البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | حسام بن عبد العزيز الجبرين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - التربية والسلوك |
الحذر من اقتحام سياج الذنب؛ فإن الذنب إذا فعله العبد خف في نفسه هيبته واستعظامه؛ فقد تجد قاطع رحم أو شارب خمر لو عُرض عليه رشوة لم يقبلها؛ لأنه لم يأخذ مالا حراما في حياته، وقد تجد كثير غيبة أو كذب لو تعرّضت له بغي لأعرض عنها؛ لأن سياج عفته لم يُكسر؛ فعلى المسلم أن يحافظ على...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
عباد الرحمن: خلق الله عباده، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين؛ فأباح الشرع للخلق كثيرا بل لا حصر للمباحات، وحرم قليلا؛ لأن فيه شرا وهو -سبحانه- العليم اللطيف الحكيم، وكان خاتم الرسل نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما، يتلوا عليهم آيات الله ويزكي نفوسهم ويعلمهم القرآن والسنة فعاش صحابته -رضي الله عنهم- أتقياء بررة!.
ومع فضلهم فليسوا معصومين؛ فقد نقلت السنة وقوع المعاصي من ندرة منهم -رضي الله عنهم-؛ فتعالوا إلى مشهد من هذه المشاهد نتأمل بعض فوائده.
أخرج البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أن رجلًا على عهدِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- كان اسمُه عبدَ اللهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وكان يُضحِكُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- قدْ جلَدَه في الشَّرابِ، فأُتيَ بهِ يومًا فأمَرَ بِهِ فجُلِدَ، فقال رجلٌ مِنَ القَومِ: اللَّهُمَّ العَنْهُ، ما أكثَرَ ما يُؤتَى بهِ؟ فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَلْعَنُوه، فواللهِ ما عَلِمْتُ، إنه يُحِبُّ اللهَ ورسولَه".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أُتيَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بسَكرانَ، فأمَرَ بضَربِهِ. فمِنَّا مَن يَضرِبُهُ بيَدِهِ ومِنَّا مَن يَضرِبُهُ بنَعلِهِ ومِنَّا مَن يَضرِبُهُ بثَوبِهِ، فلما انصرف قال رجلٌ: ما لَه أخْزاهُ اللهُ، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَكونوا عَوْنَ الشَّيطانِ علَى أخيكُم"(أخرجه البخاري).
فتعالوا عباد الرحمن إلى بعض الوقفات مع هذين الحديثين:
الوقفة الأولى: النظر للمذنب نظر إشفاق ورحمة ومحبة لهدايته، والملائكة الكرام لما مجدت ربنا -سبحانه- ودعته ابتدأت بمدحه بالرحمة (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[غافر:7].
وامتدح الله الخضر بصفتين أولاهما الرحمة (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً)[الكهف:65].
ومن الوقفات: أن العبد يذنب وفي قلبه محبة لله، ولكن المحبة تتفاوت، نسأل الله أن يملأ قلوبنا بمحبته -جل جلاله-.
ومن الفوائد: عدم المجاملة في الباطل!
ومن الوقفات: أن عقوبات الشرع للتطهير من الذنب والردع، وليست للتشفي والانتقام!
ومن الفوائد: الإنصاف، والإنصاف ابن العدل! ولو لم يكن من ثمراته إلا السلامة من الظلم لكانت كافية؛ فمع أنه اقترف كبيرة وجلد إلا أنه أثبت له لما لُعن وسُب محبتَه لله ورسوله، وما أكرمها من شهادة!.
ومن الوقفات: خطورة الخمر فهو كما قال الله -سبحانه-: (رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)[المائدة:90]، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرة؛ فالسُكْر يوجب في الدنيا الحد، ومتوعد بطينة الخبال يوم القيامة إن لم يتب! وغير ذلك من الوعيد!
ومن الوقفات: عظمة أخلاق النبي -صلى الله عليه وسلم- وصدق الله القائل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)[الأنبياء:107].
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة وبما فيهما من الهدى والحكمة واستغفروا الله إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العلي الخبير، المنان الستّير، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحسيب القدير وأشهد أن محمدا عبده ورسوله..
قد لاحَ نورُ الفجْر في عصر الدجـى | بالمصطفى الهادي لخير كـلام |
وحيٌ وقرآنٌ ومنهجُ خـالقٍ | قد حطّـمَ الجهـلاءَ بالإسـلامِ |
صلى عليك اللهُ يا رمزَ الهـدى | ما لحظـةٌ مرّت مـدى الأيـامِ |
أما بعد:
إخوة الإيمان: فمن الوقفات مع الحديثين: الحذر من اقتحام سياج الذنب؛ فإن الذنب إذا فعله العبد خف في نفسه هيبته واستعظامه؛ فقد تجد قاطع رحم أو شارب خمر لو عُرض عليه رشوة لم يقبلها؛ لأنه لم يأخذ مالا حراما في حياته، وقد تجد كثير غيبة أو كذب لو تعرّضت له بغي لأعرض عنها؛ لأن سياج عفته لم يُكسر؛ فعلى المسلم أن يحافظ على هذا السياج وأن يحذر خطوة الشيطان بالتجربة أو الاستكشاف.
ومن الوقفات: أن المحبةَ والرحمةَ لا تعني ترك الحزم والعقاب إن استحقه المخطئ!، فقد كان هذا الشارب مزاحا يُضحك رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ومع ذلك لما شرب الخمر أمر بجلده وتوبيخه ؛ ففي رواية قال عليه الصلاة والسلام: "بَكِّتوهُ [أي وبِّخوه]، فأقبَلوا عليْهِ يقولونَ: ما اتَّقيتَ اللَّهَ ما خَشيتَ اللَّهَ وما استَحييتَ من رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- فقالَ بعضُ القومِ: أخزاكَ اللَّهُ. قالَ: "لا تَقولوا هَكذا لا تُعينوا عليْهِ الشَّيطانَ ولَكن قولوا: اللَّهمَّ اغفِر لَهُ اللَّهمَّ ارحمْهُ".
وقد كان مِن عادةِ رسولِ اللهِ أنَّه لا يَدْعو على مَنْ أُقِيمَ عليه الحَدُّ؛ لأنَّ الحَدَّ قد طَهَّرَه من ذَنْبِه، كما نَهى عن مِثْلِ ذلك في حديثِ رَجْمِ الغامديَّةِ وغيرِها.
ومن الدروس: تجنب تعيير المذنب أو الشماتة به!
ومن الفوائد: اتحاد المسلمين جميعا ضد عدوهم من شيطان الجن والأنس!
ومن الوقفات: أن المعاصي لا تزيل الأخوة الإسلامية، وللأخوّة في الإسلام حقوق!
وأختم بهذه الفائدة: تعزيز الجانب الإيجابي وبالذات عند الانكسار من المخطئ أو المذنب!
"ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله " وما أعظمها من شهادة لذلك المبتلى!
ثم صلوا وسلموا...