم تزوَّدُوا مع الفرائضِ من النوافل والتطوعات، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) [البقرة:158].

ومعنى: (تَطَوَّعَ خَيْراً) فَعَلَ غير المفترض عليه، من صلاةٍ وصدقة وصومٍ وحَجٍّ، وغير ذلك من أنواع التطوُّعات.

فالتطوعُ هنا: الإِتيانُ بالطاعةِ غير الواجبة.

وقال تعالى: (فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) معناه: أنه سبحانه يشكُرُ لعبادِه فعلَ الطاعة، فيثيبَهُم على القليل بالكثير، ويعلَمُ أعمالهم صغيرها وكبيرها، ومقدارَ ما يستحقونه من الجزاء عليها، فلا يظلِمُ مثقالَ ذرَّةٍ، وإن تَكُ حسنةٌ يضاعِفْها ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً.

وفي الحديث القدسي يقولُ الله -تبارك وتعالى-: "وما تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ من أداءِ ما افترضتُه عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافلِ حتى أُحبَّه".

فالتقرُّبُ إلى الله بالنوافل، سببٌ لنيلِ محبة الله للعبد، كما أنَّ التقرب إلى الله بالنوافلِ يَجْبُرُ به ما يحصُلُ في الفرائض مِنْ نقصٍ يوم القيامة، فقد جاء في الحديث: "أول ما يحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامة الصلاة المكتوبة، فإنْ أتَمَّهَا، وإلا قال الله -تعالى-: انظُروا هل لعبدي من تَطَوُّعٍ، فإن كانَ له تطوُّعٌ أكملتُ منه الفريضةَ، ثم يفعَلُ بسائرِ الأعمال المفروضةِ مثلَ ذلك".

فالفرائضُ أكملُ من النوافل في ذاتها وفضلها وكثرةِ ثوابها.

والسننُ نوعان: نوعٌ مستقلٌّ بنفسِه، كنوافلِ الصلاة، ونوافل الصيام، والصدقة، والحج، وغيرها.

ونوعٌ تابعٌ للفرائض غير مستقل بنفسه، فهذا النوعُ الأخير ينبغي للعبدِ أن يعتنيَ به اعتناءً عظيماً بعد اعتنائه بأصلِ الواجبات؛ لأنَّه مكملٌ لها، ويثابُ عليه معها.

وإذا كانت الصلواتُ الخمس أولَ ما يحاسَبُ عنه العبدُ يومَ القيامة من عمله، فإنَّه يجبُ على المسلم أن يحافِظُ على هذهِ الصلوات الخمس.

ويتأكَّد عليه كذلك: أن يُحافِظَ على نوافلِ الصلوات، ولا سيَّما الرواتبُ التي مع الفرائض: وهيَ عشرُ الركعاتِ التي قالَ فيها ابنُ عمر -رضي الله عنهما-: "حفظتُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرَ ركعات، ركعتين قبلَ الظُّهر، وركعتين بعدَها. وركعتينِ بعدَ المغرب، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتينِ قبلَ صلاة الفجر".

وكانت محافظتُهُ صلى الله عليه وسلم على سنةِ الفجر أشدَّ من جميعِ النوافل، فلم يَدَعْها، وهي والوترُ لا حضراً ولا سفراً.

أما غيرُ سنةِ الفجر من الرواتب، فلم يكُن صلى الله عليه وسلم يفعَلُها مع الفرائضِ في السفر.

عبادَ الله: ومن الصلواتِ النوافل: صلاةُ الليل، وهي سنةٌ مؤكدة، قال تعالى في مدح قَوَّامِ الليل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة:16].

أي إنهم يتركون النومَ على الفُرُشِ اللينة واللُّحُفِ الدفيئة في الشتاء ويقومون لصلاةِ التهجُّدِ: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) فيها خوفاً من عقابه وطمعاً في ثوابه..

ثم ذكر سبحانه جزاءَهم، فقال: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17].

فإنَّ الجزاءَ من جنس العمل.

فهم لمَّا أخفَوْا قيامَهُم بالليلِ أخفَى الله جزاءهم، فأعطاهُم مالا عينٌ رأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قلبِ بشر، كما جاء ذلك في الحديثِ الصحيح.

وقد أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ صلاةَ الرجل في جوفِ الليل تُطفئُ الخطيئة كما يطفئُ الماءُ النار، وتلا هذه الآية: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة:16]. حتى بلغ: (يَعْمَلُونَ).

قال الحافظُ ابنُ رجب -رحمه الله-: فيشمَلُ ذلك مَنْ تَرَكَ النومَ بالليل لذكر الله ودعائه، فيدخل فيه: "مَنْ صَلَّى بين العشائين".

ومن انتظرَ صلاةَ العشاء، فلم يَنمْ حتى يصلِّيَها، لا سيَّما مع حاجته إلى النوم ومجاهدته نفسه على تركه لأداءِ الفريضة، وقد قالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لِمَن انتظرَ صلاةَ العشاء: "إنَّكم لن تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتُم الصلاة".

ويدخُلُ فيه: "مَنْ نامَ ثم قام من نومِهِ بالليل للتهجُّدِ" وهو أفضلُ أنواعِ التطوع بالصلاةِ مُطلقاً، وربَّما دَخَلَ فيه مَنْ تَرَكَ النومَ عند طلوعِ الفجر، وقامَ إلى أداءِ صلاة الصُّبح، لا سيَّما مع غلبةِ النوم عليه.

عبادَ الله: إن قيام الليل سببٌ لدخولِ الجنة بسلام، كما في حديث عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- قال: أولَ ما قَدِمَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة انجفلَ الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما تأمَّلْتُ وجهَه واستبنتُه عرفتُ أنَّ وجهَه ليس بوجهِ كَذَّابٍ... قالَ: فكان أولَ ما سمعتُ من كلامه أَنْ قال: "أيُّها الناس، أفشوا السلامَ، وأطعموا الطعامَ، وصِلُوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ، تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ" (رواه الترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح).

وقيامُ الليل سببٌ للانطلاقِ مِنْ أَسْرِ الشيطان، وطيب النفس، واستقبال صلاة الفجر بنشاطٍ، وسبب انشراح الصدرِ في النهار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يعقِدُ الشيطانُ على قافيةِ رأس أحدِكم إذا هو نامَ ثلاثَ عُقَدٍ، يضربُ على كل عُقدةٍ: عليكَ ليلٌ طويل فارقُد، فإن استيقظَ وذَكَرَ الله -تعالى- انحلَّت عُقدةٍ، فإن توضَّأَ انحلَّت عقدةٌ، فإن صَلَّى انحلَّت عقدُه كلُّها، فأصبحَ نشيطاً طيبَ النفسِ، وإلا أصبحَ خبيثَ النفس كسلانَ" (رواه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم).

ولقيام الليل فوائدُ كثيرة وعظيمة، فاجعلُوا لكم حظّاً منه ولو كانَ قليلاً، ولا تَحْرِموا أنفسَكم من ثوابِه، واجعَلُوا آخرَ صلاتِكم في الليلِ وتراً، فإن الوترَ سنةٌ مؤكّدةٌ، ولم يكن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يتركُه حضراً ولا سفراً، حتى قالَ بعضُ أهل العلم بوجوبه، وتظاهَرَتِ الأحاديثُ في فضلِه، والحثِّ عليه، وقال الإِمامُ أحمد: "مَنْ تَرَكَ الوتر" يعني داوم على تركه "فهو رجلُ سُوءٍ، لا ينبغي أن تُقْبَلَ شهادته".

فحافِظُوا -رحمكم الله- على أداءِ الوترِ، واجعلوه آخرَ صلاتِكم من الليل كما أمرَ بذلك النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في قولهِ: "اجعلوا آخرَ صلاتِكم بالليل وِتْراً".

ومَنْ كان لا يثقُ من قيامه في آخرِ الليل، فليُوتِرْ قبلَ أن ينامَ، لِما رَوَى الإِمامُ مسلم عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيُّكم خافَ أَنْ لا يقومَ من آخرِ الليل، فليوتِرْ ثم ليَرْقُدْ، ومَنْ وَثِقَ بقيامِ من آخرِ الليل، فليوتِرْ من آخرِ الليل محضورةٌ، وذلك أفضلُ".

