الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التوحيد |
أنه الذي يتصل بالشياطين؛ ليخدموه بعد أن يكفر بالله -عز وجل-، يخبرونه بما استرقوه من السمع، ثم هو يضيف إليه ما يضيف من الأخبار الكاذبة؛ ليأكل أموال الناس بالباطل، والعرّاف شامل لكل من ادعى علم الغيب؛ من الكاهن والمنجم والرّمال، ونحوهم ممن يقرأ في الكف والفنجان وغير ذلك، ممن يتكلم في معرفة الأمور الغيبية بطرق شيطانية...
الخطبة الأولى:
إن المسلم في هذه الحياة في تجارة مع ربه -عز وجل-، مهمته أن يجمع الحسنات الكثيرة بالتقرب إلى الله -عز وجل- بسائر الطاعات والقربات، كما عليه أن يحافظ على هذه الحسنات بتجنب المعاصي والسيئات خصوصا الذنوب المحبطة للأعمال، ولقد تحدثت معكم في سلسلة من الخطب عن ثمانية ذنوب محبطة للأعمال، هي الشرك بالله وكراهة شيء من أوامر الدين، وانتهاك محارم الله في السر، والتألي على الله، والرياء، ورفع الصوت على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وترك صلاة العصر، والمن في الصدقة، وانتهاك حقوق الناس.
فمحبطات الأعمال هي أشد ما ينبغي على المسلم الحذر منه؛ لأنها تنقص عليه حسنات كثيرة، وقد تذهبها كلها.
أيها الأخوة في الله: ومن محبطات الأعمال والحسنات التي سنتحدث عنها في هذه الخطبة: الذهابُ إلى الكهنة والعرافين والسحرة والاستعانةُ بهم.
ويقصد بالعرّاف الذي يتعاطى معرفة مكان المسروق، ومكان الضالة، ونحوهما؛ أي أنه يدَّعي معرفة الأمور وما يقع في المستقبل، وما يكون من أمور غائبة، ونحو ذلك؛ بأيِّ طريقة كانت، سواء كان ذلك بالنظر في النجوم، ويقال له "المنجِّم"، أم بالخط في الأرض والطرْق في الحصى ويقال له "الرمَّال".
ويقصد بالكاهن أنه الذي يتصل بالشياطين؛ ليخدموه بعد أن يكفر بالله -عز وجل-، يخبرونه بما استرقوه من السمع، ثم هو يضيف إليه ما يضيف من الأخبار الكاذبة؛ ليأكل أموال الناس بالباطل، والعرّاف شامل لكل من ادعى علم الغيب؛ من الكاهن والمنجم والرّمال، ونحوهم ممن يقرأ في الكف والفنجان وغير ذلك، ممن يتكلم في معرفة الأمور الغيبية بطرق شيطانية؛ فإن هؤلاء يعبدون الشياطين، ويتقربون إليهم ليحققوا مقصدهم، فهم في الحقيقة خُدّام للجن وأولياءُ لهم.
فالعرّاف أو الكاهن حين يلجأ إلى الجن فإنهم يطلبون منه الكفر بالله -عز وجل-؛ بالسجود والذبح له وتدنيس المصحف ووضعه في القاذورات؛ فإن رأى منه استجابة أعطاه ما طلب؛ باستراق بعض المعلومات من الملائكة، فيزيد الكاهن أكاذيب كثيرة؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سَأَلَ أُنَاسٌ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الكُهَّانِ، فَقَالَ لَهُمْ: "لَيْسُوا بِشَيْءٍ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: فَإِنَّهُمْ يُحَدِّثُونَ أَحْيَانًا الشَّيْءَ يَكُونُ حَقًّا! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ، فَيَقُرُّهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ قَرَّ الدَّجَاجَةِ، فَيَخْلِطُونَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ كَذْبَةٍ"(رواه البخاري).
ولقد نهانا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الذهاب إلى الكهان ابتداء، حيث جاء عن مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ -رضي الله عنه- أنه قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ: "فَلَا تَأْتِهِمْ"(رواه مسلم).
ومن خالف أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتى عرافا؛ حبط عنه ثوابَ صلاةِ أربعين يوما؛ لما روته صَفِيَّةُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً"(رواه مسلم).
فبمجرد سؤال العراف؛ سواء بمقابلته أو الاتصال به عبر الهاتف؛ يحبط عنك ثواب صلاة أربعين يوما؛ فما أعظمها من خسارة، وما أشدها من عقوبة!.
ومن صدَّق كلام العرّاف فقد وقع في الكفر -والعياذ بالله-؛ لما رواه أبو هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ -رضي الله عنهما- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-"(رواه أحمد).
قال العلماء: فإن كان مستحلا لذلك وقع في الكفر الصريح، وأما إن كان غير مؤمن بكلامه فهو كفر دون كفر.
