الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أيها الإخوة المؤمنون: قد تكون الزوجة سبباً في وجود الخلاف في حياتها الزوجية, والأسباب كثيرة جداً, من هذه الأسباب التي تكون المرأة فيها سبباً في وجود المشاكل في البيت: عدمُ الإحسان إلى والدي الزوج، بل الإساءة إليهما. فكم من امرأة أساءت لوالدي زوجها ولم تُحسن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: لقد ذكرت لكم في الأسبوع الماضي بأنه يجب على كلٍّ من الزوجين أن يعلما مضمون عقد الزواج عندما يتمُّ تبادل ألفاظ العقد.
ويجب على كلٍّ من الزوجين أن يعلما بأن الكلمة التي تُقال عند عقد الزواج سوف يُسأل عنها صاحبها يوم القيامة, فإن تطابقت الأفعال مع الأقوال فهذا شأن المؤمن, وإن تباينت واختلفت -لا قدر الله -تعالى- فهذا وصف المنافق.
أيها الإخوة الكرام: من مستلزمات عقد الزواج: الانضباط بالهدى الذي جاء به سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- من عند ربه -عز وجل-، فمن التزمه سلوكاً وعملاً سعد -بإذن الله -تعالى- في الدنيا والآخرة, ومن هجره وأعرض عنه عرَّض نفسه لحياة الشقاء والضنك، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
وقال تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طـه: 123 - 126].
فمن نسي الهدى نسيان هجر -والعياذ بالله -تعالى- فإنه عرَّض نفسه؛ لأن يُنسى -لا قدَّر الله -تعالى- في نار جهنم-.
أيها الإخوة الكرام: ذكرت لكم في أسابيع ماضية بعض المشاكل الأسرية التي يكون الزوج فيها سبباً؛ لأنه من الطبيعي أن يكون خلف كلِّ مشكلة واحد, فإما أن يكون الزوج, وإما أن تكون الزوجة.
وعرفنا بأن الزوج هو الذي سيتحمَّل المسؤولية يوم القيامة كما يتحمَّلها في الحياة الدنيا, وكذلك قد تكون الزوجة سبباً في وجود الخلاف في الحياة الأسرية, وهي ستتحمَّل مسؤولية ذلك في الدنيا والآخرة, إذا لم تتب إلى الله -تعالى- من ذلك.
أيها الإخوة المؤمنون: قد تكون الزوجة سبباً في وجود الخلاف في حياتها الزوجية, والأسباب كثيرة جداً, من هذه الأسباب التي تكون المرأة فيها سبباً في وجود المشاكل في البيت: عدمُ الإحسان إلى والدي الزوج، بل الإساءة إليهما.
فكم من امرأة أساءت لوالدي زوجها ولم تُحسن إليهما, وكانت حريصة على إبعاد زوجها عن والديه, وإبعاد الوالدين عن ولدهما؟
يا عباد الله: قبل معالجة هذه المشكلة أقول: يجب على المرأة أن تعلم بأنها لن تدخل الجنة إلا برضا زوجها عنها, وطبعاً المقصود بالزوج هنا هو صاحب الدين والخلق, الذي تطابقت أقواله مع أفعاله, والذي تزوَّجته المرأة من خلال إرشاد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- لها بقوله: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ, إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رواه الترمذي).
نعم المرأة لا تدخل الجنة إلا برضا زوجها عنها؛ لأنه صاحب دين وخُلق, لا يقول ولا يفعل, ولا يأمر ولا ينهى, إلا وفق ما أمر الله -تعالى- به, وأمر به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, فإن كان الزوج كذلك فلتعلم الزوجة بأنها لن تدخل الجنة إلا برضا زوجها عنها، هذا أولاً.
ثانياً: يجب على المرأة المسلمة أن تعلم بأن زوجها لن يدخل الجنة إلا برضا والديه عنه؛ كما جاء في الحديث الشريف: "رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الْوَالِدِ, وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ"(رواه الترمذي والحاكم وابن حبان).
فمن كانت حريصة على دخول الجنة فعليها بطاعة زوجها في غير معصية لله -عز وجل-, وأن تُحسن لوالدي زوجها استدراراً لعطفهما عليه حتى يدخل الجنة, ومن سعادة العبد في الآخرة أن يجتمع مع أصوله وفروعه وزوجته في الجنة, قال تعالى: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَاب * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 22 - 24].
