القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالرحمن الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن حالنا في مراقبتنا لربنا حال عجيبة؛ حيث إنها على نحو من الضعف عظيم، يحصل معها من قلة الحياء وضعف الخشية ما يُغري النفوس والقلوب المريضة بهذه السيئات، وتأمَّلوا كيف أنَّ كثيرًا من الناس إذا شاهد ما يشير إلى أن ثمة كاميرات مراقبة تُحصي عليه أخطاءه، فإنه...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يَهديه الله فلا مضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيُّها الإخوة المؤمنون: إن من أعظم ما يعامل العبد به ربه -جلَّ وعلا-: أن يكون مراقبًا له سبحانه، أن يعبده كأنما يراه، وهذا يحمله على أن يكون حَيِيًّا من ربه، مستقيمًا على طاعته متباعدًا عن معصيته.
وهذه منزلة عالية يُوَفَّقُ إليها عباد الله الأخيار، هذه منزلةٌ ومرتبةٌ من مراتب الدين عالية، يوفق إليها عباد الله الأخيار؛ ولذلك لما سأل جبريل -عليه السلام- نبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- عن الإحسان، كما في الحديث الشهير المعروف قال جبريل: "أخبرني عن الإحسان؟ قال: "أن تَعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"؛ ولذلك عظَّم الله -جلَّ وعلا- منزلة هؤلاء، فقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[الملك: 12].
تأمَّل -يا عبد الله-: (إنَّ الَّذِينَ يَخْشَونَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ)[الملك: 12] في حال غيبتهم عن الناس في حال خفائهم عن الأعين والأنظار، يعلمون أنهم لا يغيبون عن العزيز الجبار.
وما علت منزلة عبدٍ من عباد الله إلا لملاحظته هذا الأمر، وهو أنه يستوي عنده السر والعلانية، فعمله مستقيم على مراقبة مَن لا تَخفى عليه خافية؛ ولذلك كان من أعظم الأعمال التي يقدم بها الإنسان على ربه أن يكون خاشيًا له بالغيب، ولذا قال عزَّ من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[الملك: 12].
ولذلك عَظُم ثواب أولئك الذين حقَّقوا هذه الخشية على وجه التحقيق والواقع؛ كما في حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظلِّه، فإن من جملتهم أصنافٌ الرابطُ بين أعمالهم هو مراقبة الله وخشيته في الغيب: "رجلٌ دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله"، مع أنه في مثل هذه الحال -وجود المنصب- ستحقق له الغيبة عن الأنظار، وعدم الوضوح والاستظهار أمام أعين الناس، والثاني من هؤلاء: "رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تُنفق يمينه"، والثالث "رجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه"، فالرابط بين هؤلاء أن أعمالهم بالغيب، ولذلك عظَّم الله النكير على أولئك الذين يقتحمون الآثام في حال غيبتهم عن الناس، فقال الله -جلَّ وعلا- منددًا بهم عائبًا قبيح فعلهم: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا)[النساء: 108].
قال بعض العلماء: "كفى بهذه الآية نعيًا على الناس وعيبًا لهم ما هم فيه من قلة الخشية والحياء من الله، مع أنَّهم يعلمون علم اليقين -إنْ كانوا مؤمنين- أنَّ الله مُحيط بهم، لا تَخفى عليه منهم خافية، ولكن قلة الحياء وضَعف الخشية، أغرى أولئك بأن يقتحموا الآثام".
ولهذا كما مكروا ها هنا مكر الله بهم، فجعلهم يقتحمون هذه الآثام، ولكن عليها العقوبة العظمى، والجزاء الشديد؛ كما جاء في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "لأعلمنَّ أقوامًا يأتون يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة، يجعلها الله هباءً منثورًا" قالوا: يا رسول الله صِفْهم لنا؟ بيِّنهم لنا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "إنهم أقوامٌ إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" أو كما صح عنه -عليه الصلاة والسلام-.
فعُلِمَ بهذا أنَّ خشية الله بالغيب وتربية الإنسان نفسه على مراقبة الله في السر والعلانية، هو المتعين عليه.