ويكثر ذهاب الناس إلى السحرة والعرافين حينما يمرضون، ولا يجدون علاجا عند الأطباء، فيذهبون إلى بعض الرقاة ليقرؤوا عليهم شيئا من القرآن، فيتفاجئون أن ذلك الراقي غير صادق، وأنه يستعين بالجن لعلاج مرضاه، وترى المريض يسكت عن ذلك الساحر ولا يبلغ عنه الجهات المختصة طالما استفاد منه في كشف ضره، وما علم هذا المسكين أن ثواب صلاة أربعين يوما قد حبط عنه، وأما إذا صدّقه فقد وقع في الكفر؛ لذلك يجب عدم الاغترار ببعض الرقاة الذين يتسترون بستار التدين والمشيخة، ولكنهم في الحقيقة سحرة مشعوذون.
ويمكن لكل شخص معرفة الساحر والعراف بعدة أمور أهمها: إذا سألك عن اسمك واسم أمك فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا طلب منك أثرا منك كقطعة من ملابسك؛ فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا طلب منك أن تذبح حيوانا بصفات معينة أو تلطيخ بدنك بدم ذلك الحيوان؛ فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا أعطاك حجامة فيها كتابة طلاسم، أو حروف مقطعة وجداول حسابية وكلام غير مفهوم مع بعض الآيات؛ فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا رأيته يتمتم أثناء قراءة القرآن بكلام غير مفهوم؛ فاعلم أنه يستغيث بالجني، وإذا أعطاك أشياء تدفنها في الأرض أو تخفيها في المنزل؛ فاعلم أنه يستعين بالجن، وإذا رأيته يخبرك عن معلومات تخصك لا يعلمها غيرك؛ فاعلم أنه يستعين بالجن.
فكل هذه الأمور تدل على أن هذا الراقي إنما هو ساحر، يتستر بقراءة القرآن أمام الناس، ولكنه في الحقيقة يستعين بالجن لعلاج مرضاه.
لقد كثر لجوء الناس إلى السحرة والمنجمين، وسهل الوصول إليهم بعد بفتح قنوات فضائية متخصصة بالشعوذة والسحر؛ مما أوقع كثيرا من الناس في كبائر الذنوب ومحبطات الأعمال؛ فقد روى عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطير لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ، أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ"(رواه الطبراني)؛ ولا يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا" إلا في عظائم الإثم وكبائر الذنوب.
فالذهاب إلى العرافين والمنجمين، وتصديقهم، والعمل بأقوالهم؛ هو قدح في توحيد الألوهية، وإذا ذهب توحيد العبد؛ فماذا يبقى له من دينه؟!
أسأل الله -تعالى- أن يحفظ مجتمعنا من الدجالين والعرافين، وأن يحفظ علينا ديننا.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واحذروا كل الحذر من محبطات الأعمال؛ فإنها تورد العبد المهالك؛ لذلك من خاف أن تحبط عنه حسناته يوم القيامة؛ فليتجنب الذهاب إلى العرافين أو الاتصال بهم، أو تصديق الأبراج والحظ المبثوثة في بعض المجلات والانترنت؛ فإنها كلها من الكهانة والتنجيم.
وإنك ترى بعض المثقفين والصحفيين يذهبون إلى بعض العرافين يسألونهم عن المستقبل، وما سيجري من أحداث وحروب، ومن الذي سينتصر فيها، أو يطلبوا منهم تحديد من سينتصر في المباراة الرياضية الفلانية؛ فكل ذلك استعانة بالكهان ويحبط الأعمال؛ فقد جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- موقوفا قال: "من أتى عرافا أو ساحرا أو كاهنا يؤمن بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-"(رواه أبو يعلى والبيهقي)، وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: "من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد"(رواه أحمد والترمذي).
وحينما أراد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الخروج لحرب الخوارج، اعترضه منجِّم فقال: يا أمير المؤمنين، لا تخرج. فقال: لأي شيء؟ فقال: إن القمر في العقرب؛ فإن خرجت أُصِبت، وهُزم عسكرك. فقال: ما كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا لأبي بكر ولا لعمر منجم، بل أخرُج ثقة بالله، وتوكلاً عليه، وتكذيباً لقولك؛ فما سافر علي بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سفرةً أبركَ منها؛ فقد قتَل الخوارج، وكفى المسلمين شرهم، ورجع مؤيَّداً منصوراً فائزاً ببشارة النبي لمن قتلهم؛ في قوله-صلى الله عليه وسلم-: "طوبى لمن قتلهم"، فكان هذا الظفر ببركة مخالفة ذلك المنجم وتكذيبِه، والثقةِ بالله رب النجوم.
أيها الأخوة في الله: لا يزال هناك بعض محبطات الأعمال أدع ذكرها في خطب قادمة بإذن الله.
أسأل الله -تعالى- أن يقينا شر هذه المحبطات وأن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا.