الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | عبد الله بن محمد الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | أعلام الدعاة |
إنه عبدالله بن عثمان بن عامر، أبو بكر الصديق، وكان يُلقَّب بعتيق الله، ثم لُقب بالصدِّيق، ولد -رضي الله عنه- بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وصحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمر معه طيلة حياته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجّ بالناس إماماً سنة تسعٍ بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع المسلمون على...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله؛ فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عباد الله: إن محبة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والثناء عليهم وموالاتهم من ألزم الفروض وأوجب الواجبات، وهذه المحبة لا تتم إلا بمعرفة سيرتهم، والوقوف على فضائلهم ومناقبهم، ومآثرهم، ومهما ذكرنا عنهم؛ فلن نوفيهم حقهم، ويكفيهم فخراً وشرفاً وعزاً أن ينالوا ثناء الله عليهم، وكذا ثناء رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ولما كانت سيرتهم منهاجاً يعين المسلم بالسير على طريقهم، وسلوك منهجهم، كان حقاً علينا أن نذكر المسلمين ببعض منها، قياماً بشيء من حقهم علينا، وتبصيراً للمسلمين بحال من يطعن فيهم أو ينقص من قدرهم، ومن هؤلاء الصحب الكرام رفيق الدرب، وأنيس الوحشة، عظيم القدر، شديد الحياء، كثير الورع، حازم، رحيم، غني كريم، لم يشرب الخمر؛ ولم يعبد صنمًا؛ ولم يُؤثَر عنه كذب قط، دعي إلى الإسلام، فما تردد، فكان أول مَن أسلم من الرجال، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما عرضتُ هذا الأمرَ على أحد، إلا كانت منه كبوة وتردُّد، إلا ما كان من أبي بكر، ما أن عرضت عليه الأمر، حتى صدقني وآمن بي"، ونصر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خذله الناس، وآمن به يوم كفر به الناس، وصدَّقه يوم كذَّبه الناس.
إنه عبدالله بن عثمان بن عامر، أبو بكر الصديق، وكان يُلقَّب بعتيق الله، ثم لُقب بالصدِّيق، ولد -رضي الله عنه- بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر، وصحب النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، وسبق إلى الإيمان به، واستمر معه طيلة حياته بمكة، ورافقه في الهجرة، وفي الغار، وفي المشاهد كلها، وكانت الراية معه يوم تبوك، وحجّ بالناس إماماً سنة تسعٍ بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأجمع المسلمون على خلافته وسمّوه خليفة رسول الله واستمرت خلافته سنتين وثلاثة أشهر تقريباً.
عباد الله: كان -رضي الله عنه- أعلم قريش بالأنساب، وكان رجلاً سهلاً محبوباً مؤلفاً لقومه، تاجراً ذا خلق ومعروف، وأخلص في صحبته لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة وبعدها، وأسلم على يديه أناسٌ كثيرون، وأسلم -رضي الله عنه- وهو من أغنى قريش، ومات ولم يترك ديناراً ولا درهماً، وإنما أنفق ماله كله في سبيل الله، أعتق سبعة أعبد كلهم كان يُعذب في الله منهم: بلال، وعامر بن فهيرة، ونذيرة، والنهدية، وجارية عمر بن المؤمل.
وكانت خلافته من أعظم بركات الله على الأمة؛ فقد اجتمعت الأمة عليه، وقضى على فتنة الردة، وادعاء النبوة، ووجه قوى المسلمين جميعاً نحو فارس والروم؛ فكان الفتح والنصر المبين، -فرضي الله عنه- ومحق شانئيه ومبغضيه.
كان -رضي الله عنه- من أفضل الصحابة، وأعلاهم منزلة، وأكبرهم كرامة، وأعظمهم منة على المسلمين، وهذا بشهادة الله جل وعلا له، ثم بشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم بشهادة الأمة من بعده.
شهد الله -سبحانه وتعالى- له أنه كان الصاحب والناصر الوحيد لرسوله بعد الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد خرج -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً من مكة إلى المدينة والكفار يتبعونه؛ فلم يتركه -رضي الله عنه- في هذا الموقف العصيب، قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]، كان -رضي الله عنه- خائفاً على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبصر الكفار مكانه، فيبشره -صلى الله عليه وسلم- بأن الله معهما يرعاهما ويكلأهما، قال -رضي الله عنه-: قلت للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنا في الغار، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: "ما ظنك يا أبا بكر! باثنين الله ثالثهما؟"(رواه البخاري).
وصدق الله العظيم: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيم)[التوبة:40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم؛ فاستغفروا الله يغفر لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الكريم محمد بن عبد الله الذي علم أمته كل خيرٍ، وحذَّرهم من كل شرٍّ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاتقوا الله -أيها المؤمنون- واعلموا أن تقواه هي زادكم ليوم المعاد.
عباد الله: لقد شهد رسول -صلى الله عليه وسلم- للصديق بالجنَّة والمنزلة العليا؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أنفق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب يعني الجنة، يا عبد الله هذا خير؛ فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام" فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: "نعم، وأرجو أن تكون منهم".
وشهد له كثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- ومنهم علي بن أبي طالب بأنه خير الناس بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: روى البخاري عن محمد بن الحنفية، قال: قلت لأبي: "أي الناس خير بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال أبو بكر، ثم قلت ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان، قلت ثم أنت؟ ما أنا إلا رجل من المسلمين".
-فرضي الله عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة أجمعين-، وعنا معهم بفضلك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
هذا وصلوا وسلموا على الحبيب المصطفى؛ فقد أمركم الله بذلك فقال جل من قائل عليماً: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:٥٦].