ومما يعين على ذلك: أن يستحضر العبد أنَّ كل ما يصدر عنه، فهو مرصود عليه؛ قال الله -جلَّ وعلا-: (وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)[يونس: 61].
وأخبر الله -سبحانه- عن أولئك المكذبين المعرضين أنهم يوم القيامة يستعظمون ما كان منهم في الدنيا أنَّه لم يُفوت شيء منهم صغيرًا ولا كبيرًا: (وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف: 49]. وقال الله -جلَّ وعلا-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا)[آل عمران: 30]، ويقول الله -جلَّ شأنه-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: 7 - 8].
وأكَّد الله -جل شأنه- هذا المعنى في قوله سبحانه: (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ * وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ)[القمر: 52 - 53] كل شيء يفعله الناس فهو في الزبر؛ أي: مكتوب عليهم في تلك الكتب التي بأيدي الملائكة -عليهم السلام-، فكل أحدٍ وكِّلَ به من الملائكة مَن يُحصي عليه أعماله خيرها وشرها، وكلُّ صغيرٍ وكبير من أعمالهم مستطر؛ أي: إنه مجموع عليهم ومسطر في صحائفهم، لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها؛ كما قال سبحانه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)[الإسراء: 13]، وقال الله -تعالى-: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الإسراء: 13 - 14].
وهذا يوجب -أيُّها الإخوة المؤمنون- على الإنسان أن يراجع نفسه، وأن يتأمل كيف أن هذه الأعمال كلها مرصودة عليه، ويُوجب عليه أن يعظِّم الحياء من ربه؛ لأن الله مُطلِع عليه، ولو قُدِّر أن يَطَّلِعَ عليه أحدٌ من الناس في حال اقترافه السيئات والذنوب، وبخاصة ما هو فاحش وقبيح، فإنه ينتهي بسبب هذه المراقبة أو الاطلاع من أحدٍ من الناس.
وإن حالنا -أيها الإخوة- والله لعجيبة، حالنا في مراقبتنا لربنا حال عجيبة؛ حيث إنها على نحو من الضعف عظيم، يحصل معها من قلة الحياء وضعف الخشية ما يُغري النفوس والقلوب المريضة بهذه السيئات، وتأمَّلوا -رحمكم الله- كيف أنَّ كثيرًا من الناس إذا شاهد ما يشير إلى أن ثمة كاميرات مراقبة تُحصي عليه أخطاءه، فإنه ينتهي، فإذا دخل متجرًا أو مكانًا له خصوصيته، شاهَد كاميرات تحيط بالمكان، فإنه -مع عدم عزمة وإرادته السرقة- يحرص على أن يكون على حال معينة في اللبس وطريقة التصرف؛ لأنَّه يعلم أنه ثمة من يشاهده ويراقبه من الناس.
ألم تروا أن كثيرًا من الناس يكون على سرعة معينة في الطريق، فإذا شاهد أجهزة المراقبة أمامه ورصْد السرعة، فإذا به يبادر إلى المراجعة والنظر في عدَّاد السرعة للسيارة؛ حتى لا يتجاوز السرعة المحددة، فيحسب عليه ويُصوَّر بالكاميرا، يصوَّر، ثم ماذا؟ غرامة مالية، فتجده ربما شدَّ في إيقاف سيارته، وشدَّ في ضغطة على المكابح إلى ظهور أصواتها؛ حتى يصل إلى أقل من السرعة المطلوبة نظامًا.
وإن حالنا لهي أحوج ما تكون إلى مثل هذا التصرف.
إنَّ حالنا في تعاملنا مع ربنا وغشياننا لما يسخطه بحاجة إلى ما هو أعظم من هذه المكابح التي توقف الإنسان؛ ليخاطب نفسه: أين أنت ذاهب؟ هذه قسيمة مالية تؤديها في الدنيا، لكن هناك من يراقبك ويسجل ما قد يؤدي بك إلى خسارة عظمى في نار الجحيم.
