البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | عبيد بن عساف الطوياوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
فالذي يرفض خُطَّاب ابنته أو بناته، وهم أهل دين وخلق وأمانة، إنما يرفضهم من أجل فقرهم، أو قلة مراتبهم، أو عدم وظائفهم، أو لاعتبارات جاهلية، فقد يقع في الفتنة، أو يكون سببًا في تعريض ابنته لها وللفساد العريض الكبير، الذي يتمنى لو دفع مئات الآلاف، وضحى بأكبر المناصب، مقابل السلامة منه، نسأل الله والعافية. يترك أحدهم ابنته ينتظر الأثرياء ..
الحمد لله العلي الكبير، العليم الخبير، (يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر: 20].
أحمده حمدًا يليق بكريم وجهه، وبعظيم سلطانه، (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التغابن: 1].
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله سبحانه وتعالى، فتقوى الله وصية الله لكم ولمن كان قبلكم: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131]، فاتقوا الله -عباد الله-، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً) [الطلاق: 2]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق: 4]، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [الطلاق: 5]، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.
أيها الإخوة المؤمنون: كان الحديث في الجمعة الماضية عن أهمية تزويج البنات، وضرورة المبادرة به، وخطورة تأخيره، وأشرنا إلى حديث النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي حسّنه الألباني -رحمه الله-: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وفي رواية: "وفساد عريض".
ولعلنا في هذا اليوم -أيها الإخوة- نوضح ما هي الفتنة، وما هو ذلك الفساد الكبير أو العريض الذي حذرنا منهما النبي –صلى الله عليه وسلم- في حديثه الشريف.
أيها الإخوة: مخالفة أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- جريمة خطيرة، يخشى على من بلي بها من شقاء الدنيا وعذاب الآخرة، يقول –عز وجل-: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، يقول ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره: "(أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ): أي في قلوبهم، مِنْ كفر أو نفاق أو بدعة"، (أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قال -رحمه الله-: "أي في الدنيا، بقتل أو حد أو حبس أو نحو ذلك".
فالذي يرفض خُطَّاب ابنته أو بناته، وهم أهل دين وخلق وأمانة، إنما يرفضهم من أجل فقرهم، أو قلة مراتبهم، أو عدم وظائفهم، أو لاعتبارات جاهلية، فقد يقع في الفتنة، أو يكون سببًا في تعريض ابنته لها وللفساد العريض الكبير، الذي يتمنى لو دفع مئات الآلاف، وضحى بأكبر المناصب، مقابل السلامة منه، نسأل الله والعافية.
نعم -أيها الإخوة-، النبي –صلى الله عليه وسلم- كما وصفه الله –عزّ وجل-: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3، 4]، كلامه -صلى الله عليه وسلم- وحي من الله، وحي من الخبير بخلقه، اللطيف بعباده، العليم بأحوال الناس، وما تؤول إليه أمورهم، وما تصير إليه شؤونهم.
أيها الإخوة: يترك أحدهم ابنته ينتظر الأثرياء، أو ينتظر علية القوم، أو ينتظر كبار المسؤولين، والواحد من هؤلاء، قد لا يلتفت لهذا ولا لابنته لثرائه أو لمكانته في مجتمعه، فتتقدم السن بالمسكينة، ضحية الظلم، فتقع في الفتنة والفساد الكبير.
إحدى الفتيات، وقعت في الفاحشة، في الفساد الكبير الذي حذر منه النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أدخلت السجن، فسألوها عما حملها على ذلك، وعن سبب وقوعها في فاحشة الزنا! قالت: أبي -لا سامحه الله-. قالوا: كيف؟! قالت: كان يرد الخُطَّاب منذ أن كان عمري ثمانية عشر عامًا، فلما أكثر ردهم، لم يطرق بابنا خاطب، حتى جاوزت الثلاثين، فأردت أن أنتقم من أبي بهذا الفعل.
أيها الإخوة: إننا لا نرى هذا عذرًا أمام الله –عز وجل-، ولا نتمناه لبنات المسلمين، ولكنها عظة وعبرة.