وإذا أوترَ الإِنسانُ من أول الليل، ثم تَيَسَّرَ له القيامُ في آخرِ الليل، فإنه يُصَلِّي ما تيسَّرَ له ولا يعيدُ الوترَ.

ويكفيه الوترُ الذي فعلَه في أول الليل، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "لا وتران في ليلة".

وأقلُّ الوترِ ركعةٌ واحدة، وأكثرُه إحدى عشرة ركعةً، يُسَلِّمُ من كل ركعتين، ثم يوترُ منها بواحدةٍ؛ لقول عائشة -رضي الله عنها-: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي بالليل إحدى عشرة ركعة يوترُ منها بواحدة. (رواه مسلم).

وفي الصحيحين: "صلاةُ الليلِ مثنى مثنى، فإذا خَشِيتَ الصبحَ فأوتِرْ بواحدةٍ".

وأدنى الكمالِ في عدد ركعاتِ الوتر ثلاثٌ، يصلي ركعتين منها، ويُسلِّمُ، ثم يصلِّي الثالثة ويقنُتُ فيها بعدَ الركوع فيدعو بالدعاءِ الوارد، وإذا أوترَ بثلاثٍ، فإنه يستحَبُّ له أن يقرأَ في الركعة الأولى بعدَ الفاتحة بسورة: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، وفي الركعةِ الثانية بعد الفاتحةِ بسورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الركعةِ الثالثة بعدَ الفاتحة بسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)؛ لأنه صَلَّى الله عليه وسلم كانَ يقرأُ بهذه السور في وتره (رواه أبو داود وغيره).

عبادَ الله: ويُستحَبُّ التطوعُ بالصلاة في النهار فيما عدا الأوقاتَ المنهي عن الصلاة فيها، ومن ذلك: صلاةُ الضحى.

ووقتُها: مِنَ ارتفاعِ الشمس إلى قُربِ زوال الشمس من وقت الظهيرة.

وأقلُّها: ركعتان.

وأكثرُها: ثمانِ ركعات، يُسَلِّمُ من كل ركعتين.

والدليلُ على مشروعيةِ صلاة الضحى وفضلِها؛ حديثُ أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بثلاثٍ: صيامِ ثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، وركعتي الضُّحى، وأن أُوترَ قبلَ أن أنامَ" (رواه أحمدُ ومسلم).

فيستحَبُّ فعلُها، والمداومة عليها، خصوصاً لِمَنْ لم يَقُمْ من الليلِ.

أيها المسلمون: وهناك نوافلُ لها أسبابٌ تُفْعَلُ إذا وُجدت هذه الأسبابُ، مثل تحية المسجد لِمَنْ دَخَلَهُ، وأراد الجلوسَ فيه، وسنة الوضوء، وصلاة الكسوف، وركعتي الطواف، فهذه النوافلُ تُفْعَلُ عند وجودِ أسبابها، وهذه هي النوافلُ الليلية والنهارية، وهي زيادة في عملِ المسلم، وإتاحة للفُرصة أمامه، ليتزوَّدَ لآخرتِه، وليتَّصِلَ بربه، ويرفعَ إليه شكواه وحوائجه ويتقرب إليه، وصلاةُ الليل أفضلُ من صلاةِ النهار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصلاةِ بعدَ المكتوبة صلاةُ الليل" (رواه مسلم).

فالتطوُّعُ المطلق أفضلُه صلاة الليل؛ لأنَّ الليلَ تنقطعُ فيه الشواغلُ، ويتفرغ فيه القلب لذكرِ الله، وتدبُّرِ القرآن؛ ولأنَّ آخرَ الليلِ وقتُ النزول الإِلهي إلى سماء الدنيا، ووقتُ إجابةِ الدعاء، فاجعَلُوا لكم نصيباً من قيام الليل، ولا تكونوا من الغافلين.