ولذلك جاء في الحديث ما يوضِّح هذا الأمر أيضًا، فيما رواه الإمام أحمد -رحمه الله- عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "يا عائشة إياكِ ومحقرات الذنوب؛ فإن لها من الله طالبًا".
محقرات الذنوب في تلك المعاصي التي يستصغرها الإنسان، هو يحقرها، يقول: ليست كبيرة ليست فاحشة، ولا تزال هذه الذنوب المحقرات المستصغرات تتوالى على الإنسان حتى تُهلكه؛ لأنها مع تواليها تُوجِد عند الانسان استسهالاً لغشيان المعاصي، وتعوُّدًا على فعل المنكرات، وهو أيضًا يتناساها، فلو أن أحدًا منا قيل له: احصِ ما وقعت فيه من سيئات صغائر منذ أسبوع فقط، فإنه ربما تناسا، وربما نَسِي، والسبب في ذلك أنه مما يحقر أمثالها ويستصغر، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: "فإنَّ لها من الله طالبًا"؛ يعني: أنها لن تضيع، فإنها مرصودة على الإنسان، وهو يوم القيامة بين أحد أمرين حينما يُعرض على ربه؛ إما أن يحاسب ويناقش، ويوقف عليها صغيرها وكبيرها، فثمَّ الهلاك؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: "من نُوقِشَ الحساب عُذِّب"، وإما أن يكون الإنسان ممن يعرض ربُّه عليه صحائف أعماله، ويتجاوز عنه ويقول: "سترت عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم"، وهذا لا يكون إلا للإنسان الذي امتلأ قلبه خشية، واستعظم الذنب والخطيئة أن يقع فيه، فإذا وقع بادر بالتوبة والاستغفار، ولا يستسهل هذه الذنوب ولا يصر عليها.
لا تَحقرنَّ من الذنوب صغيرًا | إن الصغير يعود كبيرَا |
إن الصغير ولو تقادم عهده | عند الإله مسطرٌ تسطيرَا |
فازجر هواك عن البطالة لا تكن | صعبَ القياد وشَمِّرَنْ تشميرَا |
إن المحب إذا أحب إلهه | طار الفؤاد وألهم التفكيرا |
فاسأل هدايتك الإله بِنيَّةٍ | فكفى بربِّك هاديًا ونَصيرَا |
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي النبي الكريم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفره إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم على عبد الله ورسوله نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيُّها الإخوة الكرام: ليتخيل أحدنا لو أنه عندما صلى الصبح، التقى بجاره، وقال: إني البارحة في وقت متأخر من الليل، وجدت باب دارك مفتوحًا، فبادرت وأغلقته، فينبغي أن تحتاط في قادم أيامك لإغلاق بابك.
إنَّ التصرف الطبيعي من أي واحد منا أن يبادر بشكر هذا الجار، وأن يُشعره بامتنانه له، ويَحفظه له جميلًا، ويستمر بالثناء عليه، ويحمد جيرته، ويثني عليها، وهذا أمرٌ مما تحمده العقول الصحيحة، وتؤكده شريعة الإسلام قبل ذلك، ونحن الآن بين أنظارنا وفي مشاهدنا حالٌ هي أعظم من هذه، وهي ما يبذله رجال الأمن من جهود عظيمة من أجل استقرار أحوالنا، وحفظ أمننا الذي هو نعمة من الله -جلَّ وعلا- إذا توطَّدت واستقرَّت في المجتمعات، ولذا فإنه مما يُبْذلُ من جهود الأمن لا يُحيط به كثيرٌ من الناس، وإنما تحيط به القيادات العليا وخاصة الأمنية، فكلما علا هؤلاء في رُتبهم وفي هرم المسؤولية، فإنهم يتحملون ما لا يتحمله كثير من الناس، تجد كثيرًا من الناس يذهب إلى نومه وإلى ارتباطاته المجتمعية وهو غير مسؤول عن كثيرٍ من الأمور، غاية ما هنالك أن يكون اتصاله بأهم الناس بالنسبة له، وهو ما يسمى الخط الساخن مع والديه، مع أهل بيته، فهؤلاء إذا اتصلوا في حال ليلٍ أو نهار، يبادر في إجابتهم.
