الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب |
لقد جاءت شريعتُنا الغرَّاءُ بالآدابِ والتَّوجيهاتِ والحُدودِ التي تُعظِّمُ الحُرُماتِ, وتَحمي المسلمَ من أن يُمَسَّ بِأَدنى أذىً, ولو كان في مشاعرِهِ وأحاسيسِهِ؛ من جُملةِ هذا: أولاً: إيذاءُ المؤمن من أعظمِ الآثامِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: إنَّ لِلمسلمِ عندَ اللهِ حُرمةً وقَدْراً, واحتراماً وخَطَراً, وهوَ أعظمُ المخلوقاتِ عندَ اللهِ -تعالى- قَدْراً, وقد قال النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم-: "لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ" [رواه الترمذي عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عنهُما-].
وروى البيهقي عن أبي حازم -رَضِيَ اللهُ عنهُ- قال: لما نَظَرَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم- إلى الكعبةِ، قال: "مَرحَبَاً بِكَ من بَيتٍ, ما أَعظَمَكِ وأَعظَمَ حُرمَتَكِ, ولَلمُؤمِنُ أَعظَمُ حُرمةً عندَ اللهِ مِنكِ".
وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَوْمًا إِلَى البَيْتِ, أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ، فَقَالَ: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ, وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللهِ مِنْكِ" [رواه الترمذي].
يا عباد الله: لقد جاءت شريعتُنا الغرَّاءُ بالآدابِ والتَّوجيهاتِ والحُدودِ التي تُعظِّمُ الحُرُماتِ, وتَحمي المسلمَ من أن يُمَسَّ بِأَدنى أذىً, ولو كان في مشاعرِهِ وأحاسيسِهِ؛ من جُملةِ هذا:
أولاً: إيذاءُ المؤمن من أعظمِ الآثامِ، قال اللهُ -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58].
فإيذاءُ المؤمنِ والمؤمنةِ بغيرِ حقٍّ لَمِن أعظمِ الآثامِ والذُّنوبِ, وتزدادُ الجريمةُ إثماً إذا كانت الأذِيَّةُ للصَّالحينَ والأخيارِ من المؤمنينَ, قال تعالى في الحديث القدسي الصحيح : "مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ" [رواه الإمام البخاري].
يا عباد الله: ربُّنا -عزَّ وجلَّ- ما أعلنَ حربَهُ إلا على فِئَتَينِ من الناسِ:
الفِئَةُ الأولى: المُرابونَ، الذينَ قال اللهُ -تعالى- فيهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 278 - 279].
الفِئَةُ الثانيةُ: المُؤذونَ للأولياءِ والصَّالحينَ: فمَن هذا المخذولُ الأحمقُ الذي يُعرِّضُ نفسَهُ لِحَربِ اللهِ -تعالى-، وقد قال اللهُ -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحـج: 38]؟
وعلى قَدْرِ إيمانِ العبدِ يكونُ دِفاعُ اللهِ -تعالى- عنهُ, فكُلَّما عَظُمَ إيمانُهُ كُلَّما عَظُمَ دِفاعُ اللهِ -تعالى- عنهُ.
ثانياً: يحرمُ إيذاءُ المؤمنِ في مشاعرِهِ، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاثَةً فَلا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ صَاحِبِهِمَا, فَإِنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ" [رواه الإمام مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
وفي رواية الترمذي: يقولُ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم-: "لا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ, فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي المُؤْمِنَ, وَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يَكْرَهُ أَذَى المُؤْمِنِ".
فإذا كانت الشَّريعةُ تُحرِّمُ إيذاءَ المسلمِ في مشاعرِهِ, فكيفَ إذا كانَ الإيذاءُ في إراقةِ دَمِهِ, وترميلِ زوجَتِهِ, وتيتيمِ أطفالِهِ؟
ثالثاً: كفُّ الأذى عن المؤمنين صدقةٌ:
يا عباد الله: شرعُنا الشَّريفُ الحنيفُ جَعَلَ الجزاءَ الجنَّةِ لِمَن أزالَ شَوكةً عن طريقِ المسلمين, قال صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم: "مَرَّ رَجُلٌ بِغُصْنِ شَجَرَةٍ عَلَى ظَهْرِ طَرِيقٍ, فَقَالَ: وَاللهِ لأُنَحِّيَنَّ هَذَا عَنْ المُسْلِمِينَ لا يُؤْذِيهِمْ, فَأُدْخِلَ الجَنَّةَ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
فَكَفُّ الأذى عن المسلمينَ معروفٌ وصَدَقةٌ وإحسانٌ يُثابُ عليه المسلمُ, يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم: "تَكُفُّ شَرَّكَ عَنْ النَّاسِ, فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
رابعاً: المسلمُ الكاملُ من سَلِمَ المسلمونَ منهُ:
يا عباد الله: سُئِلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم-: "أَيُّ المُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" [رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي الخَيْرِ -رَضِيَ اللهُ عنهُ-].
وفي رواية البخاري يقول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم: "أَيُّ الإِسْلامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ".
وفي رواية ثالثة: يقول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ" [متفقٌ عليه].
يا عباد الله: المسلمُ الحقُّ, والمسلمُ الكاملُ هوَ من سَلِمَ المسلمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ, بل هوَ خيرُ المسلمينَ, وأمَّا من لم يسلمِ المسلمونَ من لِسانِهِ ويَدِهِ, فقد عَرَّضَ إسلامَهُ وإيمانَهُ للضَّياعِ -والعياذُ باللهِ -تعالى-.
يا عباد الله: هل سَمِعَ قَتَلَةُ الأبرياءِ بغيرِ حقٍّ وأصحابُ المجازِرِ قولَ اللهِ -تعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 58].
هل سَمِعَ السَّفَّاحُ المجرمُ قولَ اللهِ -تعالى- في الحديث القدسي: "مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ"؟
هل سَمِعَ الذينَ يُؤذونَ المسلمينَ بِألسِنَتِهِم وأيدِيهِم قولَ سيِّدِنا رسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وسَلَّم-: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ"؟
أمَا بَقِيَ عندَ هؤلاءِ المجرمينَ ذرَّةُ إيمانٍ تردَعُهُم عن إجرامِهِم؟ فإذا لم يبقَ عندَهم ذرَّةُ إيمانٍ تردَعُهُم عن إجرامِهِم, وسفكِهِم للدِّماءِ البريئةِ، فأسألُ اللهَ -تعالى- باسمِهِ الأعظمِ الذي إذا دُعِيَ به أجابَ, أن ينتَقِمَ منهم عاجلاً غيرَ آجلٍ, وأن يُرِيَنا فيهم عجائبَ قُدرتِهِ, إنَّهُ على ما يشاءُ قديرٌ.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.