أيها الإخوة الكرام: إذا أرادت المرأة أن تعالج هذه المشكلة -مشكلة عدم الإحسان لوالدي الزوج- فعليها أن تعلم الأمور التالية:
أولاً: ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب, على المرأة أن تعلم هذا, فإذا كان من الواجب على الرجل أن يبرَّ والديه, فإنه يجب على المرأة المسلمة أن تكون عوناً لزوجها على برِّهما, وهذا لمصلحتها؛ لأن رضى الوالدين على الولد سرُّ سعادته, وإذا سعد الولد نقل تلك السعادة إلى بيته.
يجب على المرأة أن تكون عوناً لزوجها على برِّ والديه؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة: 2].
ولتحذر المرأة من الإساءة لوالدي زوجها، أو التحريض لزوجها على عدم الإحسان إليهما، فإن عاقبة ذلك وخيمة جداً, ولتحذر من متابعة بعض النساء اللواتي هذا وصفهنَّ بحيث يجعلن الحياة الزوجية جحيماً بسبب إحسان الولد لوالديه.
ثانياً: يجب على المرأة أن تعلم قول الله -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)[الملك: 2].
وقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)[فصلت: 34].
وقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ, وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا, وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ"(رواه الإمام أحمد والترمذي).
إذا كان هذا في الناس عامة فكيف يجب أن يكون مع والدي الزوج؟ فمن باب أولى وأولى أن تحسن المرأة إلى والدي زوجها.
ولأن المرأة كلَّما أحسنت لوالدي زوجها فإن زوجها صاحب الدين والخلق سوف يزيد في الإحسان إليها؛ لأنها حقَّقت له ما يبتغيه في هذه الحياة الدنيا من رضى والديه.
ثالثاً: يجب على المرأة أن تعلم قول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ"(رواه الإمام أحمد وغيره).
ومن الإجلال والاحترام والتقدير للكبير: أن تخصَّ بذلك والدي زوجها؛ لأنهما بمنزلة أبويها, فإن فعلت الزوجة هذا فإنها في الحقيقة تصنعه لنفسها وتزرع لمستقبلها, قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ)[فصلت: 46].
هي تفعل هذا الإجلال والاحترام والتقدير لوالدي زوجها لأنها أم لولد, وهي تريد في المستقبل من حليلة ولدها الإجلال والاحترام والتقدير, والحياة كما يقولون: دَين ووفاء, فمن زرع خيراً حصد خيراً, ومن زرع شراً حصد شراً, قال تعالى: (جَزَاء وِفَاقًا)[النبأ: 26] وجزاء الإحسان الإحسان.
فمن كانت حريصة على مستقبلها مع حلائل أبنائها، فعليها بالبر والإحسان، والإجلال والاحترام والتقدير لوالدي زوجها, ولتذكر هذه الزوجة حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"(رواه الترمذي).
وقالوا: "صانع المعروف لا يقع, وإذا وقع وجد متكأً".
رابعاً: يجب على المرأة أن تعلم حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: "مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ -عز وجل-"(رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن).
من خلال هذا الحديث الشريف يجب على المرأة أن تعلم بأنه يجب عليها أن تشكر والدي زوجها؛ لأنهما سبب في وجوده في هذه الحياة الدنيا, بهما نُقل من العدم إلى الوجود.
يجب عليها أن تشكرهما لأنهما ربَّياه وعلَّماه وأدَّباه ورعياه حتى صار رجلاً صاحب دين وخُلق.
يجب عليها أن تشكرهما لأنهما اختاراها زوجة لولدهما الحبيب إلى قلبيهما.
من لم يشكر السبب لم يشكر المسبِّب, ألا يستحقان شكراً واحتراماً وتقديراً بعد الجهد الذي قدَّماه لولدهما؟
يا عباد الله: انقلوا هذا إلى نسائكم وبناتكم وأخواتكم ومحارمكم, علِّموا من أرادت الزواج وعلِّموا المتزوِّجة وجوب احترام والدي الزوج لتكون بذلك عوناً لزوجها على برِّ والديه, ولتكون بذلك من أهل الإحسان والفضل, ولتكون بذلك ممن اهتدين بهدي رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-, ولتكون بذلك شاكرة لله -عز وجل- على نعمة الزوج, ومن كان سبباً في وجوده وتربيته.
اللهم وفِّقنا لما تحب وترضى يا أرحم الراحمين.
أقول هذا القول, وكلٌّ منا يستغفر الله, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.