وهكذا أيضًا المسؤولون عن الأمن فإنهم مهما ارتبطوا، ومهما كانوا في غيبة نومهم، فإنهم تحت الطلب، لأجل متابعة وإدارة الأمور، والسيطرة على ما قد يستجدُّ من الأحوال.
هؤلاء في شتى ميادينهم سواء على الثغور والحدود -كما هو الحال مع إخوتنا الذين على الحدود الجنوبية في مواجهة الحوثيين وأعوانهم ومَن وراءهم، وما يحاك هنالك- فإنهم يبذلون من الأمور رباطًا وجهادًا ما نسأل الله –تعالى- أن يعظِّم لهم به المثوبة ويَجزيهم عليه الجزاء الأوفى.
وهكذا رجال الأمن في شتَّى الميادين والمواقع يقومون بهذه الأمور، وهو وإن كان واجبًا عليهم باعتبار المسؤولية الوظيفية، فإنه واجب عظيم، يوجب علينا جميعًا أن نَستشعره وأن نُقدِّره، وأقل ما يُقدَّم في ذلك -وهو عظيم- أن يُدعى لهم بظهر الغيب، فإن الدعاء جندٌ من جنود الله العظيم، وقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يفزع إليه في كل أحواله.
ولذلك فإن النبيَّ -صلى الله عليه وآله وسلم- قَنَتَ في صلاته دعاءً لأولئك الذين كانوا يجاهدون ويقاتلون المشركين، وهكذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفزع إلى هذا الدعاء في حال المواجهات الأمنية التي تكون مع أعداء المسلمين، فحريٌّ بالمسلم أن يستشعر هذا الأمر، وأن يكثر من الدعاء لإخوانه بالثبات والأجر.
ثم إن هناك جانب آخر، وهو أن يكون الإنسان من نفسه عونًا في إثبات المنظومة الأمنية؛ لأن رجال الأمن مهما كَثُر عددهم، فإنهم لن يغطوا كل المواقع، ولكن وجود أولئك الذين يستشعرون هذه الأمور وهذه الأحوال بحسٍّ أمني، تساعد على أن تجعل من كل واحد منا رجل أمنٍ؛ لأنه لا يُدرى أين يكون الخلل؟ وأين يستهدفنا الأعداء؟ سواء أهل الفكر الضال من الخوارج وأشباههم، أو غيرهم من الأعداء.
فاستشعار الواحد منا لهذه الأمور يساعد على أن يجعل من نفسه عينًا رقيبةً وساهرةً على حفظ الأمن، ولا يكون هذا إلا باستشعار المسؤولية، فإننا مستهدفون في أمننا وفي عقيدتنا، وفي اجتماعنا وأُلفتنا، وفي غير ذلك من نعم الله علينا، فحريٌّ بنا جميعًا استشعار هذه الأمور، وشكر الله -جلَّ وعلا- على ما أنعم، والعمل على استقرار كل هذه النعم.
فنسأل الله -جلَّ جلاله- أن يُسبغ علينا من نِعمه، وأن يوفِّقنا لشكرها، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحُسن عبادته.
اللهم إنا نسألك لنا في بلادنا هذه الأمن والطمأنينة، اللهم أدم علينا الأمن والاستقرار، وصلاح الأحوال والاجتماع.
اللهم احفظ علينا أمننا وإيماننا وقيادتنا، اللهم وفِّق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم اجعلهم رحمة على رعاياهم، اللهم ارزقهم بطانة صالحة، وأبعد عنهم بطانة السوء يا رب العالمين.
اللهم ثبِّت وسدِّد إخواننا المرابطين والمجاهدين من رجال الأمن في كل مواقعهم يا رب العالمين، اللهم احفظهم بحفظك، وسدِّد رَمْيهم وآراءَهم يا رب العالمين.
اللهم اشمل بلاد المسلمين بالأمن والاستقرار، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام والمسلمين سوءًا فاشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربَّوْنا صغارًا.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات: 180 - 182].