البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

حفظ الله لعبده المؤمن

العربية

المؤلف عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. المؤمن في الحياة الدنيا أسعد الناس وأكثرهم توفيقا .
  2. يحفظ الله العبد عند حفظ العبد أوامر ربه .
  3. الحفاظ على الصلاة والأذكار حرز من كل سوء .

اقتباس

من اعتقد اعتقادًا جازمًا وصدَّق تصديقًا كاملًا بما قاله الله، وبما قاله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعمل بما أمره الله، وانتهى عمَّا نهاه الله عنه، وأخلص نيتَه لله، فإنَّ الله يحفظه حفظًا تامًّا، ويدافع عنه، مهما بلغ مَنْ يعاديه من مكر وكيد وتربُّص...

الخطبة الأولى:

الحمد لله يحفظ عباده المؤمنين، فلا حافظَ لهم إلا هو -سبحانه وتعالى-، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، أنعم على عباده بالنعم، وأمرهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، ونهاهم عن كل ما يَضرُّ ويشين، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، هدى اللهُ به عبادَه وأنقذهم به من الشقاء والضلالة، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

 

أما بعد: فيا أيها المؤمنون: اتقوا الله حقَّ التقوى، وراقبوه في العلانية والسرّ، فإنَّه يَرَاكُمْ ومطَّلِع على أعمالكم ما جهرتُم بها وما أخفيتُم، فكونوا من عباده المتقين، لتنالوا محبتَه، وتفوزوا بمرضاته وتسكنوا جنات عدن برحمته، (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)[النحل: 30]، جعلني الله وإياكم من المتقين.

معاشر المسلمين: المؤمن في هذه الحياة الدنيا هو أسعد الناس وأكثرهم توفيقًا؛ ذلك أنَّه أطاع ربَّه وآمَن به واستقام على ما أرداه منه، فحفظه الله بحفظه، وسلَّمه من المخاطر، وكفاه أذى المؤذين، وردَّ عنه كيدَ الكائدينَ، وجعل لذلك أسبابًا؛ منها المحافظة على أذكار الصباح والمساء، والمحافظة على الأدعية والأذكار عمومًا؛ ففي ذلك الحصنُ الحصينُ، والوقايةُ والسلامةُ من أذى الشياطين والسحرة، ومن شرِّ عيون الحُسَّاد وتربُّص المبغضينَ، فمن حفظ الله -يا عباد الله- فإنَّ الله يحفظه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عباس -رضي الله عنهما: "احفظ الله يحفظك" (أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- برقم: (2803)، والترمذي في أبواب صفة القيامة، برقم: (2516)، وقال: حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في الصحيحة: (5/497).

فاللهُ حافظٌ عبدَه ما دام ذلك العبدُ محافِظًا على أمره به ربُّه، قال الإمام ابن عثيمين -رحمه الله- عند هذا الحديث: "هذه كلمة عظيمة جليلة، واحفظ تعني: احفظ حدودَه وشريعتَه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وكذلك بأن تتعلم من دينه ما تقوِّم به عبادتَكَ ومعاملاتَكَ، وتدعو به إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واحفظ الله يحفظك في دينك وأهلك ومالك ونفسك؛ لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- يجزي المحسنين بإحسانه، وأهمُّ هذه الأشياء هو أن يحفظَكَ في دينك ويُسلِّمك من الزيغ والضلال؛ لأنَّ الإنسان كلما اهتدى زاده الله -عَزَّ وَجَلَّ- هدًى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ)[محمد: 17]، وعُلِمَ من هذا أن من لم يحفظ الله، فإنَّه لا يستحق أن يحفظه الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وفي هذا الترغيب على حفظ حدود الله -عَزَّ وَجَلَّ-" (شرح الأربعين النووية للعثيمين (ص: 201)).

معاشر المسلمين: إن الله يحفظ عبدَه في نومه وفي يقظته وفي منزله الذي ينزل فيه، وفي سفره وإقامته، ويحفظه في ذهابه وإيابه وفي دخوله لبيته وخروجه منه، ويحفظه من أمامه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه، ويحفظه من المكائد والشرور، فتطمئنّ نفسُه ويرتاح بالُه، فلا يخاف إلا اللهَ، ولا يستعين إلا بالله، ولا يسأل إلا اللهَ؛ فهو المعطي وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

معاشر المسلمين: قال الإمام النووي -رحمه الله-: "بلغنا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: إنما يُحفظ الرجلُ على قَدْر نِيَّتِهِ". وقال غيرُه: "إنما يُعطى الناسُ على قدر نيَّاتهم" (الأذكار للنووي، ت الأرنؤوط (ص: 7)).

عباد الله: من اعتقد اعتقادًا جازمًا وصدَّق تصديقًا كاملًا بما قاله الله، وبما قاله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعمل بما أمره الله، وانتهى عمَّا نهاه الله عنه، وأخلص نيتَه لله، فإنَّ الله يحفظه حفظًا تامًّا، ويدافع عنه، مهما بلغ مَنْ يعاديه من مكر وكيد وتربُّص، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج: 38]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "هذا إخبارٌ ووعدٌ وبشارةٌ من الله للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كلَّ مكروه، ويدفع عنهم كلَّ شر -بسبب إيمانهم- من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غايةَ التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافَعَة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقلّ ومستكثِر" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 539)).

معاشر المسلمين: إن مَنْ حَافَظَ على الصلاة المكتوبة في جماعة فإنَّ الله يحفظه من الوقوع في الحرام، قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45]، قال الإمام السعدي -رحمه الله-: "وجهُ كونِ الصلاةِ تنهى عن الفحشاء والمنكر أنَّ العبدَ المقيمَ لها، المتممَ لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنيرُ قلبُه، ويتطهر فؤادُه، ويزداد إيمانُه، وتقوى رغبتُه في الخير، وتقلّ أو تُعدم رغبتُه في الشر، فبالضرورة مداومتُها، والمحافظةُ عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها" (تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 632)).

معاشر المسلمين: وكذلك مَنْ حافظ على الأوراد والأذكار في الصباح والمساء وبعد الصلوات المكتوبة وغير ذلك، فإنَّ الله يحفظه، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "وَبِالذِّكْرِ: يَصْرُعُ الْعَبْدُ الشَّيْطَانَ كَمَا يَصْرَعُ الشَّيْطَانُ أَهْلَ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ. قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إِذَا تَمَكَّنَ الذِّكْرُ مِنَ الْقَلْبِ فَإِنْ دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ صَرَعَهُ كَمَا يَصْرَعُ الْإِنْسَانُ إِذَا دَنَا مِنْهُ الشَّيْطَانُ" (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 396)).

عباد الله: إنَّ في قراءة آية الكرسي في الصباح وفي المساء وبعد الصلاة المكتوبة حفظٌ للمسلم من الشيطان، فقد كان الشيطان يأتي إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- عندما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بحفظ زكاة رمضان فيحثُو ذلك الشيطان من ذلك الطعام، فلما رآه أبو هريرة قال الشيطان له: "إني محتاج، وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلَّى أبو هريرة سبيلَه، وجاء في اليوم الثاني وخلَّى سبيلَه لأجل ذلك السبب، ثم جاء في الثالثة فقال له أبو هريرة: "لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، أَنَّكَ تَزْعُمُ لَا تَعُودُ، ثُمَّ تَعُودُ قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ)[البقرة: 255]، حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: "مَا هِيَ" قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ)[البقرة: 255]، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ -وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟" قَالَ: لَا، قَالَ: "ذَاكَ شَيْطَانٌ"، (انظر: صحيح البخاري، كتاب الوكالة، باب إذا وكَّل رجلا فترك الوكيلُ شيئا فأجازه الموكل برقم: (2311)).

اللهم احفظنا بحفظك يا رب العالمين.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

حفظ الله لعبده المؤمن:

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا.

أما بعد: فاتقوا الله -أيها المؤمنون-.

معاشر المسلمين: وَمِنْ حفظِ اللهِ لعبده المؤمن أنَّه إذا قال عند خروجه من بيته: "بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟" (أخرجه أبو داود في أبواب النوم، باب ما يقول إذا خرج من بيته... برقم: (5095)، وصححه الألباني).

ومن حفظ الله لعبده المؤمن أنَّه إذا دخل إلى المسجد فقال: "أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ"، قَالَ: أَقَطْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِذَا قَالَ: "ذَلِكَ قَالَ الشَّيْطَانُ: حُفِظَ مِنِّي سَائِرَ الْيَوْمِ" (أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب فيما يقوله الرجل عند دخوله المسجد برقم (466)، وصححه الألباني). فَحَافِظُوا على الأذكار يحفظكم الله، واقرؤوها في أوقاتها بتدبُّر وحضور قلب.

معاشر المسلمين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

اللهم صل على محمد، وآل محمد، كما صليتَ على إبراهيم، وبارك على محمد، وآل محمد، كما باركتَ على آل إبراهيم، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين...