الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
وليس شيء يقع إلا وله أسباب، ومعرفتنا بالأسباب والعوامل المؤدية لفاحشة الزنا تضع أيدينا على الداء، والوقاية منها وسد الطرق الموصلة إليها يكمن فيها العلاج والدواء، والعاقل من وعى هذه الأسباب، وأبعد نفسه عن مخاطرها، وتأمل طرق العلاج وألزم نفسه بها ..
أيها المؤمنون والمؤمنات: سبق الحديث عن مقدمات وروادع فاحشة الزنا، تلك التي يكفي أن الله قال في شأنها: (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32]، وعدها العلماء من أكبر الكبائر الثلاث: الكفر، ثم قتل النفس بغير الحق، ثم الزنا كما رتبها الله في قوله: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) [الفرقان: 68].
وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: أي الذنب أعظم؟! قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك"، قلت: ثم أي؟! قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك"، قلت: ثم أي؟! قال: "أن تزني بحليلة جارك".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ولهذا الترتيب وجه معقول، وهو أن قوى الإنسان ثلاثة: قوة العقل، وقوة الغضب، وقوة الشهوة".
هذه الفاحشة التي ترفضها الفطر والعقول السليمة يأنف منها غير الآدميين من الحيوان والطير؛ فقد ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قردًا يزني بقردة، فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته.
وقال ابن تيمية: "وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعًا من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه حتى اجتمع منهن عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها. قال الشيخ: ومثل هذا معروف في عادة البهائم".
أختاه في الله: ولعظم جرم الزنا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايع النساء على عدم مقارفته، كما يبايعهن على عدم الإشراك بالله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ) [الممتحنة: 12].
وكان العرب وهم –مشركون- يحرمون الفواحش، وربما قتل بعضهم البنات خشية العار، فنهى القرآن عن قتلهن بغير حق، ورتب العقوبة المناسبة للفاحشة، ولهذا استغربت هند بنت عتبة بن ربيعة، حين بايعها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان فيما بايعها، على عدم الزنا، فقالت: أوَتزني الحرة؟! وكان الزنا معروفًا عندهم في الإماء.
أيها المسلمون والمسلمات: وليس شيء يقع إلا وله أسباب، ومعرفتنا بالأسباب والعوامل المؤدية لفاحشة الزنا تضع أيدينا على الداء، والوقاية منها وسد الطرق الموصلة إليها يكمن فيها العلاج والدواء، والعاقل من وعى هذه الأسباب، وأبعد نفسه عن مخاطرها، وتأمل طرق العلاج وألزم نفسه بها.
وأول الأسباب المؤدية للزنا وأحراها: ضعف الإيمان واليقين، فإذا ضعف هذا العامل نسي المرء أو تناسى الوعد والوعيد، وأمن العقوبة، وتباعد الفضيحة، وقلّ في حسه ميزان الرقابة، وانحسر ميزان الرقابة، وانحسر الخوف من الجليل، وقد سبق الحديث: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، وفي الحديث الآخر: "من زنى خرج منه الإيمان، فإن تاب تاب الله عليه"، ومن صفات المؤمنين -كما جاء في القران الكريم- أنهم لا يزنون.
السبب الثاني: النظرة المحرمة؛ إذ هي سهم من سهام الشيطان، تنقل صاحبها إلى موارد الهلكة، وإن لم يقصدها في البداية؛ ولهذا قال تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور: 30-31]، وتأمل كيف ربط بين غض البصر وحفظ الفرج في الآيات، وكيف بدأ بالغض قبل حفظ الفرج؛ لأن البصر رائد القلب، كما أن الحمى رائد الموت، كما قال الشاعر:
ألم تر أن العين للقلب رائد
وفي السنة بيان لما أجمله القرآن في أثر النظرة الحرام، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله كتب على ابن ادم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فالعينان تزنيان، وزناهما النظر... الحديث".
فاتقوا زنا العينين؛ قال أهل العلم: لا يحل للرجل أن ينظر إلى المرأة الأجنبية، ولا المرأة إلى الرجل الأجنبي عنها؛ فإن علاقتها به كعلاقته بها، وقصدها منه كقصده منها.
إخوة الإيمان: وكم نظرة محرمة قادت إلى نظرات أخرى، وقادت النظرات إلى همسات، ثم مواعد فلقاء، ومعظم النار من مستصغر الشرر:
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
قال الإمام القرطبي -رحمه الله-: ولقد كره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا، وحرام على الرجل النظر إلى ذات محرمه نظرة شهوة يرددها.
فإذا كان هذا في القرن السابع الهجري، فماذا لو رأى القرطبي زماننا نحن؟! وماذا عساه يقول عن كلام الشعبي؟! وإذا كان هذا في النظر إلى المحارم فكيف يكون الحال في النظر إلى الأجنبيات أو إلى الصور الخليعة أو المسلسلات الهابطة التي تختلط فيها النساء بالرجال؟!