فإنَّ كثيراً من الناس اليوم يسهَرُونَ الليل إمَّا على اللهوِ واللعبِ والمعاصي؛ يسهَرُونَ على لَعِبَ الوَرقِ أو على استماعِ الأغاني، والمزاميرِ وأنواعِ الملاهي، أو على مشاهدةِ الأفلامِ الخليعة المدمِّرة للأخلاق، أو مشاهدةِ المسلسلاتِ التي تحمِلُ أفكاراً مسمومةً، أو على مزاح، وقيلَ وقالَ، وضَحِكٍ وغفلةٍ، وربَّما ينامُونَ عن صلاة الفجر ويخرجونها عن وقتها، أو يتأخَّرون عن صلاة الجماعة في المسجد، فتكونُ المصيبةُ بذلك أعظَمَ؛ لأنهم سَهِرُوا على فعلِ محرَّمٍ، وناموا عن أداءِ واجبٍ.

وهكذا المعاصي يَجُرُّ بعضُها إلى بعض، فاتقوا الله -عباد الله- واحفَظُوا أوقاتَكم فيما يفيدُكم في دينكم ودنياكم، ولا تضيِّعُوها فتخسروها وتندموا على فواتِها حينَ لا ينفَعُ الندمُ.

أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات:15-19].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضلِهِ وإحسانه لا نُحصي ثناءً عليه، وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له ولا ملجأَ منه إلا إليه، وأشهَدُ أَنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.

أما بعدُ:

أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واشكروه على ما يَسَّرَ لكم من فعلِ الخيرات.

واعلَمُوا -يا عباد الله- أنَّ هناك أوقاتاً يُنْهَى عن صلاةِ التطوُّعِ فيها، وهي خمسة أوقات، بيَّنَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-:

الأول: مِنْ طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، فإذا طَلَعَ الفجرُ الثاني امتنعَ فعلُ صلاة النافلة ما عد سنةَ الفجر، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "إذا طَلَعَ الفجرُ فلا صلاةَ إلا ركعتي الفجر" (رواه أحمد وأبو داود وغيرهما).

الثاني: من طلوعِ الشمس حتى ترتفعَ قدرَ رُمْحٍ.

الثالث: عند قيام الشمس حتى تزولَ، لِقولِ عقبة بن عامر: "ثلاثُ ساعات نهانا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلِّيَ فيهن، وأن نقُبرَ فيهن موتانا: حين تطلُعُ الشمسُ بازغةً حتى ترتفعَ، وحينَ يقومُ قائمُ الظهيرة حتى تزولَ، وحينَ تتضيفُ الشمسُ للغروب حتى تغرُبَ" (رواه مسلم).

الرابع: مِنْ صلاةِ العصر إلى قُربِ غروب الشمس.

الخامس: حينَ تشرَعُ في الغُروبِ حتى تغرُبَ، لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "لا صلاةَ بعدَ الفجرِ حتى تطلُعَ الشمسُ، ولا صلاةَ بعد العصر حتى تَغيبَ الشمسُ" (متفق عليه).

وهناك صلواتٌ يجوزُ فعلُها في أوقات النهي:

فيجوزُ قضاءُ الفرائض الفائتة في هذه الأوقات، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نامَ عن صلاةٍ أو نَسِيَهَا فليُصَلِّها إذا ذَكَرها" (متفق عليه).

ويجوزُ فيها فعلُ ركعتي الطواف، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "لا تمنَعُوا أحداً طافَ بهذا البيتِ وصلَّى آيةَ ساعة من ليل أو نهار" (رواه الترمذي وصحَّحه).

وتجوزُ الصلاةُ على الجنازة بعد الفجر وبعد العصرِ؛ لأنَّ في تأخيرِ الجنازة ضَرَراً عليها، ويجوزُ فيها فعلُ سنة الفجر بعدها إذا لم يتمكَّنْ من أدائِها قبلَها، فتنبَّهُوا لذلك -رحمكُمُ الله-، وتقيَّدُوا به.

واعلموا أنَّ خيرَ الحديثِ كتابُ الله

إلخ