فتأملوا -أيها الإخوة- من هو سبب ذلك الفساد الكبير؟! إنه الوالد، الذي لم يدرك عواقب الأمور، وما يترتب على مخالفة أمر النبي –صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة: في الجمعة الماضية، بعد الصلاة، حدثني أحد الإخوة، ممن لهم علاقة في إحدى الجهات، عن كثرة الأبناء الذين لا يعلم من هم آباؤهم، الذين أتوا إلى هذه الدنيا نتيجة الفساد الكبير العريض، الذي حذر منه -صلوات ربي وسلامه عليه-، وقد ذكر الأخ أنها ظاهرة لافتة للنظر، وتنذر بشر، فليستشعر الآباء معاناة بناتهم، وليتقوا الله في فلذات أكبادهم، وليحذروا الظلم، ولا يكونوا سببًا في أمر لا تحمد عقباه، أول وآخر من يتجرع غصصه هم، (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
والله -أيها الإخوة- إن بعضهن ليتصلن على بعض مأذوني الأنكحة، وخطباء الجوامع، ومن يظن بهم الخير، مما أصابهن من الضيم والظلم والعضل الذي لا يحتملنه؛ يقلن: لا نريد الحرام، تقدمت بنا الأعمار، كثرت بنا الأمراض النفسية والعضوية، بعضهن معلمات، وبعضهن ممرضات، المعلمة تموت حسرة عندما تدعى لزواج طالبة من طالباتها، والممرضة يتقطع نياط قلبها وهي تطبب من هي بنصف عمرها، وهي في حالة حمل أو ولادة.
فاتقوا الله -يا عباد الله- وامتثلوا لأمر ربكم، واعملوا بتوجيهات نبيكم –صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور: 32]، و"إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه، فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون: إن عضل البنات وتأخير زواجهن، وما يترتب على ذلك من مفاسد عظيمة، لقضية خطيرة، ومشكلة اجتماعية جديرة بالعناية والاهتمام، وهي مسؤولية الجميع، كل على قدر مكانته وعمله، ولعل من واجبكم -أيها الإخوة- النصح والتوعية، لمن وقع في هذا الشر المستطير، والأمر الخطير، وتذكيره بالله –عز وجل-، وتحذيره من مغبة عضله؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة". فقال رجل: وإن كان يسيرًا يا رسول الله!! فقال –صلى الله عليه وسلم-: "وإن كان قضيبًا من أراك".
حتى ولو كان عود مسواك، فإن كان عود السواك ظلمًا يدخل النار، فكيف بعضل امرأة تقف في حيرة من أمرها، فإن رفعت أمر أبيها إلى القضاء، فقد يعاب عليها ذلك، وإن صبرت وحبست آلامها ودموعها، فقد تنفجر يومًا من الأيام أو تموت، فالموت أمر تتمناه، كما تقول إحداهن، ولكنها تعلم أن قاتل نفسه في النار، أم تسير في الحرام، إرضاءً لرغبتها واستجابة لنداء فطرتها، لا، فهي الشريفة العفيفة، فماذا تفعل؟!
أبتـاهُ ما ذنبي ومـا الإجـرام
أيها الإخوة: رسالة انقلوها مني، وبلغوها عني، لكل فتاة عضلت، فإننا والله نحسُّ بعظيم بلائها، ونستشعر قدر معاناتها، فلا نجد لها إلا الصبر، فليكن أملها بالله كبيرًا، فهو سبحانه أهل لتفريج الكرب، ورفع الهموم، ودفع الغموم، فلتصبر ولتحتسب، فقد يكون في بلائها رفع لدرجاتها، وتكفير لسيئاتها، ونوصيها بالدعاء، فإن للمظلوم دعوة مستجابة، وليكن دعاؤها بهداية والدها، ولا تفعل كما فعلت تلك المرأة، التي عند موت والدها، قالت له: حرمك الله الجنة، كما حرمتني الزواج. وعليها أن تتقي الله فإن العاقبة للمتقين.
أسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا، وعملاً خالصًا، ورزقًا واسعًا، وتوبة نصوحًا، إنه سميع مجيب.
اللهم فرِّج هم المهمومين، ونفِّس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضى المسلمين، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أحينا سعداء، وتوفنا شهداء، واحشرنا في زمرة الأتقياء، يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار. اللهم وفق ولاة أمرنا لهداك، واجعل عملهم في رضاك، اللهم احفظ لنا إمامنا خادم الحرمين الشريفين، وانصر به دينك وكتابك وسنة نبيك –صلى الله عليه وسلم-.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 200].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.