الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | عبد الكريم بن صنيتان العمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
لا ينبغي للداعي أن يخصّ بالدعوة عِليةَ القومِ وأثرياءهم ووجهاءهم، ويؤكد على الأغنياء والأعيان ويهمل الفقراء والمساكين، بل يدعو أهل الصلاح والتقوى وإخوانه المسلمين أيًّا كان مستواهم الاجتماعي وحالهم المادي، قال –صلى الله عليه وسلم-: "شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله".
إقامة الوليمة للزواج وإعداد الطعام ودعوة الأهل والأقارب والأصدقاء سنة مشروعة، فعن أنس –رضي الله عنه- أن النبيّ –صلى الله عليه وسلم- أولم على زينب بشاة، وقال لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة". متفق عليه.
وتستحب الدعوة إلى وليمة العرس، ومن دُعي إليها لزمته الإجابة لقوله –صلى الله عليه وسلم-: "أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها". متفق عليه.
ولا ينبغي للداعي أن يخصّ بالدعوة عِليةَ القومِ وأثرياءهم ووجهاءهم، ويؤكد على الأغنياء والأعيان ويهمل الفقراء والمساكين، بل يدعو أهل الصلاح والتقوى وإخوانه المسلمين أيًّا كان مستواهم الاجتماعي وحالهم المادي، قال –صلى الله عليه وسلم-: "شرّ الطعام طعام الوليمة؛ يُدعَى لها الأغنياء، ويُترك الفقراء، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". متفق عليه. وعن جابر –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا دُعي أحدكم إلى طعامٍ فليجب، فإن شاء طعِم وإن شاء ترك". رواه مسلم.
ومراده -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "شر الطعام طعام الوليمة". أي: طعام الوليمة التي يُدعى إليها الأغنياء ويترك الفقراء، ولم يرد أن كل وليمة طعامها شرّ الطعام، فإنه لو أراد ذلك لما أمر بها، ولا حثّ على الإجابة إليها، ولا فعلها، ولأن الإجابة تجب بالدعوة، فكل من دُعي فقد وجبت عليه الإجابة.
ولنتوقف عدة وقفات، نتعرّض خلالها لبعض المظاهر الاجتماعية الحالية المصاحبة لإقامة حفلات الزواج ووليمته:
الوقفة الأولى: إن وجوب إجابة الدعوة إنما يكون في حالة ما إذا خصَّه بالدعوة بعينه، بأن قال: يا فلان: أنت مدعوّ للحضور، أو أرسل إليه شخصًا أو بطاقة أو هَاتَفَه أو نحوَ ذلك، أما إذا دعاه دعوة عامة، كأن يكون في اجتماع فيه عدد كبير أو في مسجد أو نحو ذلك فقال: أيها الناس: أنتم مدعوّون لحضور الوليمة، ففي مثل هذه الحالة لا تلزم الإجابة، إلا إذا دَعَا كلَّ شخص بعينه.
الوقفة الثانية: إن بعض الأولياء يشترط إقامة حفل الزواج في أغلى الفنادق أو في أفخم قصور الأفراح أو أغلى صالات الاحتفالات أو أجمل القاعات، وهذا من أكبر الأخطاء المصاحبة لإقامة الحفل، فإنّ الغالب هو قصدُ المباهاة والمفاخرة، والتقليد الأعمى للآخرين، وحُب الظهور على حساب الزوج الذي يلجأ في معظم الحالات إلى استدانة الأموال أو الاقتراض من غيره حتى يلبي تلك الرغبة، وفي ذلك إهدار للأموال وتضييع وصرف لها في غير محلها، وقد نَهى النبي –صلى الله عليه وسلم- في أحاديث كثيرة عن إضاعة المال.
الوقفة الثالثة: يعمد بعضُ الأزواج إلى إعداد بطاقات الدعوة وطباعتها بأشكال جذابة وألوان مختلفة وإطار مزخرف، واختيار أغلى البطاقات ثمنًا وأعلاها كلفة، وكتابتها بصيغتين مختلفتين: واحدة للرجال وأخرى للنساء، وهذه مبالغة غير محمودة، وتبذير وتحمل لمبالغ طائلة، والمقصود من إرسال البطاقة إلى المدعوين إنما هو إعلامهم بموعد ومكان إقامة الوليمة، وذلك يحصل بأقل من هذه التكلفة.
الوقفة الرابعة: إعداد وليمة الزواج بأحجامٍ يظهر فيها الإسراف والبذخ والتبذير؛ إذ يعمد القائمون عليها إلى إعداد أنواع الأطعمة وأصناف المأكولات والمشروبات من اللحوم والأرز والفواكه والحلوى والعصائر، ويعدّ ذلك بكميات كبيرة فائضة عن أعداد المدعوين الذين قد يتخلّف الكثير منهم عن الحضور، فتزيد تلك الأطعمة، وتبقى كما هي، لم يؤكل منها إلا الشيء اليسير، ويبقى الكثيرُ منها دون الإفادة منه. وفي ذلك مخالفة شرعية صريحة للنصوص الإلهية والأحاديث النبوية التي حذرت من الإسراف بشتى صوره، ونهت عن التبذير بمختلف أشكاله.
وقد أمر الله تعالى بالتوسط والاعتدال في الأكل والشرب، فقال -جل ذكره-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف: 31]؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أحل الله تعالى في هذه الآية الأكل والشرب ما لم يكن سرفًا أو مخيلة. وقد ورد هذا المعنى عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بقوله: "كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير إسراف ولا مخيلة، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده". رواه أحمد.
وذكر الله تعالى من صفات عباده المتقين: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67]، وقال -جل شأنه-: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 26، 27]، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، كلها تدعو إلى الاعتدال، وترغب في القصد والاقتصاد، وتنهى عن التبذير والإسراف، أوَلَم يكفنا اتباع سيرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- التي كانت مليئة بمجاهدة النفس والأهل والعيش على الكفاف والخشونة والتقشف؟! وحين يدرك المسلم ذلك يقف مشدوهًا لما يراه من الإسراف والتبذير.
وإن الناظر لما عليه الحال في بعض المجتمعات البائسة التي تعيش حالات الجوع والفقر يدرك ما أنعم الله به علينا، فيدفعه ذلك إلى مزيد من الشكر والثناء والإقرار بنعم الله وحفظها وصونها ومراقبة الله تعالى فيها والخوف من أليم عقابه وشديد انتقامه، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
الوقفة الخامسة: يضاف إلى ما تقدم من الإسراف ما يصحب الحفلَ من المخالفات الشرعية والأمور المنكرة كالتصوير والغناء والمبالغة في سائر الأمور، والزوج في النهاية هو الذي يتحمل تلك المبالغ المالية الباهظة المترتبة على تلك الاحتفالات التي أفرزت إنفاقه مبالغ كبيرة، كان الافتخار والمباهاة وحب الشهرة والتقليد الأعمى وطاعة النساء وتنفيذ آرائهن هو الدافع وراء ذلك كله.
فلنتق الله تعالى في أمرنا كله، ولنلتزم جانب الاعتدال والاقتصاد في سائر نفقاتنا، وبالأخص ما يتعلق بنفقة وتكاليف الأفراح، فإن كثيرًا من الشباب عندما يرى أو يسمع بتلك النفقات يقدّم رِجلاً ويؤخّر أخرى، بل ربما يصرف النظر عن الزواج لعدم قدرته على الوفاء بما يتطلبه، فتتعطّل سنة الزواج التي حثّتنا عليها الشريعة الإسلامية، ورغبنا فيها الرسول المصطفى الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
الخطبة الثانية:
لم ترد.