ومن الأسباب الداعية للزنا -أيتها المرأة المسلمة-: كثرة خروج المرأة وتبرج النساء، وتكسرهن في المشية، وإلانتهن القول، فهذه وتلك فواتح للشر تطمع الذي في قلبه مرض، وتفتن المستمسك إلا أن يعتصم بالله، وقد نهى الله نساء المؤمنين عن ذلك كله؛ حماية لأعراضهن، وصونًا لغيرهن عن مواطن الريب، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب: 33].
ويقول تعالى مخاطبًا نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- وغيرهن من باب أولى: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب: 32].
إن مما يؤسف له أن تملأ نساء المسلمين الأسواق العامة، وأن تظهر المرأة بكامل زينتها، وأن ينزع الحياء منها، فتخاطب الأجانب وكأنما هم من محارمها، وربما ساءت الأحوال فكانت الممازحة والمداعبة، وتلك وربي من قواصم الظهر، ومن أسباب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.
إذا كانت هذا منطق الإسلام وهدي سيد الأنام، فما بال أقوام يتعللون بالثقة أحيانًا، ويتذرعون بالحاجة أحيانًا أخرى، والثقة شيء وسد الذرائع الموصلة إلى الحرام شيء آخر، والمعرفة المجردة بالأحكام شيء، والانصياع والتطبيق والرضا والتسليم لشرع الله شيء آخر: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36].
أمة الإسلام: ومن أعظم دواعي الفاحشة استقدام الخدم والسائقين، تلك المصيبة التي عمت وطمت، وامتلأت بها البيوت لحاجة ولغير حاجة، واعتاد الرجال على الدخول على النساء المستخدمات وكأنهن من ذوات المحارم، وربما تطور الأمر عند الآخرين فجعلها تستقبل الزائرين وتقدم الخدمة للآخرين؟!
وليس أقل من ذلك إتاحة الفرصة للسائقين الأجانب بدخول البيوت دون رقيب، إن أحداث الزمن وواقع الناس يشهد بكثير من الجرائم والفواحش من وراء استقدام السائقين والخدم، ولكن التقليد الأبله، والثقة العمياء، ربما حجبت الرؤية عند قوم وأصمت آذان آخرين.
اتقوا الله -معاشر الرجال- في قوامتكم ومسؤوليتكم، واتقين الله -معاشر النساء- في رعايتكن للبيوت، ولا تطلبوا من الأزواج ما خالف الشرع أو كان سببًا للفحش، ومن يتق الله يجعل الله مخرجًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، مستحق الحمد والثناء، وأشهد أن لا إله إلا الله ذو المجد والثناء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أنار الطريق للأمة وتركها على المحجة البيضاء، فلا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آل محمد الطيبين الطاهرين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيها المسلمون والمسلمات: ويبقى سبب مهم من الأسباب الداعية لفاحشة الزنا، وهو سماع الغناء والخنا، والعكوف على مشاهدة المسلسلات الهابطة والنظر إلى الأفلام الخليعة، تلك التي تبثها وسائل الإعلام بمختلف قنواتها، إن هذه المشاهد المؤذية تروض البنين والبنات على الفحش، وتذهب عنهم ماء الحياء، وإذا نزع الحياء من أمة فقد تودع منها.
وإني لأعجب: كيف لكلمات الآباء وتوجيهات الأمهات أن تصل إلى الأولاد وهم يستقبلون كل يوم عشرات المشاهد والكلمات التي تنسخ بالليل ما سمعوه منهم بالنهار، ويظل الشيطان بالإنسان يغريه ويغويه حتى ينتقل من مرحلة إلى أخرى، وكأنما خُلق للهو والعبث، فلا يكفيه أن يشاهد من الخارج، بل يطمع بمشاهدة كل جديد ولو كان فيه حتفه، ولا ينصب بعضهم أعمدة البث المباشر في أول الأمر، حتى إذا أمن عقوبة الناس أو تخفف بعض الشيء من نقدهم أعلنها وأعلاها، وكان نقد الناس هو العائق عن المجاهرة.
أما ما تحويه هذه الدشوش من بلاء وفتنة، وما تحمله من سموم مبطنة، فتلك آخر ما يفكر فيه، وأما ما تحمله هذه المادة المبثوثة من غزو للأفكار فهي أمور مقصودة، ومن تدمير للأخلاق مبرمجة ومدروسة، فذلك ما تغيَّب عن باله في سبيل اللذة الآتية، والنهم في معرفة ما لدى الآخرين، ومن العجب أنك لا تجد أحدًا -حين المناقشة- يخالفك الرأي في الأثر السيئ لسماع الغناء والخنا، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والعواطف، في أي وسيلة وعبر أي قناة، ومع ذلك تحس بالإصرار على الخطأ أحيانًا، وتحس بالتجاهل لنتائج الدراسات العلمية لهذه البرامج على النشء مستقبلاً، لا أعتقد أن البعض جاهل إلى هذه الدرجة، والمأساة لا تحل به وحده، بل تطبع جيلاً من أبنائه وأبناء غيره، لا همّ لهم إلا ضياع الأوقات في زبالات الأفكار الواردة، والاستجابة لتربية الغرباء بدلاً من تربية الأمهات والآباء، وإنما القضية ضعف في اتخاذ القرار وانشطار في القوامة بين الرجل والمرأة في البيت.
وكان الواجب يفرض عليهما التعاون على البر والتقوى لما فيه الرشد والفلاح، وسيحس الأبوان حينها بإشراق البيوت بنور الله، وامتلاء القلوب بذكر الله، وستفر الشياطين كالحمر المستنفرة، وستحل محلها الملائكة تشهد الخير وتترك معها السكينة والرحمة، والفرق بين الحالتين كبير، والتجربة أكبر برهان.
يا أمة القرآن: وليس يخفي أن من العوامل الخطيرة لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا صيحات المنافقين، ودعوات العلمانيين، ومن سار في ركبهم لتحرير المرأة من كل حشمة ووقار، ومطالبتها بالخروج والاختلاط بالرجال، وهى دعوات مبطنة تتخذ أساليب عدة ليس هذا موضع تفصيلها، لكني أنبه إليها بإجمال؛ ليحذر المؤمنون والمؤمنات أولئك الذين يخرجون باسم التقدم والحضارة.
في بلادنا بفضل الله بلغت الأمة مبلغًا من العلم والوعي لم تعد فيه تنخدع ولا تستجيب لهذه الدعوات التي يعرف أصحابها في لحن قولهم: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 29-30].
أيها المسلمون: وثمة أسباب أخرى لا تقل أهمية، فالسفر للبلاد الإباحية دونما حاجة، والتردد كثيرًا على البلاد التي ينتشر فيها الفساد وتعلن الرذيلة، أسباب جالبة لوقوع الزائر في الشراك، وإن لم يقصدها، وضعف رقابة الآباء والأمهات على البنين والبنات، وغلاء المهور، وضعف التوعية في مدراس البنين والبنات عن مخاطر جريمة الزنا، كل هذه وتلك إذا وجدت فهي أسباب من الأسباب المؤدية إلى الزنا، نسأل الله السلامة لنا ولسائر المسلمين.
أيها الإخوة والأخوات: وتبقى طرق العلاج رهينة معرفة الأسباب ومرتبطة بعلاجها، فمعرفة السبب وإزالة الداعي إلى الفتنة أول طريق للعلاج، وبالتالي فإن تقوية الإيمان في النفوس، وصرف الأبصار عن الحرام –"إنما لك الأولى وليس الثانية"-، ولزوم الحجاب الشرعي للمرأة، وعدم اختلاطها بالرجال أو خلوتها بهم، والوعي بمخاطر سفر المرأة دون محرم، وعدم التهاون بذلك، والتنبيه لمخاطر الهاتف، والإعراض عن السفهاء، وعدم استقدام السائقين والخدم إلا لضرورة وبالمواصفات الشرعية؛ فالسائق مع زوجته، والخادمة مع زوجها، والاقتصار على المسلمين دون غيرهم، والحذر من وسائل الإعلام وما تبثه من برامج ساقطة، وعدم الانخداع بدعوات المغرضين، أو الاستجابة لأصوات المنافقين، وتيسير المهور، ومراقبة البيوت، والإشراف ومزيد الاهتمام بالبنين والبنات، والاقتصاد في السفر للخارج، كل هذه إذا وضعها المسلم نصب عينه، وأولاها من العناية ما تستحق فستكون بإذن الله عوامل ناجحة في العلاج، وطرقًا مهمة لقطع دابر الفتنة.
ويبقى بعد ذلك دور الجهات المسؤولة في تنفيذ الأحكام، فلا تأخذ المسؤول لومة لائم في تطبيق الحدود وإقامة شرع الله كما أمر، فالله تعالى يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وبعض الناس يخيفه عذاب الدنيا ويخشى العار من الخلق أكثر من خوفه من عذاب الله، وخشيته من الفضيحة في الدنيا أكبر من خشيته الفضيحة الكبرى، وهؤلاء لا تردعهم إلا القوة، ولا يصلح معهم الضعف والمسامحة، والله تعالى -وهو أرحم الراحمين- يقول في تطبيق الحدود على الزناة: (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ) [النور: 2].
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في هذا المعنى كلامًا جميلاً، ومما قاله: "وبهذا يتبين لك أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة، يصلح الله بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]؛ فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير؛ إذ هو في ذلك جاهل أحمق..." إلى أن يقول: "ومن الناس من تأخذه الرأفة بهم لمشاركته لهم في ذلك المرض، وذوقه ما ذاقوا من قوة الشهوة وبرودة القلب والدياثة، فيترك ما أمر الله به من العقوبة، وهو في ذلك من أظلم الناس وأديثهم في حق نفسه ونظائره، وهو بمنزلة جماعة من المرضى قد وصف لهم الطبيب ما ينفعهم، فوجد كبيرهم مرارته فترك شربه، ونهى عن سقيه للباقين". اهـ.
نعوذ بالله من الخذلان، ونسألك اللهم البعد عن الفواحش والدياثة وسيئ